نهى عبد الرزاق شخصة (حلس)، 35 عاما، أم لأربعة أطفال، سكان الشجاعية شرق غزة.
بداية معاناتي كانت أول يوم في الحرب 7/10/2023، كون المنطقة التي نسكن بها خطيرة (شرق الشجاعية)، وأول ما يحدث تصعيد نخلي منازلنا مباشرة. نزحنا لمدارس وكالة الغوث مدرسة في تل الهوا (بنات تل الهوا) بجوار مستشفى القدس. مكثنا في المدرسة 40 يوما، خلالها كنا نشرب ماءً غير صالح للشرب، وكنا نطبخ على الحطب. حياتنا كانت صعبة لا فرشات ولا وسائد، ولا حرامات ولا أي شيء؛ لأننا خرجنا من الشجاعية هاربين دون أن نأخذ شيئا من أمتعتنا، وكنا نحصل على الطعام بصعوبة.
بتاريخ 10/11/2023، حاصرنا جيش الاحتلال لمدة أسبوع ولم نكن نستطيع الخروج ولا نستطيع تأمين الطعام. كنا نشرب المياه المالحة، ونعيش على بعض علب جبن الفيتا وبعض المعلبات، حياتنا صعبة والأكل شحيح جدًا، وكنا نتناول وجبة واحدة طول اليوم.
في يوم 18/11/2023، صلينا الفجر وتقريبا الساعة السادسة والنصف صباحا اقتحم جيش الاحتلال المدرسة، في بادئ الأمر أطلق قذائف دخانية وقذائف صوت إلى جانب إطلاق النار بشكل جنوني نحو المدرسة. الوضع كان صعبا فوق الوصف، اعتقدت أننا سنموت وتشاهدنا على أرواحنا، لم أتخيل أننا يمكن أن ننجو يومها.
أنا وأولادي كنا في الطابق الثاني من المدرسة والدخان كان كثيفا، وخنقنا من الدخان ولم نستطع التنفس إلاّ بصعوبة بالغة، وإثر ذلك نزلنا للطابق الأرضي بمساعدة زوجي وزوج أختي.
استمرت قوات الاحتلال في إطلاق القذائف الدخانية والرصاص وبكثافة، كانت الأصوات مرعبة، أصبنا بالرعب، والأطفال كانوا يصرخون، وكذلك حالنا نحن النساء والرجال الموجودين في المكان. الرصاص كان يضرب الجدران فوق رؤوسنا، وانبطحنا كلنا على الأرض، ووضعنا أيدينا فوق رؤوسنا، واستمر إطلاق النار نحو ساعتين خلالها كنا ممددين على الأرض، لم نكن قادرين على رفع رؤوسنا. بعد ذلك شاهدنا الدبابات والجرافات في ساحة المدرسة، وعلى الفور جرفوا ونبشوا الجثث التي كانت مدفونة في ساحة المدرسة وأخرجوهم، علمًا أنه كان مدفون شقيقين من عائلة عجور استشهدا برصاص قناصة الاحتلال قبل اقتحام المدرسة وتم دفنهم في ساحة المدرسة.
كان معنا رجل يعرف اللغة العبرية ويتحدث بطلاقة. تكلمنا معه وشجعناه أن يخرج ويحمل راية بيضاء في يديه ويقول للجنود نحن مدنيين وأنه يوجد معنا أطفال ونساء. وبمجرد خروجه هو ومجموعة من الرجال ووصلوا لساحة المدرسة أطلق الجنود النار تجاههم فاستشهد عدد منهم وأصيب آخرون، وهربوا باتجاه الصفوف، وكان عدد الرجال حوالي 30 رجلا. في تلك اللحظة شاهدت زوج أختي، سامي جندية مستشهدًا، وعندما حاول ابنه محمد سحبه أطلق جنود الاحتلال النار تجاهه وأصابوه في رأسه واستشهد بجوار والده. عدد آخر استشهدوا أنا لا أعرف أسماءهم. كان هناك طفلة من عائلة الضبة عمرها 13 عامًا، وطفلة من عائلة الجمال عمرها 16 من الشهداء. في تلك اللحظة لم أكن أعرف أن زوجي شريف وليد حلس، 41 عامًا، أيضًا من ضمن الشهداء.
