هارون وليد هارون الكرنب، 29 عاماً، صحفي حر، متزوج وأب لطفل، سكان حي تل السلطان في رفح
تاريخ الإفادة: 23/4/2025
نزحت مع عائلتي المكونة من 5 أفراد من منزلنا الواقع في تل السلطان في مدينة رفح. في نهاية شهر مايو 2024، بسبب العملية البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح، نزحنا تحت القصف وإطلاق النار، ولم أتمكن من حمل بعض مستلزماتي، خاصةً الدرع الواقي الخاص بعملي الصحفي والخوذة. أقمنا في خيمة في مخيم سلام بجوار المحكمة الشرعية في مواصي خان يونس، وكانت العيشة في خيمة النزوح صعبة وحزينة حيث توفي أبي (وليد هارون الكرنب) في 5 أكتوبر 2024، وفي المقابل رزقت بمولودي الأول وليد وعمره الآن 8 أشهر.
عدت مع عائلتي إلى منزلنا الواقع في تل السلطان في مدينة رفح في نهاية شهر يناير 2025، بعد اتفاق الهدنة (بدأ تنفيذها في 19 يناير 2025)، وأقمنا في منزلنا بالرغم من الأضرار الجزئية التي لحقت به جراء القصف وبعد تنظيفه بشكل مؤقت. وخلال وجودنا في منزلنا، استمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في القصف وإطلاق النار، ولم يلتزم باتفاق الهدنة، واستشهد وأصيب عدد من السكان في أحياء كندا/تل السلطان، والسعودي، والفرقان غرب مدينة رفح.
يوم الأحد 23/3/2025، وفي حوالي الساعة 05:00 فجراً، استيقظنا على صوت إطلاق نار متواصل، وقصف مدفعي، وقصف من الطائرات الحربية والمروحية، وإطلاق نار من الكواد كابتر أيضاً. اتصلت على عدد من أصدقائي الصحفيين للاستفسار عما يحدث. وعلمت بأن هناك توغلا لقوات إسرائيلية خاصة، وهناك حدث وقع مع سيارات الإسعاف، والدفاع المدني وفقد الاتصال معهم. وفي حوالي الساعة 08:30 صباحاً، ألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات تطالب السكان في حي تل السلطان بإخلاء منازلهم والتوجه نحو المواصي عبر طريق غوش قطيف (شارع تجمع مستوطنات إسرائيلية سابقة في جنوب قطاع غزة) سيراً على الأقدام وبدون استخدام السيارات. خرجت مع عائلتي: زوجتي سارة، وطفلي وليد، وأمي ابتسام، وأخي محمود، وعمي شادي، وزوجته عبير، وأخذنا معنا حقائب صغيرة فيها ملابسنا، ولم نستطع أخذ أكثر من ذلك. وأثناء خروجنا شاهدت خروج جيراننا من منازلهم ومشينا نحو شارع مدرسة دار الفضيلة، ومسجد حلمي صقر شمال تل السلطان. وهناك شاهدت آلاف السكان، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، يمشون باتجاه شارع المحررات شمال غرب مدينة رفح عند تقاطع شارع مدرسة دار الفضيلة، ومسجد حلمي صقر.
خلال النزوح، شاهدت عجوزاً لا تستطيع المشي على قدميها وكانت تحبو مثل الأطفال على يديها وركبها، وكان منظرها مؤلماً. وكانت تمشي بجوارنا امرأة من عائلة جودة من جيراننا، وهي مصابة في ساقيها بإطلاق نار من طائرة كواد كابتر إسرائيلية، ولم أفهم كيف استطاعت المشي. كما شاهدت شابًّا مصاباً في صدره وتمكن أحد الشبان من حمله مئات الأمتار حتى وصول سيارة إسعاف نقلته إلى المستشفى، وعلمت أنه استشهد قبل عدة أيام متأثراً بجراحه. وشاهدت أيضاً حالات إغماء وفقدان الوعي بشكل كبير خلال المشي نحو شارع المحررات بسبب الصيام (كنا في نهار رمضان) والتعب، والخوف، وقد ترك بعض السكان ما حملوه من حقائب وأمتعة، وهربوا بسبب ملاحقتهم وإطلاق النار نحوهم من طائرات الكواد كابتر.
استطعنا قطع شارع المحررات، والوصول إلى شارع الطينة شمال مدينة رفح والذي يربطها مع جنوب مدينة خان يونس، وكان الطريق مجرفا وفيه حفر وسواتر ومشينا فيه بصعوبة كبيرة، ثم وصلنا إلى منطقة الإقليمي في مواصي خان يونس، وذلك بالرغم من تمركز الدبابات وجيش الاحتلال على بعد 100 متر قرب البركسات (مخازن الوكالة) وقبل وضع حواجز التفتيش للسكان النازحين من أحياء تل السلطان، والسعودي، والفرقان (أرض البراهمة).
عدت للإقامة في مخيم سلام بجوار المحكمة الشرعية في مواصي خان يونس للمرة الثانية بعد النزوح مجدداً، حيث كنت أقمت فيه بعد نزوحي الأول من تل السلطان في مايو 2024. وبعد مرور عدة أيام على وجودي في مخيم سلام، ومن خلال التواصل مع عمي عماد الكرنب أخبرني أن الجيش قد اعتقل ابنه (كريم عماد أحمد الكرنب، 23 عاماً، وهو طالب سنة ثالثة طب، وتم اعتقاله أثناء النزوح ولا يزال معتقلاً. وعلم عمي عماد بذلك من معتقل آخر أفرج عنه من معتقل النقب داخل إسرائيل.
وحسب ما سمعت وعلمت لاحقاً فقد اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي بعض الشبان أثناء مرورهم عبر حاجز التفتيش الذي أقامه على مخرج حي تل السلطان غرب مدينة رفح يوم التوغل الأخير في 23/3/2025، ومن بين المعتقلين اثنين من أصدقائي.