يناير 12, 2012
المحاكم الإسرائيلية تمعن في قراراتها التي تحول دون وصول الضحايا الفلسطينيين إلى العدالة والإنصاف القضائي، وتجعله أمراً مستحيلاً
مشاركة
المحاكم الإسرائيلية تمعن في قراراتها التي تحول دون وصول الضحايا الفلسطينيين إلى العدالة والإنصاف القضائي، وتجعله أمراً مستحيلاً

المرجع: 3/2012
التاريخ: 12 يناير 2012
التوقيت: 13:00 بتوقيت جرينتش

يعتبر النظام القضائي الإسرائيلي متحيزاً ضد الفلسطينيين ولا يتمتع بالنزاهة، فيفرض على الضحايا الفلسطينيين عراقيل إجرائية تارةَ، ويزيد من الأعباء المالية تارة أخرى. كما أن سياسات الحكومة الإسرائيلية تفرض عراقيل مادية على الوصول الفعلي للضحايا الفلسطينيين للمحاكم الإسرائيلية، مما يحرم الضحايا الفلسطينيين عامة، وضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خلال الفترة من 27 ديسمبر 2008 حتى 18 يناير 2009 والمسمى “الرصاص المصبوب” خاصة، من حقهم في إنصافهم وجبر الضرر عنهم كما نصت على ذلك الشرعيات الدولية لحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من كل هذه العراقيل، يعتزم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مواصلة مساعيه الجادة بهدف إنصاف ضحايا، وذلك باعتباره وكيلاً قانونياً في 100 قضية نيابة عن 626 من الضحايا المدنيين الفلسطينيين الذين طالتهم آله الحرب الإسرائيلية خلال عملية الرصاص المصبوب.

المركز وبفعل إيمانه الشديد بعالمية حقوق الإنسان، سيستمر في عمله على مواجهة الظلم، ومساعدة الضحايا والتصدي للعراقيل التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وفي إطار جهودها الهادفة لإنكار حق الضحايا في الحصول على العدالة والإنصاف القضائي، أصدرت المحاكم الإسرائيلية المدنية باختلاف درجاتها في القضايا المنظورة أمامها نيابة عن ضحايا عملية الرصاص المصبوب جملة من القرارات التي تحد من إمكانيات وصول الضحايا الفلسطينيين إلى العدالة. القرار الأبرز بهذا الشأن، يستبق البدء في إجراءات التقاضي، ويقضي بإلزام كل مدعي في القضية بدفع كفالة مالية أو بنكية قدرها (20000) شيكل، في صندوق المحكمة، خلال مدة زمنية تتراوح ما بين 60 – 120 يوم من صدور القرار، وفي حال عدم دفعها سوف يتم شطب الدعوى. ويقصد بالكفالة النقدية قيام المدعي أو وكيله بدفع مبلغ الكفالة إلى صندوق المحكمة مباشرة، أما الكفالة البنكية فهي تعهد مالي يتم توقيعه من قبل المدعي أو كيله إلى أحد البنوك بدفع مبلغ الكفالة، وهذا التعهد يتم إيداعه من قبل البنك في صندوق المحكمة.

وقد تكرر صدور مثل هذا القرار حتى إعداد البيان، في 14 قضية من القضايا التي يتابعها المركز أمام المحاكم الإسرائيلية. وعلى إثر صدور هذه القرارات، تقدم المركز بعدة استئنافات للمحكمة العليا الإسرائيلية بالقدس، طالب فيها بإلغاء قرار المحكمة، أو خفض مبلغ الكفالة. وقد بنى المركز إدعائه في تلك الالتماسات على جملة من النقاط من بينها:

  1. أن يتم حسم مسؤولية وزارة الدفاع عن الحادث والضرر الذي نتج عنه.
  2. أن طلب إيداع كفالة هدفه سد الطريق أمام المدعين لرفع قضية تعويض عن الضرر الذي لحق بهم، حيث أنه حق مكتسب لديهم لمعرفة سبب قتل أفراد عائلتهم وليس احتيال على الدولة.
  3. الإجراء في البند 8 من القانون الأساسي الخاص باحترام الشخص وحريته، والمعمول به أمام المحاكم الإسرائيلية، قرر أن القاعدة هي أنه لا يجب الإلزام بإيداع كفالة، وأن الإلزام بإيداع كفالة هو الشاذ لهذه القاعدة.
  4. طلب إيداع الكفالة قدم قريباً بعد إيداع اللائحة الجوابية من قبل النيابة، وقبل أن توضح النيابة روايتها للأحداث بشكل فردي.
  5. مبلغ الكفالة باهظ جداً، حيث أن الوضع الاقتصادي لسكان قطاع غزة متدهور جداً.
  6. أن مصاريف النيابة لفتح تحقيق في كل قضية على حدة لا تصل إلى المبلغ المطلوب إيداعه.

وقد ردت النيابة الإسرائيلية على التماسات المركز بإدعاء أن القضايا المرفوعة وقعت خلال عملية حربية واضحة “الرصاص المصبوب”، اضطرت على إثرها قوات الجيش الإسرائيلي للخروج إليها حسب قرارات حكومة إسرائيل. (العملية الحربية حسب قانون الأضرار المدنية (مسؤولية الدولة) لسنة 1952 تعطي حصانة كاملة في وجه دعاوى الأضرار). كما أضافت النيابة في ردها، أن الدعاوى التي تقدم هي دعاوى تعويض بمبالغ عشرات ملايين الشواكل، وبسبب كثرة المدعين والأحداث، فمن المتوقع أن تتحمل النيابة مصاريف باهظة من أجل إجراء فحص فردي لكل حادث وظروفه والإصابة المزعومة. مشيره إلى أن المدعين ليسوا من مواطني أو سكان دولة إسرائيل وليس باستطاعتهم أن يشيروا إلى وجود أملاك لهم في حدود دولة إسرائيل. (المدعين خارج الولاية القضائية) ولهذا السبب يصعب تحصيل المصاريف في حالة رفض الدعوى، وأن الكفالة تلزم المدعي بأن يكون جدي في طلبه.

بدورها، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يقضي برفض الاستئنافات التي تقدم بها المركز، ومؤيدة إدعاءات النيابة، وهو ما يؤكد مجدداً على تواطؤ القضاء الإسرائيلي ورضوخه لإملاءات الحكومة، وعمله على توفير غطاء قانوني لممارساتها غير القانونية.

المركز يجدد التأكيد على أن قرارات المحاكم الإسرائيلية ذات الصلة بالكفالات تشكل عقبة مالية كبيرة وأمراً مستحيلاً أمام الضحايا، وأن من شأنها أن تحرمهم من حقهم الأساسي في الحصول على إنصاف قضائي، وهو ما يعد انتهاكاً منظماً لحقوق الإنسان الأساسية، التي أقرها القانون الدولي في حق الضحايا في الإنصاف (بما في ذلك الحق في التعويض).

إن الحق في الحصول على تعويض هو أمر ضروري بالنسبة للضحايا لإعادة بناء جزء من حياتهم، على الرغم من أنه لا يعد ذا قيمة عند مقارنته بما تكبدوه من خسائر. وعليه، يرى المركز في ظل الوضع الحالي، وإصدار المحاكم الإسرائيلية مثل هذه القرارات، وانحياز النظام القضائي الإسرائيلي ضد الضحايا الفلسطينيين، بأن التعويض يعد أحد الآمال القليلة التي يتم تعليقها لتحقيق شكل من أشكال العدالة.

جدير بالذكر أن القرارات الخاصة بالكفالات تأتي ضمن سلسلة من القرارات والإجراءات التي تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاجها على مدار سنوات بهدف منع الفلسطينيين من التوجه إلى المحاكم الإسرائيلية للمطالبة بحقهم بالتعويض جراء تعرضهم للانتهاكات على أيديها. وكان أول هذه القرارات، مصادقة الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 27 يوليو 2005، على تعديل قانون الأضرار المدنية( مسؤولية الدولة) 1952، الذي يمنع بموجبه الفلسطينيين من طلب التعويضات من دولة الاحتلال الإسرائيلي. وعلى أثر ذلك قامت تسع مؤسسات حقوقية من بينها المركز بتقديم التماس للمحكمة الإسرائيلية العليا من أجل إلغاء هذا القانون، وقد تمكنوا من تعديل هذا القرار وتم السماح الفلسطينيين برفع قضايا تعويض منفردة أمام المحاكم الإسرائيلية للمطالبة بالتعويض. حيث ترك للقاضي سلطة تقديرية بالتعديل أو الرفض وتقدير مبلغ الكفالات.

هذا بالإضافة إلى تعديل قانون الأضرار المدنية( مسؤولية الدولة) 1952 الذي قلص بموجبه مدة التقادم من سبع سنوات إلى عامين من تاريخ وقوع الانتهاك، بالإضافة إلى إرسال بلاغ خطي إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال 60 يوم من تاريخ الحادث. وإلا فسيتم خسارة الحق في الحصول على إنصاف بشكل نهائي.

هذا ناهيك عن المعيقات المالية الأخرى التى تزيد من أعباء الضحايا الفلسطينيين في حال توجهم للقضاء الإسرائيلي، من بينها دفع رسوم تأمين للمحكمة قبل البدء بإجراءات القضية، وهي رسوم تقديرية تفرضها المحكمة على المدعين. كما أن قيمة هذه الرسوم غير ثابتة، ولكن يتم تحديدها من قبل المحكمة تبعاً للقضية المرفوعة، حيث تشكل رسوم الدعاوى المتعلقة بالأضرار التي لحقت بالممتلكات نسبة من قيمة الممتلكات الواردة في الدعوى، أما الدعاوى التى تتعلق بحالات القتل أو الإصابة، فلا يوجد سقف مالي محدد لها. كل هذه الأعباء المالية دفعت المركز إلى إعادة العديد من الملفات للضحايا.

ويضاف إلى ذلك، المعيقات المادية التي يواجهها الضحايا، والتي تتمثل في منع قوات الاحتلال الإسرائيلي في يونيو 2007، أي فرد من مغادرة قطاع غزة ليمثل أمام المحاكم الإسرائيلية، سواء كان بصفته ضحية أو شاهد عيان. وعليه، قامت المحاكم الإسرائيلية بشطب العديد من القضايا بحجة عدم حضور الشهود، وفرضت غرامات مالية عالية عليهم. ونتيجة لذلك، أصبحت الطريق مغلقة أمام الضحايا. هذا كله يدخل في سياق قيود منظمة تم وضعها للحد من قدرة الفلسطينيين على المطالبة بحقهم بالتعويض في المحاكم الإسرائيلية من الاحتلال الإسرائيلي عن أضرار لحقت بهم. هذه القرارات تجعل الوصول إلى العدالة والإنصاف القضائي للضحايا الفلسطينيين أمراً مستحيلاً، مما يدفعهم إلى ضرورة التوجه إلى التشريع الدولي من أجل إنصافهم.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان سيواصل عمله الجاد لجبر الضرر عن آلاف الضحايا الفلسطينيين الذين طالتهم ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي، عبر شتي الوسائل المتاحة، من بينها استنفاذ جميع طرق الاستئناف المتاحة أمام المحاكم الإسرائيلية. علماً بان هذا القرارات تأتي بعد نجاحات قام بها المركز في بعض القضايا، كان آخرها دفع مبلغ قيمته 500 ألف شيكل لذوي المرحومتين ريه سلامة عبد الكريم أبو حجاج، 64 عاماً، وماجدة عبد الكريم أبو حجاج 37 عاماً، من سكان جحر الديك، جنوب شرق مدينة غزة، اللتان قتلتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال “عملية الرصاص المصبوب”(27 ديسمبر 2008 – 18 يناير 2009).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *