يُعبّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن صدمته البالغة من اختيار إسرائيل لمنصب نائب رئيس لجنة السياسة وتصفية الاستعمار في الجمعية العامة (اللجنة الرابعة)، ويؤكد إنها صدمة للضمير الإنساني والعدالة في كل مكان، وتنكر واستهتار واضح بمعاناة مستمرة امتدت لأكثر من 66 عاماً لملايين الفلسطينيين، نصفهم يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، يعاني من
انتهاكات صارخة وعقوبات جماعية، والنصف الأخر أمسوا لاجئين، شردهم الاحتلال الإسرائيلي، في استهداف ممنهج لوجودهم لم يتوقف منذ العام 1948.
وقد رُشٍحت دولة الاحتلال الإسرائيلي لمنصب نائب رئيس لجنة السياسة والاستعمار (اللجنة الرابعة)، وذلك للدورة 69 للجنة، وذلك من قبل “مجموعة غرب أوروبا والمجموعات الأخرى” (Western European and Others Group)، والتي تضم 28 دولة، تضم دول أوروبا الغربية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا واستراليا وتركيا وإسرائيل ونيوزلندا. وقد كانت إسرائيل المرشح الوحيد للمجموعة المذكورة، وهي من المجموعات الجغرافية الخمس في الجمعية العامة، والتي لها حق الترشيح في هذه الدورة. وبالتالي كان من المفترض أن تحصل إسرائيل على المنصب بالتزكية، إلا أن المجموعة العربية قد عملت للحيلولة دون ذلك، من خلال تمسكها بالمادة (103) من القواعد الإجرائية للجمعية العامة، والتي تتيح عرض الأمر للتصويت أمام الجمعية
العامة، رغم وجود مرشح واحد. وجاء ذلك وسط معارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا. وقد استطاعت إسرائيل، للأسف، الحصول على 74 صوتاً، مقابل معارضة 36 صوتاً فقط، وامتناع 68 صوتاً آخرين، وبطلان 15 صوتاً، وذلك في تصويت جرى في الجمعية العامة بتاريخ 18 يونيو 2014.
وبذلك، أصبحت دولة الاحتلال الإسرائيلي أحد النواب الثلاثة لرئيس لجنة السياسة وتصفية الاستعمار (اللجنة الرابعة)، في دورتها الـ 69 والتي ستبدأ عملها في غضون ثلاثة شهور، وهي أحد اللجان الست الرئيسية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تختص بالعديد من الموضوعات أبرزها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، حفظ السلام، حقوق الإنسان. وهي أيضاً اللجنة التي دأبت على توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل بخصوص انتهاكاتها وإجراءاتها التعسفية ضد الفلسطينيين، والتي طالما رفضت إسرائيل التعاون معها في متابعاتها وتحقيقاتها.
ورغم أن منصب نائب الرئيس لا ينطوي على أهمية كبيرة في عمل اللجنة، إلا أن هناك تخوف من استغلال إسرائيل
لموقعها الجديد لتثبيت وجهة نظرها، بأن مصطلح اللاجئين الفلسطينيين يشمل فقط من هجروا في العام 1948 دون نسلهم، وهو على خلاف مع ما تعتمده اللجنة الرابعة في عملها والتي تُدِخل في مفهوم اللاجئين الفلسطينيين كل من شردوا في العامين 1948 و1967 ونسلهم. ونجاح إسرائيل في ذلك سيؤدي إلى إخراج ملايين اللاجئين الفلسطينيين من دائرة اهتمام اللجنة المذكورة. ولهذا، فإن وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذه اللجنة قد يشكل خطورة على قضية اللاجئين
الفلسطينيين، والتي تعتبر القضية المحورية لعمل اللجنة.
كما أن الموقف القانوني والأخلاقي يحتم الرفض المبدئي لتقلد دولة الاحتلال الإسرائيلي منصب نائب رئيس للجنة مسئولة عن اللاجئين الفلسطينيين وعن السلام ومساعدة فلسطين لنيل الاستقلال، على الرغم من أنها الدولة التي تحتل الأرض الفلسطينية وصاحبة السجل الطويل جداً من الانتهاكات وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين، والخروقات السافرة للقوانين والقرارات الدولية. وهي قائمة تتضمن ولا تقتصر على:
1. احتلالها للأرض الفلسطينية منذ عقود، وإصرارها على استمرار الاحتلال من خلال مماطلتها الدائمة لأي تسوية؛
2. ممارستها وإصرارها على جريمة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، بالرغم من إنها جريمة حرب، وهو ما أكده الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الجدار، والصادر بتاريخ 9 يوليو 2004؛
3. إقامتها لجدار عنصري ضمت من خلاله الكثير من أراضي الفلسطينيين بقوة الأمر الواقع، خلقت من خلاله مشكلة سياسية وإنسانية معقدة ؛
4. تحديها للقانون الدولي والقرارات الدولية، وخاصة تلك الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أبرزها قرار مجلس الأمن (242) الذي طالبها بالانسحاب من الأرض المحتلة، وقرار (194) للجمعية العامة القاضي بعودة اللاجئين، وقرار (181) القاضي بقيام دولة فلسطينية على 43,5 % من فلسطين التاريخية؛
5. مسؤوليتها عن تشريد ومحنة ومعاناة حوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني، وإعلانها المتكرر لرفضها حقهم في العودة رغم القرارات الدولية الواضحة بذلك؛
6. فرضها عقوبات جماعية بحق الفلسطينيين، تشمل الحصار والقمع الممنهج وخاصة في قطاع
غزة؛
7. رفضها الدائم لتدخل الأمم المتحدة في القضية الفلسطينية بما فيها الجمعية العامة، ولتواجد قوات دولية لحماية الفلسطينيين، ورفضها المتكرر لقرارات مجلس حقوق الإنسان المتعلقة بالقضية الفلسطينية، أو التعامل مع المقررين الخاصين للأمم المتحدة في عملهم المتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين؛
8. رفضها الدائم لاستقبال لجان التحقيق التي تشكلها هيئات الأمم المتحدة المختلفة للتحقيق في انتهاك قوات؛ الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وأبرزها لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في الحرب على غزة 2009 (لجنة جولدستون)، لجنة التحقيق الخاصة بعدوان “عامود السحاب” 2012، واللجنة الخاصة بالتحقيق في الاستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية 2012، ولجنة التحقيق الخاصة بجرائم الاغتيال المنفذة من طائرات استطلاع إسرائيلية 2013؛
9. انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي الإنساني، والدولة التي أغلب قادتها مطلوبون للتحقيق لارتكابهم جرائم حرب؛
إن تعيين دولة الاحتلال الإسرائيلي في لجنة هي مسئولة بالأساس عن الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين
وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتمكينهم من تسوية أوضاعهم وضمان حل مشكلة لاجئيهم، هو بمثابة تعيين الجاني عضوا في هيئة مكلفة في نظر شكوى المجني عليه. وإذ يعبر المركز عن صدمته ورفضه التام لهذا الاختيار، الذي يعد بمثابة فضيحة للأمم المتحدة، فإنه يؤكد على ما يلي:
· إن ترشيح دولة الاحتلال الإسرائيلي لهذا المنصب يهدف إلى تقويض عمل اللجنة، لمنعها من الاستمرار في توجيه الانتقاد لإسرائيل بصفتها دولة محتلة، ويضع مصداقية الأمم المتحدة وهيئاتها على المحك، ويمثل وصمة عار ستلاحق الكتلة الأوروبية الغربية في الأمم المتحدة، التي رشحت إسرائيل لهذا المنصب.
· إن حصول دولة الاحتلال الإسرائيلي على 74 صوتاً في تصويت الجمعية العامة يمثل فشلاً للدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة، كما أن عدم تسليط الضوء الإعلامي اللازم على هذا الحدث الخطير يعتبر تقصيراً لا يمكن تبريره، وكلها أمور تطرح علامات استفهام كبيرة، تستلزم محاسبة المقصرين في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير عنها.
· إن تمرير ما حدث دون وقفة جادة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، أولا، والدول الصديقة لفلسطين والمنظمات الدولية والحقوقية المعنية، وجميع أحرار العالم، يؤهل لحدوث مثيله مرة أخرى. ولهذا يوجه المركز دعوته للجميع للعمل الدءوب من اليوم حتى لا تتكرر هذه الفضيحة.