في الوقت الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي محاولاته لتفريغ سكان مدينة غزة من سكانها والنازحين فيها، ومطالبتهم بالتوجه نحو الوسطى والجنوب، بدعوى أنها مناطق إنسانية؛ فإنه يستبيح هذه المناطق ويكثف فيها جرائم القتل الجماعي، بما في ذلك استهداف النازحين أنفسهم. لقد أعلنت قوات الاحتلال في 6 سبتمبر المواصي غرب خانيونس كمنطقة إنسانية،1 طلبت من سكان غزة والنازحين فيها التوجه إليها وإلى المحافظة الوسطى كمطقة إيواء، إلاّ أنها بقيت تستهدف هذه المناطق بلا هوادة وهو نهج متكرر طوال العامين الماضيين، ما يفضح زيف ادعاءات الاحتلال حول وجود مناطق آمنة أو إنسانية، ويؤكد أنه لا مكان آمن في قطاع غزة، وأن ما يجري هو قتل متعمد بهدف الترويع والإبادة الجماعية.
خلال الأيام الماضية، ارتكب الاحتلال سلسلة من الجرائم المروعة في المحافظة الوسطى، وكذلك في منطقة المواصي غربي خانيونس، استهدفت أسواقًا ومراكز تجمع سكانية وخيام نازحين، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، بين قتلى وجرحى بينهم نساء وأطفال.
تدلل هذه الوقائع، أن قوات الاحتلال رغم أنها حددت مناطق معينة كمناطق إنسانية أو أمكان إيواء إلاّ أنها لم تلتزم بالمعايير التي يفرضها القانون الدولي الإنساني في حالات الإخلاء الاضطراري، وفي مقدمتها الأماكن الآمنة وحماية المدنيين وضمان توفير احتياجاتهم الأساسية، وحقهم في العودة، وهو أمر لم تلتزم به قوات الاحتلال طوال العامين السابقين، بل عملت بشكل ممنهج على استخدام النزوح القسري كأداة أخرى للقتل والاستهداف.
وبإجراء مراجعة لحصيلة القتلى منذ 23 سبتمبر الجاري، حتى الساعة 10:40 صباح اليوم الأحد، تبين أن 51.5 % منهم قتلوا في قصف نفذته قوات الاحتلال على مدينة غزة، في حين قتل البقية في المناطق التي يوجه الاحتلال السكان للنزوح إليها بدعوى أنها آمنة وإنسانية. فقد قتلت قوات الاحتلال 382 مواطنًا في غاراتها وقصفها على قطاع غزة، منهم 197 من مدينة غزة، والبقية في الوسط وخانيونس ورفح.
ووفق وزارة الصحة، فإن حصيلة الضحايا منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 27 سبتمبر 2025، ارتفعت إلى 65926 قتيلا و167783 جريحا، ما يعني أن أكثر من 10 % من سكان قطاع غزة، قتلوا أو جرحوا خلال أقل من عامين من الهجوم العسكري الإسرائيلي، وهي حصيلة صادمة وكبيرة مع وجود أكثر من 9 آلاف آخرين في عداد المفقودين يعتقد أن غالبيتهم قتلى تعذر انتشالهم تحت المباني المدمرة أو في مناطق التمركز الإسرائيلي.
وضمن ما وثقه باحثونا في الأيام الماضية، مهاجمة طائرة إسرائيلية مسيرة عند حوالي الساعة 03:50 من فجر اليوم الأحد الموافق 28/9/2025، غرفة داخل أرض غرب مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى، ما أدى إلى مقتل المواطن خالد رياض أحمد أبو جربوع (30 عامًا) وطفله معاذ (3 سنوات).
كما هاجمت طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 01:15 من فجر اليوم نفسه، منزلًا لعائلة أبو عامر، شرق مخيم 2 بمخيم النصيرات في المحافظة الوسطى. أسفر القصف عن مقتل 16 مواطنًا، انتشلت جثامين 6 منهم، فيما لا يزال البقية عالقون تحت الأنقاض. كما أسفر الهجوم عن إصابة عدد كبير من سكان المنازل المجاورة نتيجة شدة الانفجار وانتشار الركام.
وهاجمت طائرة مسيرة إسرائيلية، عند حوالي الساعة 10:15 من صباح يوم السبت الموافق 27/9/2025، على تجمع للمواطنين في أرض المفتي شمال مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى. أسفر ذلك عن مقتل 4 مواطنين، بينهم طفلان، إضافة إلى إصابة نحو 12 مواطنًا آخرين بجراح متفاوتة.
وهاجمت طائرة مسيرة إسرائيلية عند حوالي الساعة 11:40 من اليوم نفسه، خيمة نازحين في دير البلح بالمحافظة الوسطى، ما أدى إلى مقتل الصحفي محمد داوود خليل الداية (38 عامًا)، ويعمل في المركز الفلسطيني للإعلام، إضافة إلى إصابة آخرين بجراح متفاوتة.
