مايو 30, 2025
مرضى السرطان في قطاع غزة يموتون ببطء بعد خروج آخر مركز علاجي لهم عن الخدمة
مشاركة
مرضى السرطان في قطاع غزة يموتون ببطء بعد خروج آخر مركز علاجي لهم عن الخدمة

يعرب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن قلقه الشديد لخروج آخر مراكز علاج الأورام السرطانية المتبقية في القطاع عن الخدمة، بعد خروج مستشفى غزة الأوروبي جنوب شرق مدينة خانيونس، إثر استهدافه ومحيطه بسلسلة غارات من قوات الاحتلال الإسرائيلي، بتاريخ 13 مايو2025. بهذه الجريمة النكراء، تكون دولة الاحتلال قد أسدلت الستار فعليًا على أي أمل لمرضى السرطان في الحصول على العلاج داخل قطاع غزة، وأدخلتهم إلى مرحلة الموت البطيء. ويرى المركز في استمرار الصمت الدولي إزاء هذه الجرائم المركبة، والانكفاء عن اتخاذ إجراءات حاسمة لمحاسبة مرتكبيها، خذلانًا أخلاقيًا وإنسانيًا، بل ويرقى أيضًا إلى التواطؤ مع هذه الجرائم، مؤكدًا أن مرضى السرطان في قطاع غزة يحتاجون إلى جهود إنقاذ فورية وعاجلة، فالموت بات على مسافة قريبة منهم، بينما يكتفي المجتمع الدولي بالمشاهدة.

وبحسب بيان وزارة الصحة الفلسطينية يوم أمس الخميس 29مايو2025، فقد توقفت بشكل كامل خدمات العلاج الكيميائي الوريدي والمتابعة الطبية لمرضى السرطان في قطاع غزة، وذلك بعد استهداف مستشفى غزة الأوروبي واخلاء المرضى منه، ما ضاعف من حدة الوضع الكارثي الذي يعيشه مرضى السرطان، لا سيما مع عدم تمكن الطواقم الفنية من اخلاء ما كان متوفرًا من الأدوية والعقاقير الطبية والأجهزة المهمة الخاصة بمرضى السرطان داخل المستشفى، وهو ما لا يمكن تعويضه في أي مستشفى آخر داخل القطاع.1

يُؤكد المركز أن اخراج ما تبقى من مراكز علاج مرضى السرطان في قطاع غزة من الخدمة، يندرج ضمن سياسة ممنهجة ترتكبها دولة الاحتلال في سياق جريمة إبادة جماعية مستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث سبق استهداف مستشفى غزة الأوروبي تدمير كل من مستشفى الصداقة التركي المرفق الحكومي الوحيد المتخصص في علاج أورام البالغين، وقسم علاج السرطان في مستشفى الرنتيسي للأطفال بعد تحويلهما إلى ثكنات عسكرية لفترات طويلة.  ومع انهيار هذه البُنى التحتية الصحية، أقيم مستشفى الصداقة الميداني المؤقت بدعم من منظمات صحية دولية كآخر ملاذ لآلاف المرضى، لكنه اليوم بات معطلاً ولم ينجُ من القصف الإسرائيلي الأخير، ليتُرك المرضى وحيدين في مواجهة الموت البطيء بلا أدوية ولا تجهيزات ولا حتى أمل في العلاج داخل القطاع.

يأتي ذلك في ظل آليات سفر عقيمة ومعقدة تفرضها قوات الاحتلال على مرضى السرطان، إذ لم يتمكن من السفر لتلقي العلاج سوى 1100 مريض فقط، بينهم 623 مريضاً بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح في مايو 2024 ،2 من أصل نحو 12,500 مريض بالسرطان في قطاع غزة. وتعكس هذه الأرقام حجم التعقيدات والإجراءات البيروقراطية القاتلة التي تفرضها سلطات الاحتلال، والتي تحوّلت إلى وسيلة ممنهجة لقتل المرضى عبر الانتظار. وتشير إحصائيات المركز إلى وفاة 615 مريضًا بالسرطان خلال الفترة من أكتوبر 2023 وحتى أبريل 2025، في حين يصطف نحو 2,700 مريض آخر في مراحل متقدمة من المرض، دون أمل في الحصول على العلاج، في ظل انعدام الخيارات العلاجية داخل القطاع، واستمرار إغلاق المعابر، وتعطيل آليات الإخلاء الطبي العاجل. ومع التدمير المتعمد للمستشفيات، وإخراج جميع مراكز علاج مرضى السرطان عن الخدمة، تكون دولة الاحتلال قد منعت أكثر من 90% من المرضى من حقهم في العلاج داخل قطاع غزة، وذلك أيضًا بعد إمعان في حرمانهم من السفر للعلاج خارجه، في انتهاك مزدوج يُهدد حقهم في الحياة ويجسّد ملامح جريمة إبادة جماعية ممنهجة.

تُشكل هذه الجرائم انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي توجب حماية الجرحى والمرضى، وتمنع استخدام الحرمان من الرعاية الصحية كأداة حرب.   كما أن سياسة العقاب الجماعي المفروضة على سكان قطاع غزة، والتي أفضت إلى انهيار النظام الصحي ومنع المرضى من تلقي العلاج، تمثل خرقًا جسيمًا للمادة 33 من الاتفاقية المذكورة.  كما يؤكد على أن أفعال القوات المحتلة المتمثلة بتعمد إلحاق الأذى الجسدي والنفسي، وتدمير المرافق، ومنع الدواء والسفر، يتضح فيها انطباق الفعل الثالث من المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وهو “إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليًا أو جزئيًا”، حيث إن حرمان المرضى من العلاج سواء داخل قطاع غزة أو خارجه، لا يمكن قراءته إلا كجزء من منظومة العقاب الجماعي والتطهير العرقي الذي تمارسه دولة الاحتلال بحق سكان قطاع غزة.

إزاء ذلك، يحمّل المركز الفلسطيني لحقوق الانسان دولة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن وفاة مئات المرضى بالسرطان، وعن تعمد إنهاء فرص علاج آلاف آخرين، عبر تدمير مراكزهم العلاجية وحرمانهم من السفر، وهو ما يشكل جزءًا من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.  كما يدعو المجتمع الدولي، وعلى رأسه الدول الأطراف المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، إلى التحرك الفوري والعاجل لوقف هذه الجرائم، والعمل على إعادة فتح الممرات الإنسانية، وضمان حرية حركة المرضى للوصول إلى العلاج خارج القطاع.  كذلك يدعو المركز المنظمات الدولية المعنية بالشأن الصحي، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، إلى التدخل العاجل وتقديم دعم مباشر وفعّال لإعادة تأهيل النظام الصحي في قطاع غزة، بما في ذلك توفير الأدوية والمستلزمات العلاجية اللازمة لمرضى السرطان، وإعادة تشغيل المراكز الطبية المتخصصة، وضمان وجود أطقم طبية مؤهلة وقادرة على التعامل مع الحالات المعقدة، كجزء من الالتزام الأخلاقي والإنساني بضمان الحق في الصحة للسكان الخاضعين للاحتلال.


  1. وزارة الصحة الفلسطينية، بيان صحفي، بتاريخ:29 مايو 2025، رابط إلكتروني: https://www.facebook.com/share/p/1BhFPij76h/ ↩︎
  2. مجموعة الصحة الفلسطينية، لوحة بيانات إحصائية، رابط إلكتروني:
    https://healthcluster.who.int/countries-and-regions/occupied-palestinian-territory ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *