الدكتور عاطف محمد خليل الحوت، مدير عام مجمع ناصر الطبي في خانيونس، سكان رفح.
منذ بداية الحرب على قطاع غزة بتاريخ 7/10/2024، كان مجمع ناصر الطبي يعمل بكامل قدرته ولا يوجد أي معيقات للعمل، وكنت أنا حينها خارج قطاع غزة ومتواجد في ألمانيا، وقد عدت لقطاع غزة بتاريخ 27/11/2023، وباشرت العمل بتاريخ 1/12/2023، وكان المجمع على حاله يعمل بكامل طاقته، وقد كان داخل المجمع أعداد هائلة من النازحين، الذين احتموا بالمجمع باعتباره منطقة آمنة.
وقد زادت أعداد النازحين بشكل كبير بعد اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لخانيونس بتاريخ 4/12/2023، وقد كان الجيش الإسرائيلي أمر سكان المناطق الحدودية الشرقية بالنزوح للمناطق الغربية، وقد لوحظ التزايد أيضا في مدارس الأونروا المحيطة بالمجمع. ومع بداية الاجتياح بدأ أعداد الشهداء والمصابين في تزايد كبير، وهو ما فاق الطاقة الاستيعابية للمستشفى، حيث إن السعة السريرية للمستشفى 347 سرير مبيت، ما اضطرنا لوضع المرضي والجرحى في ممرات المستشفى، ووضع واستخدام بركسين وضعت في الساحات لتغطية حالة العجز. ولم نتمكن من إفراغ قسم الاستقبال والطوارئ نهائيا لاستقبال حالات جديدة، وقد تم استخدامه قسم مبيت للمرضى والمصابين، بالإضافة لتحويل بعض الأقسام غير الجراحية وغير المجهزة للجراحة إلى أقسام جراحية. كما تم زيادة عدد أسرة قسم العناية المركزة من12 سرير إلى 48 سرير، وذلك عبر استخدام عناية القلب والعناية المتوسطة، بالإضافة لتجهيز غرفتين من غرف المرضى غير المجهزة أصلا لغرف عناية مركزة جديدة.
بتاريخ 21/1/2024، وعند وصول آليات الاحتلال قرب منطقة المقابر والمستشفى الميداني الأردني بمنطقة النمساوي جنوب مجمع ناصر الطبي، بدأت عملية الحصار الجزئي للمستشفى، وكان هناك حركة للأفراد داخل أسوار المستشفى، وقد منعت قوات الاحتلال سيارات الإسعاف من الخروج من المستشفى.
هل تم استهداف سيارات إسعاف أو تم إبلاغكم بقرار منع الخروج من المستشفى من قبل الجيش الإسرائيلي؟
حاولنا أكثر من مرة التنسيق للمستشفى الميداني الأردني الذي يبعد عن مجمع ناصر حوالي 200 متر جنوبا لتعبئة أنابيب الأوكسجين لهم، وكان يتم رفض التنسيق من جيش الاحتلال، ولكن رغم ذلك كانت حركة سيارة الإسعاف محصورة في محيط المجمع، ولكن بدون أي ضمانات للسلامة، كما قامت قوات الاحتلال عبر طائرة مسيرة بإطلاق النار تجاه بيت درج الطابق الرابع من مبنى الجراحات العامة (مبنى الياسين) ما أدى لاستشهاد شاب من عائلة المصري وأصيب الممرض حازم أبو عمر 33 عاما، بعيار ناري في الصدر.
وقد استمر هذا الحال حتى يوم الجمعة الموافق 2/2/2024 حيث بدأ الحصار الكلي، وحاصرت الآليات الإسرائيلية المجمع من جميع النواحي، وقد تم تبليغي بمنع خروج أو دخول أي شخص للمجمع. وقد بقي عدد كبير من النازحين داخل المستشفى وخرج عدد قليل جدا قبل الحصار. وقامت طائرة مسيرة خلال هذه الفترة بإطلاق النار تجاه خزانات المياه ما أدى لإعطاب عدد كبير منها، وأذكر أنه أصيب شاب لا أذكر اسمه.
وخلال هذه الفترة، بدأ التواصل معي مباشرة من الجيش الإسرائيلي عبر اتصال عبر الواتس أب وقد عرف الشخص عن نفسه اسمه موشيه من جيش الدفاع الإسرائيلي، وكان يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وسألني عن النازحين والمرضى. وقد كان الاتصال مرتين أبو ثلاث مرات أسبوعيا، وكان يسألني ما هي احتياجات المستشفى، فقلت له إصلاح خزانات المياه التي أصيبت بالأعيرة النارية، وأن الوقود على وشك النفاذ، وكان يأخذ المعلومات دون أن يلبي أي طلب.
وخلال هذه الفترة قلت عدد الإصابات ولم يكن ممكناً نقل أي من الإصابات أو الشهداء للمستشفى إلا عبر عربات الكارو التي تجرها الحيوانات أو دراجة نارية ” تكتوك “، وذلك مع توقف عمل سيارات الإسعاف خارج أسوار المجمع. وكان المصابون والشهداء الذين يتم استهدافهم في المناطق الغربية لمدينة خانيونس ينقلون لمستشفيات مدينة رفح. وكان استهلاك المعدات والمستلزمات الطبية قليلاً. وقد عانينا من سوء التغذية وكنا نعتمد على ما هو مخزن داخل المجمع لحالات الطوارئ تلك، وكان الجميع سواء طاقم طبي أو مرضى أو نازحون يستهلكون من المخزون.
استمر الحصار الكلي للمستشفى حتى يوم الاثنين الموافق 12/2/2024، حيث تم التواصل معي من منسق الجيش، وأبلغني بأنه حفاظا على سلامتكم وسلامة النازحين ينبغي إخلاء النازحين من المجمع والانتقال لمكان آخر، وذلك للتخفيف من حجم الاحتياجات داخل المجمع من مقدرات. وقد أعطاني طريقا آمنا هو من مجمع ناصر حتى مفترق الضهرة غربا على شارع البحر. وبالفعل خرج النازحون ظهر اليوم نفسه وقد تم إطلاق النار عليهم من طائرة مسيرة، وقد قتل الجيش اثنين من النازحين وأصيب ثلاثة آخرون. وتواصل معي المنسق بعد ساعتين وسألني لماذا لم يخرج النازحون؟ فقلت له: لقد خرجوا وتم إطلاق النار عليهم من قبلكم وهم الآن في حالة خوف وهلع شديدين. فأنكر ذلك وقال: نحن لم نطلق النار تجاه أحد. فقلت له: إنني أصدق عيني، يوجد أمامي شهيدان وثلاثة مصابين ممن خرجوا. وقال لي: أعطني بعض الوقت لمتابعة الموضوع والحصول على وقت محدد آخر وطريق آمن لخروجهم.
وصباح يوم الثلاثاء الموافق 13/2/2024، قام الجيش الإسرائيلي بالنداء عليّ عبر طائرة مسيرة تطالبني بالتوجه خارج المستشفى. شعرت بأن المنطقة غير آمنة وخفت من إطلاق النار علي. وبعدها مباشرة حضر شخص مكبل اليدين وعلى رأسه ربطة صفراء ويرتدي أبرهول أبيض اللون، وطلب أن يقابلني، فنزلت له، وأخبرني بأن لديه رسالة لي من قبل الجيش الإسرائيلي طالبني خلالها بأن يقوم جميع النازحين بإخلاء المستشفى، وقال لي بأن لديه أمر بالعودة للجيش خلال نصف ساعة وإلا سوف يتم تصفيته وقتله. فقمت بالتواصل مع المنسق عبر الرقم على الواتس اب، وقلت له: أنتم تنادون على بالخروج، أعطوني خطاً آمناً أتوجه عبره. وقال لي بأن أتوجه للنادي المقابل لمول مكة الواقع قرب المجمع من الناحية الشرقية. وبالفعل توجهت بعد أن أعطاني خط السير وقال لي توقف عند الدبابة. وبالفعل، تم فحصي أمنيا عبر رفع الملابس عن بطني و إنزال البنطلون، ودخلت على الدرج المؤدي للمدرجات. وسألني نفس الأسئلة وهي: هل يوجد مقاومون أو مطلوبون داخل المجمع؟ هل يوجد محتجزون؟ فأجبته بأن عمل المجمع هو إنساني بحت. وقال لي: اطلب من النازحين أن يغادروا المجمع. فقلت له: أنتم أطلقتم النار عليهم خلال الخروج الأول. فأنكر مرة تانية، وقلت له: أنا شاهدت الشهداء والجرحى الذين تم استهدافهم، وكيف سيشعر النازحون بالأمان في الخروج الثاني، وطلبت منه عدم التعرض لهم لأنهم مسؤولون مني كمدير عام للمجمع وهم احتموا به. فقال لي بأن النازحين سيسلكون طريقاً آخراً شرقا تجاه شارع جمال عبد الناصر، وهناك سوف يدلهم الجيش على الطريق التي سيسلكونها. فعدت للمجمع وتحدثت مع النازحين واقتنعوا. وبالفعل خرجت قبلهم في حوالي الساعة 9:00 صباح نفس اليوم، جميعا للبوابة الشمالية ليشعروا بالأمان. وهناك قام المنسق بتوجيه إشارة لي بأن المكان آمن وأن عليهم السير شرقا. وبالفعل ساروا وبقيت متوقفا أمام باب المستشفى لأطمئن على النازحين، وقد استمرت عملية النزوح حتي حوالي الساعة 12:00 ظهر نفس اليوم، ومن ثم عاد بعض النازحين خوفا وأخبروني بأن الدبابة اقتربت منهم كثيرا، وخافوا من أن يتعرضوا للموت. وبعد حوالي نصف ساعة تلقيت اتصالا من المنسق سألني: لماذا عاد الناس للمجمع؟ فقلت له ما جرى معهم، فأخبرني بأن يحاولوا تنظيم عملية خروجهم فقط وأن لا خوف على حياتهم، وطلب مني الحديث مع النازحين مرة أخرى والطلب منهم بمغادرة المجمع، منهم من اقتنع وخرج ومنهم من أجل الخروج لليوم التالي.
وفي حوالي الساعة 3:00 مساء نفس اليوم، تلقيت اتصالا من المنسق أخبرني خلاله بأن لديه رسالة من جيش الدفاع الإسرائيلي فحواها بأن يوجد مسلحون داخل المجمع ويتم إطلاق النار عليهم من داخل المجمع، وكذلك يتم إطلاق صواريخ، أطلب منهم مغادرة المجمع فورا. وقد نفيت هذا الكلام، وقلت له إذا كان لدى الجيش نية لاجتياح مجمع ناصر فأنا جاهز لاستقبالكم برفقة أي مؤسسة دولية أنتم قوموا باختيارها لتقوم بفحص وتفتيش المجمع حول وجود مسلحين أو صواريخ داخله.
وفي حوالي الساعة 12:30 بعد منتصف ليلة يوم الأربعاء الموافق 14/2/2024، أصابت قذيفة دبابة إسرائيلية الطابق الثالث في قسم العظام وأحدثت فتحة كبيرة في الجدار، وقتل على أثرها أحد المصابين، وأصيب ثلاثة آخرون. فقمت بالاتصال على المنسق مباشرة وسألته: ماذا يجري، ولماذا تم استهداف المستشفى؟ وأنكر عملية الاستهداف وطلب مني تصوير المكان وارسال صورة له. وبالفعل قمت بإرسال الصورة. وفي حوالي الساعة 2:00 فجر نفس اليوم، جاءت طائرة مسيرة وطلبت من جميع المتواجدين مغادرة المجمع فورا وبشكل عاجل. قمت بالتواصل مع المنسق وسألته: كيف تطلب منا في هذا الوقت من الليل مغادرة المجمع، ولا يوجد إنارة ومن ضمن النازحين نساء وأطفال، امهلنا فرصة حتى طلوع نور الصباح و نغادر. فقال لي أنه سوف يعود لي باتصال. وبالفعل عاد للاتصال بي بعد ساعة وأخبرني يجب على الجميع المغادرة فورا والمغادرة فقط للنازحين وليس الموظفين والمرضى، والمريض الذي يستطيع الحركة بإمكانه المغادرة. فحاولت مفاوضته حتى الصباح ففشلت بذلك، وطلبت من النازحين الإخلاء فورا لأن الوضع خطير جدا. وبعد خروج النازحين، في حوالي الساعة 6:00 صباح نفس اليوم، حضرت طائرة مسيرة وقامت بالنداء علي وأمرتني بالتوجه تجاه مبني الهندسة والصيانة الواقع في الناحية الجنوبية الشرقية للمجمع. ولم أتوجه إلا بعد أن تواصلت مع المنسق وقلت له: ما هو المطلوب منا للحفاظ على حياة العاملين والمرضى؟ كان عدد من المرضى قد غادر المستشفى مع النازحين، وقد كان عدد المرضى والمصابين 450 شخص، وتبقى بعد النزوح 250 مريضا وجريحا، وقد كان عدد أفراد الطاقم الطبي 300، وتبقى بعد المغادرة 95 فقط. وبعد حصولي على تنسيق قمت بالتوجه لقسم الهندسة والصيانة، وكان الجيش وآلياته قد قاموا باجتياح المجمع بعد هدم السور الجنوبي، وبعد وصولي تم إخضاعي للتفتيش وقمت برفع الملابس عن بطني وبإنزال البنطلون، وخضعت للتحقيق مع شخص يرتدي زي عسكري أعتقد أنه من جهاز الشاباك، حول أحداث 7 أكتوبر فقلت له أنني كنت خارج البلاد، وسألني عن المختطفين والجثث وعن عناصر حماس المتواجدين داخل المجمع، وقد عاد السؤال أكثر من مرة وكانت إجابتي بأن المجمع هو مكان صحي وإنساني لا يمت للعمل العسكري بأي صلة. استخدم أسلوب التهديد بأنني لا أعرف شخصيته جيدا، وسوف أغادر الغرفة وقوم بمراجعة نفسك حول إجاباتك وسوف أعود، وترك عندي شخص قام بالتحدث معي بأنه يستطيع قتلك أو سجنك، عندما عاد قال لي سنبدأ من جديد فأوقفته وقلت له ما هو الجواب الذي تريده لأسئلتك وأنا سوف أقوله لك، فقال لي قول الحقيقة فقلت له هذه هي الحقيقة، فخرج من الغرفة ودفع الباب بشكل عنيف، وبعدها عاد وشخص آخر سألني عن عدد المتواجدين في مباني المجمع في الوقت الحالي، فقلت له بعد خروج النازحين لم أحص ولا يوجد لدي عدد محدد، وقال لي أريد أن أجمعكم في مبنى واحد أي مبنى ستختار، فقلت له الأكبر هو مبنى الياسين الخاص بالجراحة، رغم وجود صعوبة بذلك، فقال لي سوف نقوم بإخلاء مبنى مبارك الخاص بأقسام الأطفال إلي مبنى ناصر داخل المجمع، وأمهلني نصف ساعة لتنفيذ ذلك. فقلت له الوقت لا يكفي هؤلاء مرضى على أسرة ، فقال لي لا تقوم بتضييع الوقت وباشر عملية النقل وقد بدأ العد التنازلي لذلك، وقد استمرت عملية التحقيق حوالي ساعتين من الوقت. وبالفعل قمت بعملية النقل بعد إخبار الطاقم الطبي بذلك في حوالي الساعة 11:00 صباح نفس اليوم، وكان مبنى ناصر ضيقا جدا وهو عبارة عن 3 طوابق وجراء تعطل المصعد بداخله فلا يمكن نقل الأسرة للطوابق العلوية والاستيعاب سيكون في الطابق الأرضي فقط، وهو عبارة عن قسم مناظير وعلاج طبيعي. وقد استغرقت عملية النقل 45 دقيقة، حيث أنه تم نقل 39 مريضاً جميعهم على أسرة، وطلب مني فحص مبنى مبارك مرة أخرى للتأكد من خلوه، فقلت له المبنى مخلى، وقال بأنه سيطلق النار على كل من يتحرك داخل مبنى مبارك. وبعدها مباشرة طلب مني تفريغ مبنى الجراحات ” الياسين”، داخل مبنى ناصر أيضا، وأعطاني مهلة ساعتين لنقل الجميع، وكان في المبني ما يقارب من 180 مريضاً على أسرة، وكان عدد من النازحين وعدد من المرافقين للمرضى يقدر عددهم بحوالي 70 أيضا. حاولت إقناعه بعدم وجود مكان داخل مبنى ناصر لاستيعابهم لكن دون جدوى، حيث إن مبني ناصر سعته السريرية الطبيعية 80 سريرا جميعها ممتلئة. وتوجهنا للخطة البديلة، فقمت بفتح قسم فحص الأنسجة وقمت بوضع الأجهزة التي تقدر قيمتها بمئتي ألف دولار على جانب، بالإضافة لقسم المناظير الذي تفوق قيمة أجهزته 2 مليون دولار ووضعنا الأجهزة على جانب، وقمنا بوضع الأسرة بجانب بعضها البعض، بالإضافة لقيامنا بحمل بعض المرضى عبر الدرج للطابق العلوي. وبالفعل استطعنا تجميع جميع المرضى داخل مبنى ناصر، فقمت بالاتصال بالمنسق وأبلغته بانتهاء عملية النقل، فطلب مني الجلوس داخل المبنى وانتظار اتصال منه.
