يُحمّل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان دولة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية دفع المنظومة الصحية في قطاع غزة نحو كارثة إنسانية لا تُحتمل، جراء الاستهداف المتعمد والمتواصل للمستشفيات والمرافق الصحية، بالتزامن مع تصاعد قصف المنازل والأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها. ويؤكد المركز أن ما تبقى من المستشفيات في قطاع غزة باتت عاجزة عن استقبال الأعداد الهائلة من الجرحى مع تعطّل خدمات طبية حيوية منذ فرض الحصار المشدد في 2 مارس 2025، ما يقوض بقوة حق المدنيين في الرعاية الصحية، ويمهد لانهيارٍ كامل للأوضاع الانسانية في أي لحظة.
وقد أدى تصاعد عمليات الاستهداف المباشر والمتكرر للمستشفيات والمرافق الصحية في قطاع غزة، إلى إخراج أحد أهم المستشفيات في جنوب قطاع غزة، مستشفى غزة الأوروبي، بالإضافة إلى التسبب بأضرار جسيمة لحقت بأقسام داخل مجمع ناصر الطبي نتيجة الاستهداف المباشر، وأضرار لحقت بمباني مستشفيي الإندونيسي والعودة في شمال القطاع بعد استهداف محيطهما.
تتزامن هذه الهجمات مع تدفق آلاف الجرحى لهذه المستشفيات نتيجة تصاعد أعمال قصف المنازل والأحياء السكنية في جميع محافظات قطاع غزة، وسط تدهور كبير في أوضاع هذه المستشفيات بإمكانياتها المرهقة والعاجزة عن تقديم خدماتها بالحد الأدنى بسبب استمرار الحصار وتعرضها للقصف الإسرائيلي والتدمير المتعمد على مدار 18 شهرًا من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق سكان قطاع غزة. ويشدد المركز على أن استمرار استهداف المرافق الصحية، بالرغم من وضوح شاراتها الطبية وتمركزها داخل مناطق مدنية، استخفافاً مطلقاً بالقانون الدولي الانساني، وجريمة خطيرة تهدف إلى تجريد السكان المدنيين من حقهم في الرعاية الصحية.
ووفق متابعات المركز، أدى الاستهداف المتكرر لمستشفى غزة الأوروبي على مدار اليومين الماضيين إلى إخراجه عن الخدمة، حيث تسبب القصف بتدمير البنية التحتية الحيوية للمستشفى، بما في ذلك خطوط الصرف الصحي، والأقسام الداخلية، والطرق المؤدية إليه، ما يعرقل وصول المرضى والجرحى إليه. ويحرم هذا الاستهداف سكان قطاع غزة من الخدمات المتخصصة التي يقدمها المستشفى حصرًا ولا تتوفر في غيره من مستشفيات القطاع، كخدمات جراحة الأعصاب والصدر والقلب والأوعية الدموية، ومركز القسطرة القلبية، إضافة إلى كونه المستشفى الوحيد الذي يتابع مرضى السرطان منذ تدمير مستشفى الصداقة التركي، يعني ذلك حرمان مرضى السرطان من تلقي البروتوكولات العلاجية اللازمة، وتعريض حياتهم لمضاعفات قاتلة.1
وتشهد المنظومة الصحية في قطاع غزة انهيارًا غير مسبوق، مع تواصل خروج المستشفيات عن الخدمة وتوقف أقسام حيوية عن العمل في المستشفيات المتبقية، نتيجة الاستهداف المباشر والنقص الحاد الذي يطال 43% من قائمة الأدوية الأساسية، و64 % من المستهلكات الطبية. ويعاني جراء ذلك المرضى في أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ من عدم توفر أدوات طبية مهمة علاوة عن تقادم المعدات الطبية المتوفرة، مع غياب الأجهزة الحيوية التشخيصية ومواد التخدير، إضافة إلى انعدام أرصدة الغازات الطبية كالأوكسجين وثاني أكسيد الكربون والاثيلين والأوكسيد. 2
يعيق ذلك تقديم الخدمات الجراحية حتى في الحالات الطارئة، ففي مستشفى العيون الوحيد في غزة، نفذت المواد الدقيقة الخاصة بجراحات الشبكية ومضاعفات السكري والنزيف الداخلي، مع عجز كبير في أدوات مهمة كالخيوط الدقيقة والهيليوم الطبي، ما يضاعف خطر الفقدان الكلي لحاسة البصر لعدد من المصابين.3
وتعمل المستشفيات التي ما زالت تقدم خدمات طبية محدودة حالياً بمولدات كهربائية، وهو ما يعني احتمالية توقفها عن العمل في أي وقت بسبب النقص الحاد في الوقود، ما يُنذر بتوقف شبه كامل للرعاية الصحية، لا سيما لمرضى الفشل الكلوي، والأورام، وأمراض القلب، والدم، وغيرهم من أصحاب الأمراض المزمنة. وتستمر هذه الكارثة في ظل منع سلطات الاحتلال إدخال الإمدادات الطبية الطارئة، وهو ما يجعل من التدخل الدولي العاجل ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل.
إن ما تتعرض له المنظومة الصحية في قطاع غزة يمثل انتهاكاً فاضحاً للمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تفرض حماية خاصة للمستشفيات المدنية، والمادة (19) التي تحظر مهاجمتها طالما لم تُستخدم لأغراض عسكرية. كما يشكل هذا التدمير المتواصل للمرافق الصحية، في ظل الحرمان التام من إدخال المواد الطبية والمساعدات الإنسانية، صورة من صور الإبادة البطيئة التي تجرّمها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية بموجب المادة (2-ج)، عندما يُفرض على جماعة ما ظروف معيشية تستهدف تدميرها جزئياً أو كلياً.
يحذر المركز من أن انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة بات وشيكاً، وتداعياته الكارثية تعتبر جريمة تُنفذ على مرأى ومسمع من العالم دون أي تدخل لوقفها واستعادة الحد الأدنى من الحماية والرعاية الصحية لسكان قطاع غزة المحاصرين. لذا فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يدعو المجتمع الدولي، وخاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، ووقف الصمت المطبق إزاء الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والمنشآت الطبية في غزة. كما أن المركز:
[…] ملاذ لآلاف المرضى، لكنه اليوم بات معطلاً ولم ينجُ من القصف الإسرائيلي الأخير، ليتُرك المرضى وحيدين في مواجهة الموت البطيء بلا […]