يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عمليات الطرد المنظم التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس الشرقية، ويحذر من تسارع وتيرة هدم المنازل والمنشآت ومصادرة الأراضي الفلسطينية في المدينة، واستمرار تهجير سكانها، تحت ذرائع مختلفة.
وتظهر المعلومات التي جمعتها باحثة المركز أنه في الوقت الذي تشن فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعية في قطاع غزة منذ 15 شهرًا، تعمل بلديتها في مدينة القدس المحتلة، بوتيرة متصاعدة، على هدم مئات المنازل والمنشآت الفلسطينية، بذريعة البناء دون ترخيص، في حين أن الهدف الحقيقي هو تنفيذ مشاريع استيطانية، تهدف بالأساس إلى تهويد المدينة وتغيير الواقع الديمغرافي والديني والتاريخي القائم فيها، وذلك من خلال سياسة منع وتقييد البناء، وتوزيع الآلاف من أوامر الهدم لمنشآت سكنية ومدنية، وتنفيذ جزء منها بالقوة، وفرض الهدم ذاتياً على بعضها.
ونفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ثلاث عمليات هدم جماعية في مدينة القدس الشرقية المحتلة خلال أقل من شهر واحد، هُدم خلالها 21 وحدة سكنية بالإضافة إلى منشأتين مدنيتين، ما أدى إلى تشريد 96 مواطناً بينهم 56 طفلاً، و22 امرأة، وفق توثيق المركز.
أحدث هذه العمليات، جرت يوم الأحد 5 يناير 2025، عندما أجبرت سلطات الاحتلال ستة أشقاء على هدم وحداتهم السكنية الستة الكائنة في بناية في حي بئر أيوب ببلدة سلوان، جنوبي البلدة القديمة من مدينة القدس الشرقية المحتلة، تنفيذاً لقرار بلدية الاحتلال، بحجة البناء دون ترخيص. أدى الهدم إلى تشريد 43 مواطناً بينهم 20 طفلاً، و9 نساء.
وأفاد المواطن أكرم صالح عويضة، لباحثة المركز، أن بلدية الاحتلال أجبرته وأجبرت أشقاءه على هدم منازلهم بأيديهم، خشية من تغريمهم 300 ألف شيكل بدل أجرة هدم حال نفذت طواقم بلدية الاحتلال الهدم. وذكر أن البناية السكنية قائمة قبل عام 1996 وهي عبارة عن مبنى من طابقين يضم 6 وحدات سكنية، حيث يعيش هو وزوجته، وأولاده الخمسة، بينهم 4 أطفال، في وحدة سكنية مساحتها 60 م2، وهكذا الحال مع باقي أشقائه ومجموعهم 43 فردًا، بينهم 20 طفلا و9 نساء. وأوضح أن بلدية الاحتلال فرضت على العائلة مبلغ 120 ألف شيكل غرامات، قبل نحو 6 أشهر، وعلى مدار سنوات حاول مع أفراد عائلته ترخيص المنازل لكن دون جدوى، وانتهى بهم الحال بهدم منازلهم بأيديهم وتشريدهم وسط الأجواء الشتوية الباردة.
وفي 18 ديسمبر 2024، هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي 6 منازل مأهولة بالسكان لعائلات: الضيافين، وأبو غالية، والطرمان، في المنطقة الصناعية المحاذية للمدخل الشرقي لبلدة عناتا، شمال شرقي مدينة القدس الشرقية المحتلة، ما أدى إلى تشريد 22 فرداً، بينهم 8 أطفال و7 نساء.
وأفاد أحد أصحاب المنازل المهدمة، خضر الضيافين، لباحثة المركز، أن عملية الهدم تمت في تجمع بدوي لعائلة الضيافين وأبو غالية، مقام منذ عام 2008 في المنطقة الصناعية بعناتا، وهو مكون من 9 منازل سكنية مبنية من الباطون، معظمها مسقوف بالباطون وجزء بسيط مسقوف بالبلاليت، وجميعها بنيت بين عامي 2008 و2015، ويعيش فيها حوالي 50 فرداً. وأضاف الضيافين أن سلطات الاحتلال أخطرت بهدم المنازل السكنية منذ 5 سنوات، ومنذ ذلك الحين حاول سكان التجمع ترخيص منازلهم لكن دون جدوى، ومن خلال محام كان يتم تأجيل قرارات الهدم، ولكن قبل نحو أسبوعين أصدرت المحكمة قراراً نهائياً بهدم المنازل، ليفاجأوا صباح اليوم المذكور باقتحام التجمع وهدم 6 منازل سكنية، وتشريد 22 فرداً من ساكنيها. وأوضح الضيافين أن المنازل المهدمة تعود له ولشقيقه محمد ونجله يوسف، وللمواطن محمد الطرمان، وإسماعيل ومحمد أبو غالية، وتبلغ مساحة كل منزل 40 إلى 60 متراً مربعاً.
أما في 16 ديسمبر 2024، فقد هدمت جرافات بلدية الاحتلال الاسرائيلي 9 منازل سكنية ومخزناً وموقفاً للحافلات في حي البستان ببلدة سلوان، لعائلات: أبو شافع، وأبو ذياب، وجلاجل، وبشير، وحولتها إلى ركام، بحجة البناء دون ترخيص، ما أدى إلى تشريد 31 فرداً، بينهم 6 نساء، و18 طفلاً. ووفق المتابعة، جاءت عملية الهدم بهدف إقامة مشروع استيطاني في الحي، معروف باسم مشروع حديقة الملك التوراتية.
وأفاد المواطن علي فتحي رجب أبو شافع، أحد أصحاب البيوت المهدمة، لباحثة المركز، أن بلدية الاحتلال هدمت 5 منازل له ولعائلته في الحي، بحجة البناء بدون ترخيص، بهدف إقامة مشروع الحديقة التوراتية. وأشار أبو شافع أنه يعيش في أحد المنازل المجرفة مع زوجته وطفلتيه، ومساحة منزله 55 م2، وبجواره يقع منزل والدته صباح أبو شافع وهي مسنة تعاني من عدة أمراض مزمنة مثل السكري وتحتاج إلى أجهزة خاصة وأكسجين، ومساحة منزلها 50 م2، وبجوارهم تعيش شقيقته غدير وأطفالها الثلاثة في منزل مساحته 60 م2، بالإضافة إلى منزل شقيقه عدي ويعيش فيه بمفرده ومساحته 50 م2، بالإضافة إلى منزل شقيقه رامي ويعيش فيه مع زوجته وأطفاله الثلاثة ومساحته 60 متراً مربعاً. وأوضح أبو شافع أن بلدية الاحتلال أخطرت عائلته في تاريخ 24\11\2024، بإخلاء منازلها الخمسة وهدمها ذاتياً، وهددتهم بأنها سترسل آلياتها لهدم منازلهم وتغريمهم مبالغ مالية طائلة. وأشار أبو شافع ان العائلة خلال سنوات توجهت للمحاكم الإسرائيلية لتأجيل قرارات الهدم بشأن منازل العائلة الخمسة وهم من ضمن القرارات التي سلمتها بلدية الاحتلال لعشرات العائلات في حي البستان خلال السنوات الأخيرة، بهدف إقامة مشروع الحديقة توراتية على حساب تدمير منازل المواطنين وتهجيرهم. وذكر أن العائلة دفعت ما يزيد عن 100 ألف شيكل غرامات لبلدية الاحتلال على مدار أعوام بحجة البناء المخالف رغم أن المنازل بنيت ما بين عامي 1993 و2000.
وأفاد عضو في لجنة الدفاع عن أراضي سلوان، وأحد أصحاب المنازل المهدمة، فخري خليل أبو دياب، لباحثة المركز، أن بلدية الاحتلال انتقلت إلى سياسية الهدم الجماعية في بلدة سلوان ولم تعد تكتفي بعمليات الهدم الفردية. وذكر أن سلطات الاحتلال هدمت منزله ومنزله نجله للمرة الثانية خلال عام في نوفمبر الماضي، وذلك ضمن 7 منازل سكنية وبركساً لتربية الحيوانات وسورا، في الحي ذاته، ما أدى إلى تشريد 35 فرداً في حينها، بينهم 20 طفلا، و8 نساء. وأوضح أبو ذياب أن حي البستان أصبح في بؤرة استهداف بلدية الاحتلال لهدمه تمهيدًا لإقامة مشروع تهويدي تحت مسمى حديقة توراتية. وأكد فخري أبو ذياب، أن تنفيذ أوامر الهدم بهذه الصورة ينذر بأن بلدية الاحتلال أصبحت قريبة من إزالة حي البستان بالكامل، إذ إن عمليات هدم المنازل أصبحت جماعية وليست فردية كما كان الوضع سابقًا. وأشار إلى أن حوالي 100 منزل في حي البستان مهددة بالهدم حاليًا، يعيش فيها 1500 نسمة، وفي حال هدمها فسينتقل الاحتلال لهدم أحياء كاملة من أجل تغيير التركيبة السكانية وهدم المنازل وطرد السكان وإحاطة البلدة القديمة والمسجد الأقصى بحزام استيطاني. وأشار إلى أن بلدية الاحتلال هدمت 25 منزلاً ومنشأة في حي البستان، خلال عام 2024 وما زالت مستمرة بسياسة الهدم لتحقيق هدفها الاستيطاني بالكامل.
وتظهر متابعة وتوثيق باحثة المركز، أن سلطات الاحتلال نفذت أكثر من 430 عملية هدم في محافظة القدس خلال عام 2024، منها 251 عملية هدم وتجريف في مناطق القدس الشرقية التابعة لبلدية الاحتلال الإسرائيلي، دمرت خلالها 181 وحدة سكنية، على شكل منازل أو شقق سكنية ضمن بنايات، بالإضافة إلى منشآت تجارية وزراعية وأساسات وأسوار وغرف وبركسات، وتجريف للأراضي، وأساسات للمنازل، ومساجد. ومن ضمن مجموع عمليات الهدم، هناك 100 عملية هدم تمت ذاتيا، اضطر أصحابها إلى تنفيذها تفاديا لدفع غرامات مالية باهظة بدل أجرة الهدم طواقم البلدية وآلياتها وطواقم الشرطة الإسرائيلية المرافقة لها، بالإضافة إلى خشية الكثير من أصحاب المنشآت من عمليات التخريب التي ترافق عمليات الهدم المنفذة من طواقم بلدية الاحتلال والتي بالعادة تسبب اضراراً لمنشآت وممتلكات المواطنين في المناطق التي يتم الهدم فيها.
ورغم أن سلطات الاحتلال تسمح للمواطنين الفلسطينيين الحاملين لهوية القدس الزرقاء في البناء على 13% من مساحة القدس الشرقية المحتلة، إلاّ أن تراخيص البناء في هذه المنطقة مكلفة جدًا، ويكاد يكون من المستحيل الحصول عليها نظرًا للقيود الإسرائيلية المفروضة والإجراءات العنصرية والسياسيات التمييزية التي تتبعها حكومة الاحتلال في هذا الخصوص. وفي حال منحت فإنها تمنح التراخيص بنسبة أقل من 2% من طلبات تراخيص البناء؛ ما يضطر المواطنين الفلسطينيين إلى البناء دون الحصول على تراخيص، تماشيا مع النمو الطبيعي لعائلاتهم، وبالتالي يتذرع الاحتلال بعدم وجود تراخيص لتنفيذ عمليات الهدم أو إجبار الفلسطينيين على هدم منازلهم.
وفي وقت تستمر فيه سلطات الاحتلال في هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية، استولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، 7 يناير 2025، على 262 دونما من أراضي شمال شرق القدس المحتلة لمصلحة توسعة شارع استيطاني. وأفادت محافظة القدس في بيان، بأن سلطات الاحتلال أعلنت “استملاك” أكثر من 262 دونما من أراضي جبع والرام وكفر عقب ومخماس في القدس المحتلة، لصالح الشارع 45 الاستعماري الذي يمتد من مخماس حتى النفق الجديد تحت مطار قلنديا، والتنفيذ خلال 60 يوما.1
وإذ يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلي في هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية المحتلة وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة، وتهجير السكان الفلسطينيين، ومصادرة الأراضي، فإنه يشير إلى أن دولة الاحتلال تستغل ظروف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، لفرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
يطالب المركز المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. ويشير المركز إلى القرار الصادر في يوليو 2024 عن محكمة العدل الدولية بأن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هو احتلال غير قانوني، وأنه يقع التزام على إسرائيل بإنهاء هذا الوجود غير القانوني بالسرعة الممكنة، والوقف الفوري لنشاطاتها الاستيطانية وإخلاء كافة المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة.
كما يدعو المركز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من أجل إصدار أوامر اعتقال جديدة لكل من هم ضالعون في جرائم الاستيطان من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.