وبدأ الجيش عمليات التفتيش داخل المستشفى بشكل عام، وهنا توقفت جميع الخدمات الطبية للمرضى بسبب ضيق المكان وعدم توفر المستلزمات الطبية لذلك، وكان هناك 6 مرضى يرقدون على أسرة قسم العناية المكثفة في مبنى الجراحة ورفضت إخلاءهم لعدم استطاعة الطاقم الطبي تقديم أي خدمات طبية لهم وأنهم سيفارقون الحياة مباشرة في حال رفعهم عن الأجهزة. وطلب مني إخلاء الطاقم الطبي الموجود داخل قسم العناية، فبعد أن جرى جدال ومفاوضات بيني وبينه سمح بإبقاء ممرض يتابع حالات المرضى على أسرة العناية. وبعدها تواصل معي المنسق وطلب مني حصر جميع المتواجدين داخل مبنى ناصر من نازحين ومرضى وجرحى وطاقم طبي في كشف بالاسم ورقم الهوية، وأن أقوم بإرساله له على الواتس أب، وبالفعل قمت بحصرها وأرسلتها له، وكان العدد حوالي 400 شخص.
هل كانت خدمة الانترنت والكهرباء متوفرة داخل المجمع؟
الكهرباء كانت متوفرة عن طريق المولدات، الانترنت كان مقطوعا ولكن تم توفيره لي من وزارة الصحة عبر اللاسلكي من مدينة رفح وكان خاص للاب توب وتواصلي مع المنسق كان عبر اللاب توب.
وبعد أن بدأ الجيش بالتفتيش في مباني وأقسام المستشفى بعد أن حذرنا من الوقوف على النوافذ، وفي حوالي الساعة 7:00 صباح يوم الخميس الموافق 15/2/2024، قطعت الكهرباء بالكامل عن المجمع. فركضت نحو بيت درج مبنى ناصر، الذي كان يطل على مكتبي في مبنى الإدارة والذي اتخذه الجيش كمقر له داخل المجمع، وقمت برفع يداي وصرخت عليهم وقلت لهم بأن الكهرباء قطعت ولدي مرضى داخل قسم العناية المكثفة سوف يفارقون الحياة، ولا يوجد إلا ممرض واحد عندهم لا يستطيع إعطاء المرضى تنفس يدوي وحده، وأنني أحتاج لممرضين اثنين وطبيب عناية مركزة. فسمح لي بذهابهم، بعد أن أبلغته بأسمائهم وأرقام هوياتهم. وبعدها قام الجيش بالنداء علي، وقمت بالخروج فطلب مني عناصره بالبدء بتفريغ جميع من يتواجد داخل مبنى ناصر إلى مبنى الأطفال ( مبنى مبارك )، وقال لي ابدأ بالنساء اللاتي يستطعن السير، وقام الجيش بوضع حاجز أمني للفحص أمام مبنى الجراحات العامة. وباشر في التفتيش وطلب من النساء التعرية فرفضت أنا ذلك وقلت له لا يمكن فحص النساء بهذه الطريقة وتريد فحصهم وفر مجندات. وخرج مسؤول من داخل مبنى الجراحات وتفهم ما قلته وقال لي بأن تقوم إحدى النساء بتفتيش جميع النساء من الخارج، وبالفعل قامت مرافقة مريض كانت من عائلة الأسطل، ووجهتن لمبنى مبارك.
وبعدها عدت لمبنى ناصر وتواصلت مع المنسق وطلبت منهم أن يتم تصليح المولدات. فقال لي وفر المهندس واذهب للمولد وأصلحه، فقلت له بأن المهندس غادر مع النازحين المستشفى، ولا يوجد مهندس، فقال لي وأنا ماذا أفعل لك، فقال لي أحد الأطباء يدعى حازم بهلول 33 عاما، بأنه لديه خلفية حول المولدات وسوف يذهب معي ويحاول، فقلت للمنسق ذلك، فقال لي من سيذهب قلت له أطباء، وسوف نحاول إذا أنت لم تساعدنا بذلك. وبالفعل توجهنا لمكان المولدات في الناحية الجنوبية الشرقية للمجمع، وباشرنا في محاولة تشغيل المولد وجلسنا حوالي 3 ساعات. وخلال هذه الفترة كان الرجال قد انتقلوا أيضا من مبنى ناصر لمبنى مبارك. وبعد انتهائنا قاموا بأخذ الدكتور حازم للتحقيق داخل مبنى الهندسة والصيانة المقابل لغرف المولدات من الناحية الجنوبية، وأنا أوقفني أحد عناصر الجيش وبدأ التحقيق معي أمام غرفة المولدات حول الأسرى وعناصر المقاومة، وطلب مني مساعدتهم حتى يغادروا المجمع بسرعة، وبعدها طلبت منه العودة لمبنى ناصر، فرفض وطلب مني الجلوس أمام مبنى مبارك تحت الدرج الخارجي، وطلب مني عدم التحرك. وخلال جلوسي كان الرجال يصلون بعد أن تم تفتيشهم جسديا. ومن الرجال من تم أخذه للتحقيق، وكان من بين من تم اعتقالهم شخص كان معه طفليه من ضمنهم واحد مصاب بكسر في قدمه خلال مروره أمام الجيش، وزوجته كانت مصابة ولديها كسر في الحوض ولا تزال داخل مبنى ناصر. قام الجيش باعتقاله وتركوا أولاده فطلب مني هذا الشخص أخذ أولاده وإرجاعهم لزوجته، وقال لي هؤلاء أعمارهم 4 سنوات وقد رزقت بهم بعد 15 عاما من الزواج. فطلبت من الجيش إرجاعهم لزوجته، فطلب مني الجندي الجلوس أنا والأطفال حتى يسمحوا لي. وفي حوالي الساعة 3:00 مساء نفس اليوم سمحوا لي بالذهاب فقمت بحمل الطفل المكسورة قدمه، وسار معي الآخر، وسرنا نحو مبنى ناصر. وعند وصولي لمبنى الإدارة شاهدت المنظر الذي لن أنساه طوال عمري، جميع طاقم المجمع، قاموا بخلع ملابسهم جميعا باستثناء البوكسرات، فيما سمحوا لطاقم الإناث بالسير نحو مبنى مبارك، كانوا مربطين بأربطة وجالسين على الأرض وكانت رؤوسهم على الأرض وكل من يتحرك يتعرض للضرب. وطلب من أحد الموظفين ارتداء ملابسه وأخذ الأطفال لوالدتهم بمبنى ناصر، وأنا طلب مني الصعود لمبنى الإدارة. وبالفعل صعدت وقابلت المنسق موشيه على الدرج وأخذني لغرفتي وطلب مني الجلوس على الكرسي الخاص بي، وتم تعليق علم إسرائيل خلفي، وبدأ بتصويري فيديو بكاميرا، وبدأ التحقيق معي من ضابط يبدو أنه برتبة عالية، وجرى التحقيق معي عن الأسرى والجثث وتواجد المقاومين داخل المجمع. فقلت له إن المجمع إنساني ويقدم خدمة صحية فقط ومهمتي هي خدمة البشر، وأننا لا نفرق بين جنس أو لون أو دين ولا صلة لنا بأي أعمال عسكرية، وأنا عدت من ألمانيا حتى أشارك في خدمة شعبي. واستمر التحقيق والتصوير 15 دقيقة، ونزلت للأسفل .كان الجيش قد سمح لخمسة أطباء بالتوجه لمبنى ناصر لرعاية 250 مريضاً، وكان باقي الطاقم كما المشهد الأول بعضهم عارٍ وجالس على الأرض وبعضهم متوقف على سور المجمع الشرقي ووجهه تجاه الحائط ومكبل اليدين من الخلف. وطلب مني أيضا التوجه لمبنى ناصر لرعاية المرضى أيضا. وبعدها جاء الجيش لمبنى ناصر وقال لي بأنه سوف يتم تفتيش المبني بشكل كامل وكذلك المرضى. وبالفعل حضروا وكان برفقتهم كلب منظره مرعب، وبدأوا بتفتيش المبنى طابقاً طابقاً، وكانوا ينادون على المرضى واحداً واحداً، ومن يريدونه يضعون على رأسه علامة حمراء يتم كتابتها بقلم. ومن ضمن من تم أخذهم طبيب من الأطباء الخمسة الذين تم السماح لهم برعاية المرضى وهو الدكتور غسان أبو زهري. وبعد انتهاء التفتيش والعبث بالمبني قاموا بأخذ المرضى الذين يريدونهم على الأسرة وتوجهوا بهم لمبنى مبارك، وقاموا بتربيط أيديهم وكان عددهم ما يقارب الأربعين مريضا، كما تم اعتقال الطبيب أبو زهري.
ما وضع المرضى داخل قسم العناية المركزة؟
ثلاثة من المرضى الستة فارقوا الحياة، بالإضافة لذلك تم اعتقال طبيب العناية الوحيد الموجود والراعي لهم وقد قام بعدها الجيش بإحضار مولد طاقة كهربائية صغير تم وضعه داخل القسم لتشغيل الأجهزة، دون مراعاة لوجود عادم ورائحة كريهة ومضرة من هذا المولد.
الكادر الطبي الذي تم اعتقاله كم عدده؟
تم اعتقال 51 كادر من أصل 95. وبعد ذلك تمت عملية التحقيق مع جميع من تم أخذه داخل مبنى ناصر، وجرى اعتقالهم خارج المجمع وبعد ذلك أصبح مصير جميع من تم أخذه مجهولاً، وقد مكثوا داخل المجمع 9 أيام متواصلة.
-هل علمت أن هناك أطباء قد أفرج عنهم؟
صحيح، الدكتور الصيدلي بيان شراب وأفرج عنه بعد 50 يوم تقريبا. والدكتور علاء بربخ وهو طبيب تخدير.
-خلال فترة الحصار أين تم دفن الشهداء والوفيات الطبيعية؟
تم دفن الجميع في مقبرتين داخل المجمع قبالة مبنى هند الدغمة للكلى وقبالة مبنى الهندسة والصيانة.
-كم كان عدد من دفن في هذه المقابر؟
ما يقارب 220 حالة وفاة وشهيد، وقد تم أخذ جثث من التي تم دفنها من الجيش وتم فحصها والتوجه بها لمعبر كرم أبو سالم وتم تسليهما للجانب الفلسطيني الذي بدوره نقلهم لمستشفى أبو يوسف النجار، وحسب الإعلام الإسرائيلي جميع الجثث التي فحصت جميعها لمواطنين فلسطينيين.
-خلال فترة وجود الجيش هل تم تقديم خدمة لمن تبقى من مرضى؟
بالطبع لا حيث إنه لا يوجد أي خدمة ولا يوجد رؤية، ولا يوجد إمكانية للوصول للمريض بسبب الاكتظاظ، وقسم المناظير في النهار يكون معتم، وبعد يومين توجهت للجيش وطلبت منهم نقل عدد من المرضى لمبنى مبارك وإحضار بعض الطاقم الطبي من هناك لمبنى ناصر حتى يكون في توازن ويتم تقديم ولو جزء بسيط من الخدمة، وبالفعل بعد 24 ساعة تم السماح لنا بذلك.
-هل كان هناك وفيات خلال فترة تواجد الجيش في المجمع وأين تم دفنهم؟
بالطبع كان هناك 13 حالة وفاة من المرضى وكانوا يتواجدون في مبنى ناصر، فلم أستطع دفنهم وطلبت من المنسق السماح لنا بدفنهم وكان يماطل، وفي النهاية قام بحفر حفرة كبيرة وقال لي ادفنهم فوق بعضهم فرفضت ذلك، وأريد مكان لأقوم باصطفافهم بجانب بعض، ورفض ذلك، وبقيت الجثث في المبنى حتى خرج الجيش ودفناهم، وكانت الرائحة قد انتشرت.
-ما هي أكبر الصعوبات التي واجهتكم خلال فترة تواجدكم داخل مبنى ناصر؟
توفر المياه كانت المشكلة الأصعب، وهي تعتمد على الكهرباء، ولا يوجد أي مواد للتعقيم، أنا شخصيا لو أردت أن أغسل يداي أو للوضوء والكارثة الأكبر هي دخول الحمام، حيث إنني كنت أرفض تناول الطعام إلا بكميات قليلة حتى لا أدخل الحمام، وفي حال الوضوء أقوم بفتح محلول ملحي أقوم بالوضوء به ويكون ذلك قبل المغرب بقليل فأقوم بصلاة الظهر والعصر جمع تأخير، وانتظر آذان المغرب لأقوم جمع صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم، وكان ذلك صعوبة في التعامل مع المرضى الذين يحتاجون أوكسجين حيث أن المحطة الرئيسية توقفت مع توقف التيار الكهربائي، وطلبت من الجيش إحضار أنابيب أوكسجين من المحطة لمبنى ناصر ومبنى مبارك، حيث أنه كان لدي في مبنى ناصر مريضة تحتاج 3 أنابيب أوكسجين يوميا حتى تبقى على قيد الحياة، وقد اضطر الطاقم لحمل الأنابيب، وقد ساعد الجيش في ذلك خلال تواجد تصوير لكي يبين للعالم بأنه يقوم بعمل إنساني.
-هل زاركم أي من المؤسسات الدولية خلال فترة تواجد الجيش؟
صحيح زارنا وفد من منظمة الصحة العالمية ومؤسسة أوتشا 4 مرات بعد حصولهم على تنسيق، وذلك لإحضار سولار ومحاولة تشغيل المولدات إلا أنهم لم يستطيعوا تشغيلها، وفي أول زيارة طلب من المنسق منظمة الصحة العالمية يدعى ريك بأن يقوم بجولة معي في مبني ناصر للاطلاع على الوضع المأساوي الذي نعيشه، الجيش الإسرائيلي رفض ذلك بتاتا، وقد كان هناك تفاوض حيث أنه طلب فقط 30 دقيقة لذلك فرفض، وطلب منه في النهاية 5 دقائق للاطمئنان على الطاقم داخل المبنى فرض ذلك أيضا.
بعد مغادرة الجيش ماذا جرى؟
قمت بإخلاء المرضى لأن المستشفى كان غير صالح للعمل وأصبح مكرهة صحية بسبب تواجد مياه الصرف الصحي في كل مكان وكذلك النفايات وعدم توفر المياه، وذلك بعد حصولنا على تنسيق من قبل منظمة الصحة العالمية والهلال الأحمر الفلسطيني، وقد اكتملت عملية الإخلاء بشكل كامل يوم 24/2/2024.
-هل لاحظت عمليات تخريب لأجهزة ثمينة من الجيش الإسرائيلي؟
بالفعل ومثال بسيط على ذلك جهاز CT، لوهلة تظن أن الجهاز سليم، ولكن بعد الفحص الدقيق، ولكن الكمبيوتر (مخ الجهاز) كان قد تم تحطيمه، كما تم أخذ (hard desk) الخاص به، وهذا ما أدى لتوقفه، والحديث ليس في سعره بل في طريقة توفره في ظل عدم وجود قطع غيار خلال فترة الحرب.
وبتاريخ 23/3/2024، عاد الجيش للمنطقة وتمركز في بناية سكنية مقابل المجمع من الجهة الشرقية، وكانت هناك محاولات من قبل 10 من الطواقم الطبية عادوا للمجمع، بالإضافة لحوالي 20 نازحاً، ومباشرة أطلقت آلية إسرائيلية نيران أسلحتها تجاه شابين كانا يقفان على البوابة الشرقية للمبنى أحدهم مدير التمريض بالمجمع وائل عبد الهادي 55 عاما، بالإضافة لابن خالته، وقد جاولت سيدة نازحة التوجه لسحب الجثث فتم إطلاق النار عليها وقتلها، كما حاول الممرض يحيى بعلوشة أيضا إسعافهم إلا أن جنود الاحتلال أطلقوا النار عليه فقتلوه. وخلال نفس اليوم تم النداء على جميع من يتواجد داخل المجمع بالتوجه فورا للمبنى المذكور أعلاه، وبالفعل توجهوا وقاموا بتجريد جميع الرجال من جميع ملابسهم أمام النساء والأطفال، وقد طلب من النساء والأطفال التوجه للمستشفى الميداني الأردني الواقع جنوب شرق المجمع، وقد تم اعتقال 3 من الكوادر الطبية أحدهم الدكتور خالد السر 35 عاما، وهو استشاري جراحة.
ومما يدلل على أن الجيش عاد ودخل المستشفى، فقد وجدنا بعد انسحاب قوات الاحتلال من مدينة خانيونس بوجود حفر عميقة في قسم أقسام الاستقبال والطوارئ وقسم الأشعة، بالإضافة لأضرار كبيرة في مبنى الإدارة.
نسخة تجريبية