التقرير الثاني حول الانتهاكات الإسرائيلية ضد الطواقم الطبية الفلسطينية
11 نيسان/إبريل 2001 – 31 آب/أغسطس 2002
يتضمن هذا التقرير توثيقاً كاملاً للانتهاكات الجسيمة والخطرة التي مارستها، ولا زالت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضد الفرق والطواقم الطبية الفلسطينية العاملة من أجل تقديم الخدمات الطبية والإسعافات اللازمة للجرحى والضحايا، إضافة إلى تقديم الخدمات الطبية والعلاجات للسكان المدنيين وخاصة للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات والعجزة وكبار السن والمعاقين وكافة السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة على امتداد مدنها ومخيماتها وقراها.
ويستعرض هذا التقرير فضحاً لجرائم الحرب، بموجب اتفاقية حنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقيات جنيف الصادرين في العام 1977، التي خلفتها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ضد فرق العمل الطبية والإنسانية، والذي يتمثل في تقديم خدمات الاستشفاء والرعاية الصحية اللازمة من أجل تمتع الفلسطينيين بأفضل مستوى من الرعاية الصحية يمكن الوصول إليه، وفق ما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ويغطي هذا التقرير الفترة الزمنية من 11 نيسان/ أبريل 2001 وحتى 31 آب/ أغسطس 2002.[1]
غير أن قيام قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بإعادة احتلال مناطق الاكتظاظ السكاني الفلسطيني في المدن والمخيمات والقرى ، والتي كانت هذه القوات قد أعادت تموضعها خارجها لصالح السلطة الفلسطينية في العامين 1994 و1995، قد خلقت واقعاً إنسانياً خطيراً، سمته الأساسية منع مرور طواقم الخدمات الإنسانية من الوصول للمحتاجين من الجرحى والمرضى لتقديم الخدمات العلاجية اللازمة لهم، وهو ما شكل جرائم خطرة أضيفت إلى الجرائم ضد الإنسانية التي تحاول قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي التغطية عليها. هذه الجرائم التي لا تشمل فقط عمليات القتل العمد والقتل خارج نطاق القانون للسكان الفلسطينيين، المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة[2]، بل امتدت لتشمل أيضاً عمليات واسعة النطاق استهدفت تدمير الممتلكات والأعيان المدنية. ووصلت الفظاعة بقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي أن منعت فرق وطواقم الإسعاف من الوصول إلى الجرحى لمدة جاوزت الأسبوعين، ما أدى لارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين.
ما يزيد عن الألفي دبابة ومدرعة وناقلة جنود وعشرات الطائرات الحربية من طراز إف 16 والأباتشي الهجومية والقذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة، يعززها أكثر من ستين ألف جندي مدججين بالمعدات الحربية ومزودين ببنادق أمريكية الصنع من طراز إم 60 شديدة الفتك والقتل، اقتحموا المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، فجر يوم الجمعة 29 آذار/ مارس 2002، وصبوا صواريخهم وقنابلهم وقذائفهم ورصاصهم القاتل على الأراضي الفلسطينية المحتلة. أكثر من 1585 شهيد سقطوا وما يزيد عن 30000 فلسطيني جرحوا حتى لحظة إعداد هذا التقرير، فيما شرد وهجر ما يزيد عن خمسين ألف فلسطيني من منازلهم بعد أن دمرت وسويت بالأرض.
الاعتداءات الإسرائيلية طالت فيما طالت كافة مقدرات البنية التحتية للشعب الفلسطيني، وأتت على مباني الوزارات المدنية والمؤسسات الحكومية وشبكة الطرق والهاتف والكهرباء، فيما جرى تدمير كامل لشبكات مياه الشرب ونظام الصرف الصحي في هذه المدن والمخيمات. ولم تسلم من هذه العمليات الحربية أماكن العبادة من كنائس ومساجد، فقد جرى تدمير وحرق مساجد بأكملها فيما تعرضت كنيسة المهد وكافة الأماكن المسيحية في مدينة بيت لحم لعملية تدمير وحرق وحصار استمر قرابة أربعين يوماً. أما المؤسسات التعليمية من جامعات ومدارس ومعاهد فقد جرى اقتحامها بالدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية، وألحقت بها دماراً واسعاً. ووصل الأمر بقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بالاعتداء على الحقوق الثقافية وموروث الشعب الفلسطيني الثقافي، حيث دمرت المعالم الأثرية والتاريخية في العديد من المدن والقرى والمخيمات، وقصفت العديد من المساجد والكنائس والمباني الأثرية التي تنتشر في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان آخر تلك الهجمات المسعورة هي تلك التي استهدفت مركز خليل السكاكيني الثقافي الذي يعج بالمخطوطات الأثرية والوثائق التاريخية في محاولة يائسة من قبل جنود قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي للقضاء على وطمس تراث وثقافة الشعب الفلسطيني على مر السنين.
ما يحدث، ولا يزال يحدث في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس ومدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية المحتلة، هو شاهد على الجرائم المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تمت بتنفيذ مباشر من وزير دفاعها بن اليامين بن العيزر وقائد أركانها الجنرال شاؤول موفاز، وبتوجيهات من الطاقم الحكومي المصغر ممثلاً برئيس حكومتها آريئيل شارون ووزير خارجيته شمعون بيريز.[3] وما يثير الاستهجان أنه في اللحظة التي يشاهد فيها المجتمع الدولي كافة جرائم الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، فانه لا زال يراوح مكانه من حيث ردود الفعل. فموقف الولايات المتحدة “راعية السلام في المنطقة”، وحتى هذه اللحظة
يغطي كافة الجرائم التي ترتكب، فيما تصمت دول الاتحاد الأوروبي وتقدم بعض دولها ردوداً خجولة على الانتهاكات الجسيمة والخطرة والمنظمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وتنفعل الأمم المتحدة بقرارات، توصف عادة بالعقيمة، تصدر عن مجلس الأمن الدولي وبعض أجسامها المختلفة لافتقارها لأية قوة لتنفيذها ووقف المجازر. وعلى العكس تماماً تجري الإرادة الدولية وراء وصم الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال ووجوده على الأراضي الفلسطينية بالإرهاب، وتصف الولايات المتحدة الأمريكية، ولعدة مرات على لسان رئيسها جورج بوش، رئيس حكومة الاحتلال الحربي الإسرائيلي بأنه رجل سلام، ويقوم بأعمال مبررة من أجل الدفاع عن الأمن الإسرائيلي.