حنين سعيد سليم عابد، 59 عامًا، متزوجة وأم لـ4 أبناء، تسكن في مدينة حمد شمال غربي خانيونس.
منذ بداية الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة في 7/10/2023، قصفت الطائرات الحربية الاسرائيلية عشرات المنازل في قطاع غزة بشكل عام ومدينة خانيونس، وسقط العشرات من الشهداء في المنازل والشوارع وكانت الأخبار مخيفة ومرعبة لنا رغم أن مدينة حمد لم تستهدف في بداية الحرب.
وبعد أيام من بداية الحرب بدأت الكثير من المشاكل الحياتية تواجهنا، حيث انقطع التيار الكهربائي، وأصبحنا نحمل بطارياتنا المنزلية لمسافات رغم ثقل وزنها لكي نشحنها لغرض الإضاءة، وانقطعت المياه عن البرج الذي كنا نسكن فيه وكان يمر علينا أيام كاملة بدون مياه، وكنا نذهب مسافات طويلة والوقوف في دور طويل للحصول على مياه للشرب ومياه للاستخدام المنزلي، بالإضافة لاختفاء السلع الأساسية والخضار من المحال التجارية وارتفاع سعرها أضعاف.
في الأسبوع الاول من الحرب كان داخل المدينة مخبز وحيد يعمل ولكن الحصول على ربطة من الخبز كان يحتاج 5 ساعات أو أكثر من الانتظار وكنا مجبرين على الوقوف والانتظار لأنني لا أملك طحين وهو غير متوفر في الأسواق. وبعد مرور الأسبوع الأول أغلق المخبز أبوابه بسبب عدم توفر الوقود لديهم وكانت هذه مشكلة كبرى حيث مرت علينا أيام بدون أي قطعة من الخبز، واعتمدنا في طعامنا على الأرز أو المعكرونة والتي كنا نجدها بأسعار خيالية.
استلف زوجي بعض الطحين من الجيران والأقارب لكي نطعم أبناءنا في كثير من الأيام. بعد مرور أسبوعين من الحرب تقريبا تم استهداف شقة سكنية قريبة من شقتنا في مدينة حمد وكان صوت الانفجار مخيف جدا. وبعد ذلك تكرر القصف على مدار أيام واستهدف عدة شقق أخرى. واستشهد العشرات من السكان داخل المدينة وأصبحت الأمور أكثر رعبا لكننا مجبرين على البقاء في منازلنا فليس لنا مكان آخر نذهب إليه.
في صباح يوم 2/12/2023، أي بعد يومين أو ٣ من بداية التوغل البري في مدينة خانيونس، وفي حوالي الساعة 10 صباحا، سمعنا من الجيران أن هناك 5 أبراج داخل المدينة قد تم تهديدها من الجيش الإسرائيلي بالقصف، وسمعنا بعض الجيران يقولون إن المدينة كلها مهددة وأن هناك العديد من الاتصالات قد وردت للسكان تطالبهم بالإخلاء الفوري. لم نكن متأكدين من الأخبار الواردة وكنت أدعو الله أن تكون كلها كاذبة وأن نبقى في منازلنا لأننا فعليا لا نعلم أين سوف نذهب ولا نملك المال الكافي للانتقال أو البحث عن شقة للعيش فيها.
وعند الساعة ١٢ ظهر اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال الأبراج المهددة بشكل متزامن وكان القصف شديدا جدا، حينها تأكدنا أن التهديدات حقيقية، وبدأ الكثير من الجيران بالخروج من منازلهم عبر سيارات النقل وعربات تجرها الحيوانات وعمت الفوضى في كل المدينة هربا من التهديدات.
قمت بجمع بعض المستلزمات والملابس على عجل وطلبت من زوجي أن يجد لنا سيارة أو أي وسيلة نقل لكي نخرج من المدينة. وبعد غياب ساعتين تقريبا عاد زوجي وأخبرني أنه لا يوجد أي سيارة فارغة وأن الجميع مشغول في الهروب من المدينة. قمنا بإنزال أغراضنا ومستلزماتنا ومشينا على أقدامنا عدة دقائق حتى وصلت إلى منزل أهلي الموجود في المدينة وهناك وجدتهم يجهزون أنفسهم ويحزمون حاجياتهم للخروج أيضا، ساعدتهم على تجهيز المستلزمات ونزلنا جميعا للشارع لكي نجد وسيلة نقل للتوجه لمدينة رفح.
جلسنا بالشارع لساعتين تقريبا دون أن ننجح في العثور على شاحنة أو سيارة تقلنا. كان الشارع مزدحما بالناس وكلهم يهرولون يمينا ويسارا للخروج ويحملون فراشهم وملابسهم وكانت الاجواء والمشاعر حزينة وغريبة للغاية.
مع اقتراب الليل ومع أذان المغرب تقريبا وجد أخي سيارة تقلنا لمنطقة حي الأمل في خانيونس شريطة أن نوفر له الغاز لكي يتحرك بالسيارة. وفعلا وافقنا على ذلك، وأوصلنا على عدة دفعات إلى منزل أخي الآخر في حي الأمل، في وقت متأخر من الليل. بقينا هناك لمدة يومين تقريبا، زاد خلالهما القصف الجوي والمدفعي على مدينة خانيونس ووصلت الدبابات إلى طريق صلاح الدين وأغلقته، وزادت تهديدات الجيش الاسرائيلي للساكن عبر الاتصالات والمناشير والراديو بضرورة الخروج إلى رفح.
في 4/12/2023، حزمنا مستلزماتنا وانتقلنا بشاحنة كبيرة إلى مدينة رفح وقمنا ببناء خيام بسيطة للسكن فيها في الحي السعودي، بالقرب من مخازن وكالة الغوث حيث يوجد هناك المئات من الخيام والآلاف من النازحين. الحياة في الخيام صعبة للغاية ونحن غير معتادين عليها حيث نجد صعوبة في إيجاد مياه صالحة للشرب أو الاستخدام المنزلي، ونجد صعوبة في غسيل ملابسنا وملابس أطفالنا أو إعداد الطعام أو إيجاد السلع الأساسية في الأسواق.
كل شيء أصبح صعبا حتى النوم لا أستطيع النوم ليلا خوفا من دخول الحشرات أو العقارب على أطفالنا أثناء النوم. نتعرض للبرد الشديد وأصبنا بأمراض رئوية ونزلات برد ونزلات معوية منذ وصولنا ولا نجد العلاج في الصيدليات.
أمي كبيرة بالسن ومريضة بالربو والضغط والسكري وقد ازدادت حالتها سوءاً منذ وصولها للمخيم في رفح نتيجة البرد وانتشار أدخنة النار التي يستخدمها الناس في الطهي وقد توفيت في 9/12/202. حتى هذا التاريخ لا زلنا نعيش في هذه الخيام وننتظر اليوم الذي تنتهي فيه الحرب ويسمح لنا العودة الى منازلنا إذا ما كانت صالحة للسكن.
نسخة تجريبية