تقرير حول أعمال الإعدام خارج نطاق القانون (الاغتيالات) التي نفذتها قوات الاحتلال خلال الفترة بين 29/9/2000-28/4/2001
مقدمـة
يسلط هذا التقرير الضوء على واحدة من أبشع صور الاستخدام المفرط للقوة والقتل خارج إطار القانون التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ بداية المواجهات بين المدنيين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في 29/9/2000، ألا وهي حالات الاغتيالات، والتصفية الجسدية المعلنة لنشطاء سياسيين ومناضلين فلسطينيين. وتنفذ عمليات القتل هذه وحدة مختارة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، يطلق عليها الوحدات الخاصة، أو فرق الموت، وفي بعض الأحيان، “وحدات المستعربين.”[1] وفي ثلاث عمليات منها استخدمت الطائرات المروحية لاستهداف الضحايا.
لقد لجأت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام وسيلة الاغتيالات والتصفية الجسدية لنشطاء سياسيين فلسطينيين في وقت مبكر من بداية انتفاضة الأقصى، مبررة ذلك بأنها في وضع “نزاع مسلح” يسمح لها بتصفية من استهدف إسرائيليين أو من خطط للقيام بعمليات “إرهابية” ضد المدنيين الإسرائيليين وجنود الاحتلال، وقتلهم دون محاكمة. وفي بعض من حالات الاغتيال التي نفذتها قوات الاحتلال كان بالإمكان اعتقال الشخص المطلوب بسهولة، دون إبداء أية مقاومة. غير أن قوات الاحتلال أرادت من خلال تنفيذ هذه العمليات العدوانية بث الرعب في صفوف الشعب الفلسطيني، والاقتصاص ممن تزعم أنهم وراء العمليات العسكرية ضد قواتها والمستوطنين. وخير دليل على ذلك، حالتي اغتيال كلا من : الشهيد جمال عبد الرازق، من رفح بتاريخ 22/11/2000، حيث أطلقت النيران عليه بغزارة من مسافة عدة أمتار، من قبل جنود الاحتلال داخل الدبابة على جانب الطريق، بعد إيقاف السيارة التي كان يقودها قرب مفترق موراج، إلى الشرق من مدينة رفح. وكان بالإمكان إلقاء القبض عليه بسهولة. وقد قتل في الحادث مرافقه، وشخصين آخرين في سيارة أخرى كانت تسير خلفه. وكذلك الأمر بالنسبة للشهيد هاني أبو بكرة، من رفح، الذي اغتالته قوات الاحتلال في 14/12/2000، على الحاجز العسكري لقوات الاحتلال (حاجز أبو هولي)، جنوب مدينة دير البلح، بعد أن أوقفت سيارته الأجرة التي كان يقودها وبرفقته سبعة ركاب متجهين إلى غزة، وبعد أن طلب أحد الجنود منه إبراز بطاقة الهوية، وقبل أن يبرزها أطلقت عليه النار بغزارة لمدة 3 دقائق، مما أدى إلى استشهاده وإصابة أربعة آخرين من ركاب السيارة، استشهد أحدهم متأثراً بجراحه في 23/12/2000.
وتحظى عمليات التصفية بحق الناشطين الفلسطينيين بمباركة صناع القرار الإسرائيلي من أعلى المستويات، وكذلك بغطاء شرعي من القضاء العسكري لدولة الاحتلال الإسرائيلي. فعقب اغتيال الضابط الفلسطيني في قوات أمن الرئاسة، (حرس الرئيس) مسعود عياد، في 13/2/2001، عبر إطلاق ثلاث قذائف صاروخية على سيارته، من طائرتين عموديتين، بارك رئيس الوزراء السابق، أيهود باراك العملية وحيّا منفذيها، معتبرا إياها تندرج في إطار سياسة الدولة في مكافحة “من يمسون باليهود”. وفي رد فعله على مقتل اثنين من الإسرائيليين في طولكرم قال نائب وزير الدفاع السابق لدولة الاحتلال، أفرايم سنيه: “سنواصل ضرب الإرهابيين بشكل دقيق ومحدد…لا يوجد دواء سحري في هذه الحرب لكن القيام بعمليات محددة ضد إرهابيين مذنبين بارتكابهم اعتداءات كثيرة يشكل الوسيلة الأنجع للقتال.”[2] ولدى سؤاله عما إذا كانت إسرائيل تنتهج سياسة “التصفية” بحق الفلسطينيين، أجاب العميد، بني غانتز، القائد العسكري لقوات الاحتلال في الضفة الغربية، قائلاً: “أنت الذي قلت تصفية، لست أنا. إننا نتصرف حسب دواعي الضرورة. ولن نكف عن اتخاذ إجراء من هذا القبيل طالما كان هناك تهديد.” من ناحيته استشهد رئيس أركان قوات الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال شاؤول موفاز، بأقوال المدعي العسكري الإسرائيلي، الميجر جنرال، مناحيم فلينكشتاين، الذي أكد في وجهة نظر (استشارة) قانونية أن قوات الجيش الإسرائيلي مخولة ومصرح لها من المرجع القانوني للجيش الإسرائيلي باغتيال “عناصر معادية” في المناطق الفلسطينية، وذلك في حالات استثنائية، غير اعتيادية، هدفها ، إنقاذ حياة أشخاص وفي غياب بديل آخر… الجيش الإسرائيلي سيواصل اتباع كل الوسائل بما في ذلك عمليات الاغتيال.”[3] وليس أدل على ذلك من تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أيهود باراك، حينما قال: “إذا كان أناس يطلقون النار علينا ويقتلوننا، فخيارنا الوحيد هو رد الضربة. إن بلدا يتعرض للتهديد الإرهابي لابد له أن يتصدى لذلك.”[4]
ولا تتورع الحكومة الإسرائيلية عن الاعتراف الصريح بمسئوليتها عن القيام بمثل هذه العمليات الإجرامية بحق المدنيين الفلسطينيين، حيث تعمد الحكومات على نفي مسئوليتها القيام بمثل هذه الأعمال. وتزعم الحكومة الإسرائيلية بأن عمليات الإعدام خارج نطاق القانون لمن تسميهم “الإرهابيون” هي عمليات رادعة وناجعة في مواجهة الخطر الداهم على “المدنيين” الإسرائيليين.
وفي معظم حالات الإعدام خارج نطاق القانون التي نفذتها قوات الاحتلال لم تقدم الحكومة الإسرائيلية دليلا واضحا على مشاركة أولئك الضحايا في هجمات على جنود الاحتلال ومستوطنيه، حيث تتم عملية التصفية والإعدام دون تحقيق، وتتم الإشارة عقب كل عملية تصفية إلى نشاط الشخص بشكل مبهم.
وتعتبر الحكومة الإسرائيلية أن عمليات الاغتيالات لنشيطي التنظيمات الفلسطينية على الساحة السياسية الفلسطينية هي عملية ناجعة، حيث طالت عمليات الاغتيال هذه عددا من كوادر حركة فتح، وحماس والجهاد الإسلامي، وهي التنظيمات التي تتهمهما الحكومة الإسرائيلية بقيادة نشاط الانتفاضة. وقد تمت جميع أعمال الإعدام خارج نطاق القانون في مناطق خاضعة للسيطرة الوطنية الفلسطينية، مناطق (أ).
أعمال غير قانونية
وتعتبر عمليات التصفية والإعدام خارج نطاق القانون التي تنتهجها قوات الاحتلال الإسرائيلي، انتهاكا صارخا لمعايير القانون الدولي الإنساني العرفي والتعاقدي، وانتهاكا لمعايير حقوق الإنسان، وبشكل خاص الحق في الحياة. فقد نصت المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.” وكذا المادة السادسة (أ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث نصت على أن “الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.” وتنص المادة الرابعة من العهد ذاته على أن لا يجوز الانتقاص من حق الحياة حتى “في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة.”
وتنص المادة (3) من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب على أنه “تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين (المحميين) وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن: 1 (أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية والتعذيب.”
وتحظر مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالوقاية الفعالة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ظروف، حتى زمن الحرب. وحسب المبدأ الأول ” يجب على الحكومات أن تحظر قانونيا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والتعسفية بإجراءات موجزة، وأن تضمن اعتبار أي عمليات إعدام كهذه جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية، وأن يعاقب عليها بالعقوبات المناسبة التي تأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة هذه الجرائم. ولا يجوز التذرع بالظروف الاستثنائية، بما فيها حالة الحرب أو التهديد بها أو الاضطرابات السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه.”
من ناحية أخرى تعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الناشطين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مخالفة واضحة لـ”المعاهدة الرابعة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض الموقعة في هاغ في الثامن عشر من أكتوبر /تشرين أول 1907 (لاهاي)” التي تستند إليها دولة الاحتلال الحربي قانونياً في تعاملها مع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة[5]. وتؤكد المادة(23) من الاتفاقية سالفة الذكر على أنه يحظر بشكل خاص : “… 2) قتل أو جرح أفراد يتبعون لدولة معادية أو جيش معاد بشكل غادر؛ 3) قتل أو جرح عدو يلقي سلاحه أو لا تعود بحوزته وسائل دفاع، ويستسلم طواعية؛ 4) الإعلان بأن العدو لن يحظى بالرحمة؛ 5) استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد تتسبب في معاناة غير ضرورية….”. وفي هذا بحد ذاته دحض للمزاعم الإسرائيلية بأن جميع ما تقوم به من أعمال في الأراضي الفلسطينية يندرج تحت إطار الضرورات الحربية التي تبيحها الاتفاقية.
وخلال الفترة قيد البحث، من 29/9/2000 حتى 25/4/2001، نفذت قوات الاحتلال (13)[6] عملية اغتيال معلنة لنشطاء سياسيين فلسطينيين داخل مناطق (أ) الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة، راح ضحيتها 22 مواطناً فلسطينياً، وفي واحدة من هذه العمليات استهدفت قوات الاحتلال نفذت قوات الاحتلال عملية اغتيال بحق أربعة مواطنين من رفح، وأصابت ثلاثة آخرين. وقد أدت عمليات الاغتيال هذه في بعض الأحيان إلى إيقاع ضحايا مدنيين يتواجدون مصادفة في المكان، فقد قتل 6 أشخاص مدنيين، وأصيب عددا آخر، خلال ثلاثة عمليات اغتيال لناشطين فلسطينيين. في عملية الاغتيال التي نفذت بحق الشهيد حسين عبيات من بيت لحم، بتاريخ 9/11/2000، بواسطة الطائرات العمودية، قتلت امرأتان كانتا تمران بالقرب من مكان الحادث، وأصيب شخصان آخران بجراح. وأثناء عملية اغتيال الشهيد جمال عبد الرازق، قتل ثلاثة أشخاص مدنيين، أحدهم كان برفقته، واثنان كانا يستقلان السيارة التي كانت تسير خلفه. أما الحادثة الثالثة فكانت عندما اغتالت قوات الاحتلال الشهيد هاني أبو بكرة، وقتلت شخص آخر كان يركب بجانبه، وأصيب ثلاثة آخرون بجراح خطيرة.