تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومها العسكري واسع النطاق على قطاع غزة، الذي يقترب من إتمام عامه الثاني، عبر جرائم القتل الجماعي والتدمير الممنهج وتكريس سياسة التجويع وتشديد الحصار وعزل المدن عن بعضها، في إمعان على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
خلال الأيام الماضية، ارتكبت قوات الاحتلال سلسلة من الجرائم المروعة في مختلف أرجاء قطاع غزة، بما في ذلك منطقة المواصي غربي خان يونس، التي سبق أن أعلنتها “منطقة إنسانية”، وأسفرت عن عشرات الضحايا من المدنيين بين قتلى وجرحى، بينهم نساء وأطفال.
وضمن ما وثقه باحثونا في الأيام الماضية، هاجمت طائرة إسرائيلية مسيّرة، عند حوالي الساعة 11:50 من يوم الخميس الموافق 2/10/2025، تكية طعام في المواصي غربي بلدة القرارة شمال غربي خان يونس، حيث كان يعمل نازحون متطوعون في إعداد وجبات غذائية للنازحين. أسفر الهجوم عن مقتل 11 مواطنًا، بينهم مسن وأربعة من أبنائه وأحد أحفاده، إضافة إلى شبان عاملين في التكية. كما أصيب سبعة آخرون، ثلاثة منهم بجراح خطيرة.
والقتلى هم: جمعة إسحق سالم شراب، 69 عاما، وأبناؤه: محمد، 37 عاما، ومحمود، 35 عاما، وأسامة 32 عاما، أحمد، 28 عاما، وحفيده جمعة سالم شراب، 10 سنوات، وإبراهيم عادل أحمد الخطيب، 18 عاما، وأحمد دياب مصطفي العقاد، 30 عاما، وزكريا يوسف زكريا شبير، 23 عاما، وعز الدين نبيل بدير، 21 عاما، وعبد الرحمن بهاء سلام شراب 18 عاما، الذي توفي لاحقا متأثرً بإصابته.
وتفيد شهادات الشهود أن التكية تعمل منذ مطلع عام 2024 بشكل متنقل لخدمة النازحين، وتوزع نحو 25 قدرًا من الطعام يوميًا. دمّر الهجوم المكان وحوّل مهمة إنسانية بحتة إلى مشهد دموي ترك أثرًا مروعًا في محيط مكتظ بالنازحين، الذين يعتمد كثير منهم على التكية كمصدر وحيد للطعام.
وأفاد صاحب الأرض المقامة عليها التكية، أحمد حسني محمد شراب، لطاقم المركز:
“سمعت صوت انفجار في تكية سراج الخير داخل أرضي، التي تبعد حوالي 100 متر جنوبًا من موقعي. نظرت ناحية الصوت فرأيت دخانًا يتصاعد من مكان التكية فأسرعت إليها. عند وصولي شاهدت خالي جمعة شراب (69 عامًا) وأبناءه وأحد أحفاده وثلاثة من العاملين في التكية، ملقَين على الأرض وغارقين في دمائهم، بعضهم على ظهره وبعضهم على بطنه. كما رأيت اثنين من أبناء خالي، أسامة ومحمد، وقد بُترت أقدامهما. في هذه الأثناء، جاء شبان من النازحين في المخيم، وبدأنا بتحميل الجثث في السيارات وعلى عربة يجرها حيوان، ونقلناهم إلى المستشفى الميداني. وبسؤاله حول السلاح المستخدم أجاب أنه ربما تكون طائرة مسيّرة انفجرت في المكان”.
كما واصلت قوات الاحتلال هجماتها الجوية في مختلفة أرجاء قطاع غزة، وكان ضمن ما وثقه باحثونا:
هاجمت طائرات الاحتلال عند حوالي 00:10 من يوم الأربعاء الموافق 1/10/2025، مربعًا سكنيًّا في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ما أدى إلى مقتل 7 مواطنين (يحتفظ المركز بأسمائهم).
وهاجمت قوات الاحتلال عند حوالي الساعة 4:30 من يوم الثلاثاء الموافق 30/9/2025، بطائرة مسيّرة انتحارية منزلًا يعود لعائلة الباز، خلف مقر الهلال الأحمر الفلسطيني بمدينة دير البلح بالمحافظة الوسطى. أسفر ذلك عن مقتل مواطنة وأبنائها الستة، بينهم 3 فتيات وطفلة، جميعهم نازحون من جباليا شمال غزة، ومستأجرين داخل المنزل. كما أصيب مواطن من السكان بجراح خطيرة. والقتلى هم: سميرة مسعود عمر أبو لحية، 55 عامًا، وأبنائها: دعاء، 31 عاما، ومرام، 29 عاما، وسجود، 25 عاما، ومحمد، 23 عاما، وأحمد، 20 عاما، وحلا، 17 عاما، أبناء مهدي موسى أبو لحية.
وتواصل قوات الاحتلال سياسة قتل المدنيين الفلسطينيين قرب مراكز توزيع المساعدات، فعند ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء الموافق 30/9/2025، توافد عشرات المواطنين إلى مركز المساعدات الأمريكية الكائن في محور نتساريم جنوب وادي غزة، وأثناء تجمعهم في المكان، وفي حوالي الساعة 08:00 صباحًا، فتحت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة بشكل مباشر وكثيف تجاه المدنيين. أسفر ذلك عن مقتل 14 مواطنًا، بينهم 7 أطفال، (يحتفظ المركز بأسماء القتلى) وإصابة 40 آخرين بجراح متفاوتة.
تعكس هذه الجرائم بوضوح أن المناطق التي تصفها قوات الاحتلال بـ”الإنسانية” ليست سوى ساحات قتل مفتوحة، وأن مسارات النزوح التي يفرضها تتحول إلى مصائد مميتة، حيث يجد المدنيون الذين يحاولون الفرار من القصف وتفجيرات المجنزرات المفخخة يجدون أنفسهم ضحايا قصف مباشر، فيما تستهدف المرافق المدنية التي تلبي احتياجات أساسية للنازحين، مثل المطابخ الجماعية والمستشفيات.
وفي تطور جديد، أعلنت قوات الاحتلال في 1 أكتوبر 2025، إغلاق شارع الرشيد الساحلي، أمام حركة التنقل من منطقة جنوب القطاع باتجاه مدينة غزة، بدءًا من الساعة 12:00، وأنه سيسمح لمن لم يتمكن من إخلاء مدينة غزة بالانتقال إلى الجنوب دون تفتيش.1 لاحقًا في حوالي الساعة 14:50 من اليوم ذاته، استهدفت طائرة مسيّرة سيارة تقل نازحين قرب مطعم البحّار على شارع الرشيد جنوب غرب مدينة غزة، ما أدى إلى مقتل أم وطفليها، وإصابة خمسة آخرين. والقتلى هم: كريمة إبراهيم أحمد المطوق/ عسلية، 35 عامًا، وطفليها: يوسف ورزان جهاد يوسف عسلية (10 أعوام و5 أشهر. وفي اليوم التالي، وصلت قوات الاحتلال إلى محيط ما يعرف بمحور نتساريم على شارع الرشيد وشرعت في إقامة سواتر ترابية وتمركز قناصة لقوات الاحتلال خلفها، قبل أن تتراجع إلى الشرق مئات الأمتار.
وتهدف الخطوة إلى تقييد حركة تنقل المواطنين، وفرض العزلة والحصار على مدينة غزة، التي تنفذ فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا عسكريًّا واسعًا لإحكام السيطرة عليها وتفريغها التام ممن تبقى فيها من سكان يقدر عددهم بنحو 300 ألف إنسان باتجاه الجنوب.
يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن ما ترتكبه قوات الاحتلال يندرج في إطار سياسة ممنهجة تستهدف السكان المدنيين وتهدف إلى جعل الحياة في غزة غير ممكنة، في سياق سياسة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بهدف محوهم وإفناء وجودهم.
ويطالب المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم واتخاذ إجراءات فورية تشمل: فرض حماية فورية للمدنيين، فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الطبية والغذائية، إيقاف استخدام الأساليب والأسلحة التي تستهدف الأحياء المدنية وإلزام إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان قطاع غزة.