
أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان اليوم، تقريراً جديداً بعنوان “غياب العدالة وتعليق الحقوق: واقع النساء في ظل انهيار النظام القضائي الشرعي خلال حرب الإبادة الجماعية”، يرصد من خلاله الانهيار شبه الكامل للنظام القضائي الشرعي في قطاع غزة نتيجة حرب الإبادة الجماعية، وما يترتب على ذلك من آثار خطيرة تمسّ حقوق النساء، خصوصاً في قضايا الأحوال الشخصية مثل التفريق والنفقة والحضانة.
ويؤكد التقرير أن الانتهاكات الإسرائيلية لم تقتصر على الاستهداف العسكري المباشر، بل تمتد إلى تفكيك البنية المؤسسية للمجتمع الفلسطيني، بما في ذلك تعطيل المنظومة العدلية وخلق فراغ قانوني يهدد إمكانية حماية الحقوق وتسوية النزاعات بطرق قانونية ومنظمة.
ويستند التقرير إلى سلسلة مقابلات مع خمسة قضاة شرعيين يمثلون مختلف درجات التقاضي في قطاع غزة، بهدف تقديم صورة شاملة عن تعطل النظام القضائي الشرعي خلال حرب الإبادة الجماعية، والأثر المباشر للعنف الإسرائيلي المستمر والتدمير المنهجي للبنية القضائية، وكيف يقوّض هذا قدرة القضاة على حماية الحقوق القانونية للمواطنين، مع توضيح واقع عمل المحاكم الشرعية خلال الحرب.
ويُظهر التقرير، استناداً إلى إفادات النساء المتضررات من تعطل عمل المحاكم الشرعية التي جمعها طاقم المركز، أن توقف القضاء الشرعي وتعليق استقبال القضايا الجديدة بفعل الهجوم الإسرائيلي يخلّف آثاراً مدمّرة على واقع المرأة في قطاع غزة، في ظل غياب أي بدائل مؤسسية قادرة على معالجة قضايا الأحوال الشخصية. فقد أصبحت النساء عاجزات عن متابعة دعاوى تتعلق بالتفريق أو النفقة أو الحضانة، ما يجعلهن في وضع قانوني معلّق وغير مستقر. ويؤدي هذا الواقع إلى تفاقم معاناتهن النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويجعلهن أكثر عرضة للتهميش والاستغلال، بل ويدفع كثيرات منهن إلى التنازل القسري عن حقوقهن نتيجة انسداد سبل الإنصاف القانوني وانهيار منظومة الحماية الرسمية.
وتكشف إفادات النساء الواردة في التقرير أنهن دفعن الثمن الأكبر لتعطل عمل القضاء، حيث فقدن حقوقهن الشرعية والاقتصادية والاجتماعية، وتعرضن لظلم قانوني ونفسي متواصل في ظل غياب الحماية والدعم المؤسسي.
كما يشير التقرير إلى أن تدمير المحاكم الشرعية وأرشيفاتها أدّى إلى فقدان آلاف الملفات القانونية، ما خلق فجوة عدلية عميقة تمسّ جوهر العدالة في غزة. وتجد العديد من النساء أنفسهن اليوم في حالة قانونية ضبابية، غير قادرات على استكمال إجراءات قضاياهن أو إثبات حقوقهن بعد استئناف عمل المحاكم.
ويشدّد التقرير في ختامه أنه لا يمكن فصل استهداف المحاكم الشرعية ومنع الوصول إلى العدالة عن السياق الأوسع للهجوم الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023، إذ تكشف الوقائع عن سياسة ممنهجة تهدف إلى تفكيك البنية المؤسسية والقانونية الفلسطينية، وتجريد المجتمع من أدواته السيادية والتنظيمية. ويُظهر استهداف القضاء الشرعي بوصفه فعلًا مقصودًا يستهدف البنية العدلية، ويقوّض العدالة الاجتماعية ويترك النساء والفئات الهشّة دون حماية قانونية. ويحمّل التقرير إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، المسؤولية القانونية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وملحقها الأول، لواجبها في حماية المدنيين وضمان استمرارية النظام القضائي والمؤسسات المدنية.