مايو 7, 2024
أوامر تهجير تطال شرق رفح وقصف مكثف لأحياء مختلفة منها؛ مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية تطالب بتحرك عاجل لوقف المذبحة المتوقعة
مشاركة
أوامر تهجير تطال شرق رفح وقصف مكثف لأحياء مختلفة منها؛ مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية تطالب بتحرك عاجل لوقف المذبحة المتوقعة

تتابع مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية باستهجان واستنكار شديدين، إصدار قوات الاحتلال الإسرائيلي أوامر تهجير جديدة طالت العديد من الأحياء السكنية شرق مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، بعد ساعات من قصف طال العديد من المنازل السكنية على رؤوس ساكنيها، ما يضع أكثر من مليون شخص من السكان والنازحين والنازحات في رفح أمام خيارات صعبة بحثًا عن مأوى بعد 213 يومًا من بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة والرامي إلى إنهاء أشكال الحياة كافة في قطاع غزة.

ووفق المعلومات التي توفرت لباحثينا، فمنذ ساعات مساء أمس الأحد 5 مايو/أيار الجاري، وحتى فجر اليوم الاثنين 6 مايو/أيار، قصفت طائرات الاحتلال بشكل مباشر 10 منازل، منها 7 على رؤوس قاطنيها، إضافة إلى أراضٍ زراعية في أرجاء متفرقة من رفح، ما أدى إلى استشهاد 28 من سكانها، منهم 11 طفلاً و8 سيدات، إضافة إلى إصابة وفقدان آخرين تحت الأنقاض، وتكررت عمليات القصف بغارات عنيفة للمناطق الشرقية لمحافظة رفح حتى اصدار هذا البيان.

وفي تطور لاحق، أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الاثنين 6 مايو /أيار، أوامر تهجير جديدة، للسكان والنازحين المتواجدين في منطقة بلدية الشوكة وفي الأحياء: السلام والجنينة، وتبة زراع والبيوك في منطقة رفح بالبلوكات: 10، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 28، 270، طالبهم فيها بالإخلاء الفوري إلى ما أسماها “المنطقة الإنسانية الموسعة بالمواصي”، حيث كان أعلن خلال اليومين الماضيين عن توسيع هذه المنطقة لتشمل أحياء كبيرة من خانيونس وصولاً إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.

ووفق التقديرات الأولية، فإن الأحياء والمربعات المذكورة تأوي أكثر من 250 ألف نسمة من أصل أكثر من مليون يقيمون في رفح من سكانها والنازحين والنازحات إليها من باقي محافظات قطاع غزة، بناءً على أوامر تهجير إسرائيلية سابقة حددتها كمنطقة آمنة.

وتشمل الأحياء المطالبة بالتهجير مؤسسات حيوية، منها مستشفى أبو يوسف النجار، وهو المستشفى المركزي في رفح، ما ينذر بكارثة إنسانية في حال إخلاءه. وكذلك معبري رفح البري وكرم أبو سالم التجاري، ومركز صحي تابع لوزارة الصحة، ومدارس إيواء مليئة بالنازحين، بالإضافة لانتشار خيام النازحين في هذه الأراضي بسبب نزوح عشرات آلاف العائلات لمحافظة رفح. كما يعتبر شارع صلاح الدين الواصل بين محافظتي رفح وخانيونس، والواصل إلى مستشفى غزة الأوروبي، ضمن المناطق التي شملها الإخلاء، ما يمنع عملية نقل الجرحى في حال بدء عملية عسكرية.

كما ألقت طائرات الاحتلال منشورات على رفح صباح اليوم الإثنين، 6 مايو/ أيار 2024، تحمل مضمون أوامر التهجير، وتحمل خارطة تحدد ما يسمى المنطقة الآمنة الواقعة في المواصي وأجزاء من غربي خانيونس، والمربعات المطلوب إخلائها، وهو سلوك فعلته قوات الاحتلال قبيل هجماتها البرية الواسعة في باقي أرجاء قطاع غزة.

ويأتي هذا التطور، بعد أكثر من أسبوع كثفت فيه قوات الاحتلال قصفها للمنازل السكنية على رؤوس ساكنيها، ما تسبب في سقوط عشرات الشهداء والجرحى أغلبهم من الأطفال والنساء.

وبدأ السكان والنازحون على إثر هذا التطور الخطير بحركة نزوح واسعة من الأحياء والمربعات المستهدفة بالتهجير، إضافة إلى أحياء مجاورة ولها وغيرها أيضًا من أحياء رفح، حيث يحزمون أمتعهم ويغادرون، وبعضهم يفعل ذلك للمرة العاشرة أو أكثر، بحثًا عن مكان آمن فعلياً غير موجود.

وبخلاف ما سبق أن أعلنته قوات الاحتلال عن توفير مناطق محددة وخيام لإيواء النازحين والنازحات الجدد، فإن حركة النزوح تتم بشكل فردي وجماعي وكل أسرة تبحث عن مكان يأويها دون توفر أي مقومات مناسبة؛ إذ لا يتوفر لمعظم السكان والنازحين الإمكانيات المالية للتنقل والمواصلات وإيجاد خيم للإيواء، فضلاً عن أن المناطق التي وجهوا إليها هي مناطق مكتظة بالنازحين، كما أن جزءًا من المنطقة التي يوجه إليها السكان والنازحون في خانيونس مدمرة بالفعل ولا يوجد فيها أي خدمات. وبالتزامن مع إصدار هذا البيان، تلقت مؤسساتنا معلومات أولية عن عدة غارات نفذتها طائرات الاحتلال شرق رفح، فيما يبدو لترهيب السكان ودفعهم للنزوح من منازلهم ومن مراكز الإيواء المقامة في المنطقة.

