في الوقت الذي تكثف قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومها العسكري عبر الجو والبر والبحر على مدينة غزة لتدمير المدينة ومنظومتها الصحية وتهجير سكانها قسرًا إلى جنوب وادي غزة، فإنها تستبيح هذه المنطقة أيضًا وتستهدفها بالقصف الجوي وارتكاب جرائم القتل الجماعي؛ في ترسيخ لحقيقة أنه لا يوجد أي مكان آمن في قطاع غزة، ما يؤكد الادعاءات الإسرائيلية بشأن وجود “مناطق آمنة” أو “إنسانية”.
ووفق المعلومات التي جمعها طاقم المركز، فإن قوات الاحتلال كثفت من استخدام الروبوتات المفخخة بأطنان المتفجرات وسط الأحياء السكنية في الأحياء الجنوبية والشرقية والشمالية لمدينة غزة، مع تواصل القصف الجوي الذي يستهدف المنازل ومراكز الإيواء في جميع أنحاء مدينة غزة، مع إصدار أوامر تهجير متكررة يوميا تطالب السكان والنازحين بالانتقال إلى جنوب وادي غزة.
وشهدت الساعات الأخيرة توسيع قوات الاحتلال هجومها البري في عدة محاور من المدينة، إذ وصلت آليات الاحتلال صباح اليوم إلى بعد نحو كيلو متر من مجمع الشفاء الطبي من الناحية الشمالية، فيما تتمركز دبابات الاحتلال في محيط جامعة القدس المفتوحة في حي النصر، إلى جانب التمركز في أجزاء من حي الشيخ رضوان، فيما وصلت آليات الاحتلال أمس إلى محيط الجامعات في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة، رافق ذلك قصف جوي ومدفعي وإطلاق نار كثيف من آليات الاحتلال.
كما تسبب عدوان الاحتلال بخروج مستشفى الرنتيسي للأطفال ومستشفى العيون عن الخدمة، بالإضافة إلى تدمير مركز صحي الاغاثة الطبية في مدينة غزة، وفق ما أعلنت وزارة الصحة أمس الاثنين، في امتداد لنمط إسرائيلي متكرر يعمل على تدمير المنظومة الصحية وتعطيل جهود الاستجابة الإنسانية للضغط على من تبقى من سكان ونازحين وهم بمئات الآلاف على مغادرة المدينة قصرًا.
ومنذ يوم الثلاثاء الماضي حتى ما بعد ظهر اليوم قتلت قوات الاحتلال 561 مواطنًا في غاراتها وقصفها على قطاع غزة، منهم 446 من مدينة غزة، بما يعادل نحو 85 % من إجمالي عدد القتلى.
وضمن ما وثقه باحثونا في اليومين الماضيين، هجوم طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 01:15 من يوم الأحد الموافق 21/09/2025 على مربع سكني في حي الصبرة، جنوب شرق مدينة غزة، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من المواطنين تحت أنقاض منازلهم. وقد تمكنت طواقم الدفاع المدني من انتشال جثامين 23 مواطنًا، أغلبهم من عائلة دغمش منهم 6 سيدات و11 طفلا، (يحتفظ المركز بأسمائهم) ولا يزال تحت الأنقاض ما لا يقل عن 40 آخرين.
وقصفت طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 03:30 من فجر اليوم نفسه، خيمة تؤوي نازحين في منطقة اليرموك وسط مدينة غزة، ما أدى إلى مقتل 4 مواطنين من عائلة أبو عمشة منهم 3 أشقاء منهم فتاة، إضافة إلى طفل.
كما هاجمت طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 08:30 من اليوم نفسه، منزل عائلة الدكتور محمد أبو سلمية مدير عام مجمع الشفاء الطبي في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وهو معتقل سابق تعرض لتحريض إسرائيلي متكرر. أسفر القصف عن مقتل 4 مواطنين، هم شقيقه وزوجته وطفليهما.
ورغم أن قوات الاحتلال كررت أوامر التهجير القسري للسكان وطالبتهم بالتوجه إلى جنوب وادي غزة، إلاّ أن هذه المنطقة بقيت عرضة للاستهداف بالقصف الجوي والمدفعي.
وضمن ما وثقته طواقمنا، مهاجمة طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 08:50 من يوم الاثنين الموافق 22/9/2025، خيمة نازحين، غرب منطقة السوارحة جنوب غرب مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى، ما أدى لمقتل المواطن شكري محمد كامل عياش، 42عاما، وإصابة اثنين آخرين بجراح متفاوتة.
وهاجمت طائرة مسيّرة إسرائيلية عند حوالي الساعة 14:45 من يوم الأحد الموافق 21/9/2025، تجمعا للمواطنين أمام المركز الصحي التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” في مخيم البريج بالمحافظة الوسطى، ما أدى إلى مقتل 8 مواطنين، من بينهم 3 أطفال و3 سيدات، بالإضافة إلى إصابة 22 مواطنًا آخرين بجراح متفاوتة.
كما هاجمت طائرات الاحتلال عند حوالي الساعة 18:05 من يوم السبت الموافق 20/9/