المرجع: 01/2018
التاريخ: 2 يناير 2018
التوقيت: 13:00 بتوقيت جرينتش
يعتزم الكنيست الإسرائيلي التصويت غداً الاربعاء الموافق 3 يناير 2018 على تعديل قانون العقوبات، يبيح استخدام عقوبة الإعدام ضد الضالعين في جرائم قتل أثناء تنفيذ “عمليات إرهابية”. وقد قدم المشروع للكنيست من ثلاثة نواب متطرفين اسرائيليين وهم: روبيرت إيلتوف؛ عوديد فورر؛ ويولية لمينوبسكي، بتاريخ 30 اكتوبر 2017.
وينص المشروع على “أن يأمر وزير الدفاع قائد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي في المنطقة بأن يصدر أوامره: 1) بأن صلاحية هيئة المحكمة العسكرية في المنطقة بأن تحكم بالإعدام، دون اشتراط إجماع الهيئة، بل تكفي الأغلبية العادية. 2) ليس لأي محكمة تخفيف عقوبة من صدر عليه حكم إعدام نهائي من المحكمة العسكرية في المنطقة.”
وقد جاء في تعليل التعديل أن “الإفراج عن المخربين بعد مدة من حبسهم (في إشارة إلى صفقات تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية) بعد أن قاموا بعمليات فظيعة يبعث برسالة معكوسة لا تساهم في مكافحة الإرهاب وفي تعزيز قوة الردع الإسرائيلي.. المشروع يهدف إلى خلق ردع ذي معنى، والإخبار بأن اسرائيل تتشدد في سياساتها، ولا تتهاون بعد الأن مع تنفيذ جريمة من هذا النوع”.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد أن تلك المشاريع المكررة ليست إلا محاولة لإضفاء الشرعية لحالة قائمة، وهي سياسة الاغتيالات والتصفية الميدانية والتي تنفذ بأوامر مباشرة من أعلى سلطات اتخاذ القرار في جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة. وقد رصد المركز العديد من التصريحات التي أكدت على استخدام الاغتيالات والقوة القاتلة في التعامل مع أي خطر يتهدد جنود الاحتلال. كما رصد المركز ووسائل الإعلام الكثير من مشاهد الإعدام الميداني والاغتيالات، التي تؤكد وبلا شك وجود سياسة إعدامات ميدانية يتم ممارستها من قبل الاحتلال.
وفي ظل متابعاته مشروع شرعنه القتل الإسرائيلي، تقفز الذاكرة الفلسطينية إلى مشهد قتل الشاب إبراهيم أبو ثريا، والذي قتله الاحتلال مرتين. المرة الأولى عندما تسبب القصف الإسرائيلي في بتر ساقيه خلال العدوان على غزة في العام 2008، أما الثاني فهو عندما اطلق قناصة الاحتلال طلقة مباشرة على رأسه، ليرديه قتيلاً، أثناء مشاركته في وقفة احتجاجية بالقرب من السلك الفاصل في المنطقة الحدودية، في ديسمبر 2017.
وتستمر المشاهد القاسية تطارد الذاكرة الفلسطينية لعشرات حالات القتل بدم بارد على يد جنود الاحتلال، ليستقر أمام العيون والأذهان مشهد الجندي الإسرائيلي/ إليئور أزاريا وهو يقتل بدم بارد المواطن الفلسطيني/ عبد الفتاح الشريف، في مارس 2016، برصاصة مباشرة في الرأس بينما كان ملقى على الأرض بلا حراك.
وجدير بالذكر أن الاغتيالات والإعدامات الميدانية هي إحدى السياسات المعتمدة لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث رصد المركز تنفيذ المئات من عمليات الاغتيال راح ضحيتها آلاف المواطنين الفلسطينيين، كما رصد عشرات حالات الإعدام الميداني منذ العام 2014، جلهم تم قتلهم دون أن يشكلوا أي خطر حقيقي على جنود الاحتلال، وبعضهم قتلوا على مجرد الاشتباه.
وجدير بالذكر أن طرح المشروع كان أحد الوعود الانتخابية لوزير الحرب الإسرائيلي وعضو الكنيست وزعيم حزب “اسرائيل بيتنا” المتطرف إفيغدور ليبرمان. كما ويؤيد هذا القانون العنصري، وفق ما ذكر الإعلام الإسرائيلي، ثلة من الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية وهم: وزير العدل اييليت شاكيد، وزير الزراعة يوري أرائيل، وزيرة الثقافة ميري ريجيف، وزير العلوم داني دانون، ووزير الهجرة زائيف الكين.
إن الحقائق السابقة تكشف أمرين رئيسيين: الاول أن اسرائيل لم تتوقف يوماً عن استخدام عقوبة الإعدام، ولكن بشكل ميداني خارج إطار القانون، وما تفعله الأن هو مجرد شرعنه لممارسة هذا الجرم. وجدير بالذكر أن فكرة تقنين الجرائم سياسة اسرائيلية ممنهجة، حيث تستخدمها في تشريع الاستيطان وفي هدم المنازل ومصادرة ممتلكات المواطنين، وجميعها ممارسات تمثل جرائم حرب، إلا إنها مشرعنة قبل دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين بموجب قوانين ساريه مدعومة بأحكام قضائية.
والثاني: أن هذه المحاولة تؤكد أن إسرائيل دولة أبارتهايد، يتحكم فيها عنصريون، حيث أن مشروع القانون المقدم، والمدعوم من أبرز وزراء الحكومة، عمل على تطبيق العقوبة على الفلسطينيين فقط دون الاسرائيليين، وإن كان لم يذكر ذلك نصاً فهو متضمن واقعا، حيث من المفترض أن يطبق التعديل أمام المحاكم العسكرية في الأرض المحتلة، والتي يخضع لها الفلسطينيون دون الاسرائيليين. ويعيدنا هذا المشهد إلى قوانين دولة الأبارتهايد البائدة في جنوب أفريقيا.
وكان مشروع مشابه قد رفض من قبل الكنيست الإسرائيلي في العام 2015، وحينها، علق رئيس الوزراء ، بنيامين نتنياهو، الذي اوصى نواب حزبه بعدم التصويت للمشروع والذي لم ينل إلا ست اصوات، بأن المشروع يحتاج إلى تعديل ونقاشات طويلة، مما يؤكد أن المشروع مقبول من حيث المبدأ من قبله وحزبه المتطرف (الليكود)، والخلاف فقط على التفاصيل.
وجدير بالذكر أن عقوبة الإعدام منصوص عليها في القوانين والقرارات العسكرية الإسرائيلية ولكن بشكل خياري للقاضي وليس وجوبيا. وكانت سلطات الاحتلال وفي اعقاب احتلالها للأرض المحتلة عام 1967، قد اصدرت قرارين (268، 159) في الضفة الغربية وقطاع غزة، في العامين 1967 و1968، وفق الترتيب، اصبحت بموجبهما عقوبة الإعدام خيارية للقاضي وليست وجوبية، وبالتالي جواز استبدالها بالحكم المؤبد أو الاشغال الشاقة المؤبدة.
ودأب القضاء الإسرائيلي على استخدام أحكام المؤبد بدل الإعدام، مما شكل سابقة مستقرة طوال العقود الماضية. ويحاول مقدمو هذا المشروع إلغاء هذه السابقة وإحياء عقوبة الإعدام وتسهيل الحكم بها من خلال عدم اشتراط اجماع الهيئة القضائية في اصدار الحكم.
ويذكر أن عقوبة الإعدام طبقت بشكل رسمي وبقرار من محكمة في دولة الاحتلال مرة واحدة فقط، في العام 1962، وكانت بحق أدولف أيخمان أحد الضباط الكبار في الجيش الألماني النازي أبان الحرب العالمية الثانية.
يحذر المركز من خطورة شرعنة القتل الإسرائيلي، لأنه سيفتح المجال لمزيد من جرائم القتل، بل سيجعل منها استعراضاً بحجة تحقيق ما سماه مشروع القانون “الردع”. ويؤكد المركز أن التعديل المقترح يخالف التزامات اسرائيل بموجب المادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تضع شروطاً لتنفيذ عقوبة الإعدام لا تتوافر في المحاكم العسكرية الإسرائيلية مثل: شروط المحاكمة العادلة؛ العرض على القاضي الطبيعي؛ إقرار عقوبة الاعدام بإجماع الهيئة القضائية وليس بالأغلبية (كما يقترح مشروع التعديل المقدم للكنيست).
ولذا، فإن المركز يهيب بالأمم المتحدة والدول السامية الموقعة على اتفاقيات حقوق الإنسان، سيما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بالعمل من أجل احترام اسرائيل لحقوق الإنسان في الأرض المحتلة، ووقف تغولها وإجراءاتها العنصرية ضد الفلسطينيين.
كما ويطالب المركز الاتحاد الاوروبي باتخاذ خطوات جادة لمنع إقرار هذا القانون، استناداً إلى التزامات إسرائيل بموجب اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية.
يناشد كافة المؤسسات والتجمعات المناهضة لعقوبة الإعدام، بالعمل من أجل منع إقرار القانون، وإدراج جرائم الاعدام الميداني والاغتيالات من دائرة تركيزها، بما تمثله من إقرار واقعي لعقوبة الإعدام، يفوق في خطره الإقرار القانوني، حيث يجعل للجندي سلطة مطلقة في الحكم وتنفيذ أحكام الاعدام.