أكتوبر 21, 2025
المركز يدعو وزارة الصحة إلى إعادة النظر في قرار تسلم جثامين مجهولة الهوية من إسرائيل
مشاركة
المركز يدعو وزارة الصحة إلى إعادة النظر في قرار تسلم جثامين مجهولة الهوية من إسرائيل

يتابع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان باستهجان شديد الحالة الصادمة وغير الإنسانية التي سلّمت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي جثامين 165 شخصًا مجهولي الهوية، كانت تحتجزهم، إلى وزارة الصحة في قطاع غزة، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع.

ووفق ما أعلنته وزارة الصحة والمعلومات التي جمعها طاقم المركز من الطب الشرعي، فقد استلمت وزارة الصحة عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر جثامين 165 شخصًا على ست دفعات، نُقلت إلى مجمع ناصر الطبي في خانيونس، دون توفير أي معلومات أو بيانات عن أسمائهم أو ظروف مقتلهم. وتبيّن بالفحص الظاهري أن بعض الجثامين عليها علامات يُشتبه بأنها ناجمة عن تنكيل، وآثار لتكبيل الأيدي وتعصيب الأعين. ووصلت العديد من الجثامين في حالة تحلل أو تشويه كامل، داخل أكياس بلاستيكية مختلطة ببقايا ترابية أو ركام، في انتهاك جسيم لحرمة الميت وكرامته الإنسانية، ومخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي الإنساني التي تلزم أطراف النزاع باحترام الموتى والتعامل معهم بما يصون إنسانيتهم.

وأفاد رئيس اللجنة ومدير الطب الشرعي في مجمع ناصر، الدكتور أحمد ضهر، لباحث المركز، بعدم وجود فحص DNA، وأن فحص الجثث تم بالمعاينة الظاهرية لقلة الإمكانيات المتوفرة، حيث لا توجد مختبرات ولا برادات ولا سيارات إسعاف لنقل الجثث. وأوضح أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وفّرت بعض ثلاجات المرطبات لوضع الجثامين فيها، لأن الطب الشرعي في المستشفى لا يملك سوى غرفة صغيرة للعمل والجلوس فيها.

يُذكر أن وزارة الصحة رفعت صور الجثامين المسلّمة على رابط خاص لتمكين المواطنين من التعرف عليهم في ظل عدم وجود بدائل تقنية أخرى لتحديد هويتهم، واقتصر عدد من تم التعرف عليهم على 25 قتلى فقط.

الجدير بالذكر أن عشرات المعتقلين من قطاع غزة قُتلوا جراء التعذيب داخل السجون الإسرائيلية والمواقع العسكرية، التي استُخدمت كمراكز احتجاز خضع فيها المعتقلون للتعذيب والتجويع والإهمال الطبي، ما تسبب في وفاة العشرات منهم، وبقيت جثامينهم محتجزة لدى الاحتلال.

كما أن قوات الاحتلال، على مدار العامين الماضيين، هاجمت المقابر وساحات المستشفيات والأسواق التي جرى فيها دفن القتلى فرديًا وجماعيًا، كما حدث في معظم المستشفيات التي اقتحمتها، ولا سيما مستشفى الشفاء ومستشفى ناصر ونقلت من العديد من الجثامين. ونبشت تلك القوات المقابر في معظم المناطق التي اجتاحتها من رفح إلى بيت حانون، ونقلت الجثث منها إلى أماكن مجهولة.

ومع هجوم قوات الاحتلال البري على قطاع غزة، انتشرت ظاهرة الاختفاء القسري، حيث اعتقلت قوات الاحتلال آلاف المواطنين وأخفت أي معلومات عنهم، ولا يزال مصير آلاف الفلسطينيين مجهولًا لذويهم. وتتعاظم هذه المشكلة مع استمرار رفض قوات الاحتلال الكشف عن مصيرهم، إذ أن سلوكها في إرسال الجثامين بهذه الطريقة يعمّق من مشكلة الاختفاء القسري ويضاعف معاناة ذوي المفقودين والمختفين قسرًا.

يأتي ذلك فيما تتفاقم مأساة آلاف المفقودين تحت أنقاض المنازل والمباني التي قصفتها إسرائيل في قطاع غزة، أو في المناطق التي تتمركز فيها، ويتعذر انتشالهم إما لعدم توفر معدات وآليات مناسبة لرفع أطنان الركام، أو بسبب خطورة المناطق التي توجد بها.

يُذكّر المركز بأن القانون الدولي الإنساني يفرض على أطراف النزاع التعامل مع الأفراد الذين خسروا أرواحهم أثناء النزاع المسلح بما يحفظ كرامتهم الإنسانية، وإدارة جثامينهم بالشكل الصحيح عبر تجهيز قوائم بأسمائهم والتواريخ والأماكن التي حدثت فيها الوفاة وأسبابها. ويفرض القانون الدولي، ولا سيما المادتان (130، 138) من اتفاقية جنيف الرابعة، على دولة الاحتلال التحقيق في كل حالة وفاة، وتحرير محضر يحدد أسبابها والمسؤولين عنها، وإرسال الجثث أو الرفات إلى ذوي المتوفين لدفنهم بكرامة ووفق معتقداتهم الدينية وثقافتهم.

كما يوجب إرفاق ما كان يحمله الشخص المتوفى قبيل وفاته سواء من نقود أو أوراق ثبوتية أو أي متعلقات شخصية أخرى. ويحدد البروتوكول الإضافي الأول في المواد (32، 33، 34) واجبات دولة الاحتلال، ومن بينها ضمان حق أي أسرة في معرفة مصير أبنائها، والبحث عن المفقودين والقتلى وانتشالهم وإجلائهم، بما يضمن عدم بقائهم في عداد المفقودين.

يرى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن ما تكشفه هذه الجثامين ليس مجرد مأساة إنسانية، بل دليل إضافي على طبيعة الجرائم الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل في إطار جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي تستدعي تدخلاً دوليًا فوريًا لإنصاف الضحايا وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.

وإزاء هذه المعطيات، يطالب المركز بما يلي:

  • يحث وزارة الصحة في غزة على إعادة النظر في قرار تسلم الجثامين دون بيانات عن هوية أصحابها وظروف مقتلهم، والتحفظ على الجثامين المسلّمة بعد تصويرها تصويرًا دقيقًا علميًا ولائقًا وفق الأصول، لإخضاعها للفحص الجنائي المتخصص.
  • دعوة الأمم المتحدة، ولا سيما مجلس الأمن، لتشكيل لجنة تحقيق دولية من خبراء تشريح دوليين لفحص الجثامين والتعرف على هوية أصحابها وأسباب وفاتهم وطبيعة العلامات القاسية التي ظهرت عليها.
  • دعوة المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل وإرغامها بضرورة الالتزام بالمعايير الدولية لتسليم الجثامين وفق البروتوكولات والمعايير المتعارف عليها دوليا وبالذات عدم تسليم الجثامين دون تشخيص، وأن يتم التسليم وفق أصول تضمن كرامة الأموات وذويهم، مصحوبين بشهادات توضح مكان الوفاة وزمنها وأية تفاصيل متعلقة بها.
  • مطالبة المجتمع الدولي بإدخال معدات وآليات لإزالة الركام والمساعدة في انتشال الجثامين تحت الأنقاض، وإدخال أجهزة فنية ومعدات وفرق طب جنائي متخصصة للتعامل مع الجثامين وفحصها.
  • دعوة لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية إلى ضم هذا الملف إلى تحقيقاتهما الجارية بشأن جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة.
  • مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإنهاء ملف الإخفاء القسري في السجون الإسرائيلية، والكشف عن مصير آلاف المفقودين والمخفيين قسرًا، وتزويد العائلات الفلسطينية بمعلومات حول مصير ومكان أبنائها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *