يونيو 4, 2020
انتهاكات حرية الرأي والتعبير في السلطة الفلسطينية من 1 ابريل 2019 وحتى 31 مارس 2020
مشاركة
انتهاكات حرية الرأي والتعبير في السلطة الفلسطينية من 1 ابريل 2019 وحتى 31 مارس 2020

مقدمة

يتناول هذا التقرير، وهو الثامن عشر من نوعه، حالة الحق في حرية الرأي والتعبير في ظل السلطة الفلسطينية، ويغطي الفترة الممتدة من 1 ابريل 2019 وحتى 31 مارس 2020.   ويعد هذا التقرير الخامس من نوعه الذي يصدره المركز الفلسطيني لحقوق الانسان بعد انضمام فلسطين للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي تتناول المادة (19) منه الحق في حرية الرأي والتعبير من قبل الدول الاطراف في العهد.  ويلقي هذا الانضمام المزيد من الالتزامات على السلطة الفلسطينية باحترام وحماية واعمال حرية الرأي والتعبير بمكوناتها الثلاث: حرية الوصول للمعلومات، حرية الرأي، وحرية التعبير. ويتطلب ذلك ضرورة مواءمة القوانين والسياسات الوطنية لهذه المعايير، لضمان احترام وحماية واعمال الحقوق الواردة في العهد.  ومن خلال متابعة المركز، لم يحدث أي تغيير ايجابي على حالة حرية الرأي والتعبير في السلطة الفلسطينية رغم هذا الانضمام، بل عملت السلطات في الضفة الغربية وقطاع غزة على تقويض حرية التعبير بشتى الطرق، كما سيعرضها هذا التقرير.

يأتي إطلاق هذا التقرير في ظل ظروف استثنائية، بعد إعلان الرئيس الفلسطيني، بتاريخ 5 مارس 2020، حالة الطوارئ، بهدف مواجهة انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19)، والتي عمت العالم أجمع، وخلفت آلاف الضحايا، وفرضت حالة الطوارئ في العديد من دول العالم.  وتعطي حالة الطوارئ صلاحيات استثنائية للسلطات، يجوز معها تعطيل بعض الحقوق بالقدر الضروري لصيانة المصلحة العامة وتحقيق الهدف المعلن من حالة الطوارئ. وخلال مدة الطوارئ التي تدخل ضمن الفترة التي يغطيها هذا التقرير-25 يوماً، لم يرصد المركز أية حالة تصنف على أنها سوء استخدام لحالة الطوارئ تتعلق بانتهاك حرية التعبير.

وخلال الفترة التي يغطيها التقرير، رصد المركز العديد من حالات انتهاك حرية التعبير، واستطاع توثيق عدد منها، وخاصة تلك التي واكبت الدعوة لتحركات شعبية في قطاع غزة.  كما واستمرت انتهاكات الحريات في الضفة الغربية، على خلفية مناكفات الانقسام الفلسطيني.  وقد استمرت الأجهزة الأمنية على سياستها الرامية إلى تعزيز حالة الرقابة الذاتية من خلال استهداف الصحفيين واصحاب الرأي بالاعتقال التعسفي وتوجيه الاتهامات الكيدية والترهيب والاعتداء خلال عملهم الصحفي.  وقد كان النمط السائد للانتهاكات خلال فترة التقرير، هو استدعاء واحتجاز وتعذيب نشطاء رأي على خلفية ممارسة حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي.

وصاحب انتهاكات حرية التعبير للصحفيين ونشطاء الرأي العديد من التجاوزات للقانون والتعسف في استخدامه، من خلال قيام الأجهزة الأمنية بإصدار استدعاءات لصحفيين واصحاب رأي دون إذن من النيابة العامة، واستخدام المعاملة القاسية والحاطة بالكرامة ضدهم، بل اخضاعهم للتعذيب في بعض الأحيان.  وساهمت حالة غياب سيادة القانون في فرض قيوداً واقعية باتت تتجاوز بفاصل كبير القيود القانونية، وخلقت حالة من الضبابية لدى الصحفيين واصحاب الرأي تعجزهم عن تحديد المسموح والممنوع.  ويساعد في ذلك سوء القوانين التي تنظم الحق في حرية الرأي والتعبير وما تضمنته من نصوص فضفاضة تسمح بفرض قيود عليها.

يمثل الانقسام في السلطة الفلسطينية المحفز الأول لاستمرار انتهاكات حرية الرأي والتعبير في الضفة الغربية وقطاع غزة.  وقد وظفت أدوات القانون بشكل تعسفي للنيل من كل رأي آخر، واتهامه بالانحياز لأحد طرفي الانقسام في معادلة صفرية غير منتجة، ضحيتها الأولى حرية التعبير وحرية الصحافة.  وبالرغم من التأكيد المتكرر من قبل السلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة على احترام حرية التعبير إلا أن ممارستهما على الأرض تعكس وبوضوح سياسة ممنهجة لوأد الصحافة الحرة، وتقويض حرية التعبير، وخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تخضع لرقابة صارمة من قبل الأجهزة الأمنية، وبات النشطاء فيها الأكثر استهدافاً.

وقد ساهم غياب كل من الفصل بين السلطات وسيادة القانون، وتعطيل ثم حل المجلس التشريعية، وضعف استقلالية القضاء في تقويض حقوق الانسان في المجتمع الفلسطيني، بما فيها حرية التعبير.  وقد ترتب على ذلك انعدام الضوابط اللازمة لتكييف السلوك مع متطلبات القانون، والذي باتت صياغته وتفسيره حالة مزاجية ترتبط بالحاجات السياسية لطرفي الانقسام وليس لتحقيق المصلحة العامة.  وفي هذه الظروف المعقدة، تصبح امكانية النهوض بالواقع من قبل المجتمع المدني، سيما مؤسسات حقوق الإنسان، أمراً شديد الصعوبة، وخاصة في ظل غياب الحق في الوصول للمعلومات وتغييب المجلس التشريعي والقضاء المستقل.  وتزيد هذه الحالة من وطأة تأثير النصوص القانونية السيئة، سيما تلك التي تفرض قيوداً عامة قابلة للتأويل والحياكة بالمقاس المناسب لكل معارض.