ناهد بشير إسماعيل نعيم، 38 عاما، متزوجة، سكان بيت حانون شمال غزة، وحاليا نازحة في مدرسة في دير البلح وسط قطاع غزة.
أنا متزوجة منذ 14 عاماً من محمد فريد محمد نعيم، ولدي 4 أطفال وابنة من زوجي، وهم: ساندي 14 سنة، كرم 12 سنة، سالي 10 سنوات، ديما 8 سنوات وكريم 5 سنوات وهو مريض قلب.
بتاريخ 7 أكتوبر 2023 استيقظت لتجهيز الأولاد للمدرسة وكانت السيارة التي تقلهم للمدرسة بانتظارهم لنقلهم للمدرسة، ولكن قبل نزولهم حصل مالم يكن بالحسبان: أصوات القصف دوت في المكان، بدأ المنزل يهتز والقصف في كل مكان وأبنائي يبكون بشدة من الخوف، زجاج المنزل تكسر فوق رؤوسنا لأننا نعد الأقرب للحدود، وكان القصف عند الحدود من قوات الجيش الإسرائيلي وكل شيء صار فجأة ولم أع ما يحصل. بقينا في منزلنا في ذلك اليوم حتى قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بالاتصال علينا لإخلاء المكان وقمنا بالإخلاء الساعة الثانية والنصف فجرا بتاريخ 8/10/2023. خرجت مع زوجي وأبنائي حفاة الأقدام لا نحمل معنا سوا غيار صيفي خفيف وحقيبة أوراق كنت قد قمت بتجهيزها من قبل تحتوي على الأوراق الخاصة بمرضي (سرطان الثدي) ومرض ابني (القلب)، واستقلينا سيارة زوجي متجهين إلى منزل والدي في تل الزعتر بالقرب من مستشفى العودة في شمال غزة. كانت الشوارع مزدحمة جدا بأهل الشمال ممن وصلتهم مكالمات الإخلاء في منتصف الليل، حالة من الهلع الشديد أصابت الناس لا يوجد مواصلات ولا يمكن العبور حتى من شدة الازدحام وخوف الناس ونحن في السيارة في طريق لا يستغرق دقائق استغرق معنا مدة ساعة إلى أن وصلنا منزل والدي. مكثت هناك ليلتين، وفي الليلة الثانية قصفت طائرات الاحتلال منزل عمي محمد إسماعيل ريان شقيق والدي الواقع على بعد منزل من منزل والدي، وكان القصف مباشرة دون إنذار أو تحذير. كان في المنزل ما يقارب ال 70 شخصا من أهل المنزل والنازحين لديهم، لم ينج منهم سوا زوجة عمي وابنتان أصيبتا بكسور في الاقدام. كان ذلك بتاريخ 10-11/10/2023، تقريبا كانت القذائف في ذلك الوقت في كل مكان حولنا حيث تم قصف المنزل الساعة 11 ليلا، وجراء القصف تم تدمير جزء من منزل أهلي الموجودين فيه والشظايا دخلت داخل منزل اهلي. كنا ما يقارب 40 شخصا في الطابق الأرضي في الصالة وبحمد الله لم يصب منا أحد. ثم جاء للمنزل شقيق والدتي، خالي سامي يوسف شاهين، مع جميع أفراد عائلته هربا من القصف حيث وردهم بلاغ من قوات الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء المنزل ولكن وردهم اتصال من احد الجيران للعودة وان ما وردهم هو بلاغ كاذب وقاموا بالعودة بالفعل للمنزل وما ان عادوا للمنزل حتى قصف المنزل على جميع من كان فيه واستشهد جميع افراد عائلة شقيق والدتي، ما يقارب ال 20 شخصا الساعة الثانية ليلاً، نكبتان في نفس الليلة حلتا على عائلتي بفارق ساعتين بين كل مجزرة، لم نكد نخرج من صدمة استشهاد جميع أفراد عائلة شقيق والدي حتى وصلنا خبر استشهاد عائلة شقيق والدتي في وسط من البكاء والصراخ والخوف والقذائف الملقاة من كل اتجاه ولا نعلم ما سيكون الآتي، وبقي افراد عائلتي في تلك الليلة في المستشفى الاندونيسي ومستشفى العودة حتى الساعة الخامسة صباحا. أتذكر ما حدث الان وجسدي يقشعر من هول ما حدث في ذلك اليوم وفقدان كل هذا العدد من العائلة.
أنا مريضة سرطان ثدي منذ 2011، تم تشخيص المرض وأنا لازلت عروس جديدة بعدما تم اكتشاف كتلة ورم كبيرة في صدري وتم عمل عملية وإزالة الورم دون الحاجة لاستئصال الثدي. ولكن منذ العملية كنت أتابع مع أحد الأطباء المشرفين على حالتي ولكنه توفي قبل الحرب ولم يستطع احد من الأطباء بعده التعامل مع وضعي حيث ازداد امري صعوبة، لم أكن أرضع أحدا من أبنائي من الثدي الذي تم استئصال الورم منه لأنه كان يخرج صديدا ودماء من داخله. وازداد الأمر صعوبة مع الحرب حيث زادت الأمور وصدري عاد يؤلمني كما كان أثناء تشخيص الورم وأخشى من عودة الكتلة مرة أخرى وأعاني من استمرار وجود الدمل تحت الجلد في صدري ولا أستطيع التعامل معه. كما أن دورتي الشهرية لم تعد منتظمة أصبحت كل ثلاث أشهر تأتي مرة واحدة.
