إيمان تيسير عوض غبون، 33 عاما، متزوجة وأم لثلاثة أطفال، سكان جباليا شمال غزة، وحاليا نازحة في دير البلح.
تاريخ الإفادة: 13/112024
أنا متزوجة من المواطن إبراهيم جميل عاصي غبون المفرج عنه من السجون الإسرائيلية بعدما اعتقلته قوات الاحتلال من مكان مبيته بمدينة رهط داخل إسرائيل بتاريخ 19/10/2023، حيث إنه كان قد حصل على تصريح عمل هناك، وقد أفرج عنه بتاريخ 4/11/2023، عبر معبر كرم أبو سالم بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، وذلك بعد أن ذاق ويلات الاعتقال والتعذيب والإهانة. ولدي من الأبناء ثلاثة: جميل 12 عاماً، ومجد 8 أعوام، وأمير 4 أعوام. وابنتي الطفلة التي خرجت من رحمي متوفية والتي أسميتها رحمة. وكنت أسكن في بيت أهل زوجي المكون من أربع طوابق والذي سوي بالأرض بعد ذلك نتيجة قصف الجيش الإسرائيلي له.
عندما بدأت الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، كنت داخل بيتي أجهز أطفالي جميل ومجد للذهاب إلى المدرسة. وما أن بدأ الطيران الحربي الإسرائيلي باستهداف الكثير من المناطق بشكل عنيف في أرجاء متفرقة من محافظتي غزة والشمال، بدأ الخوف والهلع يدب في نفوس الجميع خاصة الأطفال. مكثنا في المنزل قرابة الأسبوع، ولكن بدأت الأوضاع تزداد سوءا، حيث هدد الجيش الإسرائيلي منطقتنا بالإخلاء الفوري عبر إلقاء المناشير والاتصال المباشر من ضباط جيش الاحتلال، هددونا بأنه سوف يتم استهدافنا مالم نخرج من بيوتنا. بحكم أن زوجي كان يعمل في إسرائيل وأنا وحيدة مع أولادي فقد قررت عائلة زوجي الخروج من المنزل، ونزحنا معا إلى المستشفى الإندونيسي الموجود في منطقة الشيخ زايد شمال القطاع، ومكثنا فيه ما يقرب الشهر. كنا نسمع أصوات القصف والقذائف تتساقط من حولنا والإصابات التي تأتي الى المستشفى تباعا خاصة من الأطفال والنساء جراء استهداف المنازل، حتى بدأ الجيش بالالتفاف وحصار المستشفى من جميع الاتجاهات بتاريخ 20/11/2023. قمنا جميعنا بالخروج في وقت مبكر من نفس اليوم قبل أن يطبق الجيش حصاره على المستشفى وذهبنا الى معسكر جباليا ونزحنا لبيت أخت زوجي الموجود في آخر شارع أبو زيتون بمخيم جباليا، حيث بقينا في البيت ثلاثة أيام ثم بدأت الهدنة بتاريخ 24/11/2023. وهنا علمت أن الجيش الإسرائيلي قد اعتقل زوجي من مكان عمله في مدينة رهط بتاريخ 19/10/2023، وأفرج عنه بعد ما يقارب من 16 يوما في جنوب قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم بعد التحقيق معه وتعذيبه في سجن عوفر طوال فترة اعتقاله وضربه من قبل الجنود ببساطيرهم على وجهه وصدره بشكل وحشي وتعرضه لتعذيب شديد، كما أبلغنا عبر الهاتف.
وبعد نهاية أيام الهدنة في 1/12/2023، بدأ جيش الاحتلال بضرب المنطقة بقنابل الغاز بشكل كثيف وإطلاق القذائف المدفعية عليها بشكل عشوائي فقمنا بالخروج منها وتوجهنا الى بيت خالتي بالقرب من مستشفى كمال عدوان بمشروع بيت لاهيا. وبعدها بعدة أيام تم قصف بيت أقاربنا من آل عساف المقابل للمنزل المقيمين فيه تماما، وسوي البيت المكون من أربع طوابق بالأرض، وكان مليئا بالنازحين من النساء والأطفال والرجال حيث استشهد بداخله 36 شهيدا منهم أقربائي وعماتي وأم زوجي وأصيب أيضا أولادي الثلاثة بجروح متفاوتة في أجسادهم و أتذكر من الشهداء: والدة زوجي: رحمة عوض حسن عساف 65 عاما، وشقيقتها فدوى عوض حسن عساف 60 عاما، وميسا رفيق عساف 35 عاما، وليليا علاء عساف 4 أشهر، ورامي علاء عساف 17 عاما، ومرح وليد عساف 12عاما، والين وليد عساف 8 أعوام، ورياض وليد عساف 5 أعوام، وتولين وليد عساف عام ونصف، ومحمد رياض عساف 32 عاما، وأنسام الحملاوي 32 عاما، وآدم محمد عساف عام ونصف، وأشرف رياض عساف 27 عاما، ونداء رأفت عساف 20 عاما، وكنان أشرف عساف عام واحد، وهبة رياض عساف 37 عاما، وشذا شادي عساف 15 عاما، وريتاج شادي عساف 14 عاما، ومحمد شادي عساف 7 أعوام.
بعد قصف المنطقة خرجنا منها ولجأنا لداخل مستشفى كمال عدوان، لأنه لا مكان لنا لنذهب إليه أو نلجأ اليه وأيضا لكوني حاملا حينها في الشهور الأخيرة من حملي. وهناك تم حصارنا في المستشفى من قوات الاحتلال بتاريخ 3/12/2023 لمدة 15 يوما. كنا ننام في ممرات المستشفى وعلى الأرض لأننا خرجنا ولم نستطع أخذ أي شيء من أغراضنا ومستلزماتنا بعد أن قُصف البيت المقابل لنا وتضررنا بشكل كبير وخرجنا هربا للنجاة بأرواحنا. كنا نلتحف الأرض من دون فرشات أو أغطية وعانينا في المستشفى من عدم توفر الطعام ومياه الشرب وتكدس المشفى بالنازحين بشكل كبير، مع العلم بأنني طوال فترة وجودي في المستشفى وحصارنا فيها كنت أبحث عن علاج لابني مجد، 8 سنوات، الذي كان يعاني منذ ولادته من مرض سوء تخزين السكر (نقص أنزيم في الكبد) حيث كان يتلقى العلاج في مستشفى تل هاشومير في إسرائيل منذ ولادته وكل أدويته الخاصة كنت أحصل عليها من هذه المستشفى لعدم توفرها أساسا في قطاع غزة.
ومع بدء المجاعة في القطاع بدأت حالة مجد الصحية تتهاوى وتزداد سوءا يوما بعد يوم، حيث إنه يحتاج الى تغذية سليمة ومياه معدنية صحية ونظافة شخصية ووقاية من الأمراض والملوثات وهو ما لم يتوفر في المستشفى بسبب حصارها بشكل كامل من قبل جيش الاحتلال ومنع إدخال أي شيء من العلاجات والأدوية ومستلزماتنا. وبعد 15 يوما من الحصار، قام جنود الاحتلال بالنداء على الرجال والممرضين وأخرجوهم جميعا من المستشفى وكان منهم أهلي وأخوتي وأقاربي الرجال، وبقيت النساء والأطفال فقط فيها لمدة ثلاثة أيام من دون طعام أو شراب. وبعد خروجنا من المستشفى، عدت مع أطفالي الى حيث ذهب أهلي في معسكر جباليا ومكثوا في مدرسة الفوقا. وهناك أخبروني بأن الجيش الإسرائيلي قتل أخي إبراهيم تيسير عوض عساف 38 عاما، وذلك بعدما طلبوا من الرجال الخروج من المستشفى وأطلقوا رصاصة عليه في الظهر واستشهد على الفور. وأيضا أعتقل أخي الآخر محمد تيسير عوض 40 عاماً.
