يطلق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة المعنية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية بضرورة الضغط على سلطات الاحتلال الاسرائيلي للسماح بوصول وحدات الدم لمرضى الثلاسيميا في مناطق شمال قطاع غزة المحاصرة.
يأتي هذا النداء بعد ورود عدة مناشدات من مرضى عجزوا عن الحصول على وحدات دم بعد تعذر قدرة السكان في مناطق شمال القطاع على التبرع لهم، كنتيجة طبيعية لمعاناتهم من سوء التغذية الحاد الناجم عن الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية الهادفة لتدمير سكان قطاع غزة جزئياً أو كلياً في سياق جريمة إبادة جماعية مستمرة.
ويُعبر المركز عن قلقه الشديد على حياة (61) مريضاً بالثلاسيميا من بينهم (35) أنثى، في مستشفيات مدينة غزة وشمالها، حيث يواجه هؤلاء صعوبات كبيرة في الحصول على وحدات الدم بالمواصفات المطلوبة لحالتهم المرضية، وذلك نتيجة معاناة معظم السكان من الجوع الكارثي المصنف ضمن المرحلة الخامسة من التصنيف الأممي المتكامل لمراحل الأمن الغذائي. [1]
ويضم المركز صوته لهؤلاء المرضى في مناشدتهم بضرورة جلب وحدات الدم الطازج المطلوبة، ومصدرها متبرعين من خارج قطاع غزة، وهو ما لم تسمح به القوات المحتلة حتى هذه اللحظة، تاركةَ المرضى في مدينة غزة وشمالها يتعرضون لمضاعفات صحية تهدد حياتهم، عدا عن معاناتهم الكبيرة من انهيار المنظومة الصحية وعجزها عن توفير متطلبات العلاج الملائم لجميع المرضى.
ويفيد إبراهيم عبد الله، منسق جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا في مدينة غزة وشمالها، لباحث المركز[2]: “ناشدنا كمرضى جميع المؤسسات الصحية الدولية، وهيئات الإغاثة الطبية بضرورة العمل على إيصال وحدات الدم، وأدوية الثلاسيميا، والفلاتر والمرشحات التي تسهل عمليات نقل الدم الآمن لمناطق مدينة غزة وشمالها المحاصرين، ولكن دون استجابة فعلية.”
ووفق إفادة الدكتور هاني عياش، أخصائي أمراض الدم الوراثية[3]، للمركز فإن أوضاع مرضى الثلاسيميا باتت حرجة جداً لاعتمادهم الكلي على عمليات نقل الدم وبعض الأدوية المزمنة للبقاء على قيد الحياة، ومع عدم فعالية بنوك الدم المتواجدة في مناطق شمال قطاع غزة المحاصرة وضعف إمكانياتها وأرصدتها من وحدات الدم، فإن حياة ألاف المرضى والجرحى في خطر شديد أيضاً. وأوضح د. عياش أن معظم مرضى الثلاسيميا لديهم عائلات يحمل جميع أفرادها المرض نفسه، لذلك لا يستطيعون التبرع بالدم، كما أن المصدر الوحيد المتوفر حالياً هو السكان المتبرعين من داخل مناطق شمال قطاع غزة المحاصرة، وهم يعانون الجوع وسوء التغذية الحاد، ولديهم ضعف جسدي يحول دون قدرتهم على منح وحدات الدم للمرضى خصوصاً مرضى الثلاسيميا الذين يحتاجونها بمواصفات معينة مع ضرورة توفر فلاتر الدم لتجنيب المرضى الكثير من المضاعفات الصحية.
وكانت بعض المنظمات والمؤسسات الطبية والاغاثية قد تمكنت من إدخال كميات محدودة من وحدات الدم من متبرعين من خارج قطاع غزة، وصلت جميعها إلى مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، لكن دون أن يستطيع أي هذه المؤسسات تلبية حاجة المرضى في مناطق مدينة غزة وشمالها من وحدات الدم، بسبب إجراءات القوات المحتلة وحصارها المشدد على تلك المناطق.[4]
وتفيد المريضة نداء محمد مرزوق سلمان، 33 عاماً، من سكان مخيم جباليا، أنها عاشت تجربة مريرة خلال فترة انهيار وتوقف جميع المستشفيات في مدينة غزة وشمالها في أواخر شهر ديسمبر2023، وكادت أن تفقد حياتها بسبب عدم تمكنها من الحصول على وحدات الدم، بعد أن وصل مقياس قوة دمها 5 درجات، وأضافت لباحث المركز بما يلي[5]: “عانيت كثيراً بسبب انقطاعي عن دوائي، وعدم مقدرتي الحصول على وحدات دم خلال فترات زمنية طويلة، وذلك إلى جوار العشرات من مرضى الثلاسيميا المتبقيين في شمال غزة. فنحن مرضى التلاسيميا نحتاج لوحدات الدم كل أسبوعين أو ثلاثة بحسب حالة المريض نفسه، أما خلال الحرب الحالية وحالة الحصار التي تسببت بوصول جميع الأهالي لمراحل متقدمة من المجاعة، أصبحنا غير قادرين على الحصول على وحدات دم بسبب عدم صلاحيتها من متبرعين لديهم فقر دم وسوء تغذية، وهو ما يجعلنا نتسوّل وحدات الدم في كثير من الأحيان بعد حصولنا على وحدات من بنك الدم في حالة الطوارئ القصوى، وذلك نتيجة طلبهم ضرورة تعويضها، من خلال جلبنا لمتبرعين من طرفنا مع تعذر ذلك في غالب الأوقات. ويكون طلب بنوك الدم في المستشفيات مبررا نظراً لحاجة مرضى وجرحى آخرين في أقسام الطوارئ، في ظل محدودية المتبرعين ووحدات الدم خلال هذه الأوضاع الصعبة. لذلك لابد من توفير وحدات دم من خارج مناطق مدينة غزة وشمالها، بسبب حاجة جميع المرضى لها خصوصاً الذين يعانون من أمراض الدم الوراثية”
وطيلة أشهر العدوان على قطاع غزة، تفاقمت معاناة مرضى الثلاسيميا البالغ عددهم (294) مريضاً، ومن بينهم حوالي (100) طفل مريض، خصوصا ً المرضى المتبقين في مناطق شمال قطاع غزة المحاصرة، حيث يواجهون واقعاً يجتمع فيه الجوع والمرض.
وقد وثق المركز في تقاريره وبياناته السابقة[6]، فقدان (26) مريضاً بالثلاسيميا لحياتهم خلال الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، من بينهم (20) مريضاً فقدوا حياتهم نتيجة تدهور أوضاعهم الصحية بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد على مناطق مدينة غزة وشمالها، فيما قُتل (6) منهم نتيجة قصف منازلهم، وينتظر حوالي (40) مريضاً بالثلاسيميا السفر للحصول على العلاج الطارئ خارج قطاع غزة، وذلك في ظل اغلاق معبر رفح بعد سيطرة القوات المحتلة عليه في 7مايو2024.
في ضوء ما سبق، ما تزال القوات المحتلة تستخدم التجويع ومنع توريد الدواء والمستلزمات الطبية أداة حربية، دون الانصياع لقرارات محكمة العدل الدولية، وبإصرار شديد تمارس سياسة العقاب الجماعي بحق 2.3 مليون فلسطيني، وتنتهك القوانين الدولية والإنسانية بعدم السماح للدخول الحر لكل من إرساليات الأدوية والأغذية بالكميات الكافية، في مخالفة واضحة لما ورد في المادتين 55 -56 من اتفاقية جنيف الرابعة.
يرى المركز الفلسطيني لحقوق الانسان أن الممارسات التي تنتهجها دولة الاحتلال الإسرائيلي يمكن إدراجها ضمن الجرائم المرتكبة التي ينطبق عليها ما ورد في المادة (3) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، حيث يواجه السكان بمن فيهم المرضى خطراً متصاعداً يطال كافة جوانب حياتهم وكرامتهم الإنسانية بسبب تشديد الحصار، والتدمير الكامل للبنية التحتية الصحية، إضافةً إلى اغلاق المعبر الوحيد لتنقل الأفراد، والإجراءات القسرية التي تمنع وصول المساعدات الطبية الضرورية إلى سكان القطاع المحاصرين في ظروف غير إنسانية، وهو ما يمكن اعتبارها إجراءات تهدف إلى القضاء جزئيًا على مجموعة سكانية معينة، وهذا يعد تكريساً لجريمة الإبادة الجماعية. لذا فإن المركز:
[1] الأمم المتحدة، تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الامن الغذائي في قطاع غزة، رابط:
[2] حصل باحث المركز على هذه الإفادة عبر الهاتف بتاريخ 16 سبتمبر2024.
[3] حصل باحث المركز على هذه الإفادة عبر الهاتف، بتاريخ20 سبتمبر2024.
[4] منصة أكس الاجتماعية، شبكة الجزيرة الإخبارية، لأول مرة منذ بدء الحرب على غزة وصول 1500 وحدة دم تبرع بها أهالي الضفة الغربية إلى مستشفى ناصر الطبي في خان يونس جنوب قطاع غزة. رابط إلكتروني:
[5] حصل باحث المركز على هذه الإفادة عبر الهاتف، بتاريخ 20سبتمبر2024
[6] المركز يوجه نداء عاجلاً لإنقاذ حياه مرضى الدم والأمراض الوراثية في قطاع غزة، نشر بتاريخ 17 إبريل2024،
رابط إلكتروني: https://pchrgaza.org/ar/?p=22416
نسخة تجريبية