بلغ عدد الشهداء 15 شهيدًا في تلك اللحظة، وأثناء خروجي ومن شدة خوفي من هول المنظر احتضنت أبنائي وأغمضت أعينهم حتى لا يروا منظر الدماء الذي ملأ ساحة المدرسة. أخذت أبنائي الثلاثة وابني الرابع سعد، 14 عامًا، كان مع أبيه لم أعرف أين هم أو اين ذهبوا وخرجت مسرعة من المدرسة ووقفت على بابها أنتظر خروج ابني وزوجي حتى ننزح سويا، وجاءني ابني ولم يكن يرتدى الجاكيت كان يرتدى الشباح الأبيض (فانيلا داخلية) وسألته لماذا لا ترتدى الجاكيت قال لي نسيتها بالصف. لم أصدق ما قاله خصوصا عندما سألته عن أبيه قال لي إن والده قال له اذهب مع أمك وانزحوا على الزيتون وانا ألحق بكم، فرفضت النزوح وعندما أردت الرجوع مرة ثانية حتى أطمئن على زوجي داخل المدرسة أطلق الجنود النار فوق رأسي مباشرة.
نزحنا إلى حي الزيتون بدون أحذية، كنا حفاة الأقدام، وكان عندي بنت عمرها عشر سنوات كان أخوها يحملها قليلا وينزلها قليلا؛ لأنها كانت مصابة بقدمها. عند خروجنا رفعنا الرايات البيضاء جميعا واتجهنا إلى حي الزيتون. طول الطريق من المدرسة لشارع 8 طول الوقت إطلاق النار من الاحتلال فوق رؤوسنا والجنود كانوا يقنصون الناس ويلقون القذائف طول الطريق.
كان من ضمن النازحين مصابين وصلوا لمستوصف الزيتون وتمت معالجتهم هناك، وبمجرد وصولنا المستوصف أخبرني ابني باستشهاد والده في المدرسة وأنه قام بتغطيته بالجاكيت الذي كان يرتديه. بعد ذلك توجهنا إلى مدرسة لا أستطيع تذكر اسمها لأننا جلسنا بها يوما واحدا وبعد ذلك توجهنا للجنوب.
ففي 20/11/2023 مشينا من مستوصف الزيتون باتجاه حاجز نتساريم مشياً على الأقدام خمس ساعات ولم نأخذ معنا أي شيء، خرجنا بالملابس التي نرتديها فقط، ووصلنا للنصيرات، كان أهلي هناك ومكثت أسبوعًا، ومن ثم توجهت إلى مركز إيواء في دير البلح في مدرسة دير البلح الابتدائية المشتركة.
قتلوا أبي أمام عيني
وأفاد الطفل سعد شريف حلس، 14 عامًا، لطاقم المركز، تفاصيل استشهاد والده أمام عينيه.
في حوالي الساعة العاشرة صباح 18/11/2023، كنت متواجداً مع أبي، 41 عامًا، في نفس غرفة الفصل بمدرسة الإيواء التي لجأنا إليها (مدرسة بنات تل الهوا بجوار مستشفى القدس في غزة). وكان يوجد في الغرفة الرجال الذين يريدون الخروج لجيش الاحتلال وإخباره بأننا مدنيون عزل. خرج كل الرجال وهم يرفعون رايات بيضاء إلى الساحة وكان الجنود قبالتهم. واتفقوا أن الذي يعرف يحكي عبري يحكي مع الجنود، وبدأ يتحدث معهم، وردوا عليه، وأخبرنا أن الجنود يطلبون أن ننبطح على الأرض، أنا رجعت لغرفة الفصل التي كنت فيها، وبدأت أنظر إليهم وأنا أشعر بالخوف والرعب وأنظر ناحية والدي، وفجأة بدأ الجنود يطلقون النار تجاههم وهم منبطحون على الأرض. أنا بقيت مركز على والدي وكان يحاول الهرب، وشاهدته يقع على الأرض وهناك دم ينزف منه. بعد ما شاهدت والدي وهو يتعرض لإطلاق النار هربت لغرفة الفصل الثانية التي كان بها النساء. بعد خمس دقائق وقف الجنود على باب الغرفة التي تواجدنا فيها، وطلبوا منا التحرك باتجاه الزيتون. أثناء خروجي شاهدت والدي مستشهد، فخلعت الجاكيت الذي أرتديه وغطيته به، وبقيت بالشباح، ما قدرت حتى أحضنه أو أبوس رأسه. كان الجنود طول الوقت يطلقون النار، وخفت أن يطلقوا النار تجاهي لو حضنته ومشيت باتجاه باب المدرسة وخفت أبكي تعرف أمي أن والدي استشهد وخفت من ردة فعلها وأنها قد ترجع إلى المدرسة وتتعرض لإطلاق نار من الجيش، صرت أقول: فقدت أبوي، الحمد الله أمي لسه عايشة. خفت أفقد الاثنين.
الناس قالت للجيش في شهداء وجرحى فقال الجنود لهم اطلعوا بسرعة لتلحقوهم. وبعدها خرجت، ووجدت والدتي على باب المدرسة تنتظرني، ولم أبلغها باستشهاد والدي، وأخبرتها أنه سوف يلحقنا في النزوح، وعندما وصلنا إلى مستوصف الزيتون أخبرتها باستشهاده.
نسخة تجريبية