نجاح محمد عبد القادر أبو زر، 56 عاما، أم لـ 9 أبناء، سكان جباليا شمال غزة
تاريخ الإفادة: 20/4/2025
أنا متزوجة من السيد نافذ أحمد جبر أبو زر، 63 عاماً، أم لـ 9 أبناء (3 ذكور، 5 إناث)، كنت أسكن في منزلي بمنطقة بئر النعجة بجباليا شمال قطاع غزة، المكون من 4 طبقات، مقام على مساحة 160 م2.
نحن من العائلات التي بقيت في منازلها للرمق الأخير حتى الاجتياح الكبير لمحافظة شمال قطاع غزة، حيث بقينا في المنزل من 7/10/2023، حتى 13/10/2024. لم ننزح لمدينة غزة أو لمحافظات الجنوب حتى اقتحام قوات الاحتلال المنزل وإخراجنا منه عنوة ظهر يوم 13/10/2024، حيث إنهم أمرونا بالتوجه لمنطقة الشيخ رضوان بمدينة غزة، ومنها لمحافظات الجنوب، ولكن رفضنا وجلست عند ابنتي بمنطقة الشيخ رضوان حتى بداية وقف إطلاق النار بتاريخ 19/1/2025.
عانينا الأمرين جراء الحصار المشدد الذي فرضته قوات الاحتلال خلال الحرب على شمال غزة، من الجوع والعطش وقلة العلاج، حيث إنني مريضة بالغدة الدرقية، وكذلك الضغط والسكري والغضروف، مما دفعنا إلى أكل عشبة الخبيزة والحميض، وإعداد دقيق من أعلاف الحيوانات وطحنه وعجنه لتجهيز الخبز، كذلك انعدام وجود الحليب حيث إن طفل ابنتي رنا أبو زر كان بحاجة إليه، وهي كانت نازحة عندنا في المنزل، بعد استشهاد زوجها سهيل عبد الله غريب، بعد أن قنصته قوات الاحتلال الإسرائيلي أمام مدرسة الفوقا التابعة للأونروا بتاريخ 8/11/2023، حيث أصيب بعيار ناري في الرقبة أدى لمقتله على الفور.
كما كنا نعيش الخوف والرعب الشديدين كل يوم وكل لحظة نتيجة الاستهدافات العنيفة للمنطقة من حين لآخر من طائرات الاحتلال الحربية والمسيرة، وكذلك القصف العشوائي من المدفعية، بالإضافة للاجتياحات المتكررة لمحافظة شمال قطاع غزة.
وفي حوالي الساعة 8:00 صباح يوم الأربعاء الموافق 9/10/2024، كانت عائلتي متواجدة داخل الطابق الثالث من المنزل، وهم أنا وزوجي نافذ وأبنائي أحمد، 24 عاما، وأمجد، 20 عاما، وأمير، 14 عاما، وياسمين، 28 عاما، بالإضافة لابنتي رنا، 37 عاما، التي كانت متزوجة من الشهيد سهيل غريب، 48 عاما، وأبناؤها تسنيم، 16 عاما، وريتال 15 عاما، وماهر 11 عاما، ولين 10 سنوات، وعبد الله 6 سنوات، وابنتي دلال، 26 عاما، وزوجها محمود حمدي عبد الرحمن، 28 عاما. وكذلك كانت عائلة المواطن تيسير المصري نازحة في منزل عائلة وادي المجاور لنا من الناحية الغربية، وعند دخول قوات الاحتلال للمنطقة لجأ إلى منزلنا هو وأسرته وزوجته فاطمة المصري، وأبناؤهم عيسى، وضحى، ونور(معاق)، و جنى (معاق)، وعبيدة (معاق) ومحمد (معاق)، وهم سكان بيت حانون أساسا، وكذلك ابن جيراننا وسيم ماهر النتيل. اجتاحت قوات الاحتلال المنطقة بشكل مفاجئ، ووصلت حتى عيادة أم عوني الشرفا والتي تبعد عنا حوالي 150 متر غربا، وقام زوجي وأبنائي أحمد وأمجد وأمير وزوج ابنتي محمود عبد الرحمن والمواطن تيسير المصري، 49 عاما، وابنه عيسى، 23 عاما وابن جيراننا ووسيم النتيل، بالنزول في الممر المؤدي للمنزل الواقع في الناحية الجنوبية منه، وذلك لمعرفة أين القصف الشديد في الحي، فقمت بالتوجه لبيت الدرج وناديت عليهم أن اصعدوا للأعلى خوفا من استهدافهم. وبعد 5 دقائق استهدفتهم قوات الاحتلال بصاروخ. لم اسمع صوت الانفجار بل شاهدت النيران تتصاعد في بيت الدرج والغبار كان كثيفا، فقمت بالنزول بسرعة على الدرج، ووجدت ابني أمير ملقى على الأرض وكان مفارقاً الحياة، وكانت إصابته في الرأس، وكان ابني أحمد ملقى بجانبه وكان مفارقا للحياة وإصابته في رقبته وشظايا في جسده وكذلك كسور في يديه وحروق في الوجه، وزوجي بجانبهم مفارقا للحياة وإصابته في خاصرته اليمنى، وكانت أصابع يديه اليمنى مبتورة، وابني أمجد كان عبارة عن أشلاء لا يوجد له أي أثر، وتيسير المصري وابنه عيسى كانا أيضا مفارقين للحياة وكان جسديهما محروقان. ووجدت ابن جيراننا وسيم النتيل مصابا بشظايا في أنحاء متفرقة من جسده، وزوج ابنتي محمود عبد الرحمن أيضا مصابا بشظايا في جسده. قمنا أنا والبنات بسحبهم لداخل ممر المنزل، وبعدها قمت بجمع أشلاء ابني أمجد وقمت بوضعها بجانب جثة زوجي، وقمت بتغطية الجثث ببطاطين ووضعت عليها حجارة خوفا من نهشها من الكلاب والقطط، ولأنني لم أستطع حفر حفرة ووضعهم فيها. حاولت النداء بأعلى صوتي في المنطقة على أمل أن يكون أحدا في المنطقة لإنقاذنا دون فائدة، وقمت بالاتصال بأرقام جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والصليب الأحمر وكذلك عائلة المصري تواصلت مع ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي وقام بتنزيل مناشدة باسمنا، ولكن دون جدوي، وكان رد الهلال والصليب بأننا لا نستطيع الدخول للمنطقة وأنها منطقة خطرة. وقد استطاع أحمد وتوفيق النتيل وعمته سميرة من الوصول لمنزلنا وأخذوا ابنهم المصاب وسيم النتيل من طرق التفافية لمكان آخر، وبقي زوج ابنتي مصابا داخل الشقة في الطابق الأرضي من المنزل وبصحبته زوجته ابنتي دلال، وقمت بالتواصل مع شقيقي كمال الذي بدوره تواصل مع طبيب صديقه، وكان يعطيه تعليمات للتعامل مع إصابة زوج ابنتي، وهو بدوره ينقلها لي.
وصباح يوم 13/10/2024، اقتحمت قوة راجلة من قوات الاحتلال المنزل مع إطلاق النار بشكل كثيف وإلقاء قنابل داخل المنزل، ودخلوا على ابنتي دلال وزوجها محمود عبد الرحمن، وأخذوا ابنتي ومواطنا آخر يرتدي زيا مدنيا عرف عن نفسه بأنه يدعى يوسف من سكان رفح وأن قوات الاحتلال تستخدمه كدرع بشري عند الدخول للمنزل، وصعدوا بهم للطابق الثالث الذي نحن بداخله، وطلب منا هذا الشخص عدم الخوف والنزول للشارع وعلينا رفع بطاقات الهوية الخاصة بنا في أيدينا. نزلنا وكان بيت الدرج مليئا بالجنود المدججين بالسلاح، نزلنا جميعا للشارع وكان مليئا بالآليات والجيبات العسكرية ووجهوا فوهة مدفع دبابة علينا، وبدأ ضابط يتحدث معنا باللغة العربية المكسرة، وسألنا هل أنتم حماس أم لا، فأجبته بأنه لا يوجد لدينا علاقة بحماس، وقال لنا كل شيء ببين عنا، وسألني عن الجثث الملقاة على الأرض، فقلت له هذا زوجي وأبنائي ونازحين كانوا عنا في المنزل، فقال لي لو عرفنا بأنكم من حماس سوف نجعل الأطفال يتحسرون عليكم.
وبعد حوالي ساعة من الانتظار والخوف والهلع كانا شديدين في ظل محاصرة جنود الاحتلال وآلياته لنساء وأطفال فقط، طلب منا الضابط السير ناحية شارع الصفطاوي، وأخبرنا بأن وجوهنا معممة على الآليات المتواجدة على طول مسافة سيرنا في منطقة الصفطاوي ولن يتم استهدافنا، وطلبوا منا أخذ زوج بنتي المصاب محمود عبد الرحمن معنا وحاولنا حمله لكننا لم نستطع أخذه كوننا جميعنا نساء وأطفال ومعنا معاقين من عائلة المصري، وقال لنا الضابط سيبوه ونحن سنعالجه وسوف نأتي به لكم فتركناه. وقال لنا الضابط أيضا بأنه بعد 5 دقائق يجب أن تكونوا قد غادرتم المنطقة لأننا سوف نقوم بتفخيخ المنطقة ونسفها. وبالفعل سرنا حتى مول البشير للحوم وسط شارع الصفطاوي بجباليا، ومن هناك تركتنا الآليات وسرنا حتى منطقة الشيخ رضوان بغزة، وتوجهت لمنزل ابنتي رشا المتزوجة من المواطن أحمد أبو زهير بمنطقة صيدلية التقوى. بقينا هناك حتى بداية الهدنة بتاريخ 19/1/2025، حيث عدنا لمنطقة منزلنا وكانت جميع المنازل قد تم نسفها بالفعل ولم نعرف ملامحها. وقمت بنصب خيمة أمام المنزل من الناحية الجنوبية وأعيش بها الآن. أما بخصوص زوج ابنتي محمود عبد الرحمن فلم نعلم أي شيء لغاية الآن إن كان حيا أو ميتا وما زال مصيره مجهولاً، كذلك جثث زوجي وأبنائي الثلاثة واثنين من عائلة المصري لا نعرف مصيرها هل تم أخذها أم تم دفنها أسفل ركام المنزل.
منذ عودتنا أنا ومن تبقى من أسرتي نعيش الأمرين حيث إننا فقدنا منزلنا بعد تدميره بشكل كامل وتسويته بالأرض بجميع محتوياته وذهبت جميع أملاكنا، ونحن الآن مشردون ونسكن الخيمة، وقد فقدت زوجي الذي كان معيلا للعائلة، وأتحسر على فقدانه هو وأبنائي، ويوميا أتذكر المشهد الذي كان فيه زوجي وأبنائي الذكور الثلاثة ملقون على الأرض وخاصة ابني أمجد الذي قمت بجمع أشلاء جسده بيداي والذي كان عبارة عن كومة من اللحم. وقد جاء أبنائي الذكور بعد أن انتظار طويل حيث أنني انجبت 6 بنات ومن ثم جاء الذكور وقمت بتربيتهم حتى أصبحوا شبابا وذهبوا في غمضة عين ولم يبق لي سندا في هذه الحياة سوى الله، وكنت أتمني أن أذهب معهم.