بعد القصف المستمر للمنطقة والقذائف العشوائية للمكان، قررنا الخروج من منزل أهلي إلى مدارس معسكر جباليا (مدارس الفوقا) خرجنا الساعة الخامسة صباحا من المنزل في تل الزعتر والخوف يملأ قلوبنا من صعوبة الوضع ومع استمرار وصول الرسائل والمكالمات من جيش الاحتلال الإسرائيلي إخلاء المكان والشهداء في كل مكان وصلنا للمدرسة، وبعد ساعتين من وصولنا إلى المدرسة تم قصف منزل والدي الذي كان لا يزال فيه أخوتي محمد وزوجته وأبناؤهما وعددهم 8 وشقيقي أحمد وزوجته وأبناؤهم وعددهم 6 وشقيقي محمود وزوجته وأبناؤهم وعددهم 6 وابنة أختي وعمها وزوجته ووالدتي البالغة من العمر 70 تقريبا، حيث تم قصف المنزل وتدمير الطابق العلوي وتدمير جزء من الطابق الأرضي الذي كان يتواجد فيه عائلتي ولكن بحمد الله كانوا في الجهة الأخرى من المنزل ولم يصب احد بضرر. مكثنا في المدرسة مدة ثلاث أيام ولكن أصبحت تصلنا رسائل بإخلاء المكان والتوجه لمنطقة الجنوب على أساس أن منطقة شمال غزة منطقة خطرة ومنطقة الجنوب ما بعد وادي غزة منطقة آمنة. بتاريخ 13/10/2023 يوم الجمعة كل من كان في المدرسة في ذلك اليوم قرر الخروج للجنوب، كانت الشوارع مزدحمة جدا، خرج والد زوجي معنا في السيارة، وزوجي كان يوصل باقي العائلة. كان هناك قصف على طول طريقنا للجنوب وعلى طريق صلاح الدين وهناك إصابات وكان من ضمن الإصابات شخص ملقى على الأرض قطعت قدماه وكان يصرخ علينا ساعدوني أمانة ساعدوني، من الخوف لم نستطع فعل أي شيء عدا أن السيارة كانت ممتلئة. كل من كان في الطريق في حالة رعب إذا ما توقف سيتم استهدافه، أكملنا الطريق ونحن نتشاهد على أرواحنا، ابني الصغير في أحضاني كان يبكي ويصرخ ماما الزلمة مات.
وأوصلنا والد زوجي للمدرسة المتواجدين فيها وتركنا وعاد مرة أخرى لنقل باقي العائلة وتركنا في مدرسة دير البلح الابتدائية أ+ب الابتدائية المشتركة. كنت أنا واطفالي بحالة رعب وخوف شديد بسبب ما رأيناه بالطريق ومرورنا من تحت القصف وعدم وجود زوجي معنا بعد.
منذ وصلنا إلى منطقة جنوب الوادي ونحن في مدرسة دير البلح أ+ب الابتدائية المشتركة، خرجنا على أمل العودة إلى منازلنا، أنا لوحدي بدون عائلتي في دير البلح (بقي اهلي اخوتي واخواتي ووالدتي في شمال قطاع غزة لا استطيع النوم من التفكير المستمر بحالة والدتي والبالغة ال70 عاما تقريبا التي أصيبت بطلق ناري وهي نازحة داخل مدرسة أبو حسين في معسكر جباليا وعلمت باصابتها بعد 3 اشهر من الإصابة بسبب انعدام التواصل بسبب الشبكات المقطوعة في شمال القطاع وسوء الاتصال وثم اصابتها مرة أخرى حيث كسر حوضها وتم عمل عملية ووضع بلاتين لها في الحوض جراء قيام الاحتلال الإسرائيلي بالقصف في انحاء المدرسة وقيامها بالهرب ووقوعها مما أدى الى كسر الحوض عندها، دائما ما أحاول التواصل معهم ولكن بسبب سوء الشبكات وصعوبة التواصل. وضعي يزداد سوءا وصدري بدأ يفرز صديداً ودماء بصورة كبيرة وعاد الألم في منطقة تحت الابط كما كان في بداية الامر وأخشى من عودة الورم مرة أخرى عدا عن ابني الأصغر الذي يعاني من مرض القلب والذي يجب ان يتبع نظام غذائي معين وهذا ما لا يتوفر في مثل هذه الظروف في الحرب ولا يجب ان ترتفع حرارته وان ارتفعت وأصيب بالسعال وهذا ما يمنع عليه بتاتا يجب استعمال نوع معين من العلاج غير الذي يتم استعماله بالعادة للأطفال لتخفيف السعال ولكن في الحرب لم أجده واضطررت لاستعمال دواء السعال العادي والذي يؤثر سلبا على صحة ابني.
الآن عندما أقوم بالاستحمام وفقط أقوم بتنشيف نفسي أجد الصديد يخرج من صدري كالحليب مما أثار خوفي ولكن لا يمكنني مراجعة أي طبيب في هذه الأوقات العصيبة بسبب سوء وضع المستشفيات مع تزايد وتيرة القصف في جميع أنحاء القطاع وافتقار المؤسسات الطبية للعلاجات والأطباء الذين يمكنهم مجاراة جميع الأمراض مع وجود هذا العدد الكبير من المرضى والمصابين.
ما زال عندي أمل بالعودة لشمال قطاع غزة لأنه وحسب ادعاء جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن الجنوب آمن ولكن الان نحن نعيش الخوف من النزوح، مصيرنا غير معلوم، نسكن الخيام في مدارس الايواء ولا يوجد مكان آمن، البضائع موجودة ولكن الأسعار مرتفعة، نعاني سوء الأوضاع الاقتصادية لا عمل ولا أمن ولا حتى عناية صحية مناسبة.
نسخة تجريبية