تاريخ الإفادة: 25/04/2025
نعمة ناصر محمود حمودة، 24 عاما، سكان حي الزيتون في مدينة غزة
أنا خريجة كلية تكنولوجيا المعلومات من الجامعة الإسلامية في غزة، أقطن مع أشقائي: جهاد، 22 عاما، وهو طالب جامعي، وعز الدين، 19 عاما طالب بالثانوية العامة، في منزلنا في شارع كشكو شرق حي الزيتون، ووالدنا استشهد بحرب 2008، ووالدتي توفت عام 2020 نتيجة مرض السرطان.
في حوالي الساعة 6:30 صباح يوم السبت الموافق 07/10/2023، استيقظت على صوت انفجارات متتالية وبعد ذلك عرفنا من الأخبار بما حدث من عملية كبيرة عبر الحدود شرقا. في ساعات المساء من اليوم نفسه، حضر جدي رفيق صابر عبد العال أبو الخير، 75 عاما وهو مقعد ويعاني من الزهايمر، وجدتي يسرى سعدي درويش أبو الخير، 69 عاما، وخالي مصطفى، 39 عاما، وزوجته أروى ابو الخير، 30 عاما، وأطفالهم عامر، 11 عاما، وفاطمة، 7 سنوات، وسارة، 4 سنوات، وزوجة خالي أحمد، عبير ابو دية، 40 عاما، وأطفالها الخمسة، وهم: تقوى أحمد أبو الخير، 16 عاما، وأشقاءها إبراهيمـ 14، ورفيق، 7 سنوات، ومريم 4 سنوات، ومسك، عامان.
لم نغادر المنزل رغم شدة القصف والأحزمة النارية المتواصلة، وطلب الاحتلال من سكان غزة والشمال النزوح إلى الجنوب، حيث قررنا البقاء خاصة أن جدي مريض ومعنا كل هذا العدد من الأطفال.
في بداية ديسمبر 2023، تفاجأنا بتوغل آليات الاحتلال في حي الزيتون، وحاصرتنا تلك القوات، وكان من الصعب الخروج، فبقينا داخل المنزل، وكنا نتحرك بحذر شديد ونجتمع في الممر الموزع على غرف النوم. وخلال تلك الأيام نقص علينا الماء والاكل، فقمنا بعمل جدول حتى يبقى الأكل معنا أطول فترة ممكنة، لكل شخص شربة ماء واحدة باليوم، وكل شخصين لهم علبة فول، وأضفنا للأطفال كل طفل ربع رغيف باليوم. كنا نسمع أصوات قوات الاحتلال وكانوا يطلقون الرصاص بشكل عشوائي، حيث أحد الاعيرة النارية اخترق اسطوانة الغاز وتسرب الغاز واستنشقناه، وشعرنا بضيق التنفس وخصوصا الأطفال وجدي المسن.
في حوالي الساعة 11:30 ظهر يوم الجمعة الموافق 08/12/2023، فجر جنود الاحتلال الباب الخارجي للمنزل، فتملكنا الخوف واجتمعنا كلنا في الممر، وعلى باب الممر وضعنا فرشة على الأرض كان جدي ممدا عليها، وكنت أنا أقرب واحدة من جدي. فجر الجنود الباب الثاني، ثم الباب الخشبي المؤدي إلى الصالون والغرف، كان عددهم كبيرا جدا. قال لهم جدي “تفضلوا تفضلوا ” فأطلقوا الرصاص مباشرة عليه وأصيب بعيار ناري بالرأس وآخر بالصدر وآخر بالساق. صرخت وأخبرتهم أننا مدنيون وأغلبنا نساء وأطفال، قام أحدهم وامسك بالغطاء الشتوي وألقاه على وجه جدي بعدما تم إعدامه، ثم أعادوا إطلاق النار بكثافة فصرخت مرة أخرى. طلب مني أحدهم الاقتراب، فزحفت باتجاههم وتحوطني مجموعة من الجنود وأشهروا السلاح تجاهي، ثم أخذوني على مدخل البيت الداخلي وحققوا معي بخصوص من نحن وأسماءنا وعدد المتواجدين بالبيت، وكم عدد الأطفال والنساء، وهددني أحدهم أنهم إذا عثروا على أحد غير الذين ذكرتهم سيقتلني.
بعد ذلك أخذوا خالي مصطفى وإخوتي جهاد وعز الدين إلى الشارع أمام البيت وأجبروهم على نزع الملابس باستثناء الملابس الداخلية ووضعوا العصب على عيونهم وربطوا أيديهم بالقيود البلاستيكية إلى الخلف، وأجبروهم على الانبطاح على بطونهم على الأرض، ثم أخذوا الأطفال الذكور وهم: عامر مصطفى أبو الخير، 11 عاما، وإبراهيم أحمد أبو الخير، 14 عاما، وشقيقه رفيق، 7 سنوات، واوقفوهم على الحائط، وعصبوا عيونهم وسألوهم عن أسمائهم وأعمارهم، وبعد 10 دقائق سمحوا لهم بالذهاب إلى أمهاتهم، ثم أخرجوا زوجتي خاليّ وأطفالهما الثمانية إلى الشارع وقالوا لهم توجهوا إلى الجنوب.
بقيت أنا وجدتي بالمنزل. طلبوا منا وضع وجوهنا باتجاه الحائط ورفع أيدينا، ثم أخذونا إلى بيت لعائلة الغرابلي، تبين أنهم كانوا يتخذونه ثكنة عسكرية لهم، ومجرد أن دخلنا كانوا يضعون كراسي على شكل صف باتجاه الحائط، وشاهدت خالي وإخواني وهم يجلسون على كراسي وعيونهم مغطاة بعصبات، وأيديهم وأقدامهم مكبلة. كما رأيت جارتنا كاميليا الأخرس، 50 عاما، وزوجها أبو علي الأخرس، ثم مكثت أنا وجدتي على الكراسي ووضعوا العصب على عيوننا فقط دون تقييدنا. خلال ذلك انهالوا على الرجال بالضرب وهم عرايا والجو بارد جدا، وبقينا حتى فجر يوم السبت الموافق 09/12/2023، حيث حضرت شاحنة وكان بها عدد من الرجال المعتقلين، صعدنا إليها بواسطة سلم، جدتي لم تستطع فتم اعتقالها ونقلها بالجيب التابع لجيش الاحتلال، وكنت أنا وجارتي كاميليا السيدتين فقط في الشاحنة.
تعرضنا للضرب ونحن بالشاحنة وسكبوا الماء البارد علينا، وكان الجو شديد البرودة، إلى أن وصلنا مكاناً، نحن النساء تم تسليمنا الى مجندات، وقفت شاحنة أخرى وترجل منها 11 امرأة علمت فيما بعد أنهن أيضا من حي الزيتون. قامت المجندات بتفتيشنا ووضع القيود البلاستيكية في أيدينا ودخلنا خيمة أرضيتها عبارة عن حصمة.
بعد ساعات حضرت حافلة وطلب منا أن نصعد إليها وقبل أن تتحرك ألقوا الرجال على الأرض ورفعوا الأسلحة باتجاه رؤوسهم وشغلوا مكبرات الصوت على القرآن وصاروا يقولون عزاء عزاء، وبعد ذلك تحركت بنا الحافلة. كانت الطريق طويلة، وغير مسموح لنا بالحركة ووضعية الرأس يجب أن تكون إلى أسفل ومازال العصب على عيوننا والقيود بأيدينا، قاموا بنزع الحجاب عن رأس إحدى المعتقلات. بعد مدة وقف الباص ونزلنا منه واحدة واحدة وكانوا يرفعون العصب ويلتقطون لنا الصور، كان المكان جبلي وفيه عدد كبير من البركسات والأرض عبارة عن زلط، ثم أخذونا إلى التفتيش ونزع ملابسنا وارتدينا “ترنيج سكني” ثم وضعت العصب على عيوننا والقيود بأيدينا ورقم بأرجلنا، ثم أخذوا 10 سيدات وأنا كنت منهن وتم وضعنا في قفص، وهو عبارة عن سياج من السقف والجدران والأرض زلط، وبقينا بداخله حتى ساعات المساء، مع العلم أننا لم نأكل أو نشرب أي حتى ذلك الوقت. ثم تم نقلنا بواسطة باص إلى باركس ولكن بنفس المنطقة وهو عبارة عن سقف من الزينكو والجدران من السياج الشائك والأرض باطون، وكان داخله دورة مياه من الدورات المتنقلة، وكان عددنا داخل البركس 18 معتقلة، وزعوا علينا فرشات رقيقة جدا وكل واحدة منا بطانية خفيفة، رغم أن الجو شديد البرودة، وهطل المطر وغرقنا بالماء. أخبرنا المجندات بذلك فأخبرونا “ان شاء الله بتموتوا لا يهمنا.” في اليوم التالي، أخذوني إلى التحقيق داخل كرفان. جلست على كرسي من الحديد وقاموا بتقييد اليدين والرجلين بالكرسي، ورفعوا العصبة عن عيوني، وأخذ بياناتي الشخصية، ثم سألني عن عائلتي، وإذا في أحد حماس من العائلة، ثم فتح جهاز الحاسوب وشاهدت صورة منزلنا، ثم سألني إذا كان أحد من الجيران منتمي إلى حماس، فأخبرته أنني لا أعلم، وسأل عن الأنفاق القريبة من المنزل، فأخبرته عدم معرفتي، واستمر التحقيق ما يقارب الساعة، وبعد ذلك فكت المجندة القيود ووضعت العصبة على عيوني وعدت إلى البركس. مكثت فيه 6 أيام، كان الأكل فيه شحيحا، حيث توزع 3 علب لبن حجم وسط علينا جميعا، صحون صغيرة جدا، في فترة الغداء عدس أو فصوليا، وكانت أيدينا مقيدة طول الفترة، وكان من الصعب جدا تناول الأكل والذهاب إلى دورة المياه، حيث يسمحوا فقط للكبيرات بالسن أن تذهب واحدة من المعتقلات لتساعدها.
وفي 14/12/2023، حضر باص وصعدنا إليه ووضعوا العصب على عيوننا ورأسنا إلى الأسفل ممنوع رفعه، واليدين مقيدة إلى الامام، وطول الطريق كان الضرب عشوائي وإهانات وألفاظ سيئة جدا، وسكبوا علينا الماء البارد، وتم نقلنا من سجن القدس إلى حيفا وكانت الطريق طويلة جدا، وقام أحد الجنود بضربي على رأسي بواسطة السلاح حيث شعرت بألم وسخونة شديدة وأنني فقدت البصر من شدة الوجع، ولم يكتف بذلك قام بفك العصبة عن عيوني وصار يضعها على أنفي وفمي، وبعد ذلك وضعها على كامل وجهي وضغط العصبة بهدف خنقي وبقيت على هذا الحال مدة ساعة تقريبا.
وقفت الحافلة في مكان ونزعوا العصب عن عيوننا وترجلنا من المكان والتقطوا صورا شخصية لنا وخلفنا علم إسرائيل، وبعد أن صوروني ألقوني على الأرض وانهالوا على بالضرب بأرجلهم، وبعد ذلك أعادوني إلى الحافلة أنا وباقي المعتقلات ووضعوا العصب على عيوننا وسارت بنا الحافلة إلى سجن الدامون وهناك سلمنا الجيش إلى الشرطة الإسرائيلية، دخلنا واحدة واحدة، وتم تفتيشنا بشكل دقيق، ودخلت تحقيق وتم أخذ البيانات الشخصية، وأخذ رقم الهاتف النقال الخاص بي، وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي. ثم تم نقلي إلى زنزانة وهي عبارة عن غرفة صغيرة وبها 3 أسرة فوق بعض وداخلها حمام ومغسلة وكنت بها ومعي جدتي و3 معتقلات أخريات، حيث كانوا كل أسبوع يتم تغيير المعتقلات، لكن بقيت مع جدتي في نفس الزنزانة.
بعد أسبوع خضعت للتحقيق وتم توجيه تهمة لي وهي “التعاون مع منظمات إرهابية وتهديد أمن إسرائيل”، وسألني أين كنت في تاريخ 7 اكتوبر فأخبرته أنني كنت نائمة، ومن أعرف من حماس، وهل استلمت كوبونات من حماس وبعد ان انتهى التحقيق الذي استمر ساعة وقعت على أقوالي.
خلال فترة الاعتقال لم يتوفر علاج في السجن، حيث طلبت مسكنا للألم نتيجة ضربي على رأسي بواسطة السلاح لكن لم يستجيبوا لي. كذلك الأكل كان سيئا وشحيحا، حيث يحضرون لنا كميات قليلة من الرز الناشف، أو صحن صغير من شوربة العدس.
بتاريخ 24/01/2024، أحضروا لنا ورقة الإفراج وتم التوقيع عليها، وتم نقلنا من خلال باصات، ومجرد أن صعدنها وضعوا القيود الحديدية في اليدين والرجلين، وتم نقلنا إلى سجن سيديه تيمان، ومجرد أن وصلنا خضعنا للتفتيش الدقيق، وتم وضعنا في بركس عبارة عن أرضية من الباطون، والسقف والجدران عبارة عن زينكو ويجب أن نبقى جالسات على الركب من الساعة 5:00 فجرا حتى الساعة 10:00 مساءً، وممنوع الحركة والالتفات، ودخول دورة المياه بالإذن.
كان بجانبنا بركس فيه معتقلون من الرجال كانوا يطلقون عليهم الكلاب، نسمع صراخهم وارتطامهم بجدران الزينكو الفاصلة بيننا نبكي بحرقة شديدة عليهم، عاجزات عن فعل أي شيء.
بتاريخ 29/01/2024، حضرت حافلة صعدنا بداخلها شباب وبنات من المعتقل، وضعوا القيود بأيدينا وأقدامنا والعصب على عيوننا وسارت بنا إلى أن وصلنا معبر كارم أبو سالم، فكوا القيود عنا ورفعوا العصب، وطلبوا منا أن نسير إلى الأمام بسرعة ودون توقف ودون التفات إليهم، حتى وصلنا إلى نقطة خاصة بمنظمة للأمم المتحدة، وزعوا زجاجات مياه وقطع البسكويت علينا، وتم توزيعنا على مراكز الإيواء برفح، حيث كنت بمدرسة السلام ومعي جدتي التي أفرج عنها بنفس اليوم، من خلال جيب جيش الاحتلال قام بنقلها لأنها مسنة ومريضة، وهناك تواصلت مع أخوتي جهاد وعز الدين وعلمت أن الاحتلال أفرج عنهم في 25/12/2023م، أما خالي مصطفى ابو الخير فهو معتقل لديهم حتى الآن. بقينا برفح نعاني مرارة النزوح وحياة المدارس السيئة فلم يكن معنا ملابس أو فراش او أغطية، حتى راتب والدي الشهيد متوقف.
في تاريخ 07/05/2024، اجتاحت قوات الاحتلال الاسرائيلي مدينة رفح، فأجبرنا على النزوح مرة ثانية إلى مواصي خانيونس أنا وأشقائي وجدتي بالقرب من خيمة خالتي، وفي نهاية شهر ديسمبر انتقلت أنا وإخوتي فقط إلى خيمة في مدينة حمد حتى سمح لنا الاحتلال العودة إلى مدينة غزة.