يطلق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان نداءً عاجلاً لحماية حياة مرضى حساسية القمح (السيلياك) في قطاع غزة، والذين باتوا مهددين بالموت البطيء بسبب حرمانهم من الحصول على الغذاء العلاجي الخاص بهم، وفي مقدّمته الدقيق الخالي من الغلوتين وأصناف الغذاء العلاجي. ويأتي هذا الحرمان في سياق الحصار المشدّد المفروض على قطاع غزة وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات المحتلة بحق سكان قطاع غزة، حيث أوقفت منذ 2 مارس 2025 إدخال كافة المساعدات والمواد الغذائية، بما في ذلك المواد الأساسية اللازمة لهذه الفئة من المرضى، ما تسبب في انقطاع كلي لتوريد غذائهم الخاص، وغياب أي بدائل غذائية آمنة، ما أدى إلى إصابة 42 مريضًا منهم بحالة سوء تغذية ومضاعفات شديدة، و72 مريضًا بحالة سوء تغذية من الدرجة المتوسطة. وعلى مدار أيام حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، عانى هؤلاء المرضى من أوضاع صحية خطيرة، وظهرت عليهم أعراض كالإسهال والمغص الشديد، والصداع الحاد، والدوار، والشعور بالتسمم، والإغماء وفقر الدم.
في قطاع غزة، يعاني حوالي 1288 مريضًا من حساسية القمح (السيلياك) الذي يُعد اضطراباً مناعيًا مزمناً في الجهاز الهضمي، ويتأثر مصابيه عند تناولهم مادة الغلوتين المتوفرة في مواد غذائية أساسية كدقيق القمح والشعير والشوفان، علاوة على أنها تدخل في صناعة معظم المنتجات الغذائية. ويؤدي تناول المرضى للغلوتين إلى تفاعل مناعي يُهاجم الأمعاء الدقيقة ويتلف بطانتها، مما يمنع امتصاص العناصر الغذائية الأساسية. ويُعتبر العلاج الوحيد لهذا المرض مدى الحياة هو الالتزام التام بأنظمة حمية غذائية خالية من الغلوتين بشكل صارم ودائم، كما يؤدي أي تعرض غير مقصود أو متكرر للغلوتين، حتى بكميات صغيرة، إلى نوبات صحية خطيرة.1
يفيد المريض هيثم محمد أبو شعبان، 34 عامًا، من سكان حي الرمال الجنوبي بمدينة غزة، لباحث المركز 2:
“مع بداية الحرب الحالية، ازدادت معاناتي بشكل كبير، خاصة في مسألة توفير الدقيق الخالي من الغلوتين، الذي لا يمكن الاستغناء عنه. قبل الهدنة الإنسانية في يناير 2025، كنت أحصل على كميات محدودة من الدقيق كل 3 أشهر، لكنها لم تكن تكفي أسبوعاً واحدًا، وبعد استنفاذ كل الخيارات أضطر أحيانًا إلى كسر الحمية، ما يسبب لي مضاعفات فورية كالإسهال والمغص الشديد، وإذا استمرت الحالة، تتحول الأعراض إلى ما هو أخطر: صداع حاد، دوار، شعور بالتسمم، وأحيانًا الإغماء. ففي بداية عام 2024، اضطررت إلى كسر الحمية بشكل كامل لمدة شهر ونصف بسبب عدم توفر الدقيق الخالي من الغلوتين، وكانت تلك الفترة من أصعب المراحل التي مررت بها. لم أكن أملك أي خيار آخر، ولم يكن هناك حتى بدائل غذائية مؤقتة تساعدني على تخفيف الأضرار، شعرت كأنني أعيش وسط مجاعة حقيقية. مجرد الوقوف للصلاة كان يرهقني، ولم أعد أحتمل الاستمرار في هذا الوضع. الأسعار كانت خيالية في حال توفرت كميات من هذا الدقيق في الأسواق، ولم أكن أستطيع شراءها. لم نكد نطمئن بعد إدخال كمية من الدقيق الخالي من الغلوتين في فبراير2025، وهو الذي أنقذني فعليًا، وأعاد التزامي بالحمية الغذائية، غير أن الخوف بدأ يتملكني من تكرار نفس التجربة القاسية لاسيما مع تشديد الاحتلال للحصار منذ بداية مارس 2025، فالخيارات والبدائل بدأت تنفذ وجميع المرضى مهددون بمضاعفات خطيرة خصوصًا أن الكثير منهم بدأ بكسر الحمية فعلاً”.
قبل الهجوم الحربي الإسرائيلي في أكتوبر2023، كان المرضى يحصلون على نحو 25 كيلوغراماً من الدقيق الخاص شهرياً، أما خلالها انقطع امداد مئات المرضى ممن تبقوا في مناطق مدينة غزة وشمالها، فيما تمكن النازحون من المرضى إلى مناطق وسط وجنوب القطاع من الحصول على كميات قليلة جدًا من الدقيق الخالي من الغلوتين لا تتعدى الأربع كيلوغرامات كل ثلاثة أشهر تقريباً أو حسب ما توفره المؤسسات الصحية المحلية والتي تعجز حاليًا عن توفير أي كمية من هذه الدقيق بسبب تشديد الحصار على قطاع غزة منذ 2 مارس 2025. ويؤدي توقف تزويد المرضى بالدقيق الخالي من الغلوتين إلى اضطرارهم إلى استهلاك أنواع غير آمنة من الأغذية كالأرز والنشويات العادية، ما يعرضهم للإصابة بمضاعفات صحية خطيرة مثل التهاب الأمعاء، ضمور الأغشية المخاطية، فقر الدم، هشاشة العظام، واضطرابات الامتصاص، وهي أمراض تؤدي تدريجياً إلى تدهور في الجهاز الهضمي، وقد تفضي إلى الوفاة في حال استمرار هذا الحرمان، مع ارتفاع احتمالية اصابتهم بسرطان الامعاء.3
كذلك تفيد السيدة نبيلة جميل الهباش، 54 عامًا، تسكن في حي النصر بمدينة غزة، لباحث المركز بما يلي:4
“منذ اكتشاف إصابتي بمرض بالسيلياك في العام 2008، أعيش على حمية غذائية صارمة خالية من الغلوتين، وأتابع بالاهتمام حالتي الصحية مع مؤسسات صحية محلية تزودنا بالدقيق الخالي من الغلوتين وبعض المنتجات التي تناسب حميتنا الغذائية. أما اليوم، ومع استمرار الحرب منذ أكتوبر 2023، فأعيش أنا وباقي المرضى أسوأ مراحل المرض على الإطلاق، اضطررت إلى النزوح بعيدًا عن منزلي، وبقيت أكثر من عام كامل دون أن أتمكن من الحصول على كميات كافية من الدقيق الخالي من الغلوتين، وتوقفت عن المتابعة واضطررت لصنع بدائل غير كافية تسببت لي بمضاعفات خطيرة، حيث ظهرت عليّ أعراض شديدة جداً أفقدتني قدرة الوقوف على قدمي، وكنت بحاجة لمساعدة أسرتي حتى في أبسط الأمور، كان ذلك مصحوبا بانخفاض مستوى الدم إلى 7.6، ونقص حاد في الكالسيوم والحديد وكل الفيتامينات، وبدأ وجهي يفقد لونه من شدة الشحوب، كذلك فقدت أكثر من 20 كيلو من وزني، مع الإصابة بالإسهال، وحساسية ظهرت على جسدي كأنها حروق، كل ذلك بسبب عدم توفر الدقيق الخالي من الغلوتين، حيث توزع المؤسسات الصحية المحلية الكمية المتوفرة على جميع المرضى فلا يحصل المريض إلا على 3 كيلو كل عدة أشهر بعد أن كنا نحصل على 25 كيلوا شهريًا قبل الحرب. الآن بعد انقطاع تزويدنا بالدقيق الخالي من الغلوتين اضطررت لكسر الحمية وهو ما أدى إلى تدهور كبير في صحتي، وأخشى ان يستمر هذا الوضع فهذه ليست مجرد حرب، هذه معاناة يومية مع كل وجبة أتناولها، وكل ما أريده هو الغذاء الآمن الذي يبقيني على قيد الحياة ويمنع إصابتي بأمراض خطيرة”
