يوليو 5, 2021
تقرير: أثر العدوان الإسرائيلي (2021) على قطاع العدالة في قطاع غزة
مشاركة
تقرير: أثر العدوان الإسرائيلي (2021) على قطاع العدالة في قطاع غزة

مقدمة

خلّف التصعيد العسكري الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة، والذي استمر من 10 مايو 2021، وحتى 21 مايو 2021، (242) قتيلاً و(1864) جريحاً، بالإضافة إلى دمار واسع على مستويات مختلفة شملت منازل وأبراج سكنية ومدارس ومؤسسات حكومية وبنى تحتية ومصانع وورش وطرق.  وفاقم العدوان من معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذي يعاني أصلاً، وخاصة اقتصادياً، جراء الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع للعام الرابع عشر على التوالي، وتبعات الانقسام الفلسطيني، بالإضافة إلى إجراءات الاغلاق المتلاحقة منذ مارس 2021 بسبب إجراءات التصدي لجائحة كورونا.  ويأتي هذا التصعيد الحربي في ظل عدوان إسرائيلي مستمر على الأرض الفلسطينية، وخاصة قطاع غزة، متمثلاً في حقيقة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والحصار المفروض على قطاع غزة. 

وكان قطاع العدالة أحد القطاعات التي تأثرت بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث تعرض بعض مؤسسات ومباني ومكاتب تدخل ضمن مفهوم قطاع العدالة لأضرار كبيرة، بما فيها العديد من مكاتب المحامين التي دمرت بشكل كامل جراء القصف الاسرائيلي.  ويعتبر قطاع العدالة من أهم القطاعات في أي بلد، حيث يمثل الأداة الرئيسية لتحقيق الأمن والسكينة والاستقرار في المجتمع. ويشمل قطاع العدالة الشرطة المدنية، والنيابة العامة، المحاكم بأنواعها، النظامية والشرعية، والمحامين.  وقد تسبب العدوان في تعطيل كل هذه المرافق بشكل كامل خلال العدوان، عوضاً عن تعرض بعضها لأضرار جزئية وبعضها للدمار بشكل كامل نتيجة القصف، سيما العديد من مكاتب المحامين التي دمرت بشكل كامل بما تحتويه من ملفات وأوراق مهمة تخص موكليهم.  

ويعتبر قطاع العدالة، بما فيها مراكز الشرطة، مرافق مدنية وفق القانون الدولي الإنساني، وبالتالي لا يجوز أن تكون محلاً للاستهداف بأي شكل، طالما لم تستغل في المجهود الحربي.  وتعتبر قوات الشرطة والدفاع المدني وفق القانون الدولي العرفي والبروتوكول الملحق الأول باتفاقيات جنيف لسنة 1977 قوة مدنية محمية ولا يجوز أن تكون محلاً للاستهداف. 

جدير بالذكر أن التوتر بدأ بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي على خلفية القيود والممارسات الإسرائيلية التعسفية ضد قطاع غزة ومدينة القدس. وكان التوتر قد بلغ ذروته في اعقاب محاولات شرطة الاحتلال الإسرائيلي إخلاء منازل مواطنين في حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة، والاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى ومحاولة طردهم منه والاعتداء بالقوة المفرطة على المصلين، لمساعدة المستوطنين على اقتحام المسجد.  وبدأ التصعيد في يوم 10 مايو 2021، ليعلن جيش الاحتلال في اليوم التالي عن بدء عدوان عسكري واسع على القطاع، تحت اسم “حارس الأسوار” بذريعة إطلاق الصواريخ من قبل المقاومة الفلسطينية.  

هذا التقرير يقوم على المنهج الوصفي في تقديم الحقائق حول أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع العدالة، ويستند إلى معلومات من مصادر أولية تم الحصول عليها من خلال وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني، ومن مقابلات مركزة مع محامين قام بها الباحث معد التقرير.  ويقدم هذا التقرير معلومات حول أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع العدالة والاضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت به جراء العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة (10-21 مايو 2021)، بما يشمل الشرطة المدنية، النيابة المدنية، المحاكم النظامية، المحاكمة الشرعية، مكاتب المحامين.  ويركز التقرير بشكل خاص على مكاتب المحامين التي تضررت جراء العدوان، حيث أن العديد من هذه المكاتب قد دمر بشكل كامل، وترتب على ذلك إضرار كبيرة بسير العدالة، نظراً لضياع الكثير من الأوراق الرسمية والملفات والتي تعد أوراقاً ثبوتية لا غنى عنها.

الشرطة المدنية:

تعطل عمل الشرطة المدنية المتعلق باستقبال الشكاوى خلال فترة العدوان الإسرائيلي، والذي انعكس على عمل قطاع العدالة بشكل عام، وأدى إلى تعطيل استيفاء الحقوق وتنفيذ الاحكام القضائية سواء من المحاكم النظامية أو الشرعية. وقد انعكس ذلك سلباً على حقوق وحريات المواطنين، حيث أن تعطيل تنفيذ الاحكام واستيفاء الحقوق خلال هذه المدة فاقم من معاناة أصحاب الحقوق، وخاصة في قضايا النفقة والحضانة للنساء.  كما تم استغلال غياب الشرطة في اتاحة الفرصة لبعض أطراف التقاضي لتغيير الوقائع الخاصة بالقضايا التي تباشرها المحاكم، مما أدى إلى تعقيد هذه القضايا وإطالة أمد النزاع.[1]

 ويضاف إلى ذلك تعرض بعض مقرات الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة للاستهداف المباشر من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي خلال العدوان على قطاع غزة.  وقد استهدفت طائرات الاحتلال الحربية بالقصف مقر قيادة الشرطة في وسط مدينة غزة بعدة صواريخ مما أسفر عن تدمير بعض المباني الإدارية.  كما تعرض مركز شرطة بيت لاهيا إلى أضرار بالغة جراء قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لأرض زراعية تحده من الناحية الشمالية الشرقية بتاريخ 11 مايو 2021، وقد تسبب ذلك في أن أصبح مبنى المركز غير صالح للاستخدام.  وتقدر وزارة الداخلية في غزة الاضرار الإنشائية في المركز بقيمة حوالي 19 ألف دولار، غير الأثاث والأجهزة والاضرار في الملحقات التقنية للمبنى.

النيابة المدنية:

تعتبر النيابة العامة الجهة السيادية التي تمثل الصالح العام في أي دولة، ومهمتها الأساسية الحفاظ على سيادة القانون وملاحقة كل مساس بالأمن العام والسكينة العامة.  وتعتبر من المرافق الحيوية جداً، ويمثل تعطيل عملها اضراراً خطيراً بقطاع العدالة ومساساً بأمن وحقوق المواطنين. وقد تعطل عمل النيابة العامة بشكل كامل خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، مما ترتب عليه الكثير من التعقيدات الإجرائية المتعلقة بحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، وخاصة أوامر الإفراج والحبس.  وخلال العدوان لم يتمكن أعضاء النيابة من ممارسة الدور القانوني المنوط بهم فيما يتعلق بالقضايا الجنائية، رغم وقوع عدة قضايا متعلقة بالسطو والسرقة وقضايا ضبطية متعلقة بالمواد المخدرة. ومن ضمن المعيقات عدم تمكن وكيل النيابة من الاستجواب الوجاهي للموقوفين بسبب تعذر وصول عضو النيابة لمقر النيابة والمكاتب الخاصة بها.  ونتيجة هذه الأوضاع، قامت النيابة بتقدير موقف لكل قضية بشكل منفصل، بحيث قامت بتوجيه مأمورية الضبط القضائي لجمع الاستدلالات مع تأخير التوقيف لما بعد العدوان، مع حصر التوقيف في أضيق نطاق.[2]

وزاد الأمر سوءاً تعرض بعض مباني النيابات المدنية لأضرار بعضها جسيم، جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.  فقد تعرضت نيابة غزة الجزئية لأضرار بليغة، حيث بات المبنى غير صالح للاستخدام.  كما تعرضت كل من النيابة العامة/ ديوان النائب العام ونيابة الشمال ونيابة خان يونس، لأضرار جزئية، شملت تكسير زجاج النوافذ وابواب. 

أضرار جسيمة تعرض لها مجمع نيابة خانيونس تعرض حياة العاملين والمواطنين للخطرتعرض محيط مبنى مجمع نيابات خانيونس لقصف شديد وملاصق للمبنى، وهو مبنى مُستأجر، ومساحته 450م2. وأدى القصف إلى تضرر الهيكل الخرساني للمبنى وتصدع جميع جدرانه وسقوط النوافذ ومعظم الأبواب الداخلية.ويتكون المبنى من 3 طوابق، يضم الأرضي منها نظارة وكاتب العرائض ومكتب للشرطة، أما الطابق الأول فيضم نيابة خانيونس الجزئية، والطابق الثاني نيابة خانيونس الكلية. شملت تضرر الهيكل الخرساني للمبنى وتصدع جميع جدرانه وسقوط النوافذ ومعظم الأبواب الداخلية.وعاد الموظفون للعمل في المبنى بعد يومين من نهاية التصعيد العسكري الإسرائيلي بتاريخ 23 مايو 2021. ولكن نتيجة التصدعات ووجود ميل واضح في الجزء الجنوبي من المبنى تم إخلاء مكتبين خاصين بأعضاء النيابة لأن وضعهما غير آمن وتم إيجاد بدائل مؤقتة لهما.  كما أن هناك تشققات وتصدعات كبيرة في الجدران، وبعض الأعمدة في المبنى وفي عدة مواضع به.  ووفق التقييمات، فإن المبنى غير صالح، ويمثل خطورة على حياة العاملين فيه والمواطنين. ولذلك قررت النيابة العامة العمل على الانتقال إلى مبنى آخر في أقرب فرصة.

المحاكم النظامية

تعتبر المحاكم النظامية المكون الأساسي في قطاع العدالة، وهي ثلاثة أنواع: المحاكم المدنية والتجارية المختصة بالنظر في النزاعات بين المواطنين أو التجار، والنوع الثاني وهي المحاكم الجنائية، وهي المختصة بمحاكمة المجرمين، أما النوع الثالث فيها المحاكم الإدارية المختصة بالنظر في النزاعات بين الإدارات الحكومية المختلفة أو بينها وبين المواطنين.  وقد توقفت هذه المحاكم كافة وبأنواعها الثلاثة عن العمل خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.  وقد تسبب ذلك في تعطيل مصالح المواطنين بشكل كبير.  وقد مس ذلك أيضاً بحقوق وحريات المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالنظر في أوامر الافراج والحبس والكفالات، والتي تعطلت في ظل العدوان.  وقد تأجلت كافة الجلسات التي استحق موعدها خلال فترة العدوان، لأكثر من شهر وبعضها لشهرين، وهو ما ساهم في زيادة تكدس القضايا، مما انعكس بشكل مباشر على طول فترة التقاضي وتعطيل مصالح المواطنين. 

ومن جانب آخر، تعرض قصر العدل ومحكمة بداية الشمال إلى اضرار جزئية، خلفت خسائر مادية كبيرة، خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع. فقد تعرض قصر العدالة في مدينة الزهراء، وهو عبارة عن مجمع كبير لمحاكم قطاع غزة تم الانتهاء من تأسيسه قبل نحو عامين، إلى إضرار جزئية جراء القصف المكثف من الطيران الإسرائيلي الذي تعرضت له الأراضي المحيطة بالمجمع.  وقد تحطم جزء كبير من الواجهات الزجاجية ونوافذ قصر العدل وتضررت الاسقف المستعارة.  ويشمل مبنى قصر العدل على العديد من المحاكم والمكاتب الشرطية والإدارية، منها محكمة بداية وصلح غزة ومحكمة الاستئناف والمحكمة الإدارية ومحكمة النقض ومحكمة العدل العليا إضافة لديوان رئيس المجلس والمباني الإدارية والشرطة القضائية ونيابتي الاستئناف والعليا. كما تعرضت محكمة الشمال لإضرار جزئية، شملت تكسير زجاج النوافذ وبعض الأبواب.

تعطل عمل المحاكم النظامية خلال العدوان كان له أثر مباشر على حقوق المتقاضين، وذلك بسبب توقف عمل الشرطة والنيابة خلال العدوان والمحاكم، وتأجيل الجلسات التي كانت مستحقة الموعد خلال العدوان، وتلف ملفات المحامين الذين دمرت مكاتبهم، واقتراب الاجازة القضائية، وفوات المدد القانونية لمن فقدوا ملفاتهم بسبب العدوان.  فيما يلي بعض الحالات التي تسبب فيها ذلك في ضرر كبير على المتقاضين.

المحامي خالد محمد الريسكنت انتظر جلسة الحكم ولكن تأجلت القضية لفترة طويلةكان لدي قضية نزاع ملكية يتعلق بقطعة أرض كبيرة، وصادف أن جلسة النطق بالحكم كانت بتاريخ 19 مايو، أي خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع.  وكان الموكل (المالك) قد اتفق مع مشتري الأرض على أساس أن مشكلة الأرض قد انتهت، حيث أن جلسة النطق بالحكم كان مضمونة لصالحه.  وجاء العدوان، وتم تأجيل القضية لأكثر من 4 شهور، إلى ما بعد الاجازة القضائية والتي تبدأ من 15 يوليو إلى 1 سبتمبر.  وهذا بطبيعة الحال تسبب بمشكلة كبيرة لموكلي مع المشتري، ووضعني في مشكلة كبيرة معه بسبب تأخر قضيته بعد أن وعدته بأن الحكم سيصدر في مايو لصالحه. وفي قضية أخرى كانت تتعلق بالحجز على أرض مملوكة لموكلي، وكان الموكل بحاجة لفك الحجز في أسرع وقت ممكن، وكان موعد جلسة فك الحجز خلال العدوان الإسرائيلي.  ولكن بسبب العدوان تم تأجيل القضية. المشكلة أنني الآن مضطر لإعادة التبليغ مرة أخرى، ونظراً لوجود بعض الخصوم خارج البلاد، فإن التبليغ يستغرق فترة طويلة جدا، حيث تطلب تحديد الجلسة الماضية أكثر من سنة.  وبهذا تعطلت مصالح موكلي وهذا الأمر بالتأكيد وضعني في مشكلة مع الموكل لإقناعه بأن هذا التأجيل الطويل ليس بسبب خطأ مني.  وبالتأكيد مثل هذه الأمور تؤثر على سمعتي كمحامي. 
المحامي اسلام الزعيمالعدوان تسبب في تعقيد القضايا وضياع الكثير من الحقوقالعدوان تسبب في تعقيد العديد من القضايا الموكل بها، وهذا قد يتسبب في ضياع حقوق الموكلين.  فقد أدى تعطيل عمل مراكز الشرطة خلال العدوان إلى مشاكل كثيرة، منها على سبيل المثال قضية لدي حول نزاع على قطعة ارض بين منزلين، وقام خصم موكلي باستغلال حالة العدوان وقام بوضع “معرش” في الأرض المتنازع عليها لتثبيت مركز قانوني جديد.  ولم أستطع وقفه حينها لان مراكز الشرطة والنيابات كانت متوقفة عن العمل.ومن جانب آخر قرر مجلس القضاء الأعلى انقطاع للمدد القانونية من 10 مايو وحتى 1 يونيو، فقط.  وهذه الفترة غير كافية أبداً وخاصة أني فقدت مكتبي وكافة ملفاتي واوراقي خلال العدوان، حيث أن مكتبي كان في برج الجلاء الذي دمر بالكامل جراء استهدافه بالصواريخ من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية.  وأنا فعليا لم أستطع استعادة أي من ملفاتي، ولم أستطع إعادة تصوير الا القليل منها بسبب الضغط الكبير على تصوير الملفات في المحاكم.  ويحتمل أن أفقد المدد القانونية لأكثر من 17 ملف قضية، وهو أمر خطير جداً على الموكلين وعلى سمعتي كمحامي.
المحامية سوزان مطرتسبب العدوان في تعطيل استيفاء الديونعانينا كمحامين من مشاكل كبيرة خلال العدوان الإسرائيلي تتعلق باستيفاء الديون، فقد بات استيفاؤها من خلال الوسائل القضائية عملية في غاية الصعوبة بسبب عدم عمل النيابة العامة ومراكز الشرطة خلال العدوان الإسرائيلي.  كما أن وضع استيفاء الديون كان متدهوراً أصلاً بسبب جائحة كورنا، حيث أن النيابة العامة، بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية في قطاع غزة، تمتنع في كثير من الأحيان عن اصدار أوامر الحبس على خلفية ديون، كما أوقفت كل أوامر الحبس على خلفية الديون للشركات الكبرى والبلديات.  وبالتأكيد لهذه القرارات ما يبررها إنسانياً بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، إلا أن الموكلين وأصحاب الديون من جانب آخر لهم حقوق أيضاً ويتوقعون منا الكثير بشأن قضاياهم، كما أننا ملتزمون أمام الشركات والبلديات بمعدل معين في تحصيل الديون.ومن جانب آخر فإن العدوان تسبب في تعطيل وتأجيل العديد من القضايا، وفي نفس الوقت اقتربت الإجازة القضائية، وهذا يعني أن أي تأجيل لأي جلسة، سيكون بعد انتهاء الاجازة القضائية.  وبالتالي فإن الكثير من الجلسات التي كان موعدها خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، تم تأجيلها لبعد الاجازة القضائية أي بعد شهر سبتمبر القادم.  وهذا الأمر تسبب في تعطيل عملنا وزيادة الضغوط من قبل الموكلين، والذين ينتظرون حل قضاياهم واستيفاء ديونهم بفارغ الصبر.

المحاكم الشرعية:

الأثر السلبي للعدوان الإسرائيلي على قضايا الأحوال الشخصية أمام المحاكم الشرعيةتسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تعطيل قضايا الأحوال أمام المحاكم الشرعية.  وأفادت غادة النزلي، محامية في وحدة المرأة بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والذي يقدم خدمة التمثيل القانوني أمام المحاكم الشرعية في قضايا الأحوال الشخصية، مثل النفقة، التفريق، المشاهدة، والاستضافة، بأن العديد من القضايا التي كانت مستحقة المواعيد أثناء العدوان الإسرائيلي تعطلت بشكل كبير.  وأضافت:“تعطل عمل المحاكم والشرطة القضائية تسبب في تأجيل الكثير من الجلسات التي كانت مواعيدها مستحقة لأكثر من شهرين، وتعطيل تنفيذ الاحكام التي حصلنا عليها سابقاً لأكثر من شهر.  وهذا بطبيعة الحالة تسبب بضرر كبير الموكلات، وخاصة اللواتي رفع لهن المركز قضايا تتعلق بالنفقة أو الحضانة، حيث أن مثل هؤلاء الموكلات يكن في حالة توتر وينتظرن بفارغ الصبر صرف مبالغ النفقة، أو مشاهدة أو ضم أولادهم. تسبب العدوان في إطالة أمد التقاضي بسبب إعادة بعض الإجراءات، حيث اضطررنا إلى إعادة الإعلان في الجريدة عن موعد الجلسات التي أجلت، كما اضطررنا لتقديم طلبات لإعادة التبليغ بدلاً من الطلبات التي فات موعدها بسبب العدوان.  وهذه الأمور فاقمت من معاناة الموكلات، اللواتي يعانين بالأساس بسبب المشاكل الاسرية التي يمرن بها.  الكثير من الموكلات كن يتصلن بي لسؤالي عن قضاياهن ويشكين من ضيق الحال بسبب تأخر النفقة، وخاصة أن أوامر الحبس بسبب الامتناع عن دفع النفقة تم توقيفها خلال العدوان.  وهذا كله تسبب في مزيد من المماطلة وتأخر النفقة، وبالتالي مفاقمة معاناة النساء.” “إحدى القضايا التي تأثرنا بها كثيراً، كانت لموكلة رفعت لها قضية ضم أولادها الاثنين 5، 6 سنوات، وكان زوجها قد حرمها من رؤية ولديها، لمدة تجاوزت ستة شهور.  وعندما استطعنا الحصول لها على مشاهدة طارئة في العيد – هذا النوع من المشاهدة لا يكون الا في المناسبات-حدث العدوان الإسرائيلي وفقدت الفرصة في رؤية أولادها.  كما أن قضية الضم التي رفعها المركز تأجلت بسبب العدوان.  وبذلك فاقم العدوان الإسرائيلي من مأساة هذه المرأة التي تعاني بسبب حرمانها كل هذه المدة من رؤية أولادها.  وهناك ثلاث قضايا مشابهة تعرضن لها نساء وكلن المركز، فقدن حقهن في المشاهدة الطارئة بسبب العدوان.”

تختص المحاكم الشرعية في فلسطين بنظر قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين، وهي تتولى قضايا حساسة تتعلق بالأسرة.  وقد توقف عملها بشكل كامل خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تعطلت خلالها مصالح المواطنين وحقوقهم.  وقد تسبب ذلك في معاناة كبيرة للمواطنين أصحاب القضايا المختلفة، وخاصة قضايا الحضانة والنفقة.  كما تعرضت بعض المحاكم الشرعية في غزة لأضرار جزئية، بينها محكمة شمال غزة الشرعية، بيت لاهيا، والتي تعرضت إلى اضرار جزئية شملت تكسير نوافذ وأبواب وخزان مياه.  كما تعرضت محكمة جباليا الشرعية لأضرار جزئية شملت تكسير زجاج نوافذ وابواب.

تدمير مكاتب المحامين:

يعتبر المحامون من مكونات قطاع العدالة لما لهم من دور مهم في ضمان تطبيق القانون بالشكل السليم، والدفاع عن الحقوق، وخاصة حق الدفاع، والذي يمثل جوهر العدالة.  وقد تعرضت العديد من مكاتب المحامين للقصف، بعضها بشكل مباشر، مما أسفر عن تدميرها بشكل كامل بما تحتويه من ملفات واوراق قضائية وثبوتية مهمة. وكانت أغلب هذه المكاتب ضمن أبراج سكنية تم استهدافها من قبل الاحتلال الإسرائيلي.  وقد بلغت عدد مكاتب المحاماة التي دمرت بشكل كلي جراء قصف الطيران الإسرائيلي (33) مكتباً، كما تضرر أكثر من (240) مكتباً أخراً بشكل جزئي،[3] مما الحق خسائر مادية فادحة للمحامين، يقدر مجموعها بمئات آلاف الدولارات. 

وقد تسبب هذا الدمار الواسع في هذا القطاع الحيوي والمهم إلى تعطيل الكثير من القضايا المنظورة أمام القضاء الفلسطيني، ومشاكل كبيرة تحتاج إلى سنوات من الإجراءات لحلها، بسبب ضياع أو تلف الكثير من الملفات والأوراق الثبوتية العامة.  مما يشكل اضرار كبير بقطاع العدالة وتهديد خطير لحقوق الموكلين.

ومن جانب آخر، تسبب فقد آلاف الملفات بسبب الدمار، في إضافة عبء كبير على المحاكم في تصوير كل هذا الكم الهائل من الملفات بدل التالفة، والذي اضيف إلى العبء العادي في تصوير الملفات بشكل معتاد.  وهذا كله أدى إلى تأخر المحامين الذين فقدوا ملفاتهم في الحصول عليها لاستكمال اجراءاتهم، بل وأدى إلى تعطيل عمل المحامين بشكل عام نتيجة للضغط الكبير على تصوير الملفات.  وقد تسبب ذلك في فوات المواعيد القانونية لكثير من القضايا، وخاصة للمحامين الذين فقدوا مكاتبهم، حيث أن مجلس القضاء الأعلى حدد مدة الانقطاع للمدد القانونية[4] بسبب العدوان من 10 مايو وحتى 31 مايو، وهذا المدة لم تكن كافية لبعض المحامين الذين تدمرت مكاتبهم بشكل كامل لاستعادة ملفاتهم وتقديم إجراءاتهم ضمن المدد القانونية. 

 يعرض هذا التقرير خمس حالات لمحامين دمرت مكاتبهم بشكل كلي جراء العدوان الإسرائيلي، وأثر ذلك على عملهم وعلى حقوق موكليهم.

المحامي فادي ناظم عويضةفقد أرشيف ضخم، عمره أكثر من 45 عاماًكان لدينا مكتب من شقتين مملوكتين لوالدي المحامي ناظم عويضة في برج الجلاء الطابق الثالث، ويعمل فيه ستة محامين بالإضافة إلى أربعة متدربين.  وتم افتتاح هذا المكتب في العام 2004، وكان هذا المكتب هو أخر مقرات عمل والدي، ويضم أرشيف ضخم عمره أكثر من 45 سنة، وهي سنوات عمل والدي في مهنة المحاماة، حيث يمكن تقدير عددها بأكثر من 500 ملف، الكثير منها يحتوي على أوراق رسمية ونسخ عقود أصلية وأوراق مالية، وغيرها من الأوراق الثبوتية الأخرى.مساء يوم الأربعاء الموافق 12 مايو 2021، تفاجأنا من وسائل الاعلام بأن برج الجوهرة مهدد بالقصف، ولما علمنا توجهنا فوراً إلى هناك في محاولة لإنقاذ ملفات الموكلين، ولكن تم منعنا، لأن القصف كان متوقعاً في أي لحظة.  ولم نستطع فعليا دخول المكتب والذي كان يحوي بالإضافة إلى مئات الملفات، والتي تمثل حصيلة عقود من العمل في مجال المحاماة، مكتبة قانونية فيها الكثير من المراجع النادرة، وأجهزة كمبيوتر، بالإضافة إلى أثاث كامل من مكاتب وخزانات وأجهزة كهربائية، حيث أن المكتب كان مجهز بشكل كامل.  وقد تم قصف البرج بعدها بعدة صواريخ من الطائرات الحربية الإسرائيلية مما تسبب في دماره بشكل كبير، وأصبح مهدد بالانهيار نتيجة القصف الشديد، ودمر مكتبنا بشكل كبير. تواجهنا حالياً الكثير من المشاكل لأننا لم نستطع إخراج سوى ما نسبته 10% من الأرشيف الخاص بالمكتب.  وهذا يضعنا في مشكلة كبيرة مع الموكلين حيث أن هذه الملفات تحتوي على الكثير من المستندات الرسمية التي لا يوجد منها نسخ أخرى، كما أن بعضها يحتوي على أوراق مالية، وهذه بالعادة تكون من نسخة واحدة فقط، ولا يعتد بالصور في إثبات وجودها أمام المحاكم.  ويمثل استرجاع هذه الملفات مهمة شاقة جدا قد تستغرق عاماً كاملاً، بالإضافة إلى الكثير من الأوراق لا يمكن استرجاعها، وهذا يعرضنا لمشاكل كبيرة مع أصحابها ويضع مصداقيتنا وعملنا على المحك، وقد نتعرض إلى رفع قضايا ضدنا من قبل الموكلين حتى يستطيعوا إثبات وجود أوراقهم. نكافح حلياً من أجل استعادة عملنا كما كان، ونواجه مشاكل عديدة في ذلك، لارتباط بعض هذه الملفات بمدد قانونية انتهت أو شارفت على الانتهاء دون أن نتمكن من استعادة الملفات.  خسائرنا كانت فادحة وقدرناها بحوالي 135 ألف دولار، كما أننا نحتاج سنة على الأقل من العمل الشاق لكي نستطيع استعادة عملنا كما كان عليه قبل العدوان الإسرائيلي الذي تسبب في تدمير مكتبنا بشكل كامل.
المحامية سوزان فايز مطرفقدت مكتبي الذي يعمل فيه 35 موظفاً وملفات ومقتنيات مهمةكان لدي مكتب محاماة في الطابق الأول من برج الجوهرة الذي تم قصفه من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية، مساء يوم الاربعاء الموافق 12 مايو 2021.  وكنت قد استأجرت المكتب منذ العام 2017 بجانب مكتب والدي المحامي فايز مطر، والذي دُمر مكتبه أيضاً جراء القصف.  وكان مكتبي متخصص في مسألة تحصيل الديون، وبالتالي نحن نتعامل بشكل كبير مع الكمبيالات والشيكات والتي بالعادة لا يوجد إلا نسخة واحدة منها، كما أن المحاكم لا تعتمد الا النسخة الاصلية وليس الصور لإثبات وجودها.  وكان المكتب مجهزاً بشكل كامل، ولدي فريق عمل كبير، حيث يعمل في المكتب 35 موظفاً، منهم من يعملون على تحصيل الديون ومتابعة القضايا المختلفة، ومنهم من كان مكلفاً بأعمال إدارية.  وكان المكان مقسم بقواطع من الجبس وعدد كبير من المكاتب الخشبية لاستيعاب هذا العدد الكبير من الموظفين، ومجهز بأثاث كامل، أجهزة لوحية الكترونية، خزنتي حديد، أجهزة اتصال حديثة، شبكة انترنت، كاميرات مراقبة وتسجيل، ونظام طاقة شمسية كامل. علمنا في حوالي الساعة 9:15 مساء يوم الاربعاء من وسائل الاعلام بأن برج الجوهرة مهدد بالقصف بعد ساعة من تلقي حارس البرج إنذاراً بالإخلاء الفوري بقصفه.  ولم نكن نتخيل ابداً أن برج سكني وتجاري مثل برج الجوهرة يمكن أن يتعرض للقصف والتدمير بشكل كامل.  وتوجه بعض العاملين في المكتب للمكان في محاولة للدخول للمكتب لأخذ الأغراض والملفات المهمة ولكن تم منعهم، لان القصف كان متوقعاً من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية في أي وقت.  وكان بالمكتب أوراق في غاية الأهمية تتعلق باستحقاقات مالية كبيرة.  ولحسن الحظ لم ينهار البرج نتيجة للقصف، ولذا تمكنا بمساعدة بعض الأشخاص من استخراج بعض الأوراق من تحت الركام في اليوم التالي للقصف وبمخاطرة كبيرة، لأن البرج كان معرض للقصف مجدداً في أي وقت.  ولولا ذلك لكنت قد تعرضت لمشاكل كبيرة جداً من قبل الموكلين.  ولكن ما تزال هناك بعض الأوراق المفقودة والتي تحتاج إلى إجراءات طويلة لاستعادتها.  كما أن تدمير المكتب أثار قلق الموكلين، وهو ما يرهقنا حالياً بشكل كبير، حيث نبذل جهوداً كبيرة لاستعادة الملفات وطمأنة الموكلين.خسارتي في المكتب كانت كبيرة، ويمكن تقدير الخسائر المادية بـ 21 ألف دولار، بالإضافة إلى أني فقدت موقع مكتبي الذي بات معروفاً لكثير من الزبائن والموكلين، وربما أحتاج أكثر من عامين لأستعيد نصف ما كنت عليه قبل قصف مكتبي.  هناك 35 شخصاً كانوا يعملون في مكتبي المدمر، هؤلاء باتوا بعد القصف مهددين في لقمة عيشهم، وهذا شكل ضغط كبير علي لتوفير مكتب آخر في أقرب فرصة حتى لا افقد فريق عملي المميز.  كما أني واجهت مشكلة في الحصول على مكتب آخر في موقع مميز لعملي، مع العلم أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، إلى درجة أني استأجرت حالياً مكتب آخر بضعف قيمة أجرة مكتبي المدمر.  وأود أن أشير هنا إلى إن خسارتي ليست فقط مادية، حيث فقدت أيضاً الكثير من المقتنيات والمتعلقات الشخصية التي كانت تمثل ذكريات خاصة ومهمة جدا لي.
المحامي عبد الرحمن هاشم كحيلفقدت مكتبي وملفاتي بالكامل وارواق ثبوتيه لمبالغ كبيرةتعرض مكتب المحاماة الخاص بي للتدمير الكامل، بعد أن قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف العمارة السكنية التي يوجد بها المكتب.  وتقع العمارة، المملوكة لعائلتي والمكونة من أربعة طوابق ومبنية على مساحة 500 متر مربع، في مدينة غزة، نهاية شارع عمر المختار.  وكان مكتبي، ومساحته 70 م2 في الطابق الأرضي، مجهز بشكل كامل، حيث كان يحتوي على الأثاث المكتبي، وأجهزة الكمبيوتر، إضافة إلى ملفات القضايا والأوراق الرسمية الأخرى المتعلقة بعملي. وكان أخي قد تلقي اتصالاً هاتفياً من المخابرات الإسرائيلية يوم الخميس، الموافق 19 مايو 2021، وأبلغوه بضرورة إخلاء المبنى بشكل فوري، لأنه سيتم ضربه خلال عشرة دقائق.  ولما عرفت توجهت إلى المكان حيث أني اسكن بعيداً عنه.  ولما وصلت لم أستطع الدخول إلى مكتبي أو الاقتراب خشية قصف المكان.  وانتظرنا القصف لساعات، ولكن لم يحدث.  وتم الاتصال بنا مرة أخرى، وقيل لنا أن نعود للبيت، وأن القصف لن يتم.  ولكننا تخوفنا من العودة، خشية الغدر بنا من قبل الاحتلال.  وفعلا في اليوم التالي، تم قصف البناية وتدميرها بالكامل. القصف دمر المكتب بشكل كامل، وفقدت كافة الملفات التي كانت بالمكتب، ومن ضمنها كمبيالات وشيكات لتجار بمبلغ إجمالي يصل إلى 150 ألف دينار.  وأنا الآن في ورطة كبيرة، حيث أن إثبات وجود هذه الاوراق المالية يحتاج إلى إجراءات طويلة، وقد يتسبب ذلك في مشاكل كبيرة مع الموكلين الذين قد تتعرض حقوقهم للضياع.  ومن ضمن الأوراق التي فقدت ايضاً وصايا لموكلين كانت لدي النسخة الأصلية منها، وهي مسؤولية كبيرة قد يترتب عليها الكثير من المشاكل مع أصحابها. خسارتي جراء تدمير مكتبي كبيرة، حيث تقدر بحوالي 40 ألف دولار، ناهيك عن الأوراق والملفات التي تحتاج إلى عمل شاق وطويل لاستعادتها، وأخشى أن أواجه تعقيدات إجرائية في استعادة هذه الملفات أو أن أواجه مشاكل مع الموكلين.  واعتقد أنني احتاج إلى سنتين على الأقل لكي أستطيع تجاوز هذه الأزمة واستعيد عملي مثلما كان عليه في السابق.  والمشكلة التي تواجهني حالياً أن عملي مرتبط بشكل كبير بالمكان الذي يتواجد فيه مكتبي، والموجود بجوار السوق التجاري في شارع عمر المختار، حيث أن عملي بالأساس مع التجار، وبالتالي فإن استعادة عملي مرتبطة بصرف التعويضات وإعادة بناء مكتبي مرة أخرى لكي أتمكن من ممارسة عملي من نفس المكان وبنفس الفاعلية.
المحامي أحمد صلاح سلامة عطا اللهفقدت مكتبي بالكامل بما فيه ملفات ومقتنيات مهمةامتلك مكتب محاماة في الطابق الثاني من برج الجلاء الذي تم قصفه خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فجر يوم السبت الموافق 15 مايو 2021.   قمت بشراء هذا المكتب في العام 2017، وامارس عملي كمحام منه منذ ذلك الحين.  والمكتب كان مجهزاً بأثاث كامل، وأجهزة كهربائية والكترونية، ومكتبة ومراجع مهمة، وخزانة للملفات والارشيف الخاص بالقضايا التي أعمل عليها، ومقتنيات شخصية أخرى. ليلة القصف لم أكن أعلم أن البرج معرض للقصف، حيث كنت في بيتي، واتصل على والدي ليبلغني أن الاخبار تتحدث عن تهديد برج الجلاء بالقصف، وكنت اعتقد أن الامر مجرد شائعة، لان البرج عبارة عن مجمع لعيادات طبية، ومكاتب محاماة (حوالي 25 مكتباً)، ومكاتب صحفية، ومكاتب هندسية، وليس فيه أي مظهر عسكري أو حتى مكاتب حزبية.  ولكن توجهت للمكان، وحينما وصلت، وجدت الجميع يغادر بسرعة، وقالوا لي ليس هناك وقت لأخذ شيء.  ولكن أصريت على الوصول للمكتب، وأخذت اللاب توب الخاص بي، ومبلغ من المال والأوراق التي كانت في درج المكتب وخرجت بسرعة.المشكلة الأكبر التي تواجهني هي أني فقدت ملفات مهمة ليس منها الا نسخة واحدة، منها عقود قديمة، وشيكات وكمبيالات لموكلين، وهذه الأوراق لا يوجد منها نسخ أخرى، والقضاء لا يقبل الا النسخ الاصلية في إثبات وجودها.   وربما نحتاج سنوات لإعادة إثبات وجود الديون التي فقدت أوراق ثبوتيتها، وخاصة إذا تم انكار الدين من قبل المدينين. كما تسبب دمار مكتبي في فوات عدد من المواعيد القانونية التي كان يفترض أن أقوم خلالها بإجراءات لصالح الموكلين، حيث لم أستطع استرداد الملفات قبل مرور فترة الانقطاع التي حددها مجلس القضاء الأعلى.  وهذه الأمور ستعرضني لمشاكل كبيرة مع الموكلين، وقد يؤثر ذلك على عملي ومستقبلي.أنا حالياً فقدت عملي، وما زلت ابحث عن شقة لكي أستطيع إعادة فتح مكتب جديد، مع العلم أن الحصول على شقة أخرى في هذه الظروف أمر غاية في الصعوبة.  كما فقد اثنان من المتدربين كانوا في مكتبي فرصة إكمال التدريب معي في المكتب.  الحقيقة أن خسارتي كانت كبيرة، ويمكن تقديرها بحوالي 60 ألف دولار، ولكن أقول إن خسارتي ليست فقط في تدمير المكتب والاثاث والملفات ولكن أيضاً في موقع مكتبي والذي بات مكاناً معروفاً لزبائني، وكذلك المراجع والكتب المهمة التي فقدتها بسبب القصف والتي انتقيتها بعناية خلال سنوات عملي العشر في المحاماة. واتوقع أني احتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل لاستعادة عملي مرة أخرى، وتجاوز آثار تدمير مكتبي.

التوصيات:

يتضح من العرض السابق أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع العدالة في قطاع غزة، وما رتبه من معاناة للمواطنين في ظل تعطل منظومة العدالة خلال العدوان وبسبب الدمار الذي لحق ببعض مؤسسات قطاع العدالة، وخاصة مكاتب المحامين، والتي تدمر عدد كبير منها، بما تحويه من ملفات للمواطنين المتقاضين، مما ترتب عليه اضرار جسيمة ومعاناة كبيرة للموكلين وأصحاب الحقوق.  ولذا يطالب المركز بما يلي:

  1. ضرورة العمل الحقوقي المشترك من أجل ملاحقة جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، سيما استهداف مؤسسات قطاع العدالة.
  2. يجب أن يكون قطاع العدالة أحد الملفات التي يتم التركيز عليها في إعادة الاعمار، بما يضمن تعويض المحامين، وتطوير قطاع العدالة بشكل يضمن تقديم خدمة فعالة وسلسلة للمواطنين.
  3. يطالب المركز مجلس القضاء الأعلى بالعمل من أجل تعويض المحامين بشكل عاجل لكي يتمكنوا من مواصلة عملهم.
  4. على مجلس القضاء الأعلى إعطاء مراعاة خاصة للمحامين الذي تدمرت مكاتبهم فيما يتعلق بالمدد القانونية.
  5. على مجلس القضاء الأعلى صياغة خطة طوارئ للتعامل مع الحالات التي يتم تعطيل قطاع العدالة فيها، وخاصة في ظل تكرر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
  6. يطالب المركز الأمم المتحدة بدعم قطاع العدالة في فلسطين لكي يكون قادراً على الوفاء بواجباته وتخفيف معاناة المواطنين، وخاصة في ظل تكدس القضايا جراء العدوان الاسرائيلي.

—————————————————————————————

[1] يقدم التقرير لاحقاً عدد من دراسات الحالة التي تقدم أمثلة على هذه الحالات التي تسبب غياب الشرطة المدنية فيها إلى تعطيل القضايا ومعاناة أصحاب الحقوق.

[2] معلومات تم الحصول عليها من أحد أعضاء النيابة العامة في قطاع غزة، البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان

[3] تقرير مسحي صادر عن نقابة المحامين الفلسطينيين حول الاضرار التي لحقت بالمحامين جراء العدوان الاسرائيلي

[4] المدد القانونية هي المدد المحددة قانوناً لاتخاذ إجراءات معينة، مثل المدة المحددة للطعن في القرارات الإدارية (60 يوماً من العلم بها) أو المدة المحددة للاستئناف (30 يوماً).. إلخ، ومدة الانقطاع تعتبر مدة غير محسوبة من المدة القانونية، أي كأنها لم تكن)، هي بالعادة تكون نتيجة وجود إجازة معينة أو ظرف طارئ (مثل حالة الحرب أو كوارث طبيعية).