ريم سالم محمود الهندي، 40 عاما، أم لـ 6 أطفال، سكان خانيونس.
تاريخ الإفادة: 15/4/2025
أنا كنت متزوجة من محمد كمال الهندي، 40 عاما، وهو عامل نقل بضائع، كنا نسكن في شقة مسقوفة بالزينكو (الصفيح) في مدينة خانيونس حي الأمل شارع مدرسة هارون الرشيد، ولدي 6 أبناء: كريم،12 عاما، جنى، 11عاما، منة، 10 سنوات، حلا، 3 سنوات، سيلا، سنة)، وزوجي.
في حوالي الساعة 6:30 صباحا، في تاريخ 7/10/2023، كنت أساعد أبنائي في تجهيز أنفسهم للذهاب لدوام المدرسة، وفجأة بدأت أسمع أصوات قوية، اعتقدت أنه صوت رعد وبرق، لهذا طلبت من زوجي إحضار الجاكيتات لأبنائي خوفا من أن يهطل المطر فوق رؤوسهم خلال طريقهم للمدرسة، وعندما هم لإحضارهم نظر للنافذة ليخبرني أنه ليس هناك أي أمطار، والجو جيد، فسألته عن سبب هذه الأصوات إذا لم يكن صوت رعد وبرق، فأخبرني بأن هناك شيئا غريبا يحدث في الخارج، وبعد وقت قليل أخبرني بأن السماء تمتلئ بالصواريخ، لهذا لم أسمح لأبنائي بالخروج للمدرسة، وكانت بنتي جنى قد خرجت قبل سماع الأصوات، فلم يمض وقت طويل على خروجها حتى عادت للمنزل مرة أخرى لتخبرني بأن جميع الطلاب عادوا لمنازلهم مع سماع أصوات الانفجارات، لهذا مكثت أنا وأبنائي في المنزل
مع حلول الليل، نزلت للطابق الأرضي عند أهل زوجي لأن منزلي مغطي بسقف من الزينكو وأي استهداف قريب سيسقط السقف فوق رؤوسنا، وكنت في هذه الفترة حامل في شهري السابع، وكانت حركتي صعبة بسبب اقتراب موعد ولادتي. وبدأت الأحداث تشتد شيئا فشيئا، وبدأ المنزل لدينا يكتظ بالنازحين، حيث إن أخوات زوجي قد نزحوا لمنزل أهلهم لأنهم يسكنون في مناطق حدودية.
وبدأت الأحداث تزداد، الاستهدافات تقترب، ولم يمض شهران على بداية الحرب حتى بدأت عمليات برية على مدينة خانيونس، لتبدأ الدبابات بالتحرك باتجاه منطقة سكننا والأحزمة النارية تصاحبها بشكل كبير، وبدأ جميع سكان المنطقة بترك منازلهم. لهذا قمت بتجهيز بعض الملابس لأطفالي وتوجهت لمنزل أهلي بالقرب من مستشفى ناصر الطبي، ولم يمض يومان حتى كان جيش الاحتلال قد وصل لمنطقة سكننا دون سابق إنذار أو إلقاء منشورات.
وبعد مرور شهر على مكوثي في منزل أهلي، حان موعد ولادتي، فتوجهت لمستشفى ناصر الطبي تصاحبني والدتي وزوجي. وبعد وصولي هناك ارتفعت حرارتي بشكل كبير، وبدأ الأطباء بخفض حرارتي حتى تتم ولادتي، لأنه مع ارتفاع درجة الحرارة لا يمكنهم من توليدي. وبعد وقت قليل، عندما ذهب زوجي للاطمئنان على أطفالي حتى عاد لي مرة أخرى ليخبرني بأن جيش الاحتلال ألقى منشورات على المنطقة المحيطة بمستشفى ناصر الطبي بضرورة إخلاء المنطقة لهذا سيقوم بإخراج أطفالنا من المنطقة لمدينة رفح ويعود مرة أخرى لي.
خلال هذه الفترة كان الطلق قد اشتد وقرر الأطباء إدخالي لكشك الولادة، وكنت في هذه الفترة قد تركت ملابس المولودة الجديدة في المنزل وجميع احتياجاتها. لهذا ذهب زوجي بتاريخ 17/1/2024 لمنزلنا في حي الأمل وكان جيش الاحتلال يتواجد في تلك المنطقة وكان الوضع خطيرًا هناك، ولكن لم يكن أمامه حل سوى هذا لأنه في هذه الفترة كان لا يوجد في الأسواق ملابس للمواليد، وأيضا كانت الأوضاع في مدينة خانيونس صعبة جدا. وخلال توجهه للمنزل على بسكليت (دراجة هوائية) ابني كريم، التقى بأحد أقاربنا الذي ذهب معه للمنزل، وعندما وصلا للمنزل استهدفتهما طائرة استطلاع. ضرب الصاروخ الأول في الشجرة التي كانت أمام المنزل، وقد هربا باتجاه المنزل لتقوم الطائرة باستهدافهما مرة أخرى، ليسقط زوجي شهيداً وأحد أقاربه الذي كان معه قد أصيب، حتى أنه لم يستطع سحب زوجي لأن طائرة الكواد كابتر بدأت بإطلاق رصاص عليهم، حتى خرج الرجل ليتصل بأهل زوجي ويخبرهم باستشهاده. كل هذه الأحداث وأنا لا أعرف، وبعد ولادتي بدأت بالاستفسار عن زوجي الذي لم يعد حتى هذه اللحظة، ولم يحضر شنطة المولودة، وأخبروني أنه قد تأخر وذهب مع أطفالي، ولكن بعد وقت قليل سمعت إحدى السيدات في الغرفة تتحدث لابنتها وتقول لها بأن هناك سيدة من عائلة الهندي ولدت طفلتها اليوم، وقد استشهد زوجها وهي لا تعرف حتي هذه اللحظة.
كان الخبر كالصاعقة التي سقطت على سمعي، وقد أصبت بانهيار شديد وبدأت أصرخ وأبكى، ففي يوم ولادتي فقدت زوجي، استشهد قبل أن يرى ابنته، وكان تاريخ 17/1/2024 ، هو يوم ولادة ابنتي (سيلا)، ويوم وفاة والدها. وجراء هذا الخبر أصبت بحمى نفاس واكتئاب حاد، حتى أنني لم أستطع تقبل طفلتي، ولم أستطع إرضاعها، لتبقى في الحاضنة، ومكثت في المشفى 10 ايام لم أر ابنتي فيها، وفي كل مرة كانوا يحضروها لي كنت أصرخ ولا أستطيع حملها، وكانت إحدى السيدات في المستشفى رأت حالتي فبدأت بالاهتمام بطفلتي، وتحضر الحليب والحفاضات لها. وبعد مرور هذه المدة، ومع اشتداد الأوضاع في مدينة خانيونس، خرجت من المشفى وتوجهت لمدينة رفح تل السلطان بالقرب من بئر كندا، حيث يتواجد أهل زوجي هناك، وقاموا بتجهيز خيمة نزوح لي ولأطفالي، وكانوا هم من يهتمون بهم، بسبب الإعياء الشديد الذي أصابني. وبعد مرور شهر من ولادتي، تلقيت صدمة أخرى ليخبروني بأن والدي الذي رفض الخروج من منزلنا قد استشهد داخل المنزل بعد استشهاد زوجي بأسبوع، ولم يخبروني في البداية بسبب وضعي الصحي السيء، مما أدى لتدهور وضعي الصحي بشكل أكبر، حتى أنني من شدة الصدمات كنت أفقد التركيز في بعض الأحيان، وفي كثير من المرات التي كنت أخرج فيها لإحضار بعد مستلزمات أطفالي كنت أتوه عن الطريق. وأيضا خلال هذه الفترة كان يجب عليه أن أكون أقوى لأنه قبل بداية الحرب بـ 6 شهور، كنا قد اكتشفنا بأن ابني (كريم،12عاما)، مصاب بمرض سرطان في العظام، حيث إنه كان يلعب على البسكليت وفجأة وقع عنه، فأخذته للمشفى لتصوير يده التي سقط عليها، ليفاجئني الطبيب بأن عظم اليد اليمنى لديه يعاني من ورم مما أدى لتهالك العظم وتآكله، مما أدى لفقدانه جزءا كبيرا من عظم اليد اليمني، وأن الورم قد امتد بشكل كبير وأنه يحتاج للعرض على دكتور أورام، وبدأنا بمتابعة حالته الطبية وقمنا بعمل تحويلة له للعلاج بالخارج ولكن مع بداية الحرب لم نكمل الإجراءات ولم نستطيع علاجه، بسبب شح الأدوية في قطاع غزة. ومع تطور الأحداث واستشهاد والده وسوء وضعي الصحي، لم أستطع الاهتمام به وبوضعه الصحي، وبعد مرور هذه المدة الطويلة قد تدهور الوضع الصحي لابني كريم، لهذا بدأت أبحث عن الفيتامينات اللازمة له ولم أجدها هذا إضافة إلى عدم توافر الأدوية اللازمة له. وبعد مرور هذه الفترة (في شهر مايو 2024) ألقى جيش الاحتلال منشورات علي مدينة رفح بضرورة إخلائها، فقمت بتجهيز نفسي لأعود لمدينة خانيونس ولكن هذه المرة أعود للمجهول لا أدري إلى أين أعود بعد أن قام جيش الاحتلال بتدمير منزلي. وصلت مدينة خانيونس، بالتحديد في شارع ٥، مع اقتراب أذان المغرب. كنت لا أعرف أين أذهب، فوجدت مخيماً هناك كان قيد الإنشاء فذهبت للحارس المتواجد هناك أطلب منه أن أمكث في المخيم وبدأت بشرح وضعي له، فأخبرني بأن المخيم مازال قيد الإنشاء فأخبرته بأنه لا يوجد لدي مكان أذهب له أنا وأطفالي، وبعد حديث طويل معه سمح لي بالمكوث في الخيمة، لأستقر فيها أنا وأطفالي، لأبدأ بتوفير احتياجات أبنائي. وخلال هذه الفترة، كانت هناك صيدلية بجوار المخيم أحضر منها الأدوية اللازمة لابني كريم، وعندما رأى سوء وضعنا المادي، تكفل أحد فاعلي الخير بتوفير العلاج لكريم. وبعد ذلك عرض على كريم بأن يقوم بإحضار ثلاجة للبرد والبوظة ليقوم بالبيع في المخيم وليوفر لنا بعض المال، لتوفير الطعام اللازم لنا، فبدأ كريم بالبيع في المخيم ليحضر لنا كل يوم ما يقارب 20 شيكل، نقوم بشراء بعض المعلبات أو الخبز. وبعد انتهاء فصل الصيف، بدأ كريم ببيع (الشتوي أو الكوشا)، وفي ذات المرات لم يشتر أحد منه وكان يلف بين الخيم وكانت الشمس قوية في هذا اليوم، مما تسبب له ضربة شمس عملت على فقدانه الوعي، وبعد أن ساعدوه بدأ يبكي لأنه لم يبع أي شيء ولم يستطع توفير المال لنا هذا اليوم. وكان كريم يعاني بشكل كبير في هذه الفترة بسبب تدهور وضعه الصحي، لهذا لم أسمح له بالخروج والبيع وأخبرته بأني سأقوم باقتراض بعض المال من أختي لتوفير الطعام لنا. ويوما بعد يوم بدأ وضع كريم يتدهور بشكل كبير حتى أنه لا يستطيع حمل أي شيء في يده اليمنى، وذات مرة كان يحمل أخته فإذا بها تسقط من يده، ليخبرني بأن يده سقطت لوحدها ولم يستطيع التحكم بها، لهذا على الفور توجهت للمشفى لتصوير يده لاكتشف بأن المرض قد وصل لعظم الكتف، مما أدى لفقدانه السيطرة علي يده، لهذا منذ ذلك اليوم وأنا أبحث وأحاول بكافة الطرق لعمل تحويلة للعلاج بالخارج له حتى لا ينتشر المرض بشكل أكبر في جسده، وأفقد ابني مثلما فقدت والده.