وهاجمت طائرة مسيرة إسرائيلية عند حوالي الساعة 17:25 من مساء اليوم نفسه، تجمعًا للمواطنين وسط سوق مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى. أسفر ذلك عن مقتل 18 مواطنًا، بينهم 6 أطفال وسيدة، فيما تجاوز عدد المصابين 60 مصابًا، وصفت جراح عدد كبير منهم بالغة الخطورة، ما يرجح ارتفاع عدد القتلى.
يذكر أن مكان الاستهداف يُعد من أكثر المواقع اكتظاظًا في مخيم النصيرات والمحافظة الوسطى، خاصة بعد حركة النزوح الأخيرة من مدينة غزة، وهو عبارة عن السوق المركزي المتنفس الوحيد للنازحين والسكان في ظل الظروف المعيشية القاسية.
كما لم تتوقف خلال الأيام الماضية سياسة الاحتلال في قتل المدنيين الفلسطينيين قرب مراكز توزيع المساعدات، فعند ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة الموافق 26/9/2025، توافد عشرات المواطنين إلى مركز المساعدات الأمريكية الكائن في محور نتساريم جنوب وادي غزة، وأثناء تجمعهم في المكان، وفي حوالي الساعة 08:00 صباحًا، فتحت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة بشكل مباشر وكثيف تجاه المدنيين. أسفر ذلك عن مقتل 11 مواطنًا، بينهم 3 أطفال، وإصابة 20 آخرين بجراح متفاوتة.
وهاجمت طائرة مسيّرة إسرائيلية عند حوالي الساعة 16:30 من يوم الخميس الموافق 25/9/2025، خيمة داخل مخيم الست أميرة في شارع البركة جنوب مدينة دير البلح بالمحافظة الوسطى، ما أسفر عن مقتل مواطنين اثنين، وإصابة خمسة آخرين بجراح متفاوتة.
وهاجمت طائرة مسيرة إسرائيلية عند حوالي الساعة 15:50 من يوم الخميس الموافق 25/9/2025، سطح منزل لعائلة بهار في مخيم النصيرات في المحافظة الوسطى. أسفر ذلك عن مقتل أربعة مواطنين، بينهم شقيقان مسنان ونجل أحدهما، وإصابة ثلاثة آخرين بجراح متفاوتة.
تزامنًا مع هذه الجرائم، صعّدت قوات الاحتلال من تفجير المجنزرات المفخخة داخل الأحياء السكنية بمدينة غزة، حيث يجري تفجيرها وسط أحياء سكنية، بعد مطالبة السكان بإخلائها تحت تهديد تفجيرها، في ممارسة تهدف إلى بث الرعب وإجبار المدنيين على النزوح، بما يشكل انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنساني.
كما تستمر قوات الاحتلال في التدمير اليومي للمنازل والبنايات العالية في مختلف أحياء مدينة غزة، مع ارتكاب جرائم قتل يومية مع تعطيل متصاعد لجهود الاستجابة الإنسانية، بلغت ذروتها بإخراج 20 مستشفى عن الخدمة في المدينة، فيما تبقى 8 مستشفيات تعمل جزئيا تحت الخطر والقصف.
ولا تزال طواقمنا الميدانية تواجه صعوبات كبيرة في التوثيق الميداني نتيجة خطورة الأوضاع واستمرار النزوح الجماعي للسكان والقصف الإسرائيلي المكثف الذي يستهدف جميع الأحياء.
يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن هذه الجرائم تأتي في سياق سياسة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة، بهدف محوهم وإفناء وجودهم. كما يؤكد أن استهداف الأسواق، مراكز المساعدات، أماكن النزوح، والمنازل السكنية، جميعها جرائم حرب موصوفة بموجب اتفاقيات جنيف، ولا يوجد لها أي مبرر وينبغي التحرك الفوري لوقفها.
يجدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تحذيره من استمرار جرائم القتل الجماعي وعمليات التدمير الممنهجة والاستباحة التي تستهدف المدنيين في مدينة غزة وعموم قطاع غزة، ويطالب المركز المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف هذا الهجوم العسكري ومنع دولة الاحتلال من المضي في تدمير ما تبقى من مدينة تاريخية تضم مئات المعالم التاريخية والحضارية، ولا تزال مأهولة بمئات آلاف السكان والنازحين.
ويطالب المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم واتخاذ إجراءات فورية تشمل: فرض حماية فورية للمدنيين، فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الطبية والغذائية، إيقاف استخدام الأساليب والأسلحة التي تستهدف الأحياء المدنية وإلزام إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان قطاع غزة.