حنان فؤاد محمد النمنم، 26 عاماً، متزوجة وأم لـ 3 أطفال أكبرهم 6 سنوات، وأصغرهم عامين، سكان غزة أبراج الفيروز، وحاليا نازحة في رفح.
بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، وإعلان الاحتلال الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة، جهزت أغراضي وبعض ملابس أطفالي وذهبت إلى منزل والدي في حي الشيخ رضوان. وبقيت في منزل والدي لمدة أسبوعين تقريبا، وكان زوجي في أحد مدارس التابعة للأونروا في مخيم الشاطئ لعدم اتساع منزل والدي.
بعد ذلك انتقلت للعيش مع زوجي في مركز الإيواء. كانت المعيشة صعبة والازدحام شديدا في الفصول وفي ساحات المدرسة، وكانت المياه تتوفر أحيانا وتنقطع في كثير من الأحيان الأخرى، مع ذلك كان وجود أبنائي مع والدهم بالنسبة لي أفضل كثيرا من تحمل مسؤوليتهم وحدي.
بعد الدخول البري لقوات الاحتلال في شمال قطاع غزة، أصبحت الأمور أكثر صعوبة، وأصبحنا نسمع أصوات الانفجارات والاشتباكات المسلحة بشكل واضح وقريب. وسقطت بعض القذائف في محيط مركز الإيواء، وقنابل دخانية داخل المركز. الكثير من النازحين حولنا شاهدتهم يجمعون أغراضهم ويغادرون المركز، ونحن أيضا شعرنا بالخوف وخرجنا معهم.
انتقلنا إلى مدرسة الموهوبين في حي الشيخ رضوان وبقينا هناك 3 أيام. وفي اليوم الثالث استهدف الاحتلال سيارة داخل المدرسة بشكل مباشر. كان ذلك بتاريخ 8/11/2023، وأصيب في هذا القصف أخي حسن فؤاد محمد النمنم، 26 عاما، بشظايا في اليدين، وأصيبت سلفتي وئام ناصر هنية، 26 عاما بشظايا في الكلى ولم يستخرجها الأطباء لأنها كانت حامل في شهرها الرابع حينها وخاف الاطباء على حياة الجنين واستشهد ما يقارب 12 شهيدا من النازحين أيضًا.
بتاريخ 15/11/2023، بعد ان ازداد القصف على قطاع غزة، وتكررت التهديدات الاسرائيلية لسكان شمال قطاع غزة بالخروج للجنوب، وبعد المجازر المروعة التي تعرض لها النازحون في مراكز الإيواء وفي مستشفى المعمداني، قررنا التوجه إلى جنوب قطاع غزة لنحاول المحافظة على حياة أطفالنا. أحضر زوجي سيارة الساعة 9 صباحا نقلتنا إلى دوار الكويت، ثم أكملنا طريقنا مشيا حتى وصلنا الحاجز المقام على طريق صلاح الدين. لم نكن نحمل سوا حقائب صغيرة بها بعض الملابس، وكان زوجي يحمل ابني عبد الرحمن 5 أعوام، وكنت أنا أحمل طفلي الأصغر.
دخلنا منطقة التفتيش والفحص التي أقامها جنود الاحتلال الساعة الواحدة ظهرا. كان زوجي يسير أمامي، وهناك قام أحد الجنود بمناداة زوجي محمد نعيم علي النمنم، ٢٩عاما، وأشار إليه بأن ينزل الحقائب، وهناك ترك زوجي ابني عبد الرحمن وتوجه نحو الجنود وهو يرفع يديه للأعلى. وقام الجنود بتوجيهه إلى منطقة قريبة منهم كانوا يحتجزون فيها العديد من الشبان، وكان فيها أشخاص مقيدون وجالسون على الأرض. وطلب مني الجنود التحرك، وواصلت طريقي أنا وأبنائي حتى تخطينا الحاجز. انتظرت بالشارع نصف ساعة تقريبا على أمل أن يلحق بي زوجي وأن يطلقوا سراحه ولكن هذا لم يحدث. واصلت المشي تجاه الجنوب لنصف ساعة تقريبا، وبعدها وجدت سيارة نقلتني إلى منطقة الصناعة غرب خانيونس، حيث كان أحد إخوتي قد نزح للمنطقة وأقام في خيمة هناك قريبة من مبنى الصناعة التابع للأونروا، بقيت مع أخي 5 أيام تقريبا تواصلنا خلالها مع الصليب لمعرفة مصير زوجي ولكنهم لم يستطيعوا مساعدتنا.
انتقلت أخيرا إلى مدرسة للنزوح في مدينة رفح وهي مدرسة شهداء رفح الواقعة قرب دوار العودة، وذلك بعد دخول قوات الجيش الإسرائيلي بريا في خانيونس، بداية شهر ديسمبر 2023. وحتى هذه اللحظة لا زلت أقيم فيها، ولا أعلم شيئا عن زوجي وشقيقه الآخر علي، ٤٥ عاما، الذي تم احتجازه في يوم احتجاز زوجي. ورغم تواصلنا المستمر مع الصليب الأحمر إلاّ أننا لا نعلم ما إذا كانوا أحياء أو اموات.
نعيش في مركز الإيواء حياة صعبة للغاية وينقصنا الكثير من الأغراض والملابس والمستلزمات ولا نستطيع شرائها لأننا لا نملك المال، وأيضا الكثير من المستلزمات لا نجدها في الأسواق بسبب إغلاق المعابر.
أصيب اطفالي بالأمراض ونزلات البرد والسعال ولا أجد لهم الدواء في المراكز الطبية ويتعرضون للبرد الشديد أثناء نومهم. وفي المنخفضات الجوية تتسرب المياه إلى خيامنا المقامة في ساحة المدرسة وتتسبب في ابتلال ما يتوفر لدينا من أغطية وفراش ونجبر على قضاء الليل بدون نوم ومحاولة نزح المياه وإبعادها عن الفراش.
كل هذه المعاناة التي نعيشها ونحن نحاول الحفاظ على حياتنا وحياة أطفالنا. ورغم انتقالنا من مكان لآخر حسب المنشورات التي يصدرها جيش الاحتلال، إلا أننا لا نشعر بالأمان، وقد تعرضنا فعليا للموت خلال الحرب مرات عديدة. في كل المناطق التي نزحنا إليها تعرض محيطها للقصف. حتى مدينة رفح التي لم تتعرض للاجتياح البري والتي قال عنها الاحتلال إنها آمنة، لا نشعر فيها بالأمان بل ونخشى من المشي في شوارعها لأنها تتعرض يوميا للقصف الجوي، لا نعرف ماذا يمكن أن يستهدفوا أو الوقت الذي يمكن أن يتم فيه القصف. لا مكان آمن في قطاع غزة.
نسخة تجريبية