بقينا في المدرسة ما يقارب ال 35 يوماً، وسط قلة الطعام والمياه وتكدس النازحين، وبدأ الخوف يتملكني على ابني مجد المريض والذي بدأ يتهالك شيئا فشيئا. ثم خرجنا من المدرسة في منتصف شهر يناير 2024، وتوجهنا الى مدرسة الكويت الموجودة بالقرب من المستشفى الإندونيسي. ومع بداية انتقالي للمدرسة بدأت المجاعة تشتد بشكل كبير حيث كانت ذروتها من حيث ندرة الطعام والمياه والطحين والغلاء الفاحش في أسعار السلع الأساسية، هذا إن توفرت أصلا. وبدأ يظهر على جسدي التعب والمرض لقلة الطعام وانعدامه بشكل كامل، خاصة أنني كنت حاملا بطفلتي حينها بالشهر الثامن. وبدأ أولادي بالإصابة بالتعب الشديد والإرهاق والهزلان وسوء التغذية حيث نزل وزن إبني مجد المريض أكثر من 5 كيلوغرام، ولأن مجد يحتاج إلى نظام غذائي منتظم ومحاليل السكر وكل ذلك غير متوفر إطلاقا. وهنا اتخذت قرارا مصيريا بأن علي الذهاب الى جنوب قطاع غزة للنجاة والحفاظ على نفسي وأطفالي من الموت جوعا وفقرا في غزة. وقمت صباحا بأخذ أولادي والتوجه عبر شارع الرشيد لعبور الحاجز. وما أن وصلت مع أطفالي قريبا من الحاجز عند دوار النابلسي، تحديدا في الساعة 12 ظهراً، مع آلالاف من النازحين أمثالنا الذين يكافحون للنجاة بأرواحهم، حيث كانت أمامنا ومن حولنا دبابات فأطلقت علينا قذيفة مباشرة لتصيبني وتُصيب أولادي وفقدت وعيي. واستيقظت بعد ثلاثة أيام فوجدت نفسي على سرير في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، لم أكن قادرة على تحريك جسدي إطلاقا حيث أخبرني الأطباء بأنه بعد استهدافنا من قبل الدبابات قام الناس المتواجدون هناك بإسعافنا أنا وإبني جميل الى مستشفى الشفاء حيث استشهد في الحادثة أكثر من 50 شخصا منهم من كان يهمُ بعبور الطريق ومنهم من كان ينتظر دخول المساعدات لإطعام أولادهم وعوائلهم. وتم إخباري حينها بأن أولادي مجد وأمير قد استشهدا نتيجة قصفنا وقد قُطع جسديهما إلى أشلاء، وأنني أُصبت في قدمي اليسرى بتهتك في العظم حيث تحتاج قدمي الى زراعة عظم، وأيضا أُصبت في يدي اليسرى حيث تفتت مفصل يدي بالكامل وأنني أحتاج الى زراعة مفصل بشكل كامل، وأيضا إصابة في الوجه وحروق شديدة فيه فقدت على إثرها السمع حيث قُطعت أذني اليسرى بشكل كامل، والان أحتاج الى زراعة قوقعة فيها. وتم استخراج تحويلة عاجلة لي للعلاج في الخارج حيث أن علاجي لا يتوفر هنا إطلاقا. وبعد عدة أيام بدأت أشعر بآلام الولادة وبدأت أمي التي كانت بجواري منذ أن تم إسعافي الى المستشفى بالبحث عن دكتور لتتم عملية ولادتي، ولكننا لم نجد حتى دكتورا واحدا مختصا في التوليد ولم يكن يتوفر في المستشفى أي علاجات أو أدوية حيث كانت خالية تماما من كل أنواع العلاجات. وبتاريخ 28/2/2024 تمت ولادتي صباحا على نفس السرير لعدم قدرتي على التحرك إطلاقا نتيجة إصابتي حيث ولدت بمساعدة بعض من الممرضات غير المختصات بالولادة حيث ولدت طفلتي رحمة التي خرجت من رحمي متوفية نتيجة النزيف الشديد والإصابات التي تعرضت لها نتيجة قصفنا. وبقيت في المستشفى من أجل تلقي العلاج حتى تاريخ 19/3/2024 حيث تفاجأنا بحصارنا في المستشفى من قبل الجيش الإسرائيلي وتفاجأنا بدخول الدبابات والطائرات وقصف كل من يتحرك في محيط المستشفى وإطلاق الرصاص علينا من طائرات الكواد كابتر حيث حوصرنا بشكل كامل وقطعت عنا الكهرباء والمياه وحُرمنا من الطعام والشراب. وفي اليوم التالي، طلب الجيش من مرافقي المرضى فقط الخروج من المستشفى والتوجه نحو الجنوب فاضطرت أمي للخروج من المشفى وتركي ورائها. وقال لي أخوتي بعد ذلك أنها ذهبت الى بيت أحد أقاربها في تل الهوا بجوار مبنى الصليب الأحمر ومكثت هناك لمدة 5 أيام تنتظر حتى انسحاب الجيش لتعود وتطمئن علي ولكنهم تفاجؤوا بحصارهم أيضا في تل الهوا وطلب منهم الجيش الخروج من البيت ولم تكن أمي اعتدال غبون والتي تبلغ من العمر 62 عاما قادرة على الحركة فأطلق الجيش النار عليها بشكل مباشر وقتلها. وبقيت أنا لوحدي من دون أن أستطع أن أتحرك، واستمر حصارنا لمدة 14 يوما وكنا ما يقارب ال 100 مريض الذين لا يستطيعون الحركة إطلاقا المتواجدين في المبنى، ناهيك عن بقية المرضى والنازحين المحاصرين في المباني الأخرى في مجمع الشفاء. كان الجيش يأمر الممرضين بتحريكنا من مكان الى مكان بأنفسهم، ومنهم من أطلق الجيش عليهم الرصاص وقتلهم على الفور بعد ضربهم والتحقيق معهم. وكانت أعداد المرضى الـ 100 تنقص شيئا فشيئا فكانوا يموتون يوما بعد يوم لعدم توفر العلاجات لهم وضرب بعضهم من قبل الجنود لقتلهم عمدا. وبدأت الديدان تخرج من أماكن إصاباتنا من أرجلنا وأيدينا نتيجة لعدم وجود أي ممرض للتغيير على جروحنا التي بدأت تلتهب في كل يوم، ناهيك عن مكوثنا طوال هذه المدة من دون حتى شربة ماء أو طعام حتى بدأنا بالصراخ طلبا للمياه والطعام فأحضروا لنا قليلا منها. ناهيك عن تهديدنا بالقتل من قبل الجنود.
بقينا على هذا الحال حتى انسحب الجيش بعد 14 يوماً، فقمت بالاتصال على أخي للحضور وأخذني من المشفى وتم تحويلي الى مستشفى المعمداني وهناك لم أمكث ساعة حتى قال لي الأطباء بأن لا علاج موجود لديهم فقام أخي بإخراجي وتوجهنا بعد ذلك الى جنوب غزة مع أخي ومن تبقى من عائلتي. وعبرت الطريق الى الجنوب على كرسي متحرك مهترئ لعدم قدرتي على الحركة بتاريخ 17/4/2024. ذهبنا مباشرة الى المشفى الأوروبي وهناك قام الأطباء بعمل عملية تركيب جهاز تثبيت في قدمي المصابة وقالوا لي بأنها عملية وقائية تمهيدا للتحويل للخارج، وأنه اذا لم يتم تحويلي بسرعة عاجلة فإن قدمي قد يتم بترها وأنها معرضة للتلف في كل يوم أتأخر فيه بالسفر. وهناك التقيت مع زوجي في المشفى وبقينا فيه لمدة أسبوعين للعلاج، ومن ثم توجهنا للمكوث في خيمة صغيرة في دير البلح في شارع أبو عريف بالقرب من مدرسة شهداء دير البلح. حيث إنني أعاني وزوجي وإبني الوحيد الذي تبقى من وضع معيشي غاية في الصعوبة نتيجة لعدم توفر مصدر دخل لنا وأيضا حيث أحتاج لكثير من الحاجيات والمستلزمات الصحية لإصابتي واحتياجي أيضا الى كرسي متحرك بشكل عاجل. وانتظر من يقوم بمساعدتي والوقوف الى جانبي للخروج والعلاج في الخارج وإنقاذي من بتر قدمي.