أحمد بشير أحمد شاهين، 36 عاما، متزوج وأب لثلاثة أبناء، سكان رفح ونازح في خانيونس.
تاريخ الإفادة: 10/1/2025
أنا متزوج من المواطنة مي إسماعيل محمد حمد، 36 عاما، ولدي 3 أطفال، هم: بشير، 9 أعوام، وأمير، 8 أعوام، وميرا، 4 أعوام. كنت أقطن في حي السلام في مدينة رفح، وكنت أعمل عامل بناء في اسرائيل، حيث صدر تصريح العمل لي بتاريخ 01/10/2023، وبالفعل توجهت للعمل هناك. وبتاريخ 10/10/2023، سحبت قوات الاحتلال التصاريح الموجودة معنا، حيث أصبحت “غير سارية المفعول”. كنا مجموعة من العمال عندما اعترضتنا الشرطة الاسرائيلية، وألقت القبض علينا وذلك في حوالي الساعة 9:00 صباحا من يوم 10/10/2023، واحتجزتنا حتى الساعة 6:00 مساءً من اليوم نفسه، و تم تسليمنا إلى شرطة أمن الحدود، وكان عددنا 40 عاملا. ومجرد أن استلمنا أمن الحدود اعتدى علينا بالضرب والشتائم المهينة والسيئة جدا، ثم أجبرونا على الصعود في باصات الترحيل. بقينا داخل الباصات حتى الساعة 4 فجرا من يوم 11/10/2023، وترجلنا من الباصات إلى معتقل في مدينة القدس، استلمنا جيش الاحتلال الإسرائيلي. كان المعتقل عبارة عن بركس مساحته حوالي 500م2، محاط بالشبك من الداخل والأسلاك الشائكة من الخارج، والأرضية باطون والسقف من الزينكو، ودورتي مياه. ونحن على باب المعتقل، تم وضع القيود على كل من اليدين والقدمين و عُصبة على أعْيُننا تمنعنا من الرؤية. كانت أول ليلة من دون فراش أو طعام أو شراب، ومن أراد أن يذهب لدورة المياه يجب أن يطلب الإذن، ويدخل وهو مقيد وإذا طلب أحدنا فك القيود يعتدون علينا بالضرب والشتائم. وفي الليلة الثانية وزعوا أغطية خفيفة علينا “بطانية”، وكان عددنا داخل المعتقل 135 معتقلا. كنت أشعر بالجوع والعطش الشديد، طلبت الماء، فقال لي الجندي أن اشرب من الصنوبر الموجود في دوره المياه. لم أشعر بالذل طيلة حياتي كما شعرته في تلك الايام المريرة.
وفي تاريخ 13/10/2023، أحضروا لنا وجبة فطور عبارة عن قطعة خبز مع خيارة، وبعد يومين تم توزيع فرشات رقيقة جدا للنوم عليها. وفي تاريخ 26/10/2023، أخذوني إلى التحقيق وأنا مكبل اليدين والقدمين ومعصوب العينين، وعندما دخلت الغرفة نزعوا الغطاء عن عيوني، كانت رؤيتي مشوشة في البداية بسبب أنني كنت مغطى العينين لفترة طويلة ، وعندما بدأت رؤيتي تُوضح في الغرقة ، رأيتُ 3 أشخاص، قال لي أحدهم إنه من المخابرات الاسرائيلية، وأخذ البيانات الشخصية، ثم عرض لي خريطة على اللاب توب وكان واضحا بها البيت الذي أقطن به في رفح، وبدأ بالسؤال عن الجيران، ثم عن الأنفاق وعن مكان وجودها. ثم قام أحد الجنود بوضع أسورة بيدي تحمل رقما، وبقيت مقيد اليدين والقدمين، ونقلت إلى معتقل آخر، وكان عبارة عن بركس مساحته دونم ونصف من الاسبست، وداخله قفصين مساحة كل واحد منهما 500م2، ومجرد أن دخلنا المعتقل تم تفتيشنا والاعتداء علينا بالضرب والشتم. وفي هذا المعتقل لم يتحسن الحال حيث كان الأكل شحيحاً وهو عبارة عن قطعة من الخبز وعليها ملعقة تونة، أو ملعقة مربى، أو ملعقة شوكلاتة لنبقى عليها طوال اليوم. كانوا دائماً يتعمدون أن يدخلوا علينا بشكل هجومي في ساعات منتصف الليل وينهالون علينا بالضرب والتفتيش، والشتائم السيئة التي لم يوجهها أحد لي من قبل. كانوا يتعمدون الطعن بشرف الأم والأخت والزوجة، كنت حقاً أحترق من دواخلي في تلك اللحظات معتقداً أنني لن أمر بأيامٍ أصعب من هذه.
وفي تاريخ 03/11/2023، وفي حوالي الساعة 3:00 فجراً، سمعنا صوت باصات في ساحة المعتقل، حيث دخل الجيش علينا وقام بجمع الفرشات والأغطية والمعاطف التي وزعها سابقا، وطلبوا منا أن نصطف في طابور، وبدأوا ينادون على الأسماء، كان اسمي من بينهم. وصعدنا إلى الباصات، وبقينا داخلها حتى الساعة 5:00 فجرا من اليوم نفسه، ثم تحرك بنا بالباص إلى معبر كارم ابو سالم ، وعندما وصلنا المعبر وقبل الترجل منه، فكوا القيود وطلبوا منا السير بسرعة دون الالتفاتِ إلى الخلف. شاهدتُ جثثاً ملقاة على الأرضِ، وأخرى متحللة يصعب التعرف عليها. توجهت إلى منزلي القريب من المعبر والموجود في منطقة حي السلام، سُر أهلي وزوجتي وأطفالي عندما شاهدوني، كان أهلي مستضيفين 5 عائلات من نازحين الشمال.
معاناة الإبادة
انتقلت من معاناة الاعتقال والإهانة والضرب داخل المعتقلات الاسرائيلية، إلى معاناة الحرب والابادة التي شنها علينا الاحتلال. كان القصف شديداً جدا، الخوف والقلق كان شعوراً مستمراً معي، كنت خائفا على عائلتي، على والدي ووالدتي وزوجتي وـطفالي وأن أفقد أحدا منهم. هذا فضلا عن شُحِ مقومات الحياة، مثل الماء والغاز، فتوفير هذه المقومات صعبٌ جداً. كنا ننتظر دور البلدية لنوفر مولد لرفع الماء للطوابق العلوية، وقد نجبر أحياناً أن نشتري المياه الحلوة، وشراء الحطب لشح الغاز وانقطاعه لفترات طويلة، وإشعاله ليطهو عليه نسوة المنزل، فضلاً عن ارتفاع الأسعار، وكل ذلك مع عدم وجود مصدر دخل لي لأوفر الاساسيات.
وفي حوالي الساعة 3:00 مساء من تاريخ 01/04/2024، بينما كنت اقف أمام باب المنزل، اذكر انه كان يوم 23 من شهر رمضان، وكان ابني امير ذو الـ 8 أعوام يلعب مع أصدقائه في الشارع على بعد أمتارٍ مني. توقف عقلي للحظاتٍ بدت كأنها دهور حينما سمعت صوت انفجارٍ عالٍ بالقرب مني ، وشاهدت نيرانا مشتعلة اقتربت مني ثم اختفت. لم تستطع عيناي أن ترى أي شيءٍ بعدها بسبب أن المكان امتلأ بالدخان والغبار، وعندما انقشع الغبار عن عيني رأيت شهداء ملقون على الأرض، أردت أن أساعد في انتشالهم لكن لم يكن جسدي يستجيبُ لي، وأحسست ان كل ثُقل العالم قد تجمع في ساقي، فقدتُ الإحساس بنفسي.
تروي باحثة المركز: بعد أن وصف أحمد شاهين حالته ساد الصمت بيننا، غلبه البكاء حاول مدارته لكنه لم ينجح، بقيت صامتة فلا كلام يقال في هذه اللحظة، دموع الحسرة والقهر والعجز هي من كانت حاضرة فقط، ثم تابع حديثه معي:
في لمح البصر أصبحت أعاني من شلل نصفي. حضرَ والدي وزوجتي وسألوني عن حالي، فأخبرتهم “لا أعلم.” لم أشعر بشيء. تم نقلي بالإسعاف إلى مستشفى أبو يوسف النجار، ومن ثم تم تحويلي إلى المستشفى غزة الأوروبي وتبين أنني أعاني من نزيف داخلي وأن الشظية اخترقت النخاع الشوكي. بقيت في قسم الأعصاب أربعة أيام، خلالها علمت أن طفلي أمير استشهد وهو يلعب مع أصدقائه في القصف الذي أصبت به. طفلي أمير هو الثاني بين أبنائي. عندما ولد أمير لبراءة ملامحه وهدوئه أسميته أمير وبقي أميرا بالاسم والفعل حتى خطفه الموت مني ومن والدته. أمير عُرف بفطنته وذكائه واستيعابه السريع، ورغم هدوئه إلا أن حضوره قوي بين أقرانه، كان يحب أن يبقى برفقتي أينما أذهب، إلى أن ذهب دون رجعة وتركني عاجزاً غير قادر على فعل ابسط الأمور، بعدما كان الجميع يعتمد علي في صعاب الأمور.
بتاريخ 07/04/2024، غادرت المستشفى، فلم أجد الاهتمام الكافي من الأطباء في حالتي، وأخبروني أنني حالة ميؤوس منها، ويجب ان أتقبل الواقع بأنني أصبحت أعاني من شلل نصفي. بقيت طريح الفراش، حيث لا يوجد عندي كرسي متحرك، أعاني من ألم مستمر وتشنجات، لذلك أحتاج إلى مسكنات، ودواء أعصاب وسعره في الوقت الحالي 120 شيكل، فضلا عن احتياجي المستمر إلى البامبرز وأكياس البول.
لم تتوقف معاناتي بالفقد والاعاقة بل ذُقت مرارة النزوح وحياة الخيم التي اجبرنا عليها الاحتلال الإسرائيلي. وبتاريخ 07/05/2024، عندما أعلن الاحتلال عن التوغل البري في مدينة رفح، انتقلنا إلى حي تل السلطان حيث مكثنا عند أحد المعارف مدة 3 أيام، وبعد ذلك انتقلنا إلى شارع الحية في موقع التل بدير البلح. كانت الخيم من القماش، ومن شدة المطر والريح غرقت الخيمة وانهارت علينا، فانتقلنا إلى أرض خاصة بها خيم عائلة زوجتي في شارع الطينة بمواصي القرارة بخانيونس، فمن الأفضل أن تكون زوجتي مع أهلها لمساعدتها وتخفيف العبء عنها، فبعد إصابتي التي أعاقت حركتي أصبحت هي المسؤولة عني وعن أبنائنا بشير وميرا.