في تصعيد خطير في وتيرة القتل والقصف، كثفت قوات الاحتلال الإسرائيلي من استهداف خيام النازحين خلال الساعات الماضية في خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث استهدفت خلال اليومين الماضيين أكثر من 15 خيمة في منطقة المواصي، المُعلنة من الاحتلال كـ”منطقة آمنة وإنسانية”. جاءت هذه الاستهدافات وسط موجة تهجير جديدة فرضتها القوات المحتلة، طالت عدة مربعات سكنية في مدينة خان يونس، وأجبرت آلاف المدنيين على النزوح مجددًا نحو المواصي المكتظة أصلًا بمئات الآلاف من الفارين من الموت.
يتكرر السيناريو ذاته المرة تلو الأخرى: يصدر الاحتلال أوامر الإخلاء الجماعي، ويجبر السكان على النزوح تحت القصف، بحثًا عن مأوى مؤقت في نطاق جغرافي محدود هو الأعلى كثافة في العالم، ثم تُستهدف هذه المناطق بقوة نارية مدمرة، في نمط يُظهر بجلاء نية الاحتلال بالتدمير والقتل الجماعي، ويُثبت أن قتل المدنيين ليس أخطاءً جانبية، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وإعدام ما تبقى من فرص للنجاة أو الحياة في إطار أكبر جريمة إبادة جماعية تتواصل بلا هوادة منذ 21 شهرًا.
عمل الاحتلال عبر القصف وأوامر التهجير على دفع المواطنين للتواجد في نطاق أقل من 15 % من مساحة القطاع، ويقوم بتجويعهم بصورة غير مسبوقة ويمارس القتل عليهم دون رحمة، مستغلا فيما يبدو مفاوضات وقف إطلاق النار في واشنطن والدوحة كغطاء لتنفيذ أوسع وأخطر موجة تصعيد منذ أكتوبر 2023.
وضمن أبرز ما تمكنت طواقمنا من رصده، وسعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الخميس الموافق 10/7/2025، هجومها البري في خانيونس، وصولا إلى منطقة المقابر في الحي النمساوي، وعلى أطراف خيام النزوح غربًا، وسط إطلاق نار وقذائف، ما أدى إلى إصابة العشرات بجروح، ودفع الآلاف للنزوح من المخيم الغربي وكذلك من بعض أحياء المواصي لأحياء أخرى.
وهاجمت طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 23:45 من يوم الأربعاء 9/7/2025، خيمة للنازحين في مواصي خانيونس، ما أدى إلى مقتل 5 مواطنين، منهم طفلان، يحتفظ المركز بأسمائهم، وإصابة آخرين.
وخلال اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال 3 خيام على الأقل في مواصي خانيونس، ما أدى إلى مقتل 14 مواطنًا منهم 8 نساء، يحتفظ المركز بأسمائهم.
ووثق طاقم المركز في يوم الثلاثاء الموافق 8/7/2025، استهداف طائرات الاحتلال 8 خيام للنازحين في مواصي خانيونس، ما أدى إلى مقتل 47 مواطنًا، منهم 12 امرأة و17 طفلا، و5 مسنين، على النحو الآتي:
هاجمت طائرة مروحية لقوات الاحتلال، عند حوالي الساعة 01:30 من يوم الثلاثاء، خيمة للنازحين شمال غربي مواصي خان يونس. أسفر ذلك عن إبادة أسرة من 4 أفراد، منهم طفلان، وهم: محمد زكي البيوك، 40 عاما، وزوجته سماح سعيد عبد الله البيوك، 33 عاما، وطفليهما: عودة، 8 سنوات، ومسك، 6 سنوات. كما أصيب آخرون بجراح مختلفة.
وهاجمت طائرات الاحتلال، عند حوالي الساعة 08:20 صباحًا، خيمة للنازحين في محيط مجمع ناصر الطبي بخان يونس، ما أدى إلى مقتل المواطنة عائشة محمود عثمان الغلبان، ونجلها محسن صالح حمدان الغلبان، وإصابة آخر بجراح متفاوتة.
وهاجمت مسيرة اسرائيلية عند حوالي الساعة 10:15 صباحًا، خيمة للنازحين في المواصي غرب خان يونس. أسفر ذلك عن مقتل 8 من النازحين، بينهم مسنان وامرأة وطفلان، وثلاثة يعملون في تكية “رحماء بينهم”، وإصابة آخرين بجروح. والقتلى هم: عبد الرؤوف يوسف عبد المجيد ابو تبانة، 78 عاما، ورولا محمود مصلح، 3 سنوات، وشاكر عصام شاكر الجبور، 14 عاما، ودلال شوقي مهدي القاضي، 43 عاما، وشوقي مهدي حمدان القاضي 67 عاما، وعمال التكية: يوسف عمر فراج أبو مر، 36 عاما، وعيادي أمين عيادي شعت، 35 عاما، ونور الدين محمد شعت، 34 عاما، الذي توفي صباح الأربعاء متأثرا بجراحة. ولا يزال عدد من الإصابات بحالة حرجة لذلك عدد القتلى مرشح للزيادة.
