أكتوبر 27, 2025
النساء في غزة في مواجهة الموت البطيء: أكتوبر الوردي يمر دون علاج أو فحوصات مبكرة
مشاركة
النساء في غزة في مواجهة الموت البطيء: أكتوبر الوردي يمر دون علاج أو فحوصات مبكرة

تعيش نساء قطاع غزة واحدة من أعنف المآسي الإنسانية المعاصرة، حيث لم ينجُ أي جانب من حياتهن من الدمار؛ تُقتل النساء بلا تمييز، يُفقدن أبنائهن ومعيليهن، ويُجبرن على النزوح المتكرر بلا مأوى آمن، وغذاء، أو ماء، أو كهرباء. في ظل هذا الواقع القاسي، يعانين من الأمراض والإصابات دون الوصول إلى العلاج أو الدواء، ويصطدمن بعجز تام عن تلبية أبسط احتياجاتهن الطبية. ومع حلول شهر أكتوبر الوردي للتوعية بسرطان الثدي والكشف المبكر، تُحرم نساء غزة من هذه الفرصة الحيوية بعد أن دمّر الاحتلال الإسرائيلي المنظومة الصحية بأكملها.

يُقدَّر عدد مرضى السرطان في قطاع غزة بأكثر من 12,500 مريض، وتشير الإحصاءات إلى أن النساء يشكّلن نحو 52% من إجمالي المصابين، ويحتل سرطان الثدي المرتبة الأولى من حيث معدل الحدوث بين السيدات، إذ يمثل نحو 18.6% من إجمالي الحالات المسجّلة.1 ووفقاً للبيانات الحديثة، سُجّلت نحو 260 إصابة جديدة بسرطان الثدي خلال عام 2025 في محافظات غزة والجنوب، بمتوسط عمر يقارب 52 عاماً للمريضات.2

وخلال عامي الإبادة، توقفت خدمات الوقاية والكشف المبكر عن سرطان الثدي بشكل شبه كامل، نتيجة تدمير الاحتلال الإسرائيلي مراكز الرعاية الأولية وتعطّل أجهزة التصوير الطبي، بما في ذلك أجهزة الماموغراف المستخدمة في التشخيص. وفي الوقت الراهن، لا يتوفر في القطاع سوى جهاز واحد فقط لتشخيص سرطان الثدي في المستشفى الأهلي (المعمداني)، وهو ما يجعل عملية الكشف المبكر شبه مستحيلة أمام العدد الكبير من النساء اللواتي يحتجن إلى الفحص. أما ما تبقّى من جهود، فيقتصر على حملات توعوية محدودة تنفذها وزارة الصحة بالتعاون مع بعض المنظمات المحلية، إلى جانب خدمات سريرية بسيطة تقدّمها عيادات قليلة الانتشار، لكنها عاجزة عن تلبية حجم الاحتياج الهائل، خاصة في ظل تعطّل البرامج الوطنية للكشف المبكر والوقاية التي كانت تشكّل الركيزة الأساسية لمكافحة المرض قبل الحرب.3

ونتيجة لذلك، تُكتشف غالبية الحالات في مراحل متقدمة، مما يقلّل بشكل كبير من فرص النجاة واستجابة العلاج الفعّال. وحتى إذا تمكنت المريضة من الوصول إلى مركز التشخيص، فإنها غالباً لن تجد علاجاً مناسباً أو منتظماً، بسبب محدودية توفر العلاج الكيماوي وتعطّل الدورات العلاجية المتتابعة، فضلاً عن غياب خدمات العلاج الإشعاعي داخل القطاع.4

 وقد تفاقمت هذه الكارثة الصحية بعد خروج مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، المستشفى الوحيد المتخصص بعلاج السرطان في القطاع، عن الخدمة، عقب تدمير جيش الاحتلال له كلياً. أدى هذا التدمير إلى توقف خدمات العلاج الكيماوي والجراحي بشكل كامل، واضطرار مئات المريضات إلى تأجيل علاجهن أو الانقطاع عنه تماماً. 5 وقد تسبّب تأخر التشخيص والعلاج في انتشار المرض داخل أجساد عدد كبير من المريضات، لتجد مريضات سرطان الثدي أنفسهن أمام أزمة صحية وإنسانية مركّبة تمتد من غياب الخدمات الطبية الأساسية إلى تفاقم المعاناة النفسية والاجتماعية.6

“في 30 أبريل 2024، شعرت بكتلة في صدري، وأخبرني الأطباء بضرورة أخذ عينة، لكنها لم تتوفر إلا بعد عشرة أيام، فأُخذت العينة في 17 مايو، وسط قصف مستمر وظروف صعبة. من سبتمبر 2024 إلى إبريل 2025 تلقيت العلاج الكيميائي في المستشفى الأوروبي، وسط خوف دائم، نزوح متكرر، حر شديد، وانعدام الظروف الإنسانية في خيمتي، ما جعل جسدي منهكاً ونفسيتي هشة. كانت معركتي الحقيقية تبدأ بعد مغادرة المستشفى؛ فأستلقي على الأرض الرملية بلا سرير أو ماء أو كهرباء.  ومع حالة المجاعة في غزة، تدهورت صحتي بشكل كبير، أشعر بجوع شديد وأحتاج ماءً بارداً وطعاماً صحياً كاللحوم والألبان والعصائر والفواكه، لكن كل ذلك غير متوفر، مما يزيد من معاناتي الصحية والجسدية رغم حاجتي الماسة إليه لمقاومة المرض. وبعد العلاج الهرموني، احتجت إلى العلاج بالإشعاع غير المتوفر في غزة، فقمت بعمل تحويلة للخارج لاستكمال العلاج، وأنا الآن في انتظار اسمي في الكشف الطبي للتحويلات في وزارة الصحة. وكل يوم يزيد خوفي من انتشار المرض في جسدي.”7

هـ. ع.، 46 عاماً، أم

تواجه مريضات سرطان الثدي في غزة أزمة مزدوجة ومعقدة، تتداخل فيها العوامل الجسدية والنفسية والاجتماعية، نتيجة التعرض المباشر أو غير المباشر للمتفجرات وغاز الفوسفور، والقلق المستمر، والنزوح المتكرر، والدمار الشامل للبنية التحتية. أدى ذلك إلى تدهور جودة حياتهن النفسية والبدنية والوظيفية بشكل كبير، وجعل من مواجهة المرض تحدياً مستمراً وسط بيئة مليئة بالحرمان والمعاناة.  كما أن فقدان الأمن الغذائي وسوء التغذية يقللان من فعالية العلاج، ويزيدان من المضاعفات والتدهور الصحي، ما يجعل تجربة المرض أكثر قسوة وصعوبة.  وبالنسبة لإمكانية السفر لتلقي العلاج خارج القطاع، فإن حالات قليلة فقط تمكنت من السفر، بينما غالبية المريضات لم تتمكن من ذلك بسبب إغلاق المعابر، مع وجود نحو 3,000 مريضة بحاجة ماسة للتحويل لتلقي العلاج خارج القطاع.8

يُعرّض حرمان النساء في غزة من الفحص المبكر لسرطان الثدي وتأخير اكتشاف المرض حياتهن لـخطر الموت البطيء. كما أن حرمان الاحتلال الإسرائيلي مريضات السرطان من الوصول إلى العلاج، سواء داخل غزة أو خارجها، أدى إلى وفاة العديد منهن، وأخضع البقية لظروف معيشية قاسية تقود إلى تدميرهن المادي وإلحاق أذى جسدي ونفسي بليغ، وهو ما يعتبر ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية.

وفي هذا السياق، يطالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بما يلي:

  • ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جريمة الإبادة الجماعية، مع ضمان تنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، لتعزيز إنهاء سياسة الإفلات من العقاب.
  • ضمان توافر العلاج الكيميائي، الهرموني والإشعاعي داخل القطاع، أو تسهيل التحويلات الطبية للخارج، بما في ذلك إلى الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مع متابعة دورية لضمان انتظام العلاج وعدم انقطاعه.
  • إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية المتضررة، خاصة المستشفيات المتخصصة في علاج السرطان، لضمان استمرار تقديم الخدمات العلاجية الأساسية والحرجة.

  1. مقابلة أجراها طاقم المركز مع د. إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، بتاريخ 23 أكتوبر 2025. ↩︎
  2. مقابلة أجراها طاقم المركز مع الدكتور محمد إبراهيم أبو ندى، المدير الطبي لمركز غزة للسرطان بمجمع ناصر الطبي بتاريخ 22أكتوبر 2025. ↩︎
  3. المرجع السابق. ↩︎
  4. المرجع السابق. ↩︎
  5. مقابلة د. إسماعيل الثوابتة. ↩︎
  6. مقابلة الدكتور محمد أبو ندى. ↩︎
  7. تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 21/7/2025، مدرسة بلقيس الثانوية للبنات تل الهوى. ↩︎
  8. المرجع السابق. ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *