يناير 25, 2024
منظمات حقوق الانسان الفلسطينية تحذر من انعدام الأمن الغذائي وانتشار الجوع في قطاع غزة
مشاركة
منظمات حقوق الانسان الفلسطينية تحذر من انعدام الأمن الغذائي وانتشار الجوع في قطاع غزة

تحذر مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية، المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، ومؤسسة الحق، ومركز الميزان، من تزايد خطر وقوع مجاعة في قطاع غزة، وخاصة في مناطق شمال القطاع حيث تصلها المساعدات والمنظمات الإغاثية بشكل محدود جداً، وذلك نتيجة استمرار الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم 111 ومحدودية وخطورة الحركة.

وترى منظماتنا أن استمرار الأوضاع بوتيرتها الحالية سيخلق مستوى غير مسبوق من انعدام الأمن الغذائي في مناطق شمال قطاع غزة، مما يضع المجتمع الدولي ومنظماته الإغاثية أمام اختبار حقيقي للعمل بشكل جاد والقيام بواجباته في حماية المدنيين/ات من خطر المجاعة، من خلال الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي لوضع آليات جديدة تضمن مضاعفة تدفق وإدخال شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل عام ومناطق شمال القطاع الأكثر حاجة على وجه خاص بما ينسجم مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الانساني.

وبالتزامن مع إعداد هذا البيان، ظهر اليوم الخميس، وردت المعلومات الأولية، عن إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار تجاه آلاف المدنيين الذين تجمعوا قرب دوار الكويت جنوب غزة، بانتظار شاحنات مساعدات، ما أدى إلى استشهاد 20 منهم وإصابة 150 آخرين، بجروح في حصيلة غير نهائية.

وهو أمر قد تكرر سابقًا، عدة مرات، حيث وثقت مؤسساتنا الحقوقية استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية للمئات من المدنيين/ات الذين تجمعوا لانتظار شاحنات المساعدات على طريق صلاح الدين، وكذلك على شارع الرشيد، مما أدى إلى وقوع عدد من الشهداء والجرحى.

وقد حصلت طواقمنا على إفادات عدد من السكان في مناطق شمال قطاع غزة توضح مدى صعوبة أوضاعهم الإنسانية وفقدانهم الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة وسبل العيش، نتيجة النقص في الأغذية والمياه النظيفة والمساعدات الطبية. وقد لوحظ عدم وصول أي نوع من المساعدات الإنسانية لعدد كبير من السكان الذين بقوا في أماكن سكناهم أو نزحوا لأماكن أخرى داخل مناطق شمال قطاع غزة، وذلك مع فقدان السيطرة تماماً على التوزيع العادل لهذه المساعدات بسبب غياب شبه كامل لمنظمات العمل الاغاثي الدولية والمحلية. ويتضح ذلك من خلال مشاهد تدافع السكان على شاحنات المساعدات المحدودة التي سمح الاحتلال بإدخالها إلى مناطق شمال قطاع غزة.

وقد أفاد المواطن محمد قويدر، وهو أب لخمسة أطفال، ويسكن في شارع الصحابة وسط مدينة غزة، بما يلي: “لا أستطيع توفير الطعام لأطفالي ونحن نعيش على الأرز فقط، ولا يتوفر طحين القمح وإن توفر يصل سعر الكيلو نحو 10 دولارات، ولا نستطيع شراؤه، ونقوم بطحن علف الحيوانات والطيور (الذرة والشعير) للحصول على الدقيق، كما لا تتوفر الخضروات أو الفواكه، ولا يوجد معلبات غذائية، أو حليب للأطفال. نحن نعاني من مجاعة حقيقية”.

ويؤكد ذلك الإصرار الشديد على سياسة التجويع والعقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والتي تكثفت بعد السابع من أكتوبر 2023.

وتشير التقديرات أن نحو 400 ألف فلسطيني/ة، ممن هم في مدينة غزة وشمالها ولم يغادروها، على شفا مجاعة حقيقية نتيجة منع قوات الاحتلال الإسرائيلي وصول المساعدات بالشكل الكافي وانقطاعهم عن بقية مناطق قطاع غزة.

ويعاني شمال القطاع من شبه انعدام للعديد من الأصناف الغذائية المهمة كالخضروات والفواكه، وفقدان مصادر امدادات المياه الصالح للشرب في ظل توقف عمل محطات المياه بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها، إضافة لتوقف عمل طواقم الهيئات المحلية والبلديات.  وقد اضطر السكان لإنتاج الخبز باستخدام الطحين المكون من أعلاف الحيوانات بعد خلطها بالذرة، وبعضهم اضطر لأكل أوراق الشجر، بحيث لا يحصل الجميع على وجبات كافية في اليوم، ويلجأ الأهالي إلى حرمان أنفسهم من الغذاء وتقديمه لأطفالهم.

وقد ذكرت وكالات الأمم المتحدة في بيان رسمي أنها ولغاية الآن تمكنت من إيصال مساعدات إنسانية محدودة إلى قطاع غزة في ظروف غاية في الصعوبة، معتبرةً أن كميات المساعدات الانسانية هي أقل بكثير مما هو مطلوب لتجنب تفاقم الجوع وسوء التغذية وتفشي الأمراض. 

كما صرح المفوض العام لوكالة الأونروا بما يلي: “هناك القليل جداً من المعلومات حول شمال قطاع غزة، حيث لا يزال الوصول إلى المنطقة مقيداً للغاية. لم يكن مصرحا لي بالزيارة. وغالباً ما تتأخر قوافلنا وشاحنات المساعدات لساعات طويلة عند نقطة التفتيش الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يقترب العديد من الأشخاص اليائسين من شاحناتنا للحصول على الطعام مباشرة منها، دون انتظار توزيعه. وبحلول الوقت الذي تعطي فيه السلطات الإسرائيلية قوافلنا الضوء الأخضر للعبور، تكون الشاحنات فارغة تقريبا”ً.

كذلك يعزز توجه مؤسساتنا في إطلاق هذا التحذير، ما ورد في التقرير الصادر عن مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) ، الذي اعتبر أن سكان قطاع غزة، يتعرضون لمستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي مع استمرار العدوان الإسرائيلي. وقد حذّر التقرير من وقوع مجاعة إذا استمرت الأوضاع الحالية في التفاقم.

وكانت مؤسساتنا قد حذرت في بيانٍ سابق من خطر وشيك لتفشي أمراض وبائية عديدة بين النازحين/ات في قطاع غزة. وبحسب احصائيات رسمية يوجد من بين 1.9 مليون نازح/ة في قطاع غزة حوالي 55 ألف سيدة حامل، تضع 180 منهن مولوداً كل يوم، حيث ولد نحو 20 ألف طفل في قطاع غزة منذ بداية الحرب. وتواجه النساء الحوامل مخاطر عديدة بسبب صعوبة الوضع بالمستشفيات وغياب المتابعة مع الأطباء، واضطرار الكثير منهن للولادة في أماكن نزوحهن مع المخاطر المترتبة على ذلك، فضلا عن عدم توفر الرعاية الصحية اللازمة والافتقار للكثير من التطعيمات للمواليد، إلى جانب عدم توفر الغذاء الملائم سواء للأمهات الحوامل أو المرضعات، وهو أمر يؤثر على أكثر من 155 ألف امرأة حامل وأم مرضعة، بالإضافة إلى أكثر من 135 ألف طفل دون سن الثانية، نظرًا لاحتياجاتهم الغذائية الخاصة، والتي تتفاقم بسبب التوتر والصدمات. وتعاني غالبية النساء كما هو الحال بالنسبة لجميع النازحين من جوع حقيقي وافتقار كبير للمواد الغذائية، وتزداد معاناة النساء الحوامل والمرضعات، في وقت يعتمد أغلب السكان على وجبة واحدة محدودة في اليوم إن توفرت.

كما بلغ عد المرضى الذين يحتاجون إلى غسيل الكلى 1,100 مريضاً/ة، ووفق وزارة الصحة الفلسطينية بغزة فإن 400 مريض منهم لا يستطيعون الوصول للخدمة بسبب الحصار المفروض على مجمع ناصر الطبي منذ يوم الإثنين الموافق 22 يناير/كانون الثاني 2024. كما يوجد 71 ألف مريضاً/ة بالسكري، و225 ألفاً بحاجة لعلاج ارتفاع ضغط الدم. ويشكل انعدام الأمن الغذائي وانتشار الجوع خطر كبير على حياة هؤلاء المرضى، مما يزيد من الوفيات بينهم. 

إن مؤسساتنا ترى أن استخدام إسرائيل للتجويع كأسلوب من أساليب الحرب وهو أمر يحظره القانون الدولي الإنساني وفق المادة ٥٤ من البروتوكول الاول، لاتفاقيات جنيف، كما يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وهي جرائم تنفذها قوات الاحتلال بشكل ممنهج. كما يُعد التجويع جريمة حرب مكتملة الأركان، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة. وتنص المــادة (59) “إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان وتوفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح به وسائلها”.

وفي ضوء ما سبق، نجدد مطلبنا بضرورة وقف إطلاق النار الفوري، ووقف جريمة الإبادة بحق السكان في قطاع غزة، ونطالب المجتمع الدولي وخاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، بالضغط على إسرائيل من أجل إزالة العوائق والقيود المفروضة على توصيل المساعدات إلى مناطق قطاع غزة كافة، وخاصة شمال القطاع، وبما يشمل ذلك السماح بمرور عدد شاحنات أكبر وأصناف غذائية أكثر، وضمان سلامة عمال الإغاثة، وسلامة الأفراد المدنيين/ات الذين يصلون إلى مراكز توزيع المساعدات لاستلامها.