عبر تكثيف الغارات الجوية وجرائم القتل الجماعي، وتدمير المنازل وقرارات الإخلاء غير القانونية المتتالية، تسعى قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى إعدام فرص العيش والحياة في مدينة غزة ودفع سكانها تحت القصف والترهيب إلى النزوح قسرًا باتجاه الجنوب، في إطار استكمال الخطة الإسرائيلية لتفريغ المدينة من سكانها والنازحين فيها وفرض أمر واقع جديد فيها، في توسيع لنطاق جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ قرابة عامين.
وتظهر المعطيات الميدانية أن القصف الإسرائيلي المكثف الذي تشهده مدينة غزة يهدف إلى تفريغ المدينة من سكانها، وهو هدف إسرائيلي معلن من جيش الاحتلال ومن المستوى السياسي الإسرائيلي، حيث يتصاعد القصف يومياً، ويستهدف بقايا الأحياء السكنية والبنية المدنية، ومخيمات النزوح، وهو ما يفاقم أزمة النزوح ويحول المدينة إلى منطقة خراب لا تصلح للعيش.
ووفق متابعة طواقمنا، شهدت الأيام الثلاثة الماضية تكثيفًا من قوات الاحتلال في سياسة قصف المنازل والبنايات السكنية وتدميرها، وغالبا يأتي ذلك بعد قليل من اتصال جيش الاحتلال بأحد السكان ومطالبته بإخلاء المبنى خلال دقائق محدودة لا تتمكن خلالها العائلات سوا الخروج لإنقاذ حياتها دون أخذ أي شيء من أمتعتها. وتركز القصف والتدمير في مخيم الشاطئ وحي النصر، غرب وشمال غربي مدينة غزة، بمعدل 15 – 17 منزلاً ومبنى في اليوم الواحد.
ويأتي التركيز على هاتين المنطقتين، بالتوازي مع استمرار عمليات تدمير الأحياء السكنية باستخدام الروبوتات المفخخة، خاصة في ساعات الليل والفجر، في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، ما دفع أغلب السكان للنزوح من مربع لآخر.
وتقديراتنا الميدانية تشير إلى أن تدمير المنازل يحدث بوتيرة عالية، ويستخدم كآلية لإخراج السكان من أحيائهم وخلق رعب يومي يرافقهم عند كل تحليق جوي للطيران الحربي الإسرائيلي.
ووفق مشاهدات طواقم المركز، فإن قوات الاحتلال تعمل من خلال تكثيف القصف الجوي والتحرك الميداني، الذي يجري حاليا عبر عدة محاور، الجنوبية والشرقية والشمالية والغربية، إلى تضييق نطاق تواجد السكان والنازحين، ودفعهم للإخلاء والنزوح قسرًا من هذه المناطق، حيث ينتقل أغلبهم إلى التمركز في أحياء أخرى وسط غزة وفي جزئها الغربي، فيما تنتقل أعداد أخرى باتجاه وسط القطاع وجنوبه مع عدم وجود أماكن مناسبة لنصب الخيام نتيجة تكدس مئات آلاف النازحين في تلك المناطق، فضلا عن عدم وجود خدمات وكذلك تعرض المنطقة للاستهداف الإسرائيلي المتكرر.
وبالتوازي مع التدمير المكثف، تواصل قوات الاحتلال ارتكاب جرائم قتل جماعي، سواء بقصف منازل على رؤوس ساكنيها، أو قصف تجمعات وخيام نازحين. وقد أسفرت الغارات على مدينة غزة، أمس الجمعة، عن مقتل 56 مواطنًا، منهم نساء وأطفال، فيما قتل 36 مواطنًا يوم الخميس، و60 مواطناً يوم الأربعاء، وفق المعطيات الصادرة عن وزارة الصحة.
وضمن ما وثقته طواقمنا، قصف طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 19:00 من يوم الخميس الموافق 11/9/2025 منزلا لعائلة الحصري في مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، ما أسفر عن تدمير منزل على رؤوس ساكنيه، الذين يقدر عددهم بنحو 25 فردًا ووجه أحدهم مناشدة لإنقاذهم، ولكن بسبب عدم توفر الإمكانات والمعدات تعذر إخراجهم.1 وفي صباح اليوم التالي تمكنوا من انتشال جثامين 6 مواطنين من تحت أنقاض المنزل، بينهم أم وثلاثة من أبنائها، فيما لا يزال البقية مفقودين تحت الأنقاض. ومن انتشلت جثامينهم هم: نفين جميل يعقوب الحصري، 43 عاما، وأبناؤها: يارا، 23 عاما، وبراء، 15 عاما، وفؤاد، 19 عاما، وهم أبناء نادر فؤاد الحصري، وابنة عمهم إيمان محمد فؤاد الحصري، 22 عاما.
ووفق متابعة طواقمنا، فإنه يرافق القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي، استخدام قوات الاحتلال طائرات مسيرة كواد كابتر، ومسيرات مفخخة، وروبوتات مفخخة في شن هجمات داخل أحياء وتجمعات مكتظة بالسكان والنازحين، وكانت منطقة الشيخ رضوان مسرحاً لهجمات متكررة من هذا النوع، ما أدى إلى تسجيل يومي للقتلى والجرحى.
تدلل هذه الوقائع على تعمد قوات الاحتلال استهداف المدنيين، واستخدام أسلحة أو أدوات لا تميز بين مقاتل ومدني، وخلق بيئة إجبارية للنزوح وهو ما يشكل انتهاكات خطيرة لقانون الحرب وجرائم يعاقب عليها القانون الدولي.
وإزاء كل ذلك، نجدد نداءنا العاجل للمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف هذا الهجوم العسكري ومنع دولة الاحتلال من المضي في تدمير ما تبقى من مدينة تاريخية تضم مئات المعالم التاريخية والحضارية، ولا تزال مأهولة بمئات آلاف السكان والنازحين.
ونطالب المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم واتخاذ إجراءات فورية تشمل: فرض حماية فورية للمدنيين، فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الطبية والغذائية، إيقاف استخدام الأساليب والأسلحة التي تستهدف الأحياء المدنية وإلزام إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان قطاع غزة.