ويفيد الأطباء المتخصصون بأن عدد مرضى حساسية القمح (السيلياك) ارتفع من حوالي 1000 مريض قبل الهجوم الحربي الإسرائيلي في أكتوبر2023 إلى 1288 مريضًا حتى مايو2025، من بينهم 510 سيدةً، 248 رجلاً، و530 طفلاً (306 اناث- 224 اناث)، يضاف إلى ذلك فإن 36 مريضًا من اجمالي عدد المرضى هم من ذوي الإعاقة (22 اناث -14 ذكور). ويُعزى هذا الارتفاع إلى الخوف والتوتر، والحرمان من الغذاء، والاعتماد على المعلبات والاطعمة غير الصحية، والذي يشكل عاملاً محفزًا يضعف الجهاز المناعي في أجسام الأشخاص الذين يعانون في الأساس من خلل جيني يسمح بإصابتهم بأمراض مناعية كمرض “السيلياك”. 5 ويعتبر الأطفال المصابين بمرض السيلياك ممن تقل أعمارهم عن 10 سنوات، والبالغ عددهم أكثر من 200 طفل، الأكثر تأثراً بأعراض كارثية تطال صحتهم الجسدية والنفسية بعد حرمانهم من أصناف غذائية يتمتع بها غيرهم من الأطفال، وسط عجز ذويهم عن توفير أي بدائل صحية تحميهم من المضاعفات الخطيرة التي قد يتعرضون لها في حال تناولوا منتجات غذائية تحتوي على الغلوتين.
إزاء ذلك، يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الانسان أن حرمان مرضى حساسية القمح (السيلياك) من غذائهم العلاجي لا يُعدّ انتهاكاً للحق في الصحة والغذاء فقط، بل يرقى إلى جريمة ممنهجة بحق فئة مدنية محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، فالمادة (23) من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر منع مرور الأغذية والمواد الطبية الضرورية إلى السكان المدنيين. كما أن البند (ج) من المادة الثانية في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية يدرج هذه الجريمة ضمن أفعال الإبادة التي تتعمّد فرض ظروف معيشية تستهدف تدمير جماعة ما كلياً أو جزئياً. كما يعتبر ميثاق روما المؤسّس للمحكمة الجنائية الدولية ضمن المادة الثامنة منه، بأن حرمان السكان المدنيين عمداً من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم يُعدّ جريمة حرب. وعليه، فإن سياسات الاحتلال في منع إدخال الغذاء العلاجي الخاص بمرضى حساسية القمح “السيلياك” تشكّل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تستوجب المحاسبة الدولية.
كما يؤكد المركز أن استمرار هذا الوضع يعرّض حياة المرضى للخطر، ويطالب المجتمع الدولي، لا سيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، بالتحرك الفوري والعاجل لوقف هذه الجريمة. ويدعو المركز إلى فتح المعابر فوراً أمام دخول جميع المواد الغذائية لسكان قطاع غزة، وخاصةً الأصناف الغذائية الخاصة بمرضى السيلياك، وضمان توفير إمدادات شهرية كافية تُغطّي احتياجات المرضى، والتي تُقدّر بنحو 33 طناً من الدقيق الخالي من الغلوتين شهرياً. كما يدعو إلى تمكين المؤسسات الطبية والإنسانية من تقديم الرعاية الصحية والتغذوية اللازمة للمرضى، ومحاسبة المسؤولين عن هذه السياسات العقابية أمام المحاكم الدولية المختصة.
مشكورين على جهودكم وقفتكم معنا اتمنى ان لا يتأخر معاد التسليم لاني انا وحدة من بين المرضى صار عندي مشاكل صحية بسبب تأخر الطحين …. وشكرا