يناير 21, 2024
نزوح بعد الولادة؛ الحرب حرمتني فرحتي بطفلتي الأولى
مشاركة
نزوح بعد الولادة؛ الحرب حرمتني فرحتي بطفلتي الأولى

ندوة حاتم حمدي بدارو، 30 عامًا، متزوجة، سكان حي تل الهوى بغزة، محامية في وحدة المرأة بالمركز الفلسطيني لحقوق الانسان،

وضعت طفلتي بتاريخ ٢٦/٩/٢٠٢٣ أي قبل عشر أيام من الحرب، وهو اليوم الذي لطالما انتظرته. كأي أم في العالم تنتظر قدوم مولودها الأول، قمت بتجهيز جميع المستلزمات التي يحتاجها من ملابس وسرير وسط أجواء من الفرحة والانتظار بفارغ الصبر.

في السابع من أكتوبر، كنت أتعافى من عملية ولادتي التي كانت مبكرة عن موعدها شهر من الزمن في منزل أهل زوجي في تل الهوا. كنت قد استيقظت في ساعات الفجر لكي أرضع صغيرتي، انتهيت من ذلك وذهبت إلى النوم وما إن لبثت عيناي تغفوان استيقظنا جميعاً مفزوعين على أصوات الانفجارات لم أدرك في اللحظات الأولى ماهي أو لعلي كنت أستبعد ما يجول في خاطري.

بدأت معاناتنا في اللحظات الأولى من هذا التاريخ، أدركنا صعوبة الوضع وأنها بداية مرحلة مختلفة شديدة الصعوبة وعدوان مختلف عما يسبقه، بدأنا نفكر بتأمين المواد التموينية التي نحتاجها لأنها قد تنقطع في أي وقت. ذهب زوجي للمخبز والذي كان يبعد أمتارا قليلة جداً عن مبنى تم استهدافه وبلطف من الله ورحمته لم يصب بأي أذى.  قمنا بتجهيز شنط الإخلاء تحسبا لأي طارئ.

بتاريخ ٩ أكتوبر في وقت متأخر من الليل سمعنا صوت انفجار قوي أدى إلى سقوط زجاج العمارة وخلع الأبواب من شدة الصوت. علمنا أن جيش الاحتلال استهدف مجموعة من الشبان في محيط أبراج تل الهوا، حيث كنت أقيم أنا وطفلتي وزوجي، نزل في حينها عمي ( والد زوجي ) وسلفي (شقيق زوجي) ليجدوا أن الشهداء في مظلة العمارة وان الدم متناثر في كل مكان. بدأ سكان العمارة بالنزول كلٌ منهم يحمل ما استطاع حمله، احتضنت طفلتي وهي عمرها لم يتجاوز أسبوعا واحدا وخرجنا بما كنت أرتديه من ملابس مسرعين إلى الطابق الأرضي من البناية، ومن شدة الخوف بقينا نحن وسكان العمارة في الطابق الأرضي مدة ساعة تقريباً وبدأ سكان العمارة بسؤال ما إن كان هذا صاروخ تحذيري تحسباً من أن يعاود جيش الاحتلال القصف مرة أخرى.

كانت لحظات مخيفة الكل مرتبك ومتوتر، أصوات الاطفال يبكون من شدة الخوف، انتظرنا إلى أن أدركنا أنه مجرد استهداف معين وانتهى ورجعنا إلى منازلنا وكنت أحمل على يداي طفلتي الرضيعة.

كل يوم يشتد صعوبة عن الذي يسبقه، كل يوم نتلقى خبر استشهاد أشخاص نعرفهم وتدمير أماكن لنا فيها أحلى الذكريات، في الليل يمضي الوقت ببطء شديد، لا أصوات في المدينة سوى أصوات الطائرات الحربية وطائرات الاحتلال الاستطلاعية التي تنخر في مسمع الإنسان وكأنها ذبابة تدور في رأسه، الشوارع فارغة من الناس، طوابير الناس على المخابز والتي بالكاد استطاع زوجي الحصول على ربطة خبز واحدة بعد الوقوف مدة أكثر من أربع ساعات، المحلات التجارية بدأت تفرغ من المواد التموينية الأساسية كالطحين والمعلبات.

لم أكن قد شفيت بعد من آثار عملية الولادة إلى أن بدأت أخبار إخلاء سكان شمال وادي غزة والذهاب باتجاه الجنوب بالانتشار، بتاريخ ١٣ أكتوبر جاءنا اتصال في الساعة الثانية صباحاً من إحدى قريباتنا تعمل في مؤسسة دولية بأنه يجب علينا النزوح إلى جنوب قطاع غزة.

في البداية لم استوعب ذلك الخبر ولم أكن أريد تصديقه إلى أن أصبحت الساعة السابعة صباحاً وقام منسق جيش الاحتلال بنشره رسمياً على مواقع التواصل الاجتماعي.

 قلت لزوجي إلى أين سنذهب وأنا بهذه الحالة متعبة جداً بالكاد أستطيع الجلوس وابنتي لا تزال لحمة حمراء وفي هذا العمر يخشى على الأطفال من نسمة الهواء. تملكتني حالة من البكاء الشديد خاصةً أنني كنت أعاني من آثار عدم الاتزان النفسي بعد الولادة “اكتئاب ما بعد الولادة”.

اتخذنا أصعب قرار اتخذناه في حياتنا بحثاً عن مكان آكثر أماناً، قررنا أن نغادر مع أهل زوجي دون معرفة ما يمكن توقعه، كان النزوح خطوة صعبة ومخيفة، ما اصعب ان تذهب نحو المجهول! ولكن كنت اؤمن انها ستكون حرب قصيرة وستنتهي وأواسي نفسي بأن النزوح سيكون لمدة ثلاثة أيام كما زعموا وأنني سأعود إلى منزلي الذي لم ادخله وأراه من قبل ولادتي! ولكن ها قد مضى ثلاثة أشهر ولم نعد حتى الآن.

في صباح اليوم نفسه في الساعة العاشرة صباحاً حزمنا أمتعتنا كنت اجري في المنزل لا اعرف ماذا يجب علي ان اضعه في شنطة اخلاء لطفلة رضيعة وما يكفيها من مستلزمات كونها اول تجربة اخلاء لي وانا أم، بمساعدة حماتي ( أم زوجي ) قمت بلملمة ما استطيع حمله ونسيت نفسي حتى انني لم آخذ لي الا غيار واحد وكل ما كنت أفكر فيه أن أؤمن احتياجات طفلتي الرضيعة، كنت مرهقة وخائفة أتذكر شعوري جيداً والدموع التي كانت تنهمر من عيني وإن كنت ارغب بإيقافها لم أكن أستطيع، التمت العائلة على بعضها البعض في السيارات ومعنا الأمتعة والتي بالكاد استطعنا إيجاد مكان يتسع كل ذلك.

توجهنا إلى دير البلح جنوب قطاع غزة، وهو مكان لعم زوجي يسمى ب ” الشاليه ” مكون من غرفة واحدة وصالة وحمام واحد ومطبخ، وباقي المساحة عبارة عن أرض خالية، المكان مزدحم جداً، أربعون شخصاً في مكانٍ واحد، لا كهرباء، لا ماء إلا بتشغيل المولد لرفعها من البئر ولا بنزين لتشغيله.

في البداية كان تحصيل المياه للاستحمام والغسيل ليس بشديد الصعوبة حيث قمنا بتأمين الوقود لتشغيل المولد لفترة ومن ثم أصبح شحيحاً وبالكاد يوجد وبسعر باهظ جدا، حيث بدأت المعاناه، معاناة الحصول على المياه للشرب والاستحمام، اصبحنا نكتفي بالاستحمام لمرة واحدة اسبوعياً واذكر انه قد مر اكثر من عشرة ايام لم استطع فيها الاستحمام، وصعوبة تأمين الطعام، والطحين لعمل الخبز على الحطب، وتأمين الحطب هذه قصة أخرى، حيث كنا نجمع الحطب من الاراضي المجاوره بعد ان اضطر ابن عم زوجي لقص بعض الخشب من الاشجار الموجودة في المكان، كل شيء نحصل عليه بصعوبة جداً، عدنا إلى الحياة البدائية بكل تفاصيلها، أصبحنا نطبخ على النار تحت اشعة الشمس الحارقة ونصنع الخبز على فرن الطين.

