ما بعد العدوان (7) “أعرف كل إنش في هذه الأرض…”
النص: لويسا/ المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
في هذه السلسلة الجديدة من الإفادات الشخصية، يتقصى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان نتائج الحرب الإسرائيلية التي استمرت لمدة 22 يوماً على قطاع غزة، واستمرار تأثير هذه الحرب على السكان المدنيين.
جمال البسيوني (أقصى اليمين) وناشطون محليون من بيت حانون يحيون يوم الأرض. تصوير: ماليان
عندما التقط المزارع جمال البسيوني ساقاً من القمح اليانع، شرعت مجموعة من الشباب بتأدية الدبكة في حقله. كان حشد مفعم بالحيوية يحيط براقصي الدبكة، وكان من بين الحشد العديد من النساء اللائي كن يرتدين الثوب الفلسطيني التقليدي المطرز. وعلى الرغم من أن أنقاض المنازل المدمرة تقع على مقربة، وبالرغم من الأراضي التي حولتها الجرافات والدبابات الإسرائيلية إلى بقع قاحلة، كان المزاج متفائلاً بشكل جريء. كان المزارعون المحليون ومؤيدوهم يحيون يوم الأرض الفلسطينية.
بدأ إحياء يوم الأرض في عام 1976، كإحياء لذكرى موت ستة من الفلسطينيين من شمال إسرائيل الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي بينما كانوا يتظاهرون احتجاجاً على مصادرة أراضيهم. وأصبح ذلك اليوم يوماً رمزياً مهماً للفعاليات عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولتسليط الضوء على المحنة التي يواجهها المزارعون الفلسطينيون من أمثال جمال البسيوني وأفرد عائلته، الذين يقطنون في عزبة بيت حانون على الأطراف الشمالية لقطاع غزة.
جمال أخبر طاقم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أنه: "عملت مع أخوتي على هذه الأرض لمدة 16 عاماً". تملك عائلته 360 دونماً من الأراضي التي تمتد حتى معبر إيرز الحدودي.
"لو أنك زرت هذا المكان حتى قبل عشر سنوات، لرأيت لم نحب هذه الأرض بهذا القدر. كانت الأشجار في كل مكان: كان لدينا أشجار تفاح، أشجار برتقال وليمون، وكنا نزرع الزيتون والكروم والأجاص واللوزيات والرمان والنخيل والبرقوق الأصفر. كانت بيت حانون جنة".
كان المزارعون المحليون في عزبة بيت حانون يشتهرون بزراعة أشجار الحمضيات، وخاصة أشجار البرتقال التي كانت أزهارها تعبق الهواء برائحتها العطرية الطاغية. ولكن هذه الأيام، لم يبق إلا عدد قليل من أشجار الفاكهة. منذ بداية الانتفاضة الثانية في شهر سبتمبر للعام 2000، دمرت الجرافات والدبابات الإسرائيلية أكثر من 42000 دونماً من الأراضي الزراعية في قطاع غزة. الغالبية العظمى من الأراضي التي تم تدميرها تقع في مناطق حدودية مثل عزبة بيت حانون والمناطق الزراعية في شرق قطاع غزة.
قال جمال بأن أرضه جُرِّفت عدة مرات: "عندما أُقتلعت أشجارنا أول مرة في العام 2002، أعدنا زراعتها. ولكن جُرِّفت أرضنا ثانية في العام 2003، وثم في العام 2004، وكذلك في الأعوام اللاحقة. في كل مرة كنا نزرع الأرض، كانت تعود الجرافات ثانية لتدمر ما زرعناه مرة بعد مرة. عشنا هنا لزمن طويل، ولكن أخيراً طردنا الإسرائيليون من أرضنا".
بعد سنوات من الاجتياحات الإسرائيلية لأراضيها، في النهاية اضطرت عائلة البسيوني لترك بيتها في مزرعتها والذهاب للعيش في منزل آخر على أطراف بلدة بيت حانون القريبة من مزرعة العائلة. وظل افراد العائلة يعملون في أرضهم في ساعات النهار، بينما استأجروا رجلاً من المنطقة، موسى محمد الجريتلي، 36 عاماً، لحراسة بيتهم في المزرعة في ساعات الليل. في الخامس من يناير للعام 2009، كان موسى الجريتلي وعائلته داخل البيت الذي يقع في مزرعة عائلة البسيوني عندما سقطت قذيفة إسرائيلية على المنزل. قتل موسى في الهجوم، وجرح أحد أبنائه، كما تم تدمير المنزل.
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، تم تدمير أكثر من 14000 منزلاً بشكل كلي أو جزئي، بينما قامت الدبابات والجرافات الإسرائيلية بتدمير آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية.
إن حجم الدمار الذي لحق بالأراضي وممتلكات المدنيين عبر قطاع غزة إنما هو دليل على نية إسرائيل في التدمير الممنهج لمنازل الفلسطينيين وسبل عيشهم.
صابر الزعانين، ناشط مجتمعي محلي، أثناء إحياء يوم الأرض في بيت حانون. تصوير: ماليان
يواصل المزارعون في مختلف مناطق قطاع غزة، وخاصة أولئك الذين يقطنون في الناطق الحدودية، مواجهة الخطر في حال محاولتهم العمل في أراضيهم. لقد عملت الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على توسيع "المنطقة العازلة" التي أعلنتها إسرائيل من جانب أحادي والتي كانت في بادئ الأمر تمتد إلى 350 متراً داخل حدود قطاع غزة. هذه الاجتياحات أدت إلى تدمير حقول المزارعين الفلسطينيين الذين يقطنون على بعد أكثر من كيلو متر من الحدود. ويفيد المزارعون أنهم يتعرضون لإطلاق النار من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء محاولتهم زراعة أراضيهم أو جني محاصيلهم في المناطق القريبة من الحدود، وبالتالي فإنه يتم إخلاء المناطق الحدودية أكثر فأكثر وبالتدريج، ويتم إجبار الأسر المزارعة على هجران أراضيهم في تلك المناطق.
وبينما كان راقصو الدبكة يضربون الأرض بأقدامهم بقوة ويهتفون للأرض، كان جمال البسيوني يشير بيده إلى أنقاض بيته الذي كان يقوم على مزرعته، قائلاً: "طيلة الأعوام التي عشناها هنا لم يكن لدينا كهرباء. ولكن كان لدينا مزرعتنا، كانت أرضنا تمنحنا إحساس الحياة. أعرف كل إنشاً من هذه الأرض، ولا زالت عائلتي تأتي يومياً إلى هنا، رغم خوفنا، وخاصة بعد الحرب وما حدث هنا. نحن لا نزرع الأشجار هنا الآن، ولكن لا زلنا نزرع القمح والخضروات. لأننا مزارعين من الصميم".