يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مقري مؤسسة الأرض للتنمية الزراعية في رام الله والخليل، وإغلاقهما بالقوة، إضافة لشركة ثالثة تعمل في مجال البريد السريع بعد حملة قمعية عنيفة استهدفت الموظفين والزائرين وتسببت في اعتقال عدد منهم، ومصادرة ممتلكات المؤسسة تحت ذرائع أمنية واهية. تأتي هذه الاعتداءات ضمن جريمة ممنهجة واسعة بحق مؤسسات المجتمع المدني، وتمثل تصعيدًا خطيرًا في سياسات التضييق والإغلاق التي تنفذها سلطات الاحتلال ضد منظمات العمل الأهلي في الضفة الغربية.
ووفق المعلومات التي جمعها باحثو المركز، اقتحمت قوات الاحتلال مقر المؤسسة في حي سطح مرحبا بمدينة رام الله عند حوالي الساعة 10:00 من يوم الاثنين الموافق 1/12/2025، بعد انتشار قوة كبيرة من الجنود حول المبنى. طرق الجنود الباب الداخلي بعنف قبل فتحه، ثم اقتحموا المقر دون أي مذكرة قانونية. احتجز الجنود تسعة أشخاص داخل المكتب، بينهم ثمانية موظفين (بينهم 5 نساء) وزائر كان يراجع المؤسسة. جمع الجنود الجميع داخل غرفة واحدة تحت تهديد السلاح، ودققوا في هوياتهم، ودفعوهم وركلوهم ومنعوهم من الكلام. اقتادت مجندات الموظفات إلى غرفة أخرى، بينما كبّل الجنود ثلاثة موظفين والزائر بقيود بلاستيكية، وعصبوا أعينهم، وأخرجوهم إلى مدخل المؤسسة. أجبر الجنود المحتجزين على الركوع ورؤوسهم إلى الأسفل طوال ساعتين دون تفسير.
وأفاد أحد الشهود لباحثة المركز أن الجنود كرروا سؤالهم عن وجود أموال داخل المقر، بينما سمع المحتجزون خلال الساعتين أصوات تكسير وتحريك أثاث ولحام وانبعاث رائحة ناتجة عنه. رفض الجنود تزويد الموظفين بالماء رغم طلبهم، وتعرض أحد المحتجزين لتنميل شديد بسبب الوضعية القسرية، وعندما حاول تغيير جلسته تم دفعه وإجباره على إبقاء رأسه منخفضًا. بعد ساعتين، فك الجنود القيود ونزعوا العصبة واحتجزوا هاتفه وأجبروه على تزويدهم بالرقم السري، ثم فتشوا الهاتف قبل الإفراج عنه. أطلقت القوات سراح الموظفات بعد احتجاز مهين استمر ساعتين، وأجبروهن على السير مشيًا على الأقدام نحو دوار الأمعري لمسافة تقارب كيلومتر تحت مرافقة مركبة عسكرية.
وصادرت القوات معدات المؤسسة وأجهزتها وملفاتها، وحمّلتها على شاحنة عسكرية. وعند حوالي الساعة 3:30 عصرًا، أغلقت القوة البابين الرئيسيين للمؤسسة ولحمت جميع النوافذ وأغلقتها بألواح معدنية، وعلقت ملصقات تزعم أن اتحاد لجان العمل الزراعي هيئة غير قانونية، وأضافت إعلانًا عسكريًا بالعبرية. أبقت تلك القوات ثلاثة أشخاص رهن الاعتقال: مؤيد بشارات وجواد مناصرة وزائر كان يتابع معاملة داخل المكتب. تزامن الاقتحام مع مواجهات في المنطقة، أطلق خلالها الجنود الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز على الشبان. أصيب ثلاثة شبان بالرصاص المطاطي، إضافة إلى عشرات حالات الاختناق.
ووفق المعلومات التي توفرت لباحثي المركز، لا يعرف موظفو المؤسسة حتى الآن حجم المصادرات داخل المكتب بسبب الإغلاق الكامل ولحام الأبواب والنوافذ. كما أن الموظفين تركوا مقتنياتهم الشخصية داخل المكتب، بما في ذلك النقود والمحافظ وبطاقات الهوية، ولم يتمكنوا من استعادتها.
في صباح اليوم ذاته، اقتحمت قوات الاحتلال مدينة الخليل وتمركزت في شارع نمرة، ثم داهمت مبنى يضم مكتب المؤسسة وفروعًا لبنك البذور البلدية ومركز التدريب المهني الزراعي. احتجزت تلك القوات أربعة موظفين داخل المبنى، وكبّلت أيديهم ونقلتهم إلى الشارع الرئيسي. بدأ الجنود بتفتيش الطوابق الثلاثة، وحطموا الأثاث والأبواب الداخلية وصادروا ملفات وأجهزة حاسوب وخزنة مالية. كما داهمت القوات شركة “بي فاوند أونلاين” التي تعمل في مجال البريد السريع داخل المبنى وصادرت 600 دولار وحاسوبين. وضعت القوات اللحام على الأبواب وعلقت محضر ضبط الأموال وملصقًا يصف الاتحاد بأنه هيئة غير قانونية. اعتقلت تلك القوات الموظفين الأربعة ونقلتهم إلى جهة غير معلومة، وأبلغت موظفي شركة “بي فاوند أونلاين” بضرورة التوجه إلى مقر جهاز الشاباك في مستوطنة تيلم.
تستهدف هذه الحملة مؤسسة بيت الأرض ضمن سياسة منهجية لإسكات مؤسسات المجتمع المدني وإضعاف قدرتها على تقديم الخدمات والدفاع عن حقوق الفئات المتضررة.
يطالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بتدخل دولي فوري للضغط على سلطات الاحتلال لوقف الهجمات على مؤسسات المجتمع المدني ورفع الإغلاق عن مقرات المؤسسة فورًا.
كما يطالب بإعادة جميع الممتلكات المصادرة، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، وتمكينهم من التواصل مع عائلاتهم ومحاميهم.
ويطالب بتحرك المنظمات الدولية والجهات المانحة لحماية المؤسسات الفلسطينية من إجراءات التصنيف التعسفية والإغلاق، وضمان استمرار عملها دون تهديد، وحماية المدافعين عن الحقوق في الأرض الفلسطينية المحتلة.