المواطن محمود جهاد محمود الحاج أحمد، 29 عاما، أعزب، سكان مشروع بيت لاهيا شمال غزة، طبيب.
أعمل طبيب جراحة أطفال في مستشفى كمال عدوان، وأتواجد في المستشفى على مدار الساعة تقريبا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، نظرا لحالة الطوارئ الصحية في قطاع غزة وعدم وجود كادر صحي بعدد كافٍ داخل المستشفى وعدد الشهداء والإصابات الكبير والقصف العشوائي على منطقة شمال غزة.
مع نهاية شهر أكتوبر ٢٠٢٣، أصبح مستشفى كمال عدوان مركزا لإيواء النازحين من سكان منطقة شمال غزة، حيث تواجد النازحون في ممرات وطرق المستشفى الداخلية وفي سلالم ومصاعد وأسطح المستشفى هرباً من القصف والموت الذي كان يضرب في كل مكان. في ٢/١٢/٢٠٢٣، حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفى بالكامل، وأصبح الدخول والخروج للمستشفى أمراً خطيراً ومهلكاً بسبب القصف الإسرائيلي على بوابات المستشفى، وكانت طائرات الكواد كابتر تطلق النار على كل من يتحرك داخل المستشفى. فأصبحنا نعاني من قلة الطعام والشراب ونقص شديد في الأدوية والمستلزمات الصحية، إضافة إلى نفاد الوقود اللازم لتشغيل المستشفى والمعدات اللازمة للعمليات الصحية، ولم يكن هناك كهرباء. أصبحت المستشفى في وضع كارثي وانهارت المنظومة الصحية داخل المستشفى بشكل تام، فأصبحنا نعالج المرضى والمصابين بطريقة بدائية جدا وخاصة الإصابات في الأطراف العلوية والسفلية كنا نقوم ببترها لإيقاف النزيف حفاظا على حياة المرضى والمصابين.
استمر الحصار إلى تاريخ ١٤/١٢/٢٠٢٣ حيث كان القصف شديدا وعنيفا جداً. وفي الواحدة فجرا من هذا التاريخ، اقتحمت القوات الإسرائيلية إلى حرم المستشفى وسط إطلاق وابل كثيف من النيران، وأصبح الموقف صعبا جدا ومخيفا مرعبا. ومن ثم أجبرت قوات الاحتلال جميع نزلاء المستشفى، بمن فيهم الكادر الطبي والممرضون والنازحون والمصابون جميعا، على التجمع في ساحة المستشفى بطريقة مهينة وغير آدمية. وعلى الرغم من الزي الطبي الذي كنا نلبسه ويميزنا عن غيرنا وتعريفنا على أننا أطباء ومحميون بموجب القوانين الطبية، تقدم نحوي أحد جنود الاحتلال واستهزأ بي وقال لي: انت طبيب؟ قلت له: نعم. فقال لي أنا شيطان خبيث في محاولة منه لبث الرعب والخوف داخلي وقام بإجباري تحت تهديد السلاح بأن أخلع ملابسي وفقط بقيت بالبوكسر انا وجميع الموجودين في المستشفى، أصبحنا عراة وتم تقييد يداي بشكل محكم سبب الآلام في يدي. وحيث إن نظري ضعيف وألبس نظارة طبية وبدونها لا أستطيع الرؤية، ورغم ذلك سحبها أحد الجنود عن عيناي وكسرها تحت أقدامه فأصبحت رؤيتي ضعيفة جدا ولا أستطيع الرؤية جيدا. وطلبوا منا الخروج من ساحة المستشفى والتوجه إلى أرض البراوي، وعندما وصلنا هناك وضعونا في حفرة كبيرة ونحن عراة وسط البرد الشديد وتقييد اليدين وعدم الرؤية والظلام الدامس، وفوقنا الدبابات والاليات العسكرية الإسرائيلية وفي الأعلى طائرات الكواد كابتر تطلق النار بالقرب منا في مشهد مخيف ومرعب وكأننا سوف نموت بأي لحظة. وهنا قام الجنود بضربي أنا وعدد من الأطباء منهم الدكتور أحمد الكحلوت، ٥٠ عاما، قاموا بضربه بشكل مبرح وعنيف جدا بالبساطير واعقاب البنادق بشكل عنيف جدا جدا.
بقينا على هذا الحال المؤلم مدة تزيد عن 8 ساعات في حفرة وفوقنا دبابة تطلق النار فوق رؤوسنا والبرد الشديد ومقيدي اليدين لا نستطيع التحرك انا وجميع الكادر الطبي والنازحين، وكانت أعداد كبيرة من المعتقلين داخل الحفرة بشكل غير آدمي ومهين جدا وكان الخوف من المصير المجهول والخوف من القتل والموت وأجسادنا ترتجف من البرد ولا نستطيع حتى قضاء الحاجة كل شيء ممنوع وغير متوفر. وبعد ذلك، طلب منا جنود الاحتلال التوجه إلى دوار الشيخ زايد ونحن حفاة عراة مقيدي اليدين، وفي طريقنا كانت الصدمة حيث كان الطريق عبارة عن مقابر جماعية للجثث، أعداد كبيرة من جثث الشهداء على الطريق كنا ندوس عليهم بأقدامنا من كثرتهم وعدم قدرتي على الرؤية.
ومن ثم توجهنا إلى شارع بيت لاهيا العام ومن ثم إلى مفترق نصار في معسكر جباليا ومن ثم إلى شارع العودة وهناك تم اطلاق النار علينا من قبل قناصة جنود الاحتلال فأصيب عدد ممن كانوا معنا في الطريق وعرفت منهم نجل مدير مستشفى كمال عدوان إدريس حسام أبو صفية وكان معنا نازح في المستشفى برفقه والده. كان قناصة الجيش الإسرائيلي يوجهون بنادقهم باتجاه صدورنا من خلال الليزر الاحمر باتجاهنا مباشرة ويستهدفون من يريدون، وأصيب في طريق هروبنا في شارع العودة في معسكر جباليا الدكتور أيمن رجب، ٥٠ عاماً، بعيار ناري في ظهره. وايضا تعرض للضرب والتعذيب زياد شعبان، ٤٠ عاماً، وإبراهيم الكفارنة، ٣٨ عاماً، وهما من ضمن الكادر الإداري لمستشفى كمال عدوان كان يتم تعذيبهم بشكل وحشي وعنيف جدا، ومنعونا من القيام بواجبنا الطبي والانساني تجاه المرضى والمصابين. وما زلنا نعاني نفسيا من آثار التعذيب والضرب والإهانة والرعب والشروع بمحاولة قتلنا دون سبب واضح.
نسخة تجريبية