بالتزامن مع بدء العام الدراسي في فلسطين واليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات
حرمان نحو 800 ألف طالب من حقهم في التعليم واستمرار تدمير مدارسهم وجامعاتهم
9 سبتمبر 2024
يبدأ اليوم العام الدراسي الجديد في فلسطين بينما يحرم الاحتلال نحو 800 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة من أبسط حقوقهم في التعليم على مدار عامين دراسيين، وذلك في ضوء استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية وجرائم الإبادة التي تسببت بتدمير معالم الحياة في جميع مناطق القطاع. وفي الوقت الذي أعلنت فيه كل من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ووكالة الاونروا عزمهما إطلاق نظام التعليم الافتراضي عن بعد، فإن تحديات جمّة بانتظار تنفيذ هذه الخطط طالما لم يتم وقف العدوان فوراً، فالآلة الحربية الإسرائيلية مستمرة في تدمير البنية التحتية بما فيها شبكات الاتصال والكهرباء، وقتل المزيد من الطلاب والمعلمين والأكاديميين، واستهداف المنشآت التعليمية والتي كان آخرها استهداف 15 مدرسة تستخدم كمراكز إيواء خلال شهر أغسطس الماضي فقط وفقاً لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الانسان.
على مدى أكثر من 11 شهراً تقترف قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ويشكل الاستهداف الممنهج للمؤسسات التعليمية من خلال قصف وتدمير المدارس والجامعات وغيرها من المرافق، وكذلك جرائم القتل التي طالت الطالبات والطلاب والطواقم التعليمية والأكاديمية جزءاً من هذه الجريمة. وقد أدى ذلك أيضاً إلى حرمان طلاب وطالبات قطاع غزة من جميع المراحل الدراسية من حقهم في التعليم على مدار العام الدراسي السابق (2023-2024)، وتهديد حقهم في تلقي تعليمهم للعام الدراسي الجديد.
يشدد المركز على أهمية انتظام العملية التعليمية ويحذر من ضياع حقوق مئات ألاف الطلبة وانهيار العملية التعليمية لعام دراسي جديد في ضوء استمرار الهجوم العسكري لقوات الاحتلال الإسرائيلي والذي من شأنه أن يدمر كل الجهود الطامحة لإعادة اعمال الحد الأدنى من الحق في التعليم.
ويتزامن افتتاح السنة الدراسية الجديدة في فلسطين مع اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات، الذي يصادف اليوم الاثنين الموافق لتاريخ 9 سبتمبر. وهو اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة كمناسبة سنوية بموجب القرار رقم 275/74، لضمان توفير الحماية للتعليم الجيد والشامل وعلى جميع المستويات، من خلال اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدارس والمتعلمين والطواقم التربويّة من الهجمات، والامتناع عن الإجراءات التي تعوق وصول الأطفال إلى التعليم، وتيسير الوصول إلى التعليم في حالات النزاع المسلح.
ويؤكد المركز أن الفلسطينيين يعانون على مدار عقود من انتهاكات مزمنة لحقهم في التعليم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في كافة أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. وقد تنوعت سياسات الاحتلال لتشمل القيود على الحركة، بما فيها تلك المتصلة بجدار الضم، والتهجير القسري، وهدم المنشآت والحرمان من البيئة المدرسية الآمنة والبنى التحتية الموائمة والتي أدت بمجملها الى حرمان الأطفال والشباب الفلسطيني من تلقي تعليم نوعي بغض النظر عن العمر أو المكان.
أما خلال أشهر العدوان الحربي الحالي وغير المسبوق على قطاع غزة، فتخلق القوات المحتلة واقعاً يصعب فيه العودة السريعة لأي عملية تعليمية مكتملة الأركان، وهو أمر يدل على ارتكاب إبادة تعليمية وثقافية بحق المدنيين في القطاع نتيجة استمرار الهجمات الحربية وقرارات الإخلاء القسري المتكررة والدمار الكبير الذي احدثته الآلة الحربية في البنى التحتية التعليمية، وهو أمر أكده 19 خبيراً ومقرراً خاصاً للأمم المتحدة. فالعدوان الحربي سلب أرواح 11402 طالباً، منهم 6530 أنثى، و671 من العاملين في قطاع التعليم، منهم 382 سيدة، وتسبب بإصابات لأكثر من 42945 طالباً، و1262 من العاملين في قطاع التعليم، وذلك حتى 30 يوليو 2024، وذلك مع تعرض الأكاديميين وطلاب الجامعات في قطاع غزة لاستهداف مباشر ومتعمد، ما أدى إلى مقتل 98 شخصية أكاديمية علمية وفكرية، منهم 3 من رؤساء الجامعات، و68 شخصية تحمل درجة البروفيسور.1
ومن ناحية أخرى لم تترك القوات المحتلة المكونات المادية للنظام التعليمي دون التدمير الكلي والجزئي، فمع تصاعد العدوان وأعمال القتال، لجأ المدنيون لنحو 133 مدرسة بغرض الاحتماء بها من القصف الإسرائيلي العنيف على اعتبار أنها أماكن محمية وفق الأعراف والقوانين الدولية.2 غير أن القوات المحتلة استهدفت 274 مبنى مدرسي بشكل مباشر، ما يعني تعرض 85.8% من المدارس للتدمير أو للضرر، ما يجعل 72.5% من هذه المدارس بحاجة إما إلى إعادة بناء كامل، أو إعادة تأهيل بشكل كبير لاستعادة القدرة على التشغيل، وتدير وكالة الاونروا نحو 29% من هذه المدارس. يضاف إلى ذلك استهداف 12 جامعة في قطاع غزة، سواء بالقصف أو بالنسف وتدميرها تمامًا أو تحويلها بعضها إلى ثكنات عسكرية ومراكز احتجاز وتحقيق3، ويتطلب التدمير واسع النطاق في البنية التحتية التعليمية سنوات طويلة من والتعافي بعد توقف العدوان وهو ما يشكل تحدي كبير على كافة الصعد.
وبذلك يحرم استمرار الهجمات الاسرائيلية أكثر من 650 ألف طالب/ة في مراحل التعليم العام، من بينهم 40 ألف طالب/ة حرموا من تقديم لامتحانات الثانوية العامة، بالإضافة إلى حرمان 88 ألفاً من طلبة الجامعات مع عدم تمكن نحو550 طالباً من الالتحاق بالمنح الدراسية في الخارج، وحرمان حوالي 80 ألف طفل بلغوا سن الالتحاق برياض الأطفال، جميعهم حرموا من اكمال تعليمهم في العام الدراسي الماضي 2023/2024، ومن الالتحاق في العام الدراسي الحالي.4
وتفيد الطالبة فرح أحمد، 17 عاماً، من مدينة خانيونس، لباحث المركز بما يلي: “أنا طالبة ثانوية عامة في القسم العلمي، كان لدي طموح وأمل كبير بأن أكمل دراستي وأتفوق، لذلك باشرت الدراسة البيتية منذ إجازة الصيف2023، وجاءت الحرب في 7 أكتوبر لتقلب حياتي رأساً على عقب، وتدمر كل أحلامي. خلال الأسابيع الأولى كنت أحرص على الدراسة ذاتياً على أمل أن تنتهي الحرب سريعاً وأعود لمدرستي، ولكن الحرب استمرت وطالت ولم أعد قادرة على الدراسة وسط القصف. واضطررنا للنزوح عن منزلنا في خانيونس، وتركت كتبي، ومن ثم تكرر النزوح إلى أماكن أخرى 7مرات. عشت أنا وأسرتي في خيمة وعانينا من الجوع والبرد والحر الشديدين. “
ونتيجة الهجمات الإسرائيلية المكثفة بقي نحو 17 ألف طفل بدون أحد والديهم أو كلاهما، سيكون من الصعب تجنيبهم الآثار طويلة الأمد التي تهدد مستقبلهم التعليمي5، كذلك تشرد عشرات آلاف طالب، وأُجبروا على الإخلاء قسراً مع ذويهم إلى مراكز إيواء تفتقد لأدنى مقومات الحياة، في حالة نفسية سيئة، يفتقدون للأنشطة الترفيهية والدعم النفسي والاجتماعي، وذلك بعد تعرض الآلاف منهم للصدمات النفسية نتيجة الخوف الذي عايشوه على مدار عشرة شهور، وما صاحبه من انعدام الأمن وسوء التغذية وفق أحدث تقرير أصدرته “ACAPS”. ويظهر ذلك جلياً على تعبيرات وجوه الأطفال، وهو ما سيترك أثراً سلبياً على مستقبلهم التعليمي نظراً للعلاقة الوثيقة بين صحة الطفل النفسية وقدرته على التعلم والتركيز والانتباه.
أفادت سميحة النادي، نازحة من حي الشيخ رضوان وتقيم حالياً في مدرسة تستخدم كمركز إيواء مع زوجها وأطفالها الثلاثة، لباحث المركز بما يلي: ” بسبب الدمار الذي لحق بمنزلنا توجهنا للعيش في ذات المدرسة التي تدرس بها ابنتي سهاد، 9 سنوات، وكانت متفوقة دراسياً وتمارس أنشطة لا منهجية في المدرسة، مثل الإذاعة المدرسية والبرلمان المدرسي. ابنتي الآن حزينة جداً، وحالتها النفسية سيئة بسبب مكوثها في المدرسة كنازحة منذ ما يزيد عن 8 شهور. الوضع هنا في المدرسة لا يطاق، لا يوجد مياه شرب، والطعام قليل جداً وغير صحي، ومياه الصرف الصحي تتسرب إلى ساحة المدرسة. ابنتي تبكي بحرق مشاهد مدرستها التي تحبها وكانت تقضي فيها أوقاتاً سعيدة قد تحولت إلى مكان للإقامة البائسة والمعاناة الكبيرة. وبدلاً من أن ينتظم طلاب قطاع غزة في هذا اليوم داخل مدارسهم، يضطرون للاصطفاف في طوابير أمام صنابير المياه الشحيحة للحصول على مياه الشرب، أو يقفون في طوابير أمام تكيات الطعام للحصول على وجبات من الغذاء لسد جوعهم وأسرهم.”
إن استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي للمنشآت التعليمية يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية، كونها تعتبر أعياناً مدنية وتتمتع بالحماية في أوقات النزاعات المسلحة. ويعد استهداف هذه المنشآت انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي نظم سلوك الأطراف في النّزاعات المسلّحة ووضع أحكاماً بشأن حماية الطلاب والموظّفين التّربويين والمرافق التّعليميّة، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب وتحت الاحتلال، التي تؤكد على حماية الحق التعليم في كافة الأوقات والظروف، وتحظر ارتكاب أي عمل عدائي ضد المنشآت التعليمية. كما نصت اتفاقية لاهاي لعام 1907 على حماية خاصة للمؤسسات التعليمية، وأكد ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض التعليمية أو العلمية يعتبر جريمة حرب. لذا فإن المركز:
نسخة تجريبية