وأفادت المواطنة حنان عمر رزق أبو تبانة (مواليد 22/11/ 1983) لباحث المركز بما يلي:
“كنت في خيمتي أنا وأبنائي وزوجي محمد عبد الرؤوف ابو تبانة، 46 عاما، وحماي عبد الرؤوف يوسف ابو تبانة، 75 عاما، وفجأة شعرت بسخونة وحرارة حولي. سمعت صوت وش، وطنين في أذني وصوت وكأن بابورا انفجر في خيمة شقيق زوجي، كرم، 39 عاما، فصرت أصرخ “الحقونا الحقونا،” حيث أصيب زوجي وحماي. أسرع الشبان إلينا ونقلوا حماي وزوجي وأنا لحقت بهم إلى مستشفى ناصر، وهناك علمت بأن حماي استشهد، وأصيب زوجي بشظية في رقبته. كما أصيب العمال في التكية التي تبعد عنا من 3 إلى 4 أمتار شرق خيمتنا، واستشهد ثلاثة من العاملين فيها، واستشهد آخرون من جيراننا. علمًا أننا نزحنا منذ بداية هجوم الاحتلال على رفح إلى الزوايدة ثم إلى معسكر خان يونس وبعدها إلى حيث نحن في منطقة شارع النص غرب مواصي خان يونس”.
كما أفاد أحد العمال في التكية، وهو أحمد سمير حسن عواجة (مواليد 30/12/1990) لباحث المركز:
“بينما كنت أعمل في تكية رحماء بينهم في مخيم الفاروق مكان نزوحي، أنا ونور شعت، 34 عاما، ويوسف أبو مر، 36 عاما، وعيادي شعت، 35 عاما، وأبو حسن أبو ختلة وعلاء أبو مر، وعبد الرحمن صيام، نقوم بعمل وجبة رز وإذا بصوت انفجار قريب منا، وتناثر شظايا وانتشار دخان في المنطقة وصراخ نساء وأطفال. شعرت بألم في يدي اليمني ورجلي اليمنى، فنظرت إلى قدمي ويدي شاهدت الدماء تنزف منهما، فأدركت أنني أصبت؛ فتوجهت سيرا إلى المستشفى الكويتي الذي يبعد عنا أكثر من 500 متر، وهناك حولوني إلى مستشفى ناصر، أنا وكثير من المصابين، وعلمت أن زملائي: يوسف أبو مر وعيادي شعت، وعدد من النازحين استشهدوا”.
وهاجمت طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 10:30 صباحًا، خيمة للنازحين في المواصي غرب خان يونس، ما أدى إلى مقتل 8 نازحين، منهم طفلان وامرأة، و5 من مبعدي الضفة إلى غزة في إفراجات سابقة، فضلا عن إصابة العشرات بجروح. والقتلى هم: هالة عبد ربة عبد الكريم الرقب، 39عاما، ويمان صلاح عطية برهوم، 3 سنوات، وسندس أحمد يوسف ابو راضي، 7 سنوات. أم المبعدون فهم: ناجي محمد سالم عبيات، 52 عاما، وأمجد أحمد محمود عرقوب، 42 عاما، وبلال إسماعيل محمد زارع، 44 عاما، ورياض زكريا خليل عسلية، 52 عاما، ومحمود عبد الله عبد الرحمن أبو سرية، 48 عاما.
وهاجمت مسيّرة إسرائيلية، عند حوالي الساعة 13:40، خيمة أحد النازحين بالقرب من مسجد الهداية في مواصي السطر شمال غرب مواصي خان يونس، ما أدى إلى مقتل 8 نازحين، هم أم وابنها وابنتها و4 من أطفال الأخيرة. والقتلى وهم: سناء أيوب مصباح منصورـ 64 عاما، وأبنائها: يوسف رأفت محمود منصور 29 عاما، وإبراهيم، 30 عاما، وشرين، 35 عاما، وأطفالها: حلا محمد محمود غانم، 16 عاما، ودينا 14 عاما، وإسمت، 9 سنوات، وريلان 7 أشهر.
وهاجمت مسيّرة إسرائيلية، عند حوالي الساعة 15:00، خيمة للنازحين شمال غربي مواصي خان يونس، ما أدى إلى مقتل زوجين وطفلهما، وهم: حسن نعيم حسن الأسطل، 35 عاما، وزوجته براءة نور الدين محمد الأسطل، 28 عاما، وطفلهما ماجد، 5 أشهر.
وهاجمت مسيّرة إسرائيلية، عند حوالي الساعة 22:35، خيمة للنازحين في محيط منطقة العطار جنوب غربي مواصي خان يونس. أسفر ذلك عن مقتل 14 نازحا، منهم 6 أطفال، و5 نساء. بين القتلى أب وزوجته وأطفاله من عائلة واحدة وثلاثة آخرين من الخيام المجاورة، وهم: محمد شعبان زكي شعبان، 43عاما، وزوجته هبة غازي حسن شعبان، 37 عاما، وأطفالهما الثلاثة: المعتصم بالله، 9 سنوات، ورؤى، 12 عاما، وسوار، 10 سنوات، وهداية أسعد زكي شعبان، 31 عاما، وإيمان عوني مصطفى شعبان، 23 عاما، والشقيقان: محمد وريمان رمزي دياب شعبان، 22 و14 عاما، وعبد الله محمد منصور رشوان، 67 عاما، وهند منصور محمد منصور، 39 عاما، ومها محمد فوزي ابو مصطفى، 8 سنوات، ونور عبد الخالق الفرا، 17 عاما. كما أصيب أخرون بجراح مختلفة.
