تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم قتل مروّعة قرب نقاط توزيع المساعدات التي أقامتها في مناطق تحت سيطرتها الكاملة في قطاع غزة، في إصرار على تحويلها إلى مصائد للقتل والإذلال وامتهان الكرامة الإنسانية، في مشهد بات نمطًا متكررًا بصورة مرعبة وغير إنسانية يكشف عن آلية ممنهجة تستهدف قتل المجوّعين بدلًا من إغاثتهم.
ورغم القتل اليومي، والمعطيات الصادمة التي تكشف دور نقاط التوزيع في تكريس التجويع والإذلال والقتل، تصر قوات الاحتلال على المضي في هذه الآلية إمعانًا في جريمة الإبادة الجماعية وسط صمت من المجتمع الدولي يشكل غطاءً لاستمرار هذه الجريمة.
وضمن أحدث ما وثقته طواقم المركز، فعند منتصف ليل الثلاثاء الموافق 24/6/2025 بدأ عشرات آلاف المواطنين المجوّعين بالتجمهر عند مدخل البريج في المحافظة الوسطى، في انتظار استلام المساعدات من نقطة التوزيع عند حاجز نتساريم. وعند حوالي الساعة 01:30 فجرًا بدأ المواطنون يتدافعون باتجاه النقطة لاستلام المساعدات وسرعان ما استهدفتهم قوات الاحتلال بإطلاق النار والقذائف من الآليات وطائرات كواد كابتر. أسفر ذلك عن مقتل 26 مواطنًا وإصابة أكثر من 200 آخرين منهم 60 بحالة خطيرة جدًا.
وفي اليوم نفسه، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، نيران أسلحتها الرشاشة تجاه آلاف المواطنين المجوعّين أثناء توجههم إلى نقطتي توزيع مساعدات أقامتهما قوات الاحتلال غرب مدينة رفح. أسفر ذلك عن مقتل 30 مواطنًا، وإصابة عشرات آخرين بجروح مختلفة. كما ذكر شهود عيان بأن قوات الاحتلال اعتقلت عدداً من النازحين.
وفي جريمة مماثلة، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، عند حوالي الساعة 07:00 من يوم الاثنين الموافق 23/6/2025 نيران أسلحتها الرشاشة تجاه آلاف المواطنين المجوعّين أثناء توجههم إلى نقطتي توزيع مساعدات أقامتهما قوات الاحتلال في حي الحشاش، والحي السعودي شمال غرب مدينة رفح. أسفر ذلك عن مقتل 12 مواطنًا، بينهم 3 أطفال، وإصابة عدد آخر بجروح مختلفة. كما ذكر شهود عيان بأن قوات الاحتلال اعتقلت عدداً من النازحين.
وعند حوالي الساعة 16:00 من يوم الأحد الموافق 22/6/2025، فتحت الزوارق الحربية والآليات العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة باتجاه مجموعة من المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون شاحنات المساعدات القادمة عبر معبر زكيم، وذلك على الطريق الساحلي قرب الموقع المعروف سابقًا بمنتجع الواحة غرب بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. أسفر ذلك عن مقتل 9 مواطنين بينهم طفل وإصابة آخرين بجروح.
ووفق وزارة الصحة، فقد أسفرت هجمات قوات الاحتلال على طالبي المساعدات عن مقتل 516 منهم وإصابة أكثر من 3,799 إصابة، حتى صباح الثلاثاء، وذلك منذ إعلان قوات الاحتلال بتاريخ 27 مايو 2025، بدء العمل في آلية توزيع المساعدات من خلال نقاط توزيع تقع في مناطق خطرة تحت سيطرتها التامة وتديرها منظمة غزة الإنسانية التي أنشأتها لهذا الغرض، بحراسة من شركة أمنية أميركية خاصة، مع تمركز قريب لقوات الاحتلال في محيطها.
يشدد المركز أنه من غير المقبول أن يبقى المجتمع الدولي يشاهد جرائم القتل اليومي للمجوّعين، ويستمر في تقبل هذا النهج والنمط المتكرر، حيث في كل مرة، يتوجه الآلاف أو عشرات الآلاف من المدنيين، إلى محيط نقاط التوزيع على أمل الحصول على أي مواد تموينية بعد أن تفشت المجاعة بشكل غير مسبوق مع استمرار إسرائيل في إغلاق المعابر، ومنع إدخال المساعدات عبر آليات الأمم المتحدة، منذ 2 مارس 2025، وهناك يجدوا أنفسهم عرضة للاستهداف بإطلاق النار والقذائف من قوات الاحتلال وآلياته وطائراته، ومن ينجو من القتل أو الإصابة ويتمكن من الوصول إلى نقطة التوزيع عليه أن يخوض صراعا مع غيره من المواطنين للحصول على القليل من المواد الغذائية.
إن استمرار قوات الاحتلال ومنذ افتتاح هذه المراكز في القتل اليومي للعشرات من المدنيين وبينهم نساء وأطفال جزء من جريمة الإبادة الجماعية وينبغي أن يتوقف فورًا والمجتمع الدولي مطالب بالخروج عن دائرة الصمت التي تشكل غطاءً لهذا القتل غير المبرر.
يعيد المركز، التأكيد أن هذه التطورات تدلل على أن هذه الآلية لتوزيع المساعدات” تخالف بشكل كامل معايير العمل الإنساني والإغاثي التي نص عليها القانون الدولي الإنساني، وأنها فعل مهين ومذل في حد ذاته، وأنها تمس بالكرامة الإنسانية خاصة للمدنيين الفلسطينيين الذين عانوا على مدار 20 شهرًا من تجويع إسرائيلي ممنهج ومتعمد، في واحدة من أبشع الجرائم الجماعية المعاصرة.
كما أن الآلية الإسرائيلية لا تقدم حلولا عملية لإنهاء مأساة التجويع، بل توفر بيئة للفوضى فضلا عن كونها خطوة متعمدة لإقصاء المنظمات الدولية والهيئات الإنسانية المحايدة، وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها، وخاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” من القيام بدورها في غزة.
وبناء على ذلك، يحث المركز المجتمع الدولي الضغط على دولة الاحتلال لإلغاء هذه الآلية التي يطلب فيها من المواطنين الانتقال لمناطق خطيرة تحت سيطرة الاحتلال، والعودة لإدخال المساعدات وتمكين المنظمات الدولية من توزيع المساعدات وسط مناطق النزوح المختلفة، إلى جانب إدخال البضائع بشكل حر دون أي قيود.
كما يدعو المجتمع الدولي، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى تحمل مسؤولياتهم الإنسانية والقانونية على الفور، والتدخل العاجل والضغط على الاحتلال، من أجل وقف جريمة الإبادة الجماعية المستمرة، وفتح جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، واستئناف إدخال المساعدات الإنسانية دون قيود وبشكل فوري وواسع النطاق، وتحت إشراف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، بعيدًا عن أي تدخل عسكري أو سياسي من أي أطراف أخرى.