مقدمة
يتناول هذا التقرير الانتهاكات الجسيمة التي تنفذها القوات الحربية الإسرائيلية المحتلة بحق الصيادين في قطاع غزة، ويسلط الضوء على المعاناة التي يكابدها الصيادون أثناء مزاولتهم لمهنتهم، وما يتعرضون له من اعتداءات يومية، تهدف إلى التضييق عليهم ومنعهم من ممارسة حقهم في العمل، ومحاربتهم في وسائل عيشهم.
ويتضمن التقرير توثيقاً للاعتداءات التي نفذتها القوات الإسرائيلية المحتلة ضد الصيادين في قطاع غزة، وذلك خلال الفترة من 1 نوفمبر 2017 وحتى 30 أبريل 2019. وقد أدت ملاحقة قوات البحرية الإسرائيلية المتمركزة في مياه غزة، وإطلاق نيران أسلحتها الرشاشة تجاه الصيادين، في وقوع عدد من القتلى والجرحى، ووقوع أضرار جسيمة في القوارب ومعدات الصيد، واعتقال عشرات الصيادين، واخضاعهم للتحقيق، بعد مصادرة قواربهم وشباك الصيد، في وقت لم يكونوا يمثلون خطراً على القوات الإسرائيلية المحتلة.
واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية فرض حصارها البحري على امتداد شواطئ قطاع غزة، وحرمت الصيادين من الوصول إلى المناطق التي تتكاثر فيها الأسماك. فقد قامت سلطات الاحتلال خلال الفترة التي يغطيها التقرير، وحتى 31/3/2019، بتقليص مسافة الصيد إلى 3 – 9 أميال. وقد أدى تقييد مسافة الصيد إلى حرمان الصيادين من ممارسة عملهم بحرية، وإلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لنحو 4.000 صياد أسماك مسجلين حالياً في نقابة الصيادين، ونحو 1.000 شخص من العاملين في مهن مرتبطة بصيد الأسماك.
وفي مطلع شهر أبريل 2019، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، عن توسيع مساحة الصيد في بحر قطاع غزة، لمسافات تتراوح ما بين 6 إلى15 ميلاً على امتداد شاطئ قطاع غزة، وذلك لأول مرة منذ عام 2000. وتشير معطيات الفترة المحدودة التي أعقبت توسيع مساحة الصيد البحري، أن ذلك لم يحدث فرقاً كبيراً في عمل الصيادين، وخاصة من ناحية زيادة كمية الإنتاج السمكي. ويعود ذلك لمجموعة من الأسباب، أهمها: استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف الصيادين داخل المسافة التي تسمح لهم بالصيد فيها، واستمرار فرض القيود على توريد المعدات وأدوات الصيد اللازمة للصيادين، واقتصار توسيع مساحة الصيد فقط لمنطقة ما بعد وادي غزة (وسط القطاع حتى جنوبه)، وتتصف هذه المنطقة بفقر الأسماك، بسبب بيئة المنطقة والصخور الموجودة فيها.
كما واصلت سلطات الاحتلال فرض القيود على توريد المعدات والتجهيزات اللازمة للصيادين، والتي بدونها لم يتمكنوا من الإبحار لمسافة 15 ميل، ومن هذه المعدات المحركات، الجيار (نواقل الحركة)، الألياف الزجاجية (الفيبر جلاس)، والكابلات الفولاذيّة وقطع الغيار اللازمة للصيانة، بحجة أنها مواد “ثنائيّة الاستخدام” بحسب التصنيف الاسرائيلي، أيّ أنّها “معدّة للاستخدام المدنيّ وتصلح للاستخدام العسكري أيضاً”.
وقد أدى حظر توريد قطع الغيار اللازمة لصناعة وصيانة القوارب، إلى إغلاق عشرات الورش الخاصة بصناعة القوارب وصيانتها، واستمر عدد محدود منها في العمل في صيانة القوارب فقط، أما صناعة القوارب فقد توقفت تماماً نظراً لاستحالة اقدام الصيادين على شراء قوارب جديدة، في ظل حرمانهم من ممارسة عملهم بحرية، واستمرار قوات الاحتلال في اتلاف قواربهم ومصادرتها.
كما استمرت خلال الفترة التي يغطيها التقرير اعتداءاتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصيادين في قطاع غزة. وطالت هذه الاعتداءات أرواح الصيادين وسلامة أبدانهم، كما اعتقلت قوات الاحتلال عشرات الصيادين، وصادرت وأتلفت قواربهم وأدوات الصيد التي كانت بحوزتهم. ورغم توسيع سلطات الاحتلال الإسرائيلية لمسافة الصيد منذ مطلع أبريل 2019، غير أن البحرية واصلت ملاحقة الصيادين وإطلاق النار عليهم وتعريض حياتهم للخطر داخل المنطقة الجديدة (6-15 ميل) التي سمحت سلطات الاحتلال لهم بالصيد فيها.
وقد وثق التقرير (434) حادثة إطلاق نار تجاه الصيادين أثناء قيامهم بممارسة عملهم، وقد أسفر ذلك عن مقتل صيادين اثنين، وإصابة (22) صياداً، واتلاف 15 قارب صيد وقطع شباك صيد تعود ملكيتها لصيادين فلسطينيين. كما أدت حوادث المطاردة إلى اعتقال (121) صياد، واحتجاز (25) قارب صيد، فضلاً عن احتجاز قطع من شباك صيد تعود ملكيتها لصيادين فلسطينيين في قطاع غزة.
وتشكل الممارسات الإسرائيلية بحق الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة انتهاكات جسيمة لكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية، التي تؤكد على الحق في العمل، لاسيما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تعتبر انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الانسان والاعلان العالمي حول التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي، اللذان يكفلان حق جميع أفراد المجتمع في العمل المنتج والمفيد. وتتناقض الاعتداءات الإسرائيلية بحق الصيادين الفلسطينيين مع اتفاقية جنيف الرابعة التي تُعنى بحماية المدنيين وقت الاحتلال، وتؤكد على ضرورة حماية العمال وحقوقهم.