وأفاد الناجي الوحيد من عائلة محمد زكي شعبان وهو الطفل كرم محمد زكي شعبان (مواليد 3/7/2011) لباحث المركز بما يلي:
“من عادتنا النوم مبكرا بعد صلاة العشاء، وفي حوالي الساعة 10:35 مساءً استيقظت مفزوعا على صوت صراخ نساء ورجال وانتشار غبار ودخان في الجو، وشاهدت نارا خفيفة أطفأوها سريعا. استيقظت لأرى مناظر بشعة، حيث كان هناك دماء، وشاهدت ابن عمتي محمد رمزي شعبان مخه خارج من راسه، وهداية أسعد شعبان لا يوجد لوجهها بشرة، وقام اعمامي وأقربائي بنقلهم إلى سيارة مدنية قبل أن تأتي سيارات الإسعاف، ونقلت باقي الشهداء والمصابين من الجيران إلى مجمع ناصر الطبي، وهناك عرفت أن أبي وأمي وإخوتي استشهدوا ولم أتبق إلا أنا. نمت وعائلتي عايشة واستيقظت وحدي بدون عائلة”.
تأتي هذه الجرائم في سياق النمط المتكرر ذاته، الذي تتبعه قوات الاحتلال منذ بداية هجومها العسكري المستمر على قطاع غزة: إصدار أوامر تهجير قسري للسكان من مناطق سكنهم الأصلية، ودفعهم إلى مناطق محددة تعاني من الاكتظاظ الخانق وانعدام المقومات الإنسانية الأساسية، ثم استهدافهم هناك بالقصف العنيف، في بيئة لا توفر أدنى شروط الحماية، بل تتحول إلى مسرح دموي مفتوح على المأساة.
وتزامن قصف خيام النازحين في المواصي مع تصعيد إسرائيلي خطير، تمثل في توجيه أوامر تهجير جديدة لعدد من المربعات السكنية في خان يونس، فقد أصدرت قوات الاحتلال ظهر اليوم نفسه (الثلاثاء)، أوامر تهجير استهدفت سكان 9 بلوكات في مخيم خان يونس، وطالبتهم بالتوجه إلى منطقة المواصي1، مما دفع بعشرات الآلاف من المدنيين إلى التكدس في رقعة ضيقة أصلاً، حيث لا يجدون سوى الخيام الممزقة، والجوع، والعطش، والمرض، ليكونوا لاحقًا هدفًا مباشرًا لنيران الاحتلال. هذا الترتيب المتعمد للأحداث، من الطرد القسري إلى التجميع ثم القتل، يكشف بوضوح نية الإبادة واستراتيجية التدمير الكلي.
ما يجري في قطاع غزة، وخاصة في هذه المرحلة من الهجوم العسكري، يشكل تنفيذًا متسارعًا ومدروسًا لجريمة الإبادة الجماعية بحق السكان المدنيين الفلسطينيين. الاحتلال لا يكتفي بقتل الآلاف، بل يمعن في استهداف النساء والأطفال والعائلات بأكملها، ويمضي قدمًا في سياسة قتل جماعي، مقرونة بإعدام كل فرص الحياة والعيش لمن تبقى، عبر تدمير البنية التحتية، واستهداف الملاجئ والمستشفيات ومراكز الإيواء، وتجويع السكان ومنع دخول المساعدات، وفرض ظروف معيشية كارثية تجعل من استمرار الحياة مستحيلاً، ومن القطاع بأكمله بيئة طاردة غير صالحة للعيش.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وهو يوثق هذه الجرائم الجديدة، يؤكد أن ما يحدث في غزة هو جريمة العصر، ووصمة عار في جبين الإنسانية، لن تُمحى إلا بمحاسبة الجناة، ووقف الإبادة الجماعية فورًا، وضمان الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين.
ويؤكد أن صمت المجتمع الدولي وتراخيه إزاء هذه الجرائم المروعة لم يعد مجرد تواطؤ غير مباشر، بل أصبح شراكة فعلية في استمرار الإبادة. فالتغاضي عن جريمة الإبادة الجماعية، وعدم التدخل الجاد لوقفها، يرسخ منطق الإفلات من العقاب، ويهدد ما تبقى من منظومة القانون الدولي والعدالة الإنسانية.
وبناء عليه، يجدد المركز مطالبته المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، بالتدخل العاجل لوقف هذه الجرائم، وتأمين الحماية الفورية للمدنيين في قطاع غزة، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي تغذيها ازدواجية المعايير والتواطؤ الدولي.