بدأتُ حياة أمومة صعبة جداً، كنت أخشى أن تنتهي انبوبة الغاز المتوفرة ولا أستطيع تعقيم زجاجات الرضاعة والمياه لعمل الحليب، خاصةً إنني لا أستطيع إرضاع طفلتي رضاعة طبيعية وكنت قد اعتمدت على الحليب الصناعي بشكلٍ تام وهذا كان نتيجة الخوف والتوتر الذي تملكني فذهب حليبي ولم يعد. دوناً عن القلق المستمر في محاولة تأمين وشراء علب الحليب الذي تتناوله طفلتي وأن يبقى لدي مخزون كافٍ في ظل قلة توفره وانقطاع النوع المحدد الذي وصفه دكتور الأطفال الخاص بها، مما جعل الصيدليات تبيع علبة واحدة فقط للفرد لكي يتسنى لطفل آخر الاستفادة منه، وتأمين الفراش، وشراء ملابس شتوية لي ولصغيرتي كوننا نزحنا بملابسنا الصيفية حيث اصبح الطقس بارد جداً والأربعينية على الأبواب، ذهبنا الى السوق لعلنا نجد اي شيء يحميها من البرد والمرض، الاسواق والمحال التجارية فارغة تماماً، بعد محاولات عديدة من التسوق وجدنا بعض ما يسمى ب “البسطات” تبيع الملابس المستعملة للأطفال “البالة” اضطررنا الى الشراء منها في ظل عدم وجود اي بديل آخر! ما باليد حيلة! ، وتوفير المياه المعدنية والحفاظ على ما تبقى منها لطفلتي كان من اكبر المخاوف التي تملكتنا لا يوجد مياه معدنية في اي مكان، اصبحنا نبحث عنها وكأننا نبحث عن عملة نادرة، نسأل كل من نصادفه والاجابة واحدة ” لا تحاولو، بحثنا ولم نجد”

” لا مكان يضاهي وجودك في منزلك”

المرأة بعد الولادة تحتاج إلى مكان هادئ، راحة، واهتمام، بطني بها عملية خياطة بالكاد أستطيع دخول المرحاض، دخول المرحاض صعب للغاية، لا بد أن تقف في طابور طويل لدخوله خاصة انه كان يوجد أطفال كثر في المكان، فكانت الأولوية لهم في دخول المرحاض الوحيد. لا أستطيع تنظيف وتجفيف جرحي في وجود هذا العدد من الأشخاص والاطفال. كنت أنام أنا وأمي على سرير واحد بالكاد يتسع لشخص وطفلتي نضعها على الأرض ونضع تحتها العديد من الاغطية لئلا تصل لها برودة الأرض، مساعدة طفلتي على النوم كان من اكثر المهام صعوبة حيث انها بدأت تدرك العالم الخارجي وتسيتقظ على ابسط الاصوات، لا هدوء في المكان! يمكث معي في الغرفة ثمانية اشخاص آخرون منهم أطفال، وفي الصالة ينام أكثر من خمسة عشر شخص من بينهم مريضة سرطان على فرشات في رقة السيجارة، وفي الأرض الخارجية قمنا بنصب خيم التي كانت تستخدم في الشاليه كوسيلة للترفيه وعمل التخييم أصبحت مأوى لثلاث عائلات، وشباب. استمر بنا الحال هكذا طيلة شهرين، اقوم بقضاء معظم يومي بجانب طفلتي في غرفة صغيرة، لا استطيع الخروج بها خوفاً عليها من البرد ولفحات الهواء، انتظر النهار ليعود الليل، الأيام مكررة تعيد نفسها في محاولة للبقاء على قيد الحياة وتأمين القوت اليومي لنا وللأطفال وأساسيات الحياة.

حان موعد تطعيم طفلتي ضد الأمراض لشهرها الأول وبسبب الحرب كان قد فات موعد تطعيمها الأسبوعي لأنني لم أتمكن من إعطائها إياه في غزة قبل النزوح لدخولها الحضّانة، وفي ظل انخفاض الوصول الى مراكز الرعاية الصحية الأولية، وما ان كانت التطعيمات متوفرة من عدمه قمنا بالبحث عن اقرب مركز صحي وسؤال بعض المعارف، ذهبنا الى مركز دير البلح الصحي ووجدنا اعداد مهولة من الناس تنتظر دورها حالها مثل حالنا، انتظرنا ساعات طويلة وقوفاً على الاقدام وفي الأخير تمكنا من تطعيم طفلتي مع عدم تمكني من الاطمئنان على وضعها الصحي، نظراً لانهم يعملون بخطة الطوارئ ولا يوجد حكمة، حيث أصبح المركز يوفر التطعيم فقط لا غير.

“لا استطيع تحديد اي الايام اكثر صعوبة”

بتاريخ 4 نوفمبر 2023 وتحديدا في حوالي الساعة السابعة مساءً، لا استطيع نسيان ذلك اليوم، كنت امارس روتيني اليومي خلال النزوح من ارضاع طفلتي وتبديل “الحفاض” وتنظيفها، وفجأة صوت انفجارات ضخمة من كل مكان، تعالت اصوات صراخ وبكاء الاطفال، كل من حولي يجري في الارجاء يتفقد اطفاله، كان زوجي واخي وامي في الخارج اعتقدت من شدة الصوت انها قذائف موجهة علينا ونزلت في الارض التي نحن بها، قمت بحمل طفلتي مسرعة بها الى الخارج بلا ملابس، وبلا غطاء، أُصبت بحالة هستيرية كما الكل حولي، ابكي واصرخ بإسم زوجي واهلي، لا انسى ان المشهد رُسِم في مخيلتي وكأنني اذا ما وصلت الى الخارج سأجد زوجي واهلي واحبائي مصابين وملقيين على الأرض، الى ان قاموا بتهدأتي ووجدت الجميع بخير، الحمدلله!

في اليوم الرابع والعشرين من نوفمبر دُمر منزل عائلة زوجي ( بيت حماي )، بل تم نسف الحي بأكمله، البيت الحنون الدافىء، بيت الكرام وانقياء القلب والروح اصبح كومة من الرماد، لطالما كان مفتوح للجميع، احتضن الكبير والصغير، سمع ضحكاتنا، احتوى حزننا وشاركنا فرحنا، كنت دائماً ما اتخيل طفلتي تجري وتلعب في انحائه مع ابناء عمها، فلبيت الاجداد سحرٌ خاص! ولكن للأسف لن يكون لها نصيب بأن ترى بيت جدها وأن تصنع لها ذكريات في زواياه.

منذ ولادتي لابنتي خرجت من بيتي وملاذي الآمن ولم أعُد حتى الآن، لا اعرف عن مصيره شيء سوى ان قذيفة لمدفعية جيش الاحتلال اخترقته فأحرقت نصفه، اسألة تراودني بلا إجابات، هل سأعود يوماً الى بيتي الذي لم استطع ان احتفل بذكرى زواجي الأولى فيه؟ ولن استطيع صنع كعكة ذكرى ميلاد طفلتي الأولى في مطبخه.

“نزوح للمرة الثانية والثالثة”

بتاريخ 2 ديسمبر 2023 صدرت أوامر من جيش الاحتلال بالإخلاء عن طريق نشر خريطة تتضمن بلوكات بأرقام معينة ولسوء حظنا كان رقم البلوك الذي نزحنا إليه 138 وهو من ضمن البلوكات المهددة بالإخلاء، حزمنا أمتعتنا للمرة الثانية وبينما كنا نستعد للرحيل ونضع الأمتعة في السيارات، فجأة وبدون إنذار قصف جيش الاحتلال أرضا فارغة بجانب الشاليه الذي كنا فيه، تجمدت بأرضي من الخوف وقوة الصوت، رأينا الشظايا تتطاير والدخان في كل مكان، أسرعنا إلى السيارات وأخلينا المكان على الفور.

ذهبنا إلى مواصي خانيونس على البحر مباشرةً، لتتكرر المعاناة من جديد بعد ان كنا قد تأقلمنا وأقلمنا المكان السابق حسب احتياجاتنا، أنا الآن في مكان مع طفلتي التي بعمر الشهرين، في مكان خالٍ من أي مقومات للحياة، متروك منذ زمن بعيد، لا مياه، لا كهرباء ولا غاز. مكثنا فيه مدة ثلاثة أيام، تكبدنا فيهم أشد الصعاب لا غاز لكي أقوم بتعقيم زجاجات الرضاعة لطفلتي، كنا نقوم بعملية التعقيم على الحطب في الخلاء على ضوء الهاتف المحمول والتي بدلاً ما تستغرق دقائق معدودة أصبحت تمتد لساعة من عملية جمع الحطب وتكسيره وتوليعه. اشتد الوضع سوءاً أصبح القصف وأصوات الانفجارات تقترب شيئاً فشيئا حينها أدركنا أننا لم نبتعد كثيراً عن الأماكن المهددة، قنابل الإنارة في كل مكان، أصوات البوارج من البحر وكأنها تأتي صوبنا.

في الخامس من ديسمبر 2023 قررنا أن نغادر مواصي خانيونس إلى رفح، حيث كانت في حينها المكان الوحيد الذي يبلغ جيش الاحتلال الناس بالنزوح عليه وأنها كما يقولون أكثر أماناً، انقسمنا وكل عائلة اتخذت قرارها بالبقاء والّي الله كاتبه بيصير أو الذهاب، ذهبنا إلى رفح لا نعرف إلى أين أو ماذا ينتظرنا سوى أنه مكان يسمى ب ” استراحة الندى” على مواصي رفح، وهي عبارة عن مكان كالمقهى لا يوجد به غرفة مسقوفة إلا المطبخ، تنظيفه يحتاج أيام، برد قارس، هواء شديد لا يمكننا إشعال موقد الحطب، أصبحنا نحاول موائمة المكان لنستطيع المبيت فيه، قمنا بشراء شوادر نايلون وتغطيته لعله يحجب البرد وهواء البحر ولو قليلاً، بعد كل المحاولات، لم أستطع المبيت بطفلتي فيه خوفاً عليها من البرد الشديد وعدم نظافة الغرفة التي اكتشفنا أنه كان بها فئران وحالة يرثى لها.

مكثت مع طفلتي لمدة ليلتان عند الجيران لم ارى فيهم زوجي وعائلته واهلي، لعل زوجي ومن ساعده من شباب الجيران يستطيعون موائمة المكان وتخفيف شدة البرد من أجل طفلة رضيعة، إلى ليلة السابع من ديسمبر حين جاءنا خبر من الأصدقاء أنه تم إدراج اسمي أنا وطفلتي في كشوفات السفر، غادرت قطاع غزة في السابع من ديسمبر 2023 تاركة ورائي زوجي الذي أصّر على البقاء مع والده ووالدته لرعايتهم في هذه الظروف القاهرة، سافرت من أجل حياة صغيرتنا لعله يستطيع اللحاق بنا في وقتٍ لاحق.

“لن يشفى الغزيّ من ذاكرته”

لا يزال الأمر مؤلماً للغاية حين أستيقظ في الليل من كابوسٍ أهرب فيه من مكان لآخر هرباً من القصف، وبعد ذلك أتذكر أنني في مكانٍ آمن، يتملكني الخوف والتوتر في الأيام التي لا أستطيع الوصول فيها إلى زوجي وأحبائي حين ينقطع الإرسال مع غزة، لا شيء بأهمية أن تكون مطمئناً على من تحب.

 يكاد قلبي ينفطر حين أرى أن طفلتي بدأت بالضحك والمناغاة ولا يستطيع والدها أن يعيش معها هذه اللحظات ويرى أول ضحكاتها. أكملت طفلتي الآن شهرها الرابع في بلدٍ غريب عنها في سرير ليس بسريرها بعيدة عن عائلتها لأبيها التي لطالما انتظرت قدومها بفارغ الصبر، والآن لا يرونها إلا عندما أرسل بعض الصور لهم، لا أحد يستطيع فهم ما الذي تشعر به عندما تكون في موقف تعتقد فيه أنك قد تموت أو تفقد أحد أحبائك، سيلزمنا الكثير من الدعاء لمحاولة نسيان كل ما مررنا به، أعتقد أن حياتي قد تغيرت إلى الأبد.