عبد الرحمن منير عبد الغفور، 21 عاما، أعزب، سكان خانيونس.
تاريخ الإفادة 25/4/2024
منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر كنا نسمع القصف والانفجارات ولكن بقينا في منزلنا وبدأنا نعاني من انقطاع الكهرباء وأزمة المياه وعدم توفر الاحتياجات بشكل طبيعي.
قبيل مغرب يوم 2/12/2023 نزحت أنا وأسرتي إلى منزل جدي لوالدتي (عبد اللطيف عبد الغفور) الواقع في شارع شبير وسط خانيونس، ونزحنا سيرًا على الأقدام، بعد أن ألقى جيش الاحتلال مناشير تطالبنا بالخروج من منازلنا، في حين رفض جدي المسن محمود عبد الغفور، وأعمامي هشام وسمير وعبد الرؤوف وعماد، الخروج من المنطقة، علمًا أنه كان يوجد إلى جانب منزلنا منازل أعمامي هشام وسمير وعبد الرؤوف، وكان جدي وعمي عماد وعمتي إيمان ينزحون عند عمي سمير.
بيت جدي الذي نزحنا إليها كان يتكون من 4 طوابق، كل طابق يضم عدة عائلات أُجبرت على ترك بيوتها واتجهت إليه في بحثها عن المكان الآمن. كنا في الطابق الأول ومعنا خالي سمير عبد الغفور وعائلته وخالتي سميرة عبد الغفور وعائلتها بالإضافة لجدي الذي تجاوز الـ 88 عاما ولا يستطيع الحركة بسبب الجلطات التي تعرض لها سابقا.
كان الوضع سيئاً في البيت بسبب الازدحام ونقص الماء، فكانت المياه تأتي كل أسبوع مرة وكانت تقطع سريعًا ومحاولتنا لتعبئة الخزانات بأي وسيلة متاحة تفشل بسبب الانقطاع، وكنا نشحن البطاريات للإنارة مرتين يوميًا من مستشفى ناصر.
بتاريخ 4/12/2023، قصفت قوات الاحتلال بيت جدي والد أبي محمود عبد الرؤوف عبد الغفور، في حارة المجايدة، وهي عمارة مكونة من 3 طوابق وتم تدميره بالكامل، ولم يكن به أحد لحظة القصف.
وبتاريخ 7\12\2023 تلقى والدي اتصالا من أحد جيراننا في السطر الغربي، وأخبرنا أن طائرات الاحتلال قامت بقصف بيوت أعمامي ولم نتمكن من بعدها من التواصل معهم أو التأكد من مصيرهم، وكان عددهم يزيد عن 45 شخصا في 3 منازل، وبقي مصيرهم مجهولا حتى عرفنا لاحقا بعد أكثر من 40 يوما باستشهاد 36 منهم.
بعد ذلك ومع اشتداد التوغل البري لجيش الاحتلال لمنطقة خانيونس واشتداد القصف وقذائف المدفعية والقنابل الدخانية التي وصلت للبيت فأصبحنا نبحث عن حل للخروج والبقاء آمنين خاصةً لوجود الأطفال وخوفًا من أن يصلنا جيش الاحتلال وينكل بنا.
نزحنا في 11/12/2023 إلى منطقة مواصي القرارة مقابل ميناء خانيونس، بعدما طلبت قوات الاحتلال إخلاء منطقة البلد واتصل الجيش على هواتفنا لننزح مرة أخرى إلى المواصي، حيث يملك عم والدي (زياد عبد الرؤوف عبد الغفور) مزارع للدواجن وهي عبارة عن دفيئة بلاستيكية معدة لتربية الدجاج بعد تنظيف المزرعة وتجهيزها لتعيش كل 3 عائلات في جزء. كنا أكثر من 15 عائلة يزيد عددها عن 100 شخص، أغلبهم من النساء والأطفال بالإضافة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وكلنا كما نشترك بحمام واحد.
مكثنا في المزرعة ما يقارب 4 أشهر. لم يكن المكان آمنًا كما ادّعى جيش الاحتلال، فمع استمرار القصف المدفعي كانت الشظايا تتساقط علينا من كل اتجاه، وكان الأمر مرعباً جدًا، ونحن نكون خائفين طوال الوقت ولا نتحرك إلا للضرورة وإحضار الطعام وأغلب اعتمادنا كان على المساعدات التي تصلنا.
وكنا نعاني من الخوف جراء القصف وتناثر الشظايا، وكنا نعاني من البرد شديد وكنا نلبس عدة قطع من الملابس، وزاد الأمر صعوبة أننا لم نحضر شيئا من الفراش أو الأغطية من بيتنا في السطر الغربي.
في أواخر شهر 12 وقبل حلول السنة الجديدة عشنا ليلة من أصعب الليالي. كان يوم خميس ولا أذكر التاريخ بالتحديد، سمعنا صوت قصف قريب منا وبعدها سمعنا أصوات استغاثة من نساء. خرجت مع والدي وابن عمي، مشينا اتجاه الصوت، وفجأة سمعنا صوت قصف آخر ليتبين أنه استهداف لثلاثة نساء كن يستغثن بنا بعد أن أُصيب أفراد من عائلتهم في القصف الأول. وفي ساعات الصباح وجدنا أشلاء النساء الثلاثة ووالدهن ووالدتهن الذين أُصيبوا في القصف الأول علما أنهم عائلة نازحة من منطقة القرارة، وهم من عائلة مصلح.
في 17\1\2024 علمنا أن 8 من العائلة، هم عمتي إيمان محمود عبد الغفور، وزوجة عمي إيمان عبد الحكيم عبد الغفور وأبناؤها كانوا في السطر الغربي وكانوا مختبئين في بدروم لزوج شقيقة امرأة عمي (ماجد صلاح) وقد نجحوا بالخروج والوصول إلى المواصي، وبعد خروجهم أكدوا لنا أن جدي وأعمامي وزوجاتهم ونساءهم استشهدوا في قصف منزلي عمي سمير وعمي عبد الرؤوف وعددهم جميعا 36 شخصا أغلبهم نساء وأطفال وكانوا ساعتها تحت الأنقاض.
يوم 9\3\2024 كنا في المزرعة ليلا وحدث قصف جوي بعد صلاة العشاء حيث قام الطيران الاسرائيلي بعدة استهدافات بالقرب منا. وبعد نصف ساعة بدأت الدبابات تضرب قذائف بشكل مكثف، وكانت القذائف تسقط حولنا. كان الوضع مرعباً جدًا والأطفال تصرخ من الفزع. ومع الفجر هدأ الوضع قليلًا، فغفوت قليلًا لأستيقظ على صوت صراخ أخواتي. كانت الشمس لم تشرق وأضأت الكشاف اليدوي لأجد والدي، 52 عاما، مصاباً إصابة بليغة في الرأس وجزء من دماغه ظاهر وهو على فراشه الذي ينام عليه وأختي شيماء 14 عاما، مصابة أيضًا في الرأس إصابة بليغة، كان كلاهما مازال يتنفس وعلى قيد الحياة.
كنا ننام أنا ووالديّ واخواني وخالي سمير وزوجته إيمان أبو شقرة وأولاده الأربعة في مكان واحد، وبعد رؤية والدي وأختي بهذه الحالة كنا في حالة صدمة ولم نعرف ماذا نفعل أو كيف نتصرف. قام ابن خالي سمير، محمود 19 عاماً، بالاتصال على الإسعاف ولكن بدون أن يستجب له احد. وبعد عشر دقائق أُطلقت قذيفة أخرى وكنا خارج منطقتنا أنا ووالدتي وأختي آلاء، 18 عاماً، وأخي محمد، 8 أعوام، وخالي على مسافة قريبة من مكان أبي. أصيب خالي سمير، 47 عاما، بشظايا في الصدر ووقع على الأرض. عدت إلى داخل الجزء الخاص بنا في المزرعة لأرى ماذا حصل بعد القذيفة الثانية فوجدت أشقائي أفنان، 15 عاما، وضحى، 13 عاما، ومحمود، 10 أعوام، بالإضافة لمحمود ابن خالي قد استشهدوا، وزوجة خالي مصابة في الساق وابنها أحمد 15 عاما مصاب في الفخذ الأيمن.
برغم صعوبة المشهد حاولت التماسك، ولكن عجزت عن إسعاف المصابين خوفًا من تجدد القصف، خرجت لأمي وأخبرتها بالشهداء وأخذتها وأختي آلاء وأخي محمد وأولاد خالي الصغيرين عبد اللطيف وعمر وتوجهنا مشيًا على الأقدام باتجاه البحر حيث توجد هناك خيام لأقارب لنا، وتركنا خلفنا الشهداء والجرحى. وبعد أن أخبرت أقاربنا بما حدث بادر قريبي ومعه توكتوك بالذهاب للمزرعة وأحضرنا كارة أنا وابن عمي وتوجهنا للمزرعة.
بدأنا بتفقد الشهداء لنجد فقط ضحى ومحمود ابن خالي مؤكد استشهادهم والباقي مازالوا يتنفسون، فقمنا بنقلهم بالتوكتوك والكارة. وكان قد استشهد بعد ذلك مختار العائلة صدقي حمدي عبد الغفور وكان ملقى على الأرض وابنته نجوى وهي من الصم والبكم وابنه أحمد كان مصابا إصابة بليغة واستشهد في اليوم التالي بالإضافة لشهداء واصابات لا أعرفهم.
وبعد نصف ساعة وصلنا مستشفى شهداء الأقصى وتم الإعلان عن استشهاد والدي وأخواتي أفنان وشيماء وضحى ومحمود أخي ومحمود ابن خالي بالإضافة للمختار وابنته نجوى وسيدة أخرى من أقاربنا تدعى الهام يونس عبد الغفور 25 عام ونسيب العائلة سعيد العسولي وهو من ذوي الإعاقة حيث كانت ساقه مبتورة، وهو والد زوج إحدى بنات عم والدي أحمد عبد الغفور.
وبعد يوم استشهد أحمد صدقي عبد الغفور 36 عاما متأثرًا بجراحه، وخالي سمير بقي في العناية المكثفة 3 أيام ثم نُقل إلى قسم الجراحة وخرج بعد 10 أيام، وخالتي مقبولة زكي عبد الغفور 72 عامًا أُصيبت بكسر في الحوض وبقيت 3 أيام، وباقي المصابين خرجوا بعد أن تم التعامل مع حالتهم وعولجوا، وكان بعضهم من ذوي الإعاقة منهم محمد زياد عبد الغفور وعمره في الثلاثينات.
لا زلت أنا ووالدتي وشقيقتي وشقيقي نعاني من صدمة ما حدث، وقد سافرنا لاحقا إلى مصر.