يناير 22, 2024
هذه قصة 40 يومًا من الحصار فقدت فيها 36 فردًا من عائلتي
مشاركة
هذه قصة 40 يومًا من الحصار فقدت فيها 36 فردًا من عائلتي

محمود هشام محمود عبد الغفور، 25 عاما، أعزب، سكان السطر الغربي في خانيونس.

أنا طالب سنة خامسة في كلية الطب كنت أدرس بالسودان، وعدت إلى قطاع غزة، قبل عدة أسابيع من حرب 7 أكتوبر الماضي، بسبب الحرب التي اندلعت في السودان، حيث قررت أن أعود لبلدي على اعتبار أنها أكثر أمنا، وما هي إلاّ عدة أسابيع حتى انفجرت الحرب هنا مع قصف وخوف لا يتوقف.

منذ اليوم الأول للحرب، كنا نسمع أصوات القصف والقذائف في كل مكان ونشعر بحالة خوف شديد. ولكن كنا نتحرك حركة محدودة في المنطقة وباتجاه منطقة البلد. خلال الأيام الأولى للحرب انقطعت الكهرباء تماما، وبدأنا نواجه أزمة في الحصول على المياه، واشتدت الأزمة تدريجيا المتعلقة بالمواد الغذائية، نتيجة شحها وغلائها في الأسواق بسبب إغلاق المعابر. مع اشتداد وتيرة القصف، وحدوثه في كل مكان، بدأنا نسمع بالشهداء والمصابين من معارفنا وأقاربنا. ففي يوم 23/10/2023، استشهدت ابنة عمي بيسان عمر عبد الغفور، 17 عاما بعد يومين من إصابتها في قصف الاحتلال منزل جدها لأمها في وسط خانيونس، وفي اليوم نفسه، استشهد ابن عم والدي الدكتور محمد أحمد عبد الغفور، مع زوجته وأربعة من أبنائه أغلبهم من الأطفال، ومنزله لا يبعد سوى مئات الأمتار عن منزلنا. 

ونتيجة القصف على منطقة القرارة حيث تسكن أغلب عائلتنا، قدمت إلينا عمتي إيمان، هي وزوجها، وعدد من أبنائها وأحفادها، ونزحوا في منزل عمي سمير، المجاور لمنزلنا، وكذلك نزح إلى منطقتنا جدي لوالدي محمود عبد الغفور هو وزوجته وعمي عماد وزوجته وأبناؤه، وجميعهم كانوا يقيمون في منزل عمي سمير، المكون من بدروم وطابق أرضي.

بتاريخ 1/12/2023، أعلنت قوات الاحتلال بدء توغل بري في خانيونس وأصدرت أوامر بإخلاء بلدات المنطقة الشرقية. وفي اليوم الثاني بدأنا نسمع أن هناك أوامر تهجير تشمل منطقتنا، ولكن أهلي قرروا البقاء، نحن مدنيون، وأين يمكن أن نذهب، فبقينا في المنازل، ولم نكن نتخيل أن الجيش يمكن أن يصل مناطقنا. في هذا اليوم خاصة مساءً، نفذت طائرات الاحتلال غارات عنيفة على شكل أحزمة نارية في المنطقة. كان الوضع مرعبا جدًا وكان واضح أن الهدف إخافة الناس، وجزء من الناس أخلوا بالفعل، منهم أحد أعمامي.

عصر يوم 4/12/2023، جاءنا خبر استشهاد ابن عم والدي أيمن مصباح عبد الغفور، وابن عمة والدي رياض عبد الكريم عبد الغفور، جراء قصف إسرائيلي على منزل في منطقة السكة مجاور للمنزل الذي نزحوا إليه من القرارة حيث يسكنون. ذهب عمي سمير وعمي عماد للمشاركة في دفن الشهداء، ثم عادوا وقالوا لنا إن الوضع خطير وأننا يجب أن نلتزم البيوت. قبل أذان المغرب نصح عمي سمير أبي أن نذهب إلى البدروم في منزل ماجد صلاح، زوج خالتي وهو مجاور لمنزلنا، لأن أصوات القصف والصواريخ والأحزمة النارية كانت شديدة. كانت تلك ليلة صعبة لا يمكن أن ننساها، كنا مذهولين من كمية وشدة الصواريخ والأحزمة النارية وكنا نسمع أصوات اشتباكات.

صعدنا على سطح المنزل لمشاهدة ما يجري حولنا، كان هناك إطلاق نار كثيف من الشمال والجنوب، صواريخ وقذائف بشكل عشوائي وجنوني.

نمنا ليلتنا وأصبحنا يوم 5/12/2023، وبدأنا نسمع صوت الدبابات وعرفنا أن قوات الاحتلال توغلت في منطقة السطر الغربي. كانت ساعات مليئة بالخوف والقلق، ولكن كنا نتحرك بين منزلنا ومنزل أعمامي. ليلتان مرتا بصعوبة لم ننم فيهما.

يوم 7/12/2023، جاءنا خبر قصف منزل جدي محمود عبد الغفور، الكائن في حارة المجايدة والمكون من 3 طوابق، وجدي كان نازحاً لدى دار عمي سمير بجوارنا، هو وعمي عماد وأسرته. خلال هذا اليوم ذهب ابن عمي محمود سمير عبد الغفور، 26 عاما، ليعطي جيراننا طحيناً، ولما تأخر، ذهب عمي سمير وعمي عماد ليطمئنا عليه، ولكي يأتوننا ببعض الخضراوات، وبعد 20 دقيقة رجع عمي عماد وابن عمي محمود وهو في حالة ذهول وكان محمود يبكي وهو مفجوع، إلينا في منزل ماجد صلاح، علمًا أن منازلنا مجاورة لبعضها البعض، وأبلغنا محمود بخبر استشهاد والده، أي عمي سمير محمود عبد الغفور، 53 عاما، بعد لحظات من دخولهم، أطلقت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية صاروخ تجاه باب المنزل، بعدها خرج عمي عماد وابن عمي محمود عائدين إلى منزل عمي سمير ليبلغوا  باقي العائلة، وكان وقع الخبر علينا جميعا شديدا والجميع انخرط في البكاء.

أخبر عمي عماد عمتي إيمان أن تذهب لتتفق مع والدي (هشام) لكي يذهب كبار السن ليواروا جثمان عمي الثرى بشكل مؤقت. عمتي قالت هناك زنانات (طائرات استطلاع) فوقنا، فقال لها عمي: لا تخافي، وقال لها توكلي على الله وروحي، وجاءت عمتي إلى منزلنا لكي يتفقوا على الدفن. كنا نجلس في صالون المنزل، وبعد خمس دقائق سمعنا صوت طائرة مغيرة، فتوجهنا من الصالون إلى غرفة أخرى. وسمعنا صوت ضربة في منزل عمي عبد الرؤوف عبد الغفور الذي يقع جنوب منزلنا مباشرة ويفصل بيننا شارع بعرض 4 أمتار، وكان في المنزل 9 أشخاص، وقد استشهدوا جميعا، وهم عمي وأبناؤه ومنهم ابنته المتزوجة مع طفلها.

بعد ذلك، جاء إلينا إخواني الذين كانوا في منزل ماجد صلاح لكي نذهب معا إلى منزل عمي عبد الرؤوف، فذهبنا أنا واخواني وعمتي وأبي إلى منزل عبد الرؤوف لكي ننتشل الجثث مع ابن عمي  الذي رأيناه يحمل جثة أخته والطفلة صغيرة هي ابنتها يبدو أنها كانت مصابة. رجعنا ونحن مرعوبون إلى منزل ماجد صلاح لا نعرف ماذا نفعل، إلى أن قام أخي محمد، 22 عاما، وقال أريد أن اذهب لمساعدتهم فقلت له اجلس وأنا سأذهب، إذ أنا أدرس الطب وقلت ربما يحتاجونني في تقديم الإسعافات الأولية. في تلك اللحظات ونحن نتبادل الحديث، انفجرت اسطوانة غاز من منزلنا، فرجعنا عن القرار أن نخرج، وكانت عمتي معنا، كان عددنا 9 أشخاص، منهم زوج خالتي ماجد صلاح. بعدها بربع ساعة، سمعنا صوت انفجار كبير، وبعدها وصلنا غبار وكانت رائحة بارود تملأ المكان، وعرفنا أنه قصف إسرائيلي استهدف منزل عمي سمير أيضًا، حيث كان جدي وكل باقي العائلة هناك، وكان أبي معهم. لم نستطع أن نخرج، بقينا من تلك اللحظة في البدروم.

كنا نعاني من قلة الأكل والماء، ومن اليوم اتفقنا أن نتناول وجبة واحدة مكونة من فطير وزعتر. أصابتنا الأمراض، وشعرنا بالجوع والعطش على مدار 40 يومًا، كنا محاصرين في البردوم، وعلى بعد أمتار منا جثث ذوينا لا نستطيع أن نصلهم. كنا نصوم الاثنين والخميس لكي نوفر الطعام والماء.

بتاريخ 27/12/2023، قصفت طائرات الاستطلاع شخصا مريضاً نفسياً على باب منزلنا ولم نستطع أن نقدم له أي مساعدة لأن طائرات الاحتلال كانت فوقنا ولم نستطع الخروج، وكنا نشاهد الكلاب والقطط وهي تنهش في جثمانه إلى أن بقي عظما فقط.

بتاريخ 17/1/2024، سمعنا صوت حركة في الشارع، وتحققنا من داخل المنزل من الأمر لأن الصوت كان عاليا فإذا هم أبناء الحارة لأن جيش الاحتلال انسحب من المكان، وهم جاؤوا ليتفقدوا بيوتهم. في هذه اللحظة جاء أحد الجيران وأخذ ينادي علينا بأن نخرج من المنزل.  وخرجنا كانت وجوهنا شاحبة من الخوف ومن الجوع وما واجهناه. سألناه أين نخرج ودلنا على طريق يبدو أنه آمنا عن طريق شارع الفلل إلى أن نصل مدرسة حمد. وفي الطريق رأينا حجم الدمار الهائل، فالأراضي مجرفة وشوارع الأسفلت مجرفة، كل سكان شارع الفلل كان خرابا إلى أن وصلنا مدرسة حمد، ومن هناك استقلينا عربة كارة يجرها حمار وتوجهنا حتى مسجد القبة عند آل اللحام، ومن هناك نحن توجهنا إلى رفح.

ولا يزال الشهداء في الشارع وتحت الأنقاض وهم:

1)جدي محمود عبد الرؤوف عبد الغفور، 85 عامًا

2)زوجته نجاة نايف عبد الغفور، 56 عاما.

3)نجله عمي الطفل عبد الله محمود عبد الغفور، 16 عاما.

4)طفلته عمتي نسمة محمود عبد الغفور، 14 عاما.

5)والدي هشام محمود عبد الرؤوف عبد الغفور، 59 عاما مدير مدرسة

6)عمي عبد الرؤوف محمود عبد الغفور، 54 عامًا، موظف في وزارة الصحة.

7)زوجته وفاء حمزة عبد الغفور، 47 عاما.

8) وابنهما أحمد عبد الرؤوف محمود عبد الغفور، 23 عاما.

9) وابنهما محمود عبد الرؤوف محمود عبد الغفور، 22 عاما.

10) وابنهما علي عبد الرؤوف محمود عبد الغفور، 20 عاما.

11) وابنهما مريم عبد الرؤوف محمود عبد الغفور، 16 عاما.

12) وابنهما رائدة عبد الرؤوف محمود عبد الغفور، 12 عاما.

13) وابنهما هبة عبد الرؤوف محمود عبد الغفور، 25 عاما.

14) وابنتها مسك محمد القدرة، عامان.

15) عمي عماد محمود عبد الرؤوف عبد الغفور، 47 عاما (معلم)

16) زوجته سمية أحمد عبد الغفور، 42 عاما

17) وابنهما سلامة عماد عبد الغفور، 19 عاما، (أصيب في قصف بتاريخ 23/10/2023 على منزل خاله وكان مصابا ببتر في ساقه).

18) وابنهما الطفل محمود عماد عبد الغفور، 14 عاما.

19) عمي سمير محمود عبد الرؤوف عبد الغفور، 53 عاما

20) زوجته لانا يوسف عبد الغفور، 44 عاما.

21) وابنهما محمود سمير محمود عبد الغفور، 26 عاما

22) وابنهما الطفل محمد سمير محمود عبد الغفور، 16 عاما.

23) وابنهما الطفل أحمد سمير محمود عبد الغفور، 10 سنوات.

24) وابنته مريم سمير محمود عبد الغفور، 19 عاما (طالبة في كلية الطب)

25) وابنته ريم سمير محمود عبد الغفور، 27 عاما.

26) وابنها عبد الرحمن عبد الله سليمان عبد الغفور، 6 سنوات.

27) وابنها سليمان عبد الله سليمان عبد الغفور، عامان.

28) وابنتها إيمان عبد الله سليمان عبد الغفور، 7 سنوات.

29) وابنتها خديجة عبد الله سليمان عبد الغفور، 4 سنوات

30) سليمان طه عبد الغفور، 65 عاما. (زوج عمتي إيمان محمود عبد الغفور) نازح من القرارة

31) ابنته إسلام سليمان عبد الغفور، 33 عاما.

32) وابنته هدى سليمان عبد الغفور، 20 عاما.

33) وابنته هالة سليمان عبد الغفور، 14 عاما.

34) وابتهال سليمان عبد الغفور، 28 عاما.

35) وطفلها مجدي حمادة عبد الغفور، 3 سنوات.

36) وطفلها سليمان حمادة عبد الغفور، سنة واحدة.