أبريل 1, 2023
زيارة عائلية تنتهي بكابوس
مشاركة
زيارة عائلية تنتهي بكابوس

د. عماد عطية محمد أبو عنزة، 40 عامًا من سكان عبسان الجديدة شرق خانيونس، يعمل طبيب أطفال في الإمارات.

أعطيت هذه الإفادة لطاقم المركز في 2/1/2024

في 12/9/2023، وصلت إلى قطاع غزة، أنا وعائلتي المكونة من زوجتي وأبنتي سارة، 4 سنوات، والتوأم راشد وعصام سنة ونصف، ووالدتي الحاجة أم عصام، 71 عامًا، لزيارة مسقط رأسي قطاع غزة الحبيب للاطمئنان على الأهل والعائلة والأصدقاء. كانت زيارتي الأولى بعد انقطاع دام 24 عامًا عن زيارة بلدي.

أنا أقيم في دولة الامارات العربية المتحدة، وعشت بها حوالي 36 عامًا وأعمل طبيب أخصائي أطفال في مستشفى ومختص عناية مركزة. كانت الطريق إلى غزة طويل ومعاناة بكل معنى الكلمة والإجراءات المتبعة صعبة.

كانت اللحظات الأولى لوصولنا جميلة رغم مشقة الطريق، شعرنا براحة لحظة الوصول الى الصالة الفلسطينية وبعد لقاء أقاربي وبيت عمي. كانت لحظات جميلة لي ولعائلتي من السعادة النابعة عن الحنين المفقود طول السنيين.

كانت اللحظات الأولى عبارة عن سلامات ومحبة من الاهل والأصدقاء والجيران، كانت فيها تفصيل جميلة بكل معنى الكلمة، النسيج الاجتماعي الموجود داخل قطاعنا الحبيب يختلف عن مناطق ودول أخرى. وكان أطفالي يشعرون بفرح وسعادة من الروتين الموجود والمختلف عنهم. وأمضينا الأسابيع ما قبل العدوان عبارة عن رحلات الى المناطق الجميلة والمتنوعة داخل القطاع، زرنا فيها بحر غزة الجميل وجلسات الكورنيش في الهواء الطلق ومطاعم وفنادق، محلات الحلويات المتميزة ومحلات الايس كريم والبراد، كانت تلك لحظات جميلة شعرنا بحنين لهذا الوطن الجميل وبكل لحظات الغربة.

كانت ليلة ما قبل العدوان ليلة جميلة أمضيناها على بحر خانيونس بمنتجع ساند بيتش جالسين في أجواء الهدوء والروعة انا وعائلتي وعم زوجتي وبعض جيرانهم، كانت لحظات حلوة بكل معنى الكلمة. وغادرنا البحر في تمام الساعة الواحدة صباحًا، ذهبنا الى منازلنا وترتيب أمورنا بعد تلك الرحلة وذهبنا إلى النوم.

في صباح يوم السبت بتاريخ 7/10/2023، بينما كنت أنا وعائلتي ” زوجتي /أبنتي سارة /توأمي ” راشد ، عصام ”  وأمي الحاجة ام عصام ونحن في غفلة نائمون، استيقظنا على أصوات مرعبة لم نعلم ما هي، قفز أبنائي وزوجتي وامي من نومهم خوفاً من هذه الأصوات وبدأ أطفالي بالبكاء من تلك الأصوات. لم أستطع أن أحدد ما يحدث، فهذه الأصوات تعتبر غريبة عنا، اعتقدت في البداية أنها صوت رعد، وبعدها لم نستطع التمييز ما هي الأصوات. بعد بضعة دقائق علمنا بأنها أصوات صواريخ من مناطق مختلفة من غزة . لم أفكر  بأن هذه الأصوات هي أصوات بداية حرب على منطقتنا، كانت لحظات صعبة علينا. حاولنا التأقلم على تلك لحظات الصعبة وكنت خائفاً بنفس الوقت على أبنائي وزوجتي الحامل ” كانت بشهرها”. تمنيت ان تلك الامور لم تحصل وان واكمل اجازتي بتلك اللحظات الجميلة الأولى.

من اليوم الثالث للعدوان وبتاريخ 9 / 10 / 2023م بسبب شدة القصف وصوت الرصاص والمدافع المختلفة التي لم أقدر على تمييزها قمنا بتجهيز أمورنا الشخصية الطارئة وبعض الاغراض لأطفالي وشنطة الولادة لزوجتي، والذهاب إلى مدينة خانيونس الى مكان عمل نسيبي أحمد للإقامة بعمارة قريبة من شارع جلال. قضينا أسبوعًا كاملًا في ذلك المكان وكانت الأصوات صعبة وقريبة منا، وحاولنا التأقلم على ما يحدث. كنت أخرج بشكل يومي بعض الدقائق لتأمين المأكل والمشرب والأمور الشخصية لأطفالي من أغراض صحية وغيرها.

بتاريخ 10/10/2023، رزقني الله بمولودة في تمام الساعة 7 ونصف مساءً أسميتها ديالا، حيث تم إعطائي إشعار ولادة ولم أحصل على شهادة ميلاد إلى يومنا هذا، كانت الولادة مبكرة بسبب الخوف وشدة القصف.

في اليوم السابع اشتد القصف بشكل كبير في تلك المنطقة التي نقيم فيها وتم قصف أرض فارغة قريبة جدًا منا مما نتج عنها أضرار في المكان الذي نقيم فيه. بحمد الله ولطفه سلمنا الله من كارثة كادت ان تحصل بفعل القصف العنيف في ذلك المكان، ما نتج عنه إضرار داخل المكان. أخدنا وقتها قرارا بالخروج من ذلك المكان والذهاب الى مكان أكثر أمنا.

توجهت إلى مدرسة قريبة من مستشفى ناصر من أجل المعاينة لنستطيع الجلوس فيها انا وعائلتي، ولكن كان المكان يفتقد لكل معايير النظافة والازدحام كبير، ولا يوجد متسع فيها وفي كل تلك المدارس بسبب نزوح الناس أليها.

حينها عدت إلى المكان وكنت في حيرة اين نذهب!؟ ثم توجهنا إلى منزل عم زوجتي الموجود في مدينة خانيونس والكائن بشارع الزيتون، وقتها حمدنا الله ان وجدنا مكانا نلجأ إليه.  تم تجهيز أغراضنا ونقلناها وأرسلت زوجتي وامي وحماتي وابنة حماتي والأطفال الى المكان ثم ذهبت خلفهم. بعد تنزيل أغراضنا لحظة الوصول وقبل الجلوس جاء اتصال من جيران العمارة لاجئين فيها عليكم الإخلاء فورًا الآن، يوجد بيت مجاور مستهدف!؟

وقتها شعرنا بخوف ولم نستطع عمل شيء إلا محاولة النجاة. أخذنا الأطفال والكبار وخرجنا فورًا من ذلك المنزل وبقينا في الشارع لساعتين، كانت تلك لحظة صدمة ومليئة بالخوف، وتركنا أغراضنا وراءنا، كان الهدف النجاة.

لا يوجد مكان نذهب عليه وكان تلك الواقعة في حدود الساعة السابعة والنصف مساءً. بعد ساعات نادى علينا السكان في المنطقة بأن علينا الرجوع إلى المنزل بعد التأكد عدم صحة نبأ إنذار المنزل. نمنا ليلة صعبه كانت مليئة بالخوف.

بقينا في منطقة خانيونس ما يقارب 60 يوماً وأصبح الهم الأكبر أن نستطيع توفير الطحين والطعام والأدوية رغم الغلاء الذي ساد جميع القطاع، حيث إن المحال التجارية أصبحت شبه فارغة من الأغذية الأساسية وأصبح من الصعب توفيرها. وكنا طوال هذه الفترة نبذل قصارى جهدنا للخروج من هذه الحرب أحياءً سالمين وبحث عن طريقة للعودة والسفر الى محل إقامتي في دولة الامارات العربية المتحدة، لقطع الإجازات والعودة إلى عملي ورفع الخطر عن عائلتي، لكن للأسف تم اتباع كل الطرق ولكن دون جدوى كل شيء أصبح وعود.

وفي لحظة من لحظات اتصال مع  والدي المقيم في دولة الامارات العربية المتحدة أخبرني أن أحد أقاربه يبلغه أن منزلنا تضرر بشكل بليغ وأصبح غير صالح للسكن وأرسل له صورة بذلك ، كانت لحظة إبلاغي بذلك الخبر قبل الهدنة الإنسانية بأيام.

لحظة الإعلان عن هدنة إنسانية، صباح الهدنة تم الاتصال على سائق سيارة أجرة، والذهاب الى منطقتي التي اسكن فيها لمشاهدة حجم الدمار الذي حل بمنطقتنا، وعند مشاهدة المنزل وحجم الدمار الذي حل بمنزلنا وما حمله من ذكريات شعرت بيأس على ماذا حل بنا !؟

في صباح اليوم الأخير من الهدنة سمعنا في تمام الساعة السابعة صباحًا أصوت القصف والانفجارات المتنوعة من قصف ومدفعية في كل مكان ونزوح الناس الذين اقاموا في بيوتهم بعد سماع تلك الأصوات والرعب الذي ملأ الشوارع من شدة العدوان وأصوات الطائرات المسيرة والمدفعيات والبوارج البحرية لم تصمت ليلاً أو نهاراً ولكن أصبح الأمر يصعب يوماً بعد يوم.

بعد اليوم التالي ما بعد الهدنة تم إلقاء منشورات متنوعة على مدينة خانيونس كان اولها إخلاء المنطقة الشرقية بكاملها وبالإضافة لبعض المربعات الذي تم تقسيمهم حسب ما تم نشره من قبل منسق الاحتلال والادعاء ان بعض المناطق أمان والبعض الاخر خطر ولكن للأسف كانت جميعها أماكن خطر والامر يتصعب يومًا بعد يوم .

قمت بتأمين بعض الاغراض لصغاري من مأكل وأدوات صحية وأدوية ، كانت الأمور صعبة ليس من السهل الحصول عليها.

ولاحقا أصيبت والدتي السيدة زينب ام عصام، 72، بطلق طائش، بفضل الله كانت تلك الإصابة طفيفة، وقتها قبل معرفة طبيعة الإصابة شعرت بصدمة من ذلك الخبر!!

كانت الأمور تزداد صعوبة يوما تلو الآخر، ثم طلب من المربعات المجاورة لنا الإخلاء فورًا والتوجه الى بعض الاماكن التي تم الإعلان عنها ويدعى كونها أمان، رغم أنه لا يوجد مكان آمن.

نزحنا إلى مدينة رفح بتاريخ 8/12/2023، بتل السلطان بجوار الحي السعودي 3 ، لحظة الوصول قمت بالبحث عن مكان للإقامة وقتها دلني شخص على خيمة معروضة للبيع، قمت يومها بعرض أن اقوم بتأجيرها موقتا، حتى استطيع الانتهاء من إنشاء خيمتنا التي تحتاج يومين لبنائها، بعد الانتهاء وزيادة العدد، قمت بعرض على صاحبها ليبيعها لي وان تصبح محل اقامة لي.

من لحظة الوصول جهزنا خيمنا، وأصبحت حياتنا بشكل يومي تأمين المياه والطعام وغيرها من المتطلبات الاساسية، كانت الأسعار مرتفعة للغاية، والأصناف شحيحة، حتى حفاظات الأطفال غير متوفرة بالسوق.

أصبحت حياتنا أصعب والاتصالات مقطوعة، لا يوجد طريقة للاتصال على أهلي المقيمين خارج البلاد، شعرت بالاكتئاب مما يحصل وماذا حصل لي وبنفس الوقت خائف على عائلتي ومعاناتهم اليوم، الخوف على فقدان عملي بسبب انتهاء اجازتي وعدم القدرة على السفر!؟ استخدمنا كل الطرق للسفر ولكن للأسف لم نتمكن، الى متى هذه المعاناة!؟

حياتنا أصبحت معاناة بكل معنى الكلمة ، روتين حياتنا أصبح البحث عن المياه والطعام وغيرها من الأمور الأساسية ولا يوجد تيار كهربائي من اليوم الثالث للعدوان لم تأت لثانية واحده، حتى شحن الموبايل اصبح صعبا والاتصالات مفقودة .

رغم كل تفاصيل زيارتي الاولى الجميلة، لكن للأسف تغيرت كل تلك التفاصيل الى تفاصيل مليئة بالألم والوجع والدمار مما تعرض له قطاعنا من دمار والم ومعاناة

لم يعد القلب يحتمل أكثر، أتمنى أن ينتهي الكابوس وان يعود الناس الى بيوتهم سالمين وأن أستطيع السفر أنا وعائلتي للعودة لعملي وحياتي.