وترى مؤسساتنا أن إجبار مئات الآلاف من المدنيين والمدنيات على النزوح مجدداً له تداعيات كارثية تدلل على الإمعان الإسرائيلي في المضي قدماً في جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين/ات، وهو ما يخالف التدابير الاحترازية الصادرة عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني 2024 ضد إسرائيل. وجددت المحكمة في 16 فبراير/ شباط 2024، تأكيدها أن التطورات في قطاع غزة، وخاصة في رفح من شأنها أن تزيد بشكل كبير ما يعتبر بالفعل كابوساً إنسانياً له عواقب كبيرة، ويتطلب هذا الوضع الخطير تنفيذاً فورياً للتدابير المشار إليها وتحرك دولي عاجل لوقف الهجوم البري على رفح.

وتفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقاً على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومازالت ماضية في هجومها العسكري الذي تسبب في تدمير البنى التحتية، وخلق أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع شح إمدادات الغذاء والماء والدواء، ونزوح ما يزيد عن 90 % من سكان القطاع.  فقد صدرت خلال الأشهر السبعة الماضية أوامر بتهجير السكان من مساحة قدرها 246 كيلو متراً مربعاً، ما يعادل 67% من مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلو متراً مربعاً. وقد دفعت أوامر التهجير الإسرائيلي التي يتم إصدراها بشكل متكرر سكان القطاع إلى النزوح أكثر من مرة، حتى وصل نحو مليون ونصف منهم إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، بحيث تضاعف عدد سكان هذه المدينة إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن يضطر أكثر من 300 ألف منهم للنزوح العكسي مجدداً خلال الأسابيع الأخيرة باتجاه خانيونس ودير البلح مع تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بالهجوم على المدينة.

وفي هذا الإطار تشير مؤسساتنا إلى ما أعلنته وكالة الأونروا بأن الهجوم الإسرائيلي على رفح سيعني زيادة المعاناة والوفيات بين المدنيين، وأن العواقب ستكون مدمرة على 1.4 مليون شخص. وأشارت الأونروا إلى أنها لم تقرر الإخلاء، وستستمر الوكالة في البقاء في رفح لأطول فترة ممكنة وستواصل تقديم المساعدات المنقذة للحياة للناس.

وتحذر مؤسساتنا أنه مع تجاهل إسرائيل لجميع الدعوات التي تحذر من العواقب الخطيرة للهجوم البري على رفح، كذلك الاستجابة الإنسانية الضعيفة التي لا تتناسب مع واقع سكان قطاع غزة المتكدسين في رفح، ومع الإغلاق المحتمل للمعابر التي تدخل منها المساعدات الإنسانية (معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم) فإننا مقدمون على مذبحة جديدة وكارثة خطيرة وغير مسبوقة تطال ما تبقى من سكان القطاع في تجلِ واضح لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، وذلك بالنظر إلى الاستخدام المفرط للقوة بشتى أنواع الأسلحة من قوات الاحتلال، ما يعني احتمالية مضاعفة أعداد ضحايا العدوان الحربي بشكل يفوق التوقعات.

ويتوقع أن يؤدي أي تقدم بري محتمل لقوات الاحتلال الإسرائيلية باتجاه مناطق مدينة رفح، وهي مناطق شملتها أوامر الإخلاء، إلى انهيار منظومة المساعدات الإنسانية الهشة، والتي تمر عبر المعابر الحدودية الموجودة في الجنوب الشرقي لمدينة رفح، وهما معبر رفح البري مع جمهورية مصر، ومعبر كرم أبو سالم مع جانب الاحتلال الإسرائيلي والذي تغلقه قوات الاحتلال فعلياً لليوم الثاني على التوالي، ما يعني توقف حركة الشاحنات وإدخال المساعدات بشكل كلي، ما سيفاقم من الأوضاع الإنسانية بشكل خطير، ويعمق من المجاعة التي يواجهها السكان.

وقد سبق لمؤسساتنا أن حذرت من الأوضاع الكارثية للسكان النازحين والنازحات في جميع مناطق قطاع غزة، إذ يعانون الجوع وانعدام الأمن الغذائي، في وقت نفدت فيه معظم السلع الغذائية الأساسية من الأسواق كاللحوم والدواجن والبيض والخضار بمختلف أنواعها والسكر وغاز الطهي والوقود، وارتفعت أسعار السلع المتوفرة إلى عدة أضعاف، حيث توجد علاقة طردية بين ارتفاع الأسعار ومدى إغلاق المعابر أو سهولة مرور البضائع والمساعدات من خلالها، وهو ما يثقل كاهل النازحين والنازحات في الحصول على أدنى احتياجاتهم الأساسية.

وفي ضوء ذلك، تطالب مؤسساتنا المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لإلزام إسرائيل -الدولة القائمة بالاحتلال- على وقف هجومها البري على رفح، ووقف عدوانها المتواصل على قطاع غزة، والمجتمع الدولي أمام فرصة قد تكون أخيرة لإعادة الاعتبار للنظام العالمي ولسلطة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، وقرارات أهم محكمة في العالم التي تضرب بها قوات الاحتلال عرض الحائط بحماية وغطاء سياسي من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية.

نجدد دعوتنا لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية ومن ضمنها التهجير القسري للفلسطينيين والفلسطينيات، وفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإلزامها بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية بمنع ارتكاب إبادة جماعية، ودفعها إلى اتخاذ تدابير عملية تحفظ أرواح المدنيين/ات في قطاع غزة ووقف خططها كافة بالهجوم البري على مدينة رفح.

مواضيع أخرى