تحذر مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية، المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، مؤسسة الحق، ومركز الميزان لحقوق الانسان، من الانهيار الكامل للمنظومة الطبية في قطاع غزة، وذلك مع تعمد استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من المستشفيات والمراكز الصحية في جنوب قطاع غزة، والتي يفترض أن تكون محمية، ويحظر القانون الدولي المس بها وبمن يتواجد في داخلها سواء من الطواقم الطبية أو المرضى والجرحى وحتى النازحين بصفتهم كمحميين.
منذ بدء العملية العسكرية على قطاع غزة أعلنت قوات الاحتلال استهدافها المباشر للمنظومة الصحية في قطاع غزة، ومارست خلالها التدمير المنظم للمستشفيات والمراكز الصحية، ما أفضى إلى كارثة إنسانية حقيقية شهدها القطاع، في ذات الوقت فرضت حصاراً مشدداً منعت خلاله دخول المساعدات الطبية والإنسانية، تزامنا مع قطعها للكهرباء عن قطاع غزة ما تسبب بتوقف جميع الخدمات كالمياه ومحطات الصرف الصحي، واستدعى ذلك استخدام المستشفيات لمخزون الوقود الإحتياطي لتشغيل المولدات وضمان استمرار عملها، ما أدى إلى انتهاء المخزون وتسبب بتراجع الخدمات الطبية المقدمة.
ويساور مؤسساتنا قلقٌ بالغٌ بعد وصول المؤسسات الطبية في قطاع غزة إلى نقطة اللاعودة، بسبب استمرار قوات الاحتلال الاسرائيلي في تدميرها وحصارها بشكل ممنهج، وتحويلها إلى أهداف مستباحة رغم كونها محمية، وذلك مع الخشية من تدمير المستشفيات المتبقية في جنوب قطاع غزة على غرار ما حدث في شمال قطاع غزة.
ووفق ما أفاد به الدكتور أحمد شتات مدير وحدة التخطيط المؤسسي في وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، فإن الاحتلال قد عمد إلى استهداف 150 مؤسسةً صحيةً، ما تسبب بخروج 30 مستشفاً من أصل 36 مستشفى، و53 مركزاً صحياً عن الخدمة، إضافة ً إلى تدمير 122 سيارة اسعاف، فيما بلغ عدد الشهداء/ات من العاملين/ات في الصحة 337 عاملاً/ة صحياً/ة، فيما تم احتجاز واعتقال أكثر من 99 آخرين.
ومع خروج جميع المستشفيات الرئيسية في شمال وادي غزة عن العمل وهي مستشفى كمال عدوان والمستشفى الأندونيسي، ومستشفى العودة، ومجمع الشفاء الطبي، والمستشفى المعمداني، ومستشفى القدس، ومستشفى الرنتيسي للأطفال ومستشفى النصر ومستشفى العيون ومستشفى الصحة النفسية ومستشفى الصداقة التركي لمرضى السرطان، اضافةً إلى خروج مستشفى الخير في خانيونس عن العمل، ومحاصرة مجمع ناصر الطبي ومستشفى الأمل في خانيونس منذ تسعة أيام، فإن المستشفيات المتبقية في مدينة رفح تعاني من تكدس للمرضى والجرحى نتج عنه نسبة اشغال عالية تصل إلى 279%، وهو ما يفوق قدرات المنظومة الطبية في قطاع غزة، في ظل العجز في الكوادر الطبية ونقص الأدوية والمعدات ما يخلق حاجة كبيرة لتحويل آلاف المرضى والجرحى للعلاج في الخارج.
ويتزامن تدهور عمل المنظومة الطبية مع استمرار تردي الأوضاع الصحية للنازحين/ات، حيث رصدت وزارة الصحة إصابة نحو 700 ألف نازح/ة بالأمراض المعدية والجلدية ونزلات البرد والاسهال والتهاب الكبد الوبائي، نتيجة الاكتظاظ وهشاشة المأوى وعدم توفر الطعام والمشروبات المناسبة والرعاية الطبية المطلوبة.
وأضاف الدكتور شتات أن عدد المرضى والجرحى الذين غادروا القطاع للعلاج في الخارج عبر معبر رفح البري قد بلغ 1,243 شخصاً منهم 798 جريحاً/ة و445 مريضاً/ة، في حين يوجد حاجة لسفر أكثر من 6 آلاف جريح للعلاج، بالإضافة إلى وجود نحو 10 آلاف مريض/ة سرطان يواجهون خطر الموت.
وأفاد الأستاذ طارق السعافين، مدير وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة بغزة، أن المختبرات تعاني نقصاً حاداً في المواد واللوازم المخبرية. وأضاف أن الوحدة تعاني من نقص حاد في وحدات الدم ومشتقاته بعد استنزاف السكان المدنيين/ات في عمليات التبرع على مدار 4 أشهر، حيث تم جمع أكثر من 20,000 وحدة دم من السكان. ويوجد نقص حاد في أكياس الدم وفحوصات الفصيلة الدموية وفحص التوافق، بالإضافة إلى عدم توفر الفحوصات الفيروسية للمرضى. كما توقف فحص الدم الأساسي (CBC) في مختبر مستشفى شهداء الأقصى وستتوقف باقي مختبرات المستشفيات في أي لحظة، وتوقفت كذلك فحوصات غازات وأملاح الدم بسبب نقص المحاليل الخاصة بها. وأشار السعافين إلى نقص الفحوصات الكيمائية الخاصة بمرضى الكلى والكبد والحوامل، ونقص المضادات الحيوية اللازمة للمزارع البكتيرية.
تحذر مؤسساتنا من فقدان حياة آلاف الجرحى داخل المستشفيات، ومئات المرضى ممن يتعذر وصولهم للمراكز الصحية والمستشفيات بسبب استمرار حصارها، ومنها مستشفى الأمل التابع لجمعية الهلال الأحمر، الذي أعلن عن توقف الجراحة بشكل كامل بعد نفاذ مخزون الأكسجين فيه، ومجمع ناصر الطبي باعتباره أكبر منشأة صحية في قطاع غزة لا تزال تعمل الآن في ظروف إنسانية صعبة في ظل النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بعد خروج مستشفيات شمال قطاع غزة عن العمل، اضطرت الطواقم الطبية في مجمع ناصر والأمل التابع الهلال الأحمر لدفن الشهداء في ساحاتها في مقابر جماعية لعدم قدرتها على نقل الجثامين للمقابر.
وبحسب وزارة الصحة في غزة فإن مستشفى ناصر الطبي يعمل بـ 10% من طاقته البشرية في ظروف قاسية ومخيفة، وسط نفاد أدوية أساسية منها مواد التخدير في غرف العمليات الجراحية، والأدوية المسكنة لآلام المرضى، وذلك مع قرب نفاد الوقود بحيث لا تكفي الكميات المتوفرة لتشغيل المستشفى ليومين قادمين. ووفق متابعات مؤسساتنا فإن المستشفى دخلت حالة انهيار فعلي، وتوشك أن تتحول إلى مقبرة، بعد أن اضطر الأهالي لدفن 150 من الشهداء والوفيات في ساحة المستشفى نتيجة حصار قوات الاحتلال الاسرائيلي له.
كما أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن القوات الإسرائيلية المحتلة تحاصر مستشفى الأمل التابع لها في جنوب قطاع غزة منذ أسبوع وتفرض حظر تجوال كامل منعت فيه حركة طواقم الإسعاف من وإلى المستشفى، ما أدى إلى تعطل خدماتها العلاجية. وذلك قبل أن تطالب أمس الاثنين، 30 يناير/كانون الثاني 2024، كل المتواجدين فيه بالإخلاء فوراً الى منطقة المواصي غربي خانيونس.
كما تعمل طواقم الاسعاف في ظل ظروف معقدة، وبالغة السوء، لا سيما في ظل استهداف المنظومة الصحية بالكامل في قطاع غزة، ترافق مع انقطاع متكرر لخطوط الاتصالات التي تمنع استقبال نداءات الاستغاثة من السكان سواء كانوا من المصابين أو من المرضى الذين يحاولون التواصل مع الرقم المجاني التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، كما امعنت قوات الاحتلال خلال العملية العسكرية الجوية والبرية والبحرية على تعمد استهداف طواقم الإسعاف والطواقم الطبية والإنسانية وطواقم الدفاع المدني من خلال قصف متعمد من الطيران والمدفعية أو من خلال اطلاق النار تجاههم، أو من خلال الاعتقالات سواء كانت من المستشفيات أو من خلال الحواجز.
وقد وثقت مؤسساتنا في بيانات سابقة ممارسات لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت جميع المستشفيات في شمال وادي غزة، مما أخرجها عن الخدمة تماماً، قبل أن يعود جزء منها بدون أي إمكانيات وفي حالة لا تصلح لتقديم أبسط الخدمات الطبية للجرحى والمرضى. وأبرز تلك المؤسسات مجمع الشفاء الطبي، والذي يعد أكبر مستشفيات القطاع، الذي أضحى لا يُقدم سوى علاجات أساسية من أجل استقرار حالات الإصابة، بسبب عدم وجود إمدادات لعمليات نقل الدم، مع توقف لخدمات صحية مهمة نتيجة نقص الكادر الطبي المتخصص والعجز في الأصناف الدوائية.
ترى مؤسساتنا أن ترك المنظومة الصحية في قطاع غزة تواجه خطر الانهيار الكامل يعتبر بمثابة حكم بالإعدام على آلاف الجرحى والمرضى، وهو ما يخالف القانون الإنساني الدولي، لذا فإننا:
– ندعو المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، إلى اجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية الأخيرة، وارغامها على وقف أعمالها العدوانية وأخذ التدابير الممكنة لحماية المدنيين والمدنيات والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك عن التوقف عن استهداف المنشآت الطبية بشكل فوري. يعتبر هذا الاستمرار في هذه السياسة يعمق حرب الإبادة التي تمارس بحق المدنيين/ات الفلسطينيين/ات، وتشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
– نطالب الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الضغط على قوات الاحتلال الاسرائيلي من أجل الوفاء بالتزاماتها القانونية تجاه قطاع غزة بوصفها قوة احتلال، حيث يقع عليها المسؤولية الأولى في توفير الإمدادات الطبية لسكان قطاع غزة، وفقاً للمادتين 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
– ندعو المنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي بضرورة العمل على انقاذ ما أمكن لاستمرار تقديم الخدمات الصحية في قطاع غزة، وتقديم المساعدة والدعم الكامل للمنظومة الصحية في قطاع غزة للقيام بمهامها.
نسخة تجريبية