أنوار عمر شمس عبدو، 54 عامًا، سكان دوار المينا غرب غزة، نازحة حاليا في رفح، مريضة سرطان ثدي ولديها جلطتان على الرئة.
بتاريخ 8/10/2023، كان من المفترض أن أسافر بناء على تحويلة طبية للقدس للحصول على الإشعاع ولكن بسبب الحرب الإسرائيلية أغلق معبر بيت حانون/إيرز وحرمت من السفر للعلاج. كنت في منتصف مرحلة العلاج حيث تلقيت فقط الكيماوي، كنت أتلقاه في رام الله والقدس، ولكن لم يتم إكمال علاجي بسبب الحرب.
وبفعل القصف الإسرائيلي المكثف وأوامر التهجير، بدأ المواطنون منذ بداية الحرب بإخلاء مناطق الشجاعية والكرامة والتوجه لمنطقة الرمال وغرب غزة. خلال تلك الفترة كان الاحتلال يقصف عمارات وأبراج ومنازل بالقرب من منزلنا، منها عمارة جميرا ومنزلين لعائلة حبوش وبرج الغفري، وبسبب ذلك كنا نغادر المنزل ونعود إليه حسب وضع القصف وشدته وقربه. كان القصف لمنطقة ميناء غزة بشكل يومي والأحزمة النارية التي ينفذها جيش الاحتلال في المنطقة تدب الرعب في قلوبنا، فتم تدمير 3 بيوت والتسبب بأضرار مختلفة للمنازل المجاورة بسبب الأحزمة النارية. كنا ما يقارب 85 شخصاً في منزل مكون من طابقين ونقوم بالهرب في كل مرة يتم التهديد بالقصف من قوة أصوات القصف. كنت أعاني من ألم في الأذن وخروج الدم منها.
مع اشتداد وتيرة الحرب وطول مدتها، كان الوضع في غزة يزداد سوءاً يوم بعد يوم، لا كهرباء ولا ماء، والطعام بدأ ينقص تدريجياً من القطاع، والموجود أسعاره مرتفعة. كنا نعيش على الأرز المتوفر لدينا والطحين إلى أن نفد الطحين وأصبحنا نطحن الذرة والخبز يكون يابساً ونعتمد معلبات البقوليات. وكل ذلك كان يؤثر على صحتي وأنا بسبب مرضي يجب علي السير على نظام غذائي معين مثل الخضروات وشوربة الخضروات والفواكه وعلب التونة والبنجر وشرب مياه صحية 3 لتر كل يوم وشرب العصائر الطبيعية ونوع معين من الأجبان. ولكن بسبب انعدام توفر الطعام اضطررت لأكل المعلبات وأنا ممنوعة من أكل البقوليات نهائيا وتناول الأرز، مما أدى إلى تدهور صحتي بشكل كبير. كما أصبت أكثر من مرة بجروح طفيفة من تكسر الزجاج وتطاير الحجارة نتيجة القصف.
في 3/11/2023 نزحنا من الرمال لحي الزيتون بسبب قيام قوات جيش الاحتلال بالاتصال علينا هاتفيا وإخبارنا بإخلاء المنطقة لأنه سيتم اجتياحها بريا. كان جيش الاحتلال في ذلك الوقت يتمركز على نقطة الميناء ويقتربون من دوار الميناء، فقمنا بإخلاء المنزل الساعة العاشرة صباحا والتوجه لمنزل أختي في منطقة الزيتون بالقرب من جامع الشمعة. وفي منزل أختي كان عددنا يفوق المئة شخص، وفي تلك الفترة لم يكن يتوفر سوى الأرز والبقوليات وأنا أشعر بالإعياء الشديد، وعلاجي بدأ ينفد ولا يوجد انتظام في أخذ العلاج. كنت أحاول التواصل باستمرار مع مستشفى الشفاء ومستشفى المعمداني لسؤالهم عن العلاج، ولكن لم يكن متوفراً حتى الحقن التي كنت أتلقاها للجلطتين على الرئة، وهناك علاج اسمه كلكسان 80 لم أجده ووفر مستشفى المعمداني حقنتين، وتوجهت لمستشفى الشفاء وكان يتم اعطائي كلكسان 40 بدل 80 لعدم توفره.
في ذلك الوقت كان من المفترض أن آخذ حقنة يوميا ولكن بسبب عدم توفره لم أتلق علاجي وحالتي كانت تزداد سوءاً. كان وزني 100 كجم ولكن مع المرض وقلة التغذية انخفض وزني لـ 70 كجم، وبقيت طريحة الفراش لا أقدر على التحرك، وعندما أريد التحرك يجب على أحد الموجودين مساعدتي على النهوض والتحرك، وأشعر بالهزل والدوار بشكل مستمر. بقيت في منزل أختي 27 يومًا، وكنا نأكل الأرز فقط إن توفر بكميات قليلة جدا وتكون وجبة واحدة طوال اليوم وأشتري مياه الشرب الزجاجة لتر ونصف ب 10 شيكل و15 شيكل، وكنت أشرب أقل من لتر في اليوم على عكس ما هو مفترض. وانقطع العلاج بشكل تام من عندي بنهاية شهر نوفمبر 2023، مما فاقم معاناتي وزاد الألم في صدري ويداي وامتد الألم لجميع مناطق جسدي وأصبحت هزيلة جدا لا أقدر على الحركة.
وصلتني بتاريخ 1/12/2023 رسالة بأن أتوجه لمعبر رفح للسفر إلى دولة الامارات العربية ضمن سفر مرضى السرطان، ولكن لم أكن أستطيع الذهاب (في هذا اليوم استأنف الاحتلال حربه بعد هدنة استمرت لمدة أسبوع) وبقينا على هذا الحال في منزل أختي في البلدة القديمة حتى ألقت طائرات الاحتلال مناشير على البلدة القديمة لإخلائها بتاريخ 4/12/2023، فنزحنا إلى منزلنا في الرمال مشيا على الأقدام. كنت أحمل كرسياً صغيراً يمكن طيه وكنت أرتاح كل دقيقتين من شدة التعب. وكان المنزل مدمراً تقريبا مليء بالثغرات جراء قصف المدفعية وإطلاق النار عليه ونصفه الآخر محترق من القصف. قمنا بتنظيفه قدر المستطاع للبقاء فيه فكان ينام في الغرفة الواحدة أكثر من 20 شخصا. وبسبب هذا الحال انتشرت الأمراض بين النازحين في المنزل من انفلونزا ورشح. وبسبب انعدام مناعتي كنت أتلقى العدوى بشكل سريع، عدا عن آثار البارود والحريق في المنزل، كنت أحاول الابتعاد قدر المستطاع ووضع كمامة لحماية نفسي ولكن الألم تخلل جسدي ولا أعلم ما يحدث لي هل انتشر السرطان في نقاط أخرى من عدمه. وبدأ الطعام ينفذ بشكل تام والمياه النقية غير متوفرة، وكان أخي يقوم بغلي المياه المالحة لي للتخفيف قدر المستطاع من ملوحتها لأشربها. في هذه الأثناء صرت أتعرض لحالات إغماء تستمر لمدة ربع ساعة وأنا فاقدة للوعي وتتكرر الحالة كل 6 أيام وحالتي تزداد سوءا.
عادت قوات الاحتلال الإسرائيلي لاجتياح منطقة الميناء مرة أخرى فأخلينا مرة أخرى للبلدة القديمة مشياً على الأقدام وأنا في غاية التعب والإرهاق والشوارع مكسرة وأحاول الارتياح كل فترة والأخرى واستغرق الطريق مدة 4 ساعات معي مشيا، وبقينا مدة ثلاثة أسابيع وأنا على نفس المعاناة. وفي تلك الفترة انعدم وجود الطحين وكنا نطحن الأعلاف وبالتالي يكون الخبز يابسا وغير صحي لحالتي ولكن هذا ما كان متوفرا في ذلك الوقت والمونة المتوفرة في قطاع غزة كانت بأسعار خيالية. نبقى فترات دون طعام لنطعم الصغار وعندما نتناول الطعام وهو الأرز نأكل كميات جدا قليلة.
كنت دائما أناشد الأونروا والصليب الأحمر لنقلي من غزة فكان يمنع الخروج من الشمال للجنوب وعندما بدأت الشاحنات بالوصول لغزة وتم السماح لسكان غزة بالتوجه للجنوب جازفت بحياتي على الرغم من رفض عائلتي المطلق لتوجهي لوحدي للجنوب ولكن وضعي الصحي لم أستطع تحمله أكثر والألم يسري في جسدي.
بتاريخ 4/3/2024 الساعة 8 صباحا أوصلني أخي بسيارة إلى نقطة النابلسي على شارع الرشيد غرب غزة. وأكملت طريقي مشياً على الأقدام باتجاه الجنوب، وكان الاحتلال يطلق النار فوق رؤوسنا فوقعت على حاجز صخري على جنب الطريق، ظننت بأن ظهري قد كسر وتابعت المشي والألم يسري في جسدي ووصلت إلى شاليه غزال على شارع الرشيد فكانت نقطة لجيش الاحتلال الإسرائيلي فأوقفوني على الحاجز حتى الساعة العاشرة وتجمع عدد من النازحين المتجهين إلى الجنوب منهم أطفال وكانوا يقولون للجنود نريد الأكل نحن جياع ولكن لم يتم الاستجابة لهم ومن ثم تم فتح الحاجز وعبورنا والنظر إلى كاميرات موضوعة في كونتينر يتم دخولنا فيه ومن هناك سمح لي بالتوجه للجنوب.
أكملت الطريق مشيا وأنا في غاية التعب ولكن لا يمكنني التوقف إلى أن وصلت لمنطقة وادي غزة حيث كان هناك أشخاص من جمعية خيرية يستقبلون النازحين من الجنوب ويقدمون الطعام والشراب لنا وقام طبيب بفحصي وأخبرته بوضعي الصحي وأنا ابكي فقدموا لي المياه وكوب من الحليب وعلبة تونة وأكملت طريقي بسيارة إلى الجنوب.
توجهت بتاريخ 5/3/2024 إلى معبر رفح ولكن أخبروني بعدم وجود اسم لي في التنسيقات فعدت إلى المستشفى الإماراتي، وعندما قام الموظف بالفحص أخبرني بان التنسيق موجود من تاريخ 1/12/2023. وبتاريخ 11/3/2024، توجهت للمعبر مجدداً ولكنهم أخبروني بانه لا يوجد وفد إماراتي قادم وأن أعود عند قدوم الوفد الاماراتي.
بتاريخ 12/3/2024، توجهت لمستوصف فاطمة الزهراء برفح لتلقي العلاج وصرفوا لي علاج الهرمون الذي كنت أستعمله لإيقاف انتشار الورم وبعض الأدوية الأخرى ولم يتم فحصي لأنه لمعرفة إذا ما تم انتشار السرطان ن عدمه يجب ان يكون من خلال صورة تلفزيون وهذا غير متوافر في المستوصف. حاليا أنا موجودة في رفح على أمل السفر لإكمال علاجي وانتهاء معاناتي
.
نسخة تجريبية