تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي قتل الفلسطينيين المجوّعين قرب نقاط توزيع المساعدات التي أقامتها في مناطق تحت سيطرتها في قطاع غزة، وتحويل هذه النقاط إلى ساحات للموت والإذلال، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 20 شهرًا.
ووفق المعلومات الي توفرت لطاقم المركز، فعند حوالي الساعة 18:00 من يوم أمس الاثنين 2 يونيو 2025، بدأ آلاف النازحين التوجه عبر شارع الرشيد الساحلي إلى حي المواصي غرب مدينة رفح، والانتظار حتى صباح اليوم التالي (الثلاثاء 3 يونيو 2025) من أجل الوصول إلى نقطة توزيع المساعدات التي أقامتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بجوار مستشفى حمد بن خليفة (قيد الإنشاء) في شارع أبو بكر الصديق في حي تل السلطان جنوب غرب مدينة رفح.
انتظر النازحون الذين جاء عدد كبير منهم من وسط القطاع ومدينة غزة، بينهم نساء وأطفال، حتى ساعات فجر اليوم الثلاثاء، وخلال انتظارهم كانت الزوارق الحربية والطائرات المروحية تطلق قذائفها ونيران رشاشاتها الثقيلة حولهم في شارع الرشيد الساحلي. وعند حوالي الساعة 04:30 فجراً، بدأ مئات من النازحين التقدم عبر شارع الرشيد الساحلي نحو ميدان العلم، وحينها بدأت قوات الاحتلال تطلق النار تجاههم عبر طائرات الكواد كابتر والآليات العسكرية، ما أدى إلى مقتل 27 نازحًا، بينهم امرأتان، وإصابة حوالي 90 آخرين بجروح. وقد نقل القتلى والجرحى عبر عربات تجرها الحيوانات إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني في حي المواصي غرب مدينة رفح، ثم حولوا إلى مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس.
وأفاد المواطن مهند أحمد محمد قشطة، 31 عاماً، وهو ناشط وصحفي حر لباحث المركز بما يلي:
” في حوالي الساعة 04:20 فجر اليوم الثلاثاء، توجهت رفقة عدد من أقاربي وأصدقائي من منطقة بئر مياه 19 في مواصي خان يونس إلى مواصي رفح، ووصلنا في حوالي الساعة 04:45 فجراً وقفنا بجوار استراحة الأكواخ، وكان شارع الرشيد/البحر مكتظا بالناس، وكنت أسمع صوت إطلاق نار من البوارج في البحر، ومن طائرة أباتشي كانت تحلق فوق المكان. وفي حوالي الساعة 05:00 فجراً، تقدم عدد كبير من الناس نحو ميدان العلم في شارع الرشيد في محاولة منهم إلى الوصول إلى نقطة المساعدات الإسرائيلية، فتعرض بعضهم لإطلاق النار من طائرات كواد كابتر ومن الدبابات، وشاهدت عربات كارو وكراريس وعجلات تحمل مصابين من منطقة ميدان العلم وتتجه بهم إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني. في حوالي الساعة 05:30 فجرا، تمكنت من الوصول إلى نقطة توزيع المساعدات بجوار مستشفى حمد بين حي المواصي وحي تل السلطان، وكان شبه فارغ من الطرود، حيث وصل قبل وصولنا عدد كبير من الناس وحصلوا على الطرود التي كانت موضوعة على مشاطيح في ساحة نقطة التوزيع، ولم أمكث طويلاً في نقطة التوزيع وكنت أصور مقاطع فيديو وصور عادية باستخدام جوالي دون إثارة الانتباه. توجهت بعد ذلك إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني في شارع الرشيد/البحر في مواصي رفح وهناك شاهدت سيارتي إسعاف تنقل 15 شهيداً، وتوجهتا بهم إلى مستشفى ناصر في مدينة خان يونس.”
وفي جريمة مماثلة، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة، عند حوالي الساعة 04:30 فجر أمس الاثنين الموافق 2 يونيو 2025، تجاه أعداد كبيرة من النازحين قرب ميدان العلم في حي المواصي، غرب مدينة رفح أثناء توجههم إلى نقطة توزيع مساعدات أقامتها قوات الاحتلال في حي تل السلطان، جنوب غرب مدينة رفح. أسفر ذلك عن مقتل 3 من النازحين المجوعين، وإصابة 35 آخرين بجراح مختلفة.
ومنذ بدء عمل الاحتلال في نقاط التوزيع في 27 مايو 2025، قتلت قوات الاحتلال نحو 100 مواطن وأصابت قرابة 500 آخرين بجروح.
يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن استمرار القوات الإسرائيلية في تنفيذ هذه الآلية رغم ما تسببت به من فوضى وإيقاع عشرات القتلى ومئات الجرحى منذ انطلاقها، يدلل على أن الهدف منها ليس توفير الإغاثة الفعلية للمحاصرين والجوعى في قطاع غزة، بل يراد منها أن تتحول فخًّا للموت وساحة للإذلال وانتهاك الكرامة الإنسانية، في سياق سياسة تجويع ممنهجة وغير مسبوقة تنفذها قوات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين منذ عدة أشهر.
ويعيد التأكيد على أن النظام الحالي لتوزيع المساعدات لا يرقى إلى أدنى معايير الإنسانية، فهو يفتقر لأي آلية فعالة ومنظمة، ويتم من خلاله إدخال كميات شحيحة من المواد الغذائية إلى مناطق خطرة تخضع لسيطرة نارية إسرائيلية، ثم يُدعى آلاف الجوعى للوصول إليها في ظروف شديدة الخطورة، حيث يكون المدني أمام ثلاثة خيارات: أن يُقتل برصاص القناصة أو تحت القصف، أن يعود خائباً دون طعام، أو أن يخوض صراعاً مذلاً مع عشرات المجوعين الآخرين للحصول على طرد غذائي لا يكفي ليوم واحد.
ويشدد على أن آلية الاحتلال لا تقدم حلًا ناجعًا للمجاعة التي تفتك بشدة بسكان القطاع، بل تمنح الاحتلال شرعية زائفة لترسيخ سياسة التجويع الإجرامية كسلاح ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والاستمرار في توظيف ملف الإغاثة والمساعدات لابتزاز السكان والسيطرة على حياتهم اليومية وعلى مقومات بقائهم.
وبناء على ذلك، يجدد المركز مطالبته المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لإلغاء هذه الآلية التي يطلب فيها من المواطنين الانتقال لمناطق خطيرة تحت سيطرة الاحتلال، والعودة لإدخال المساعدات وتمكين المنظمات الدولية من توزيع المساعدات وسط مناطق النزوح المختلفة، إلى جانب إدخال البضائع بشكل حر دون أي قيود.
وإذ يدين المركز إطلاق النار تجاه المدنيين، فإنه يدعو المجتمع الدولي، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى تحمل مسؤولياتهم الإنسانية والقانونية على الفور، والتدخل العاجل والضغط على الاحتلال، من أجل وقف جريمة الإبادة الجماعية المستمرة، وفتح جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، واستئناف إدخال المساعدات الإنسانية دون قيود وبشكل فوري وواسع النطاق، وتحت إشراف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، بعيدًا عن أي تدخل عسكري أو سياسي من أي أطراف أخرى.