روان محمد عبد الحي حلاوة، 23 عامًا، متزوجة وأم لطفل، سكان غزة، ونازحة حاليًا وسط القطاع.
تاريخ الإفادة: 12/10/2024
أنا متزوجة من السيد يوسف جميل أحمد أبو زايد، 24 عامًا، ويعمل زوجي ميكانيكي دراجات نارية، لدينا طفل اسمه عصام، عامان، وأنا حامل في الشهر السابع.
منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، وأنا متواجدة في شقتي في منزل والد زوجي الواقع قرب مدرسة فيصل الثانوية للبنات بشارع البحر بجباليا شمال قطاع غزة. خرجنا من منزلنا أكثر من مرة بسبب تصاعد العدوان، وكنا نعود له عند الهدوء، حيث عدنا للمنطقة بعد الهدنة الأولى تقريبا في تاريخ 28/11/2023، ووجدنا منزلنا المكون من 6 طبقات قد سوي بالأرض. بعد ذلك بدأت رحلة المعاناة، حيث نزحنا عدة مرات لمنازل أقارب لنا في معسكر جباليا. ومع كل عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي واشتداد القصف كنا نتوجه لمراكز الإيواء داخل المدارس، منها مدرسة فهمي الجرجاوي بمدينة غزة، ومدارس منطقة الفالوجا بمخيم جباليا، ومدارس في جباليا البلد، وآخر مدرسة جلسنا فيها كانت مدرسة فيصل بن فهد الثانوية للبنات المقابلة لمنزلنا المدمر. خلال فترات تواجدنا في محافظة شمال غزة ومدينة غزة وعدم نزوحنا لجنوب قطاع غزة، تعرضنا للجوع الشديد نتيجة عدم توفر الطعام. كنا نأكل أكل الحيوانات خاصة مع عدم توفر الدقيق ومنع الجيش الإسرائيلي دخول الطعام، ووصلنا لدرجة نتقاسم فيها علبة الفول أو البازيلا على 4 أشخاص. وما زاد من معاناتنا هو غلاء الأسعار بشكل جنوني، حيث إن سعر كيلو البندورة على سبيل المثال وصل 400 شيكل، وزجاجة السيرج وصل سعرها ل 70 شيكلا. كل ذلك مع عدم وجود دخل لنا، فقد كنا ننتظر بعض الجمعيات التي كانت توزع مساعدات نقدية أو طرود غذائية على فترات متباعدة.
في حوالي الساعة 8:00 صباح يوم 6/10/2024، ألقى جيش الاحتلال الإسرائيلي مناشير بداخلها خريطة إخلاء جديدة على محافظة شمال قطاع غزة، وتأمر المواطنين بسلوك طرق آمنة والتوجه ناحية جنوب قطاع غزة. حينها قرر عمي (والد زوجي) جميل أحمد محمود أبو زايد، 66 عاماً، بأنه وجب التوجه للجنوب وأن هذه المرة ستكون الأوضاع خطيرة جدا، ومن يريد الحضور معه فليأتي. وبالفعل قرر زوجي التوجه مع والده، وقمنا بأخذ ما استطعنا حمله، وحملت طفلي وسار معي زوجي وعمي وزوجته السيدة رانيا زهير يوسف حسين، 47 عاما، باتجاه حي الصفطاوي ومن ثم شارع الجلاء، ومن ثم مفترق السرايا حتى ميناء غزة البحري، ومن هناك سرنا الطريق الساحلي الذي كان خاليا تماما من المواطنين ومن قوات الاحتلال. كانت الطريق وعرة للغاية نتيجة التجريف، وسرنا مشيا على الأقدام حتى وصلنا في حوالي الساعة 12:00 ظهراً مفترق نتساريم الساحلي. وهناك كان يوجد مكعبات أسمنتية كبيرة مغلقة الطريق، وكان هناك تبات رملية كبيرة على الاتجاهين، وآلية عسكرية وجنود على الأرض. نادى علينا الجنود عبر مكبرات الصوت بأن ندخل الكونتينر كل شخص على حدا، ويقوم كل واحد بوضع بطاقته الشخصية على الكاميرا وبعدها يقول اسمه ورقم هويته وتاريخ ميلاده بصوت عالٍ، ويخرج من الناحية الأخرى. وبعد الانتهاء انتظرنا حوالي ساعتين، وبعدها جاءت عائلة أخرى من اتجاه الشمال، نازحة من محافظة غزة لا أعرف اسمها وكانت مكونة من 6 أفراد، قاموا بنفس الفحص، وقد سمعت الجنود يقولوا للسيدة بأن تعود لغزة وتترك أطفالها يتوجهون لجنوب قطاع غزة. وبعدها نادوا على زوجي باسمه بأن يتوجه لهم، وأخذوا بطاقته الشخصية وتركوه. وبعد ذلك سرنا ووصلنا لحاجز آخر بعد حوالي نصف ساعة، وكانت السيدة مع العائلة الأخرى قد أحضرت معها أغراض كثيرة، وساعدها زوجي، هي ورجل آخر كان برفقتها، وسرنا سويا وكانت الدبابة تسير معنا. وعند وصولنا مقابل أبراج الزهرة، طلبت السيدة المساعدة بعدما شعرت بالتعب لحمل أغراضها ولم نستطع، وعندها ألقت أحد الأكياس على الأرض، حينها لحقت بنا الدبابة الإسرائيلية، وطلب أحد الجنود الذين كانوا على متنها من السيدة الرجوع، وتفريغ الكيس الذي ألقته من الأغراض على الأرض، ووجدوا بأنها ملابس. وبعدها تم جمعنا وسرنا مسافة قصيرة، وحضر جيبان عسكريان لقوات الاحتلال بالقرب منا، ونادى الجنود على زوجي وعلى الرجل الآخر بالإشارة بالتوجه لهم وفحصوا هويتيهما، وأفرجوا عن الرجل، وطلبوا من زوجي الجلوس على الأرض، وطلبوا منه خلع ملابسه جميعها باستثناء البوكسر. وقام جميع من كان معي بالسير جنوبا بعد أن أمرهم جنود الاحتلال بذلك، وأنا رفضت السير وبقيت أنتظر زوجي، وقامت آلية لاحتلال بتوجيه فوهتها تجاهي أنا وطفلي، ووجه الجنود السلاح تجاهنا. كنت حينها أبكي، وقام أحد الجنود بالإشارة لي بأنه سوف يقتلني، وأنا أصرخ عليهم وأترجي بهم بأن أطلقوا سراح زوجي، الذي وضعوا العصبة على عينيه واعتقلوه. واضطررت للسير جنوبا بعد أن فقدت الأمل، ونادى عليّ عمي بأن تعالي تعالي سوف يطلق سراحه بعد يومين، وبالفعل لحقت بهم. وبعد أن سرنا مساقة قصيرة، كان هناك آخر حاجز عليه مكعبات إسمنتية، وبعدها تجاوزناه، ووصلنا حتى تبة النويري غرب مخيم النصيرات، وكان المواطنون ينتظرونا بالمياه، وجلسنا هناك ما يقارب النصف ساعة، وبعدها توجهت عند والدتي التي نزحت لمدرسة أبو هميسة بمخيم البريج، وهي بالأصل من مخيم البريج. وفي ظل الوضع الحالي والظروف الصعبة لا أستطيع شراء أي شيء لطفلي من حفاضات وحليب، وأنا سيدة حامل أحتاج للغذاء، خاصة أن المبلغ المالي الذي كان بحوزتنا كان مع زوجي، وأيضا ما يزيد معاناتي هو أن والدي محمد عبد الحي محمود حلاوة أيضا مفقود منذ تاريخ 7/10/2023، ولا يوجد معيل أيضا لوالدتي وأخوتي الأطفال.
ورغم المعاناة الحالية إلا أنني هنا شاهدت الكثير من الطعام الشهي الذي لم اشاهده منذ فترة طويلة كالدجاج الذي لم أتذوقه منذ حوالي 6 أشهر، وكثير من أنواع الطعام التي نسيت اسمها نتيجة المجاعة التي كنا نعيشها في غزة والشمال.