ه. غ، 31 عاما، سكان شمال غزة.
أسكن في غرفة من الصفيح في فناء، منزل والديّ المتوفيين، ولدى 5 إخوة، وأصرف على نفسي من معاش والدي.
في بداية العدوان على غزة 7/10/2023، بدأ القصف من طائرات الاحتلال الاسرائيلي في محيط منطقتنا، بما في ذلك قصف منازل، مما آثار الخوف والهلع لدي. ولاحقًا ألقت طائرات الاحتلال الاسرائيلي منشورات بإخلاء المنطقة، فخرجنا من المنزل أنا وأخي وزوجته في 18/10/2023 الساعة 1مساءً، وذهبنا إلى مدرسة الفاخورة ومكثنا فيها تقريباً لمنتصف شهر نوفمبر.
خلال هذه المدة (لا أذكُر التاريخ) قصفوا المدرسة علينا، كان قصفا مدفعياً من الدبابات، فانتقلنا إلى مدرسة حفص في معسكر جباليا عند بركة أبو راشد. وبتاريخ 1/12/2023 الساعة 7 مساءً، ألقى جيش الاحتلال قنابل دخان أبيض استشهدت إثرها نادرة الطويل 55عاماً حيث انقطع رأسها عن جسمها بعد إصابتها من قنابل الاحتلال (حسب ما ابلغتني ابنتها)، وحضرت سيارة الاسعاف بعد نصف ساعة وأخذتها. كانت قنابل الغاز تدخل بالصفوف وينبع من القنابل دخان كثيف، لم نر شيئا بسبب انتشار الدخان في المكان. كما أدى إلى حرائق بالخيم المتواجدة داخل المدرسة.
في حوالي الساعة 11:30 صباح 2/12/2023، ألقت طائرات الاحتلال الاسرائيلي منشورات بإخلاء المدرسة والتوجه إلى حي الدرج والتفاح، فتوجهت إلى مدرسة لا أعرف اسمها، وفي ساعات الليل كنت أسمع قصفا كثيفا (حزام ناري) في محيط المدرسة.
وفي حوالي الساعة 8 صباح اليوم التالي توجهنا مشياً على الأقدام إلى حاجز نتساريم عبر ما يسمى الممر الآمن. وعندما وصلنا، أمر جنود الاحتلال الاسرائيلي عبر مكبرات الصوت النازحين الجلوس على الأرض لانتظار بقية الناس. انتظرنا نصف ساعة وبعدها طلبوا منا أن نتحرك عبر الممر وأن نرفع الهوية وأن يكون مسافة بين الشخص والآخر. نادى جنود الاحتلال عليّ، وطلبوا منى الهوية، وما كنت أحمل من أغراض (شنطة ملابس ويوجد بداخلها أسورة حية وسنسال خفيف ًوخاتمين وحلق ذهب وجوال نوت 9 وجوال كشاف و2000 شيكل). طلب مني أحد الجنود أن ألقي أغراضي وكل شيء على الأرض وأن أدخل في الخيمة التي تقف عندها مجندة، وهي خيمة مسكرة ومفتوح منها جزء بسيط مثل باب. ألقيت ما في يدي ودخلت الخيمة.
كانت المجندة تكلمني باللغة العبرية، فكان جندي من الخلف في الخارج على جانب باب الخيمة يترجم لي وللمجندة التي كانت تبعد عني 2 متر تقريباً. وطلبت منى المجندة عبر مكبر الصوت وهي تقف أمام فتحة الخيمة أن أخلع ملابسي، بما فيها الملابس الداخلية، وأن أقوم بنفض الملابس وألقي بها على الأرض وأن أقوم بثني الجزمة ونفضها، وأن أنقض شعري وأنفضه. بعد أن خلعت ملابسي جميعها صرخت المجندة وأمرتني بارتداء ملابسي بسرعة وبدون حجاب، ثم قيدت يدي إلى الأمام بقيود بلاستيكية، وعصبت عينيّ بقطعة قماش وأجلستني على تلة رملية. وبعد دقائق اقتادتني إلى خيمة فيها كرسي ومحقق سألني عن إخوتي وعن عملهم، وادعى أن أخي في القسام. قلت له أني لا أعرف شيئاً، فبدأ يصرخ علي ويقول لي: كذابة.. أنتم كذابين، وضرب بيديه على الطاولة استمر التحقيق 5 دقائق، وقال المحقق: إذا أردت الخروج أجيبِ على كل سؤال وتعاملي معي، وبعدها قال خذوها من هنا. ألقوا بي على الأرض تحت الشمس حتى الساعة 6 مساء، وكنت أرى من تحت العصبة، حيث شاهدت نساء معتقلات، كان من ضمنهن مرضعة أطلقوا سراحها الساعة 2:30 مساء. كان الجنود والمجندات يشتمونا ويسبوننا بكلام قذر جداً. طلبت منهم مياه للشرب، وطلبت أن أدخل الحمام ولكنهم رفضوا وشتموني. كنت أجلس ورأسي بين ركبتي كما أمرتني المجندة. ومساء شعرت بالبرد فطلبت منها غطاء فأحضرت بطانية ووضعتها علىّ ثم سحبته إلى أسفل وكأنه لم يكن.
في حوالي الساعة 7مساءً اقتادوني إلى غرفة أرضيتها من الحصى مقيدة اليدين معصوبة العينين. وبعد ساعة اقتادوني إلى سيارة جيب وأخذونا إلى معتقل اسمه زيكيم. وهناك أمرتني المجندات بخلع ملابسي كلها وأعطوني بيجاما رمادية اللون، ارتديتها بدون ملابس داخلية وبدون حجاب. ثم قيدوا يدي وعصبوا عينيي وأدخلوني عند الطبيب الذي قام بفحصي وسألني إن كنت أعاني من أمراض. ثم اقتادوني إلى بركس، وأعطوني فرشة رقيقة جدا وصغيرة لا تكفي لجسمي وبطانية. نمت وأنا مقيدة اليدين ومعصوبة العينين، وبعد نصف ساعة أيقظتنا المجندات وكانوا كلما نمنا يقومون بإيقاظنا ويأمروننا بالجلوس على ركبنا، ويقوم الجنود والمجندات بشتمنا بألفاظ نابية ويوجهون السلاح علينا بالليزر ويقولون لنا أحدهم: من أطلق النار عليها أولا؟
في اليوم التالي الساعة 8 صباحاً، أخذوا البنات للتحقيق، وأنا جاء دوري للتحقيق الساعة 6 مساءً. كنت في كونتينر صغير كان يوجد شاشة كمبيوتر وكان جندي يكتب على الجهاز، ومجندة كانت تحقق معي. عرضت لي صورة منزلنا من الخارج ومنازل الجيران وسألت عن وجود كاميرات في المكان وسألتني عن الأنفاق. كانت إجابتي: لا أعرف. وسألتني هل ذهبت إلى مسيرات العودة، وأجبتها مرة واحدة، وسألتني هل شاهدت مسلحين قلت لا أعرف، وسألتني عن إخوتي ماذا يعملون، وسألتني على مدرسة الشيماء القريبة من منزلنا وهل يوجد فيها سلاح، وقلت لها لا يوجد فيها شيء، وهي مدرسة أطفال. قالت كذابة، وعرضت صور منازل الجيران المقصوفة وسألتني لماذا انقصفت قلت لها أنتم قصفتموها، بعدها عرضت عليّ التعامل معهم وقالت لي اذهبي وفكري جيداً، استمر التحقيق نصف ساعة.
في اليوم التالي في حوالي الساعة 8:00 صباحاً، اقتادوني إلى التحقيق وسألتني المجندة: هل فكرتي بأن تعملي معنا أحسن لكِ من غزة؟ وقالت لي: أنت شاطرة وفهمانة وبتشوفي حالك أفضل لك من غزة. قلت لها لا أريد العمل معكم وأريد العودة إلى غزة. بعدها سألتني على أزواج شقيقاتي، فقلت إنهم مزارعون، فصرخت عليّ وضربتني بالطاولة واتهمتني انني كذابة. وبدأت تخيفني أنها سوف تنقلني غداً إلى المخابرات وعندهم سأتعرض لتعذيب ليس مثل هنا. قالت لي أنا ألعب معك الآن، ليس مثل المخابرات. قلت لها انقليني أين ما تريدي أقوالي كما هي لا أعرف شيئا. هددتني بقصف المنزل قلت لها يوجد ناس أبرياء، فقالت سنقصف الجميع ونمسح غزة وسنقصف الأبرياء وغير الأبرياء. تركتني لمدة 3 ساعات بغرفة لوحدي مقيدة بقيود حديد، يدىّ ورجليّ بالكرسي الحديد وقطعة قماش على عينيّ. بعدها جاء محقق كبير يرتدي بدلة خضراء وكشف الغطاء عن عينيّ، كان معه ورقة سألني عدة أسئلة عن أحداث 7 أكتوبر والمشاركة فيها. بعدها جاءت مجندة لم تعجبها إجاباتي وألقت الورقة بوجهي وقالت لي أنتم كذابون، قالت لي غدا شاهدي ماذا سأفعل بكِ.
وبعدها نقلوني إلى بركس كله شبك مسقوف بالواح الصفيح (زينكو). كنا 5 نساء وبقينا في المعتقل 5 أيام. وكانت معتقلة من سكان جباليا، هي الشاويشة، جاءتني الدورة الشهرية وطلبت منها فوطاً، فأحضرت لي فوطة واحدة فقط، والباقي كنت استخدم ورق لفات موجودة في الحمام الذي كنا نذهب إليه ونحن مقيدات اليدين بقيود بلاستيكية، أقول لها لا اعرف فتقوم الشاويشة بمساعدتي. وكان الأكل لبنة وقطعتين من الخبز قليل جدا في وقت محدد، إذا لم تأكلي يلقونه في القمامة.
بعد الأيام الخمسة، جاءت عدد من المجندات وأمرننا الذهاب للحمام لأنهم سوف يأخذونا إلى مكان بعيد، وكنا مقيدين بقيود بلاستيكية. وعندما أخرجونا من البركس دفعتني المجندة إلى الباب الشبك وقيدت قدمي بقيود حديدية ووضعت عصبة قماش على عينيّ وقيدوا قدمي بقدمي معتقلة أخرى، وأصعدونا إلى الباص الذي سار بنا لمدة 5ساعات. رفعت رأسي وأنا في الباص، فهجم الجندي عليّ وضربني برأسي وكاد أن يقتلني، فمنعه جندي آخر.
أخذونا إلى سجن الدامون في حيفا، بدأوا يسحبوا فينا ونحن لم نستطع السير ولا النزول من الباص لأنه على عيوننا عصبة قماش ووقعنا على بعضنا البعض. رجلي كانت مقيدة برجل معتقلة أخرى، ثم جاء جندي وفك العصبة عن عيوننا وأنزلنا من الباص، وحجزوني في غرفة صغيرة.
بعدها أخذونا معتقلة معتقلة على محقق كبير يرتدي بنطلون بيج وبلوزة رمادي وكان جندي موجود على كمبيوتر. بدأ الضابط بالتحقيق معي حول انتخابنا السنوار، وسألني عن أخوتي وسألني إذا اشتغلت في التنظيمات. وسألني هل نشرت على حسابي الفيس عن 7 أكتوبر. استغرق التحقيق 5 دقائق، وبعدها أخذتني مجندتان إلى غرفة صغيرة مثل ممر وأمرتني إحداهما بخلع كل ملابسي وبدأت بالتخبيط على جسمي كله، وكانوا يضحكون ويتكلمون باللغة العبرية وأنا عارية. وبعدها قالوا لي ارتدي ملابسك. أخذوني إلى غرفة طبيب للفحص وبعدها أخذوني إلى غرفة يوجد فيها 12 معتقلة من غزة. وأعطوني فرشة رقيقة جداً، وبطانية، وأدخلوني في غرفة يوجد في الغرفة 5 أسرة، والباقي على الأرض. الحمام بداخل الغرفة بدون ماء، موجود ورقة محارم فقط، كان يوجد صنبور مياه للشرب غير صالحة للشرب. كان الأكل قليل جدا وغير صحي: الفطور قطعة خبز ولبنة، الغذاء أرز قديم جدا أو عدس، والعشاء بيضة محروقة وقطعة خبز. أثناء النوم كانوا يأتون للعدد، كانت حلقة بلاستيكية في يدي مكتوب رقم اعتقالي لا أذكره وكنا نقوم بالعدد (سفرا) 4 مرات في اليوم. كنا نتعرض للتفتيش يوماً بعد يوم حيث يخرجوننا بالبرد القارس ويقومون بتفتيشنا. كان فورة ربع ساعة في الساحة والساحة كلها شبك. وفي وقت الفورة كانت من تريد الاستحمام تستحم، وفي ساحة الفورة كل خطوة يوجد كاميرات.
قبل الإفراج بأربعة أيام اقتادوني إلى التحقيق وأنا مقيدة بقيود حديدية، وحقق معي لمدة نص ساعة وبعدها قاموا بأخذ بصمات يدىّ وكل أصبع من أصابع يدىّ ورجلىّ وأدخلوا عود خشب عريض في سقف الحلق (أعتقد أنهم اخذوا من لعابي). سألت السجينات من أهل الضفة عن ما حدث، قالوا لي أنه إفراج. حجرونا في حوالي الساعة 1:00 مساء الخميس 18/1/2024 أدخلونا واحدة، واحدة إلى غرفة صغيرة وأمرتني المجندة بخلع جميع ملابسي، وفتشتني، بعدها أمرتني بارتداء الملابس واقتادوني إلى غرفة أخرى وبصّموني مرة أخرى. ثم قيدوا يدي وقدمي وأصعدوني في ميكرو باص عبارة عن صندوق حديد شبك لا أرى أي شي يوجد فقط به فتحات للنفس بقدر أصبع، وسار بنا حوالي 4 ساعات، وكان يدخل علي هواء بارد جدا أثناء السير. بعدها أنزلونا في معتقل ونمت على فرشة رقيقة جدا وحرام خفيف جدا. كنا نرتجف من البرد الشديد، وكانت المسنة فهيمة الخالدي وهي إحدى المعتقلات تصرخ من شدة البرد، جاء الجنود وأمروها أن تسكت.
في حوالي الساعة 5:00 صباح الجمعة 19/1/2024، جاء جنود ومجندات وأيقظونا، وقالو لنا جهزن أنفسكن. وبعد حوالي نصف ساعة قيدوا أيدنا للأمام وعصبوا عيني واقتادونا إلى باص كبير ويوجد فيه شباب معتقلين وبنات معتقلات. سار بنا الباص أكثر من 3 ساعات وعندما توقف الباص عند معبر كرم ابو سالم كما عرفت من الشبان المعتقلين، أنزلونا، وفكوا العصبة والقيود وأعطوني هويتي فقط، ثم أمرونا بالسير. بدأنا بالركض مسافة حوالي 200 متر ودخلنا في طريق خطأ فاطلق جنود الاحتلال النار في الهواء فعدنا وسرنا مسافة 100 متر في طريق آخر، حيث وجدنا سيارتين لوكالة الغوث، الذين أخذونا إلى خيمة على بعد 200 غربا يوجد به موظفين من الصليب الاحمر وقدموا لنا الطعام والشراب وأعطاني الصليب 300 شيكل، وأحضرونا إلى مركز الإيواء في مدرسة ذكور الطائف الاعدادية في الحي السعودي برفح، حيث أمكث الآن أنا و5 نساء منهن معتقلات في بيت الدرج ولا يوجد إنارة والأكل معلبات وجبة واحدة فقط، جمعنا من بعضنا البعض أعطونا اهل الخير واشترينا كيس طحين، لا يوجد حمام أذهب إلى حمام الرجال، الوضع سيء جدا. أتمنى أن تنتهي الحرب بأسرع وقت، وأعود للعيش بسلام وأمان في غرفتي الزينكو في حوش منزل أهلي.
نسخة تجريبية