يعتبر هذا التقرير تتويجاً لجهود المركز في مراقبة سير حملات الدعاية الانتخابية من قبل المرشحين وأنصارهم. وكان المركز قد قاد، بالتعاون مع 36 منظمة من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، حملة للرقابة على كافة مراحل العملية الانتخابية، منذ الإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية في 25 يناير 2006. وفي هذا الإطار، فقد اشرف المركز على تدريب طاقم من المراقبين قوامه نحو 600 مراقب ومراقبة، نصفهم من النساء، تم توزيعهم على محافظات قطاع غزة الخمس، لمتابعة سير العملية الانتخابية، بدءاً بمراحل التسجيل والنشر والاعتراض، مروراً بمرحلة الدعاية الانتخابية، وانتهاءً بعمليات الاقتراع والفرز والعد.
ويختص هذا التقرير بالدعاية الانتخابية والخروقات ذات العلاقة بالقيود التي يفرضها القانون على ممارسة هذه الدعاية، ويتضمن تقييماً شاملاً لمجريات الدعاية الانتخابية خلال الفترة الزمنية المحددة لهذه الدعاية التي بدأت بشكل رسمي بتاريخ 3 يناير 2006، وانتهت مساء يوم الاثنين الموافق 23 يناير 2006.
ويناقش التقرير بشكل أساسي، مدى التزام المرشحين وأنصارهم والأطراف ذات العلاقة بالضوابط التي نص عليها القانون بشأن الدعاية الانتخابية، فيما يتعلق بأمور عدة أبرزها: الفترة الزمنية المحددة للدعاية، أماكن الدعاية الانتخابية وضوابطها، مدى حياد السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، الدعاية الانتخابية في وسائل الإعلام الرسمي، أمن الحملة الانتخابية، إضافة إلى تأثيرات البيئة السياسية على هذه العملية.
سارت حملات الدعاية للانتخابات التشريعية في ظل أجواء سياسية صعبة، إن كان على المستوى الفلسطيني الداخلي، أو على صعيد الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة على المدنيين الفلسطينيين. وقد كان لهذه الأجواء أثراً سلبياً على سير حملات الدعاية.
بالرغم من إعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وإعلانها فك الارتباط عن القطاع منذ منتصف سبتمبر 2005، إلا أن الاعتداءات الإسرائيلية منذ ذلك الحين لم تتوقف. فقد استمرت عمليات الاجتياح لبعض المناطق الحدودية، وسط تهديد بعمليات اجتياح أوسع، خاصة على منطقة شمال غزة، فيما استمرت عمليات الاغتيال للناشطين الفلسطينيين، وقصف المكاتب والمواقع. كما استمرت حالة الحصار الشامل المفروضة على قطاع غزة، بما في ذلك إغلاق المعابر التجارية.
وخلال فترة الدعاية الانتخابية استمرت حالة الحصار المفروضة على قطاع غزة، وفرض القيود على الحركة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدى إلى حرمان معظم مرشحي “القوائم الانتخابية” على مستوى الوطن من التنقل بينهما بحرية لعرض برامجهم الانتخابية، خاصة مرشحي حركة حماس. وحتى العدد القليل الذي سمحت قوات الاحتلال الإسرائيلي لهم بالتنقل، كانت تفرض عليهم قيود تحد من حرية الحركة. كما لم يسمح لمرشحي مدينة القدس بالتنقل بحرية لعرض برامجهم، أو دخول المرشحين من غزة والضفة إلى القدس بسبب الحظر الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، استمر خلال تلك الفترة إغلاق معبر المنطار”كارني”، شرق مدينة غزة وهو المعبر التجاري الوحيد الرابط بين شقي الوطن من جهة وبين القطاع وإسرائيل من جهة أخرى، الأمر الذي أدى إلى نقص حاد في العديد من السلع الغذائية، فضلاً عن الركود الاقتصادي. ناهيك عن حرمان آلاف العمال من العمل داخل إسرائيل، والسماح لعدد محدود فقط من الدخول إلى إسرائيل.
كما استمرت جرائم الاستخدام المفرط للقوة بحق المدنيين الفلسطينيين، حيث قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة المحددة للدعاية الانتخابية من 3 يناير حتى 23 يناير 2006، 9 مواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، من ضمنهم شهيد في قطاع غزة.
شهدت الأراضي الفلسطينية خلال الفترة التي سبقت الدعاية الانتخابية، ازدياد وتيرة الاعتداءات المنظمة على سيادة القانون والتصعيد المتعمد في حالة الفلتان الأمني، خاصة في قطاع غزة، توجت بسلسلة من عمليات الخطف للصحفيين الأجانب والعاملين في المؤسسات الدولية من قبل مجموعات فلسطينية مسلحة، والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة. وكان من الواضح أن تلك الاعتداءات لم تكن من قبيل الصدفة، إنما تقف وراءها جهات منظمة سعت بكل الوسائل لتقويض الانتخابات، إما من خلال تأجيلها أو حتى منع إجرائها.
وقد شمل هذا التصعيد المتعمد أيضاً، سلسلة من الاعتداءات على مقرات لجنة الانتخابات المركزية، خاصة في قطاع غزة، من قبل مجموعات مسلحة تابعة لحركة فتح، تخللها عنف في بعض الأحيان، كان الهدف من ورائها منع إجراء الانتخابات أو تقويضها. وقد شملت هذه الاعتداءات، السيطرة على مكاتب اللجان في الدوائر وإغلاقها وأمر العاملين فيها بالمغادرة. وقد ألقت هذه الاعتداءات، في حينه، بظلال من الشك على إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة، في ظل تقاعس السلطة الوطنية، وأجهزتها الأمنية عن توفير الحماية الكاملة للجنة الانتخابات المركزية، خاصة وأن المتورطين في جميع تلك الاعتداءات هم من أجنحة عسكرية مسلحة تابعة لحركة فتح، الحزب الحاكم في السلطة الوطنية الفلسطينية.
وقد جاءت تلك الاعتداءات على خلفية مشاكل داخلية في صفوف حركة فتح في كيفية اختيار ممثليها في الانتخابات التشريعية، وما صاحبها من صراعات بين أقطاب الحركة. وقد أدت تلك الخلافات إلى تأخر قيام الحركة بدعايتها الانتخابية عن الموعد المحدد، بخلاف باقي القوائم الانتخابية. ولم تنطلق حملة حركة فتح الانتخابية سوى بعد مرور بضعة أيام، في أعقاب تسوية خلافاتها الداخلية.