أغسطس 31, 2025
مؤسسة هند رجب، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يقدمان شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن مجزرة مستشفى ناصر لكشف سلسلة القيادة المسؤولة عن مقتل 22 مدنياً
مشاركة
مؤسسة هند رجب، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يقدمان شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن مجزرة مستشفى ناصر لكشف سلسلة القيادة المسؤولة عن مقتل 22 مدنياً

اليوم، قدّمت مؤسسة هند رجب بالشراكة مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان شكوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن المجزرة التي ارتُكبت في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس بتاريخ 25 أغسطس 2025. وقد أسفر الهجوم عن مقتل 22 مدنياً، من بينهم خمسة صحفيين، وثلاثة من أفراد الطواقم الطبية العاملة في المستشفى، وطبيب واحد، وعنصر من الدفاع المدني، بالإضافة إلى طفل يبلغ من العمر 14 عاماً يُدعى ريان عمر محمود أبو عمر. كما أُصيب أكثر من خمسين شخصاً آخرين في هجوم يُمكن وصفه بأنه عملية استهداف مزدوجة متعمّدة، نُفذت مع علمٍ مسبق بوجود مدنيين في المكان.

لواء غولاني في قلب العملية

كان لواء غولاني، بقيادة العقيد بار جانون، الرأس المدبر لهذه الجريمة، حيث أظهرت الأدلة أن قواته خططت للهجوم منذ البداية. فقد نفذت كتيبة الاستطلاع (631) التابعة للواء، بقيادة المقدم بار فياكرت، عمليات مراقبة جوية متواصلة بواسطة طائرات مسيّرة فوق مستشفى ناصر، ويُحتمل أنها نفذت الضربة الأولى بنفسها باستخدام ذخيرة أُطلقت من طائرة بدون طيار. تُظهر اللقطات وشهادات الشهود أن عناصر اللواء كانوا يراقبون الهدف بشكل مستمر، حيث تابعوا مدخل الدرج الذي كان مصوّر وكالة رويترز حسام المصري يضع فيه كاميرته للبث المباشر يومياً. كانوا يعلمون تماماً من كان في المكان — صحفيون يرتدون سترات الصحافة المميزة، وعناصر الدفاع المدني بزيّهم الرسمي، وأطباء، ومرضى، وحتى طفل. أدت الضربة الأولى إلى مقتل حسام المصري وقطع بثه المباشر. وبعد تسع دقائق، ومع تجمع فرق الإنقاذ والصحفيين لإسعاف الجرحى، طلبت وحدة غولاني تنفيذ ضربة ثانية ونسّقتها. ويُظهر توقيت الضربة وطريقتها أن ما حدث لم يكن حادثاً عرضياً، بل قراراً مدروساً يهدف إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا المدنيين.

التنفيذ التكتيكي من قبل اللواء المدرع 188

نفذ اللواء المدرع 188، بقيادة العقيد ميكي شارفِت، الضربة الثانية. تؤكد التحليلات الجنائية للركام واللقطات المصوّرة أن صاروخين على الأقل موجهين بالليزر من نوع “لاهات” أُطلقا تقريباً في وقت متزامن من دبابات ميركافا، مستهدفين بدقة نفس مدخل الدرج خلال ثانية واحدة. وقد تحققت هذه الدقة بفضل الطائرات المسيّرة التابعة للواء غولاني، التي وفّرت التحديد الليزري الذي وجّه الصواريخ مباشرة نحو مدخل الدرج المزدحم بالمدنيين. وبذلك نفذ اللواء المدرع 188 الضربة التكتيكية للمجزرة، وهو على علم كامل—بفضل المراقبة بالطائرات المسيّرة—بمن ستكون ضحاياه.

الإشراف من قبل الفرقة المدرعة 36

كانت الفرقة المدرعة 36، المعروفة باسم تشكيل “غعاش” وتحت قيادة اللواء موران عمر، تقف فوق الألوية السابقة الذكر، حيث كانت تشرف عليها من الناحية العملياتية في خان يونس، بما في ذلك لواء غولاني واللواء المدرع 188. قام اللواء موران عمر شخصياً بجولة في المنطقة في الأيام التي سبقت الهجوم، حيث التقى بقادته التابعين له وأشرف على نشر قواتهم. وكانت فرقته تمتلك السيطرة النهائية على مهمات القصف ضمن هذا القطاع، ولم يكن من الممكن تنفيذ الضربات الدقيقة على درج المستشفى دون موافقته.

الموافقة العملياتية بتفويض قطاعي صادر من القيادة الجنوبية

تقع المسؤولية التالية على عاتق القيادة الجنوبية، بقيادة اللواء يانيف أسور. كانت جميع العمليات في غزة تحت سلطته، بما في ذلك الموافقة على الهجمات على مواقع حساسة للغاية مثل المستشفيات. تشير التقارير إلى أن الموافقة على الضربة الأولى ضد مستشفى ناصر كانت محددة لتنفيذها عبر طائرة مسيّرة نظراً لحساسية المكان. أما الضربة الثانية، التي تم تنفيذها باستخدام صواريخ موجهة بعد دقائق فقط، فكانت تتطلب موافقته كذلك. وقد مكّن تفويضه هذا من التصعيد الذي حوّل ضربة قاتلة واحدة إلى مجزرة.

الإشراف الاستراتيجي من قبل رئيس الأركان

تولى القيادة العامة اللواء إيال زامير، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي. وقد زار زامير مدينة خان يونس قبل أيام قليلة من المجزرة، برفقة اللواء يانيف أسور والعميد موران عمر، حيث التقى مباشرة بقادة لواء غولاني واللواء المدرع 188. وبصفته رئيس الأركان، كان زامير مسؤولاً عن قواعد الاشتباك وسمح باستخدام تكتيك الضربتين المتتابعتين: ضربة أولى، تليها ضربة ثانية بمجرد وصول الصحفيين والأطباء وفرق الإنقاذ لإسعاف الجرحى. ومن خلال اعتماد هذه الأساليب، عمل زامير عمليًا على مأسسة استراتيجية تهدف إلى تعظيم الرعب والتسبب بأكبر عدد ممكن من القتلى بين المدنيين.

المسؤولية السياسية لرئيس الوزراء

يتصدر الهرم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وفّر الإطار السياسي والفكري الذي مكّن من حدوث هذه المجزرة. من خلال تكرار وصف الصحفيين بأنهم “منتسبون لحركة حماس” والمستشفيات بأنها “بنية تحتية إرهابية”، دون أي دليل، أعطى نتنياهو شرعية للهجمات على المدنيين وخلق بيئة جعلت استهداف المستشفيات والصحفيين جزءاً من السياسة الرسمية للدولة. ويجعل دوره القيادي منه ليس مجرد مسهّل لهذه الأعمال، بل مهندساً لسياسة الإبادة والمحو عن الوجود نفسها.

تحليل للسلاح المستخدم: الدقة والنية

يؤكد تحليل الأسلحة الذي أجراه فريق الطب الشرعي التابع لمؤسسة هند رجب الطبيعة المتعمدة للهجوم. فقد نُفذت الضربة الأولى باستخدام ذخيرة أُطلقت من طائرة مسيّرة، وهو ما يتوافق مع شهادات الشهود والأضرار المحدودة التي أودت بحياة حسام المصري دون أن تؤدي إلى انهيار مبنى المستشفى. أما الضربة الثانية فشملت إطلاق صاروخين موجهين على الأقل من طراز “لاهات” من دبابات ميركافا، مستهدفين مدخل الدرج الذي حدّدته الطائرات المسيّرة التابعة للواء غولاني. وأظهر الركام الذي جُمِع من الموقع وجود أغطية معدنية من سبيكة معيارية تتوافق مع أنظمة الصواريخ الموجهة لا مع القذائف التقليدية. يؤكد وجود الطائرات المسيّرة فوق المستشفى طوال الهجوم أن المنفذين كانوا على علم تام بمن كان على الأرض. ويثبت اختيار استهداف نفس الموقع مرتين، بهذه الدقة، أن العملية كانت قتلًا متعمدًا وليست ضررًا عرضيًا.

جرائم حرب وإبادة جماعية

إن المجزرة التي ارتكبت في مستشفى ناصر ليست حادثة منعزلة، بل هي جزء من نمط أوسع نطاقاً. منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل أكثر من 270 صحفياً في غزة، مما يجعل هذا الصراع الأكثر دموية بالنسبة للعاملين في مجال الإعلام في التاريخ الحديث. وفي الوقت نفسه، تضررت أو دُمرت 94% من مستشفيات قطاع غزة. إن الاستهداف الممنهج لكل من القطاع الصحي والإعلامي يكشف عن استراتيجية مزدوجة: حرمان الفلسطينيين من وسائل البقاء ومحو أدلة معاناتهم. وهذه الأفعال تتسق مع سياسة إبادة جماعية. وبناءً على ذلك، تخلص مؤسسة هند رجب والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الى أن مجزرة مستشفى ناصر تشكل جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي، بما في ذلك القتل العمد، والهجمات المتعمدة على مستشفى، والأضرار غير المتناسبة. كما أنها تشكل إبادة جماعية، لأنها تنطوي على القتل المتعمد لأفراد مجموعة محمية وإلحاق ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدمير تلك المجموعة كلياً أو جزئياً.

دعوة لتحقيق العدالة

مع تقديم الشكوى اليوم إلى المحكمة الجنائية الدولية، تطالب مؤسسة هند رجب والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بفتح إجراءات قضائية وإصدار مذكرات توقيف ضد المسؤولين عن المجزرة—من عناصر لواء غولاني الذين حددوا الهدف، إلى قادة الدبابات الذين أطلقوا الصواريخ، وصولاً إلى الجنرالات الذين أقروا الهجوم، وأخيرًا رئيس الوزراء نتنياهو الذي وفر الغطاء السياسي. لم تكن هذه المجزرة نتيجة فوضى أو ارتباك، بل كانت نتيجة لخطة محكمة التنفيذ تحت إشراف تسلسل قيادي واضح. فقد قُتل الصحفيون والأطباء وفرق الإنقاذ وحتى طفل عن عمد، تحت أنظار الطائرات الإسرائيلية المسيّرة. لم يكن هذا مجرد جريمة حرب فحسب، بل كان فعل إبادة جماعية.

لا يمكن للعالم أن يسمح باستمرار سياسة الإفلات من العقاب.

إنصاف ضحايا مستشفى ناصر يتطلب محاسبة المسؤولين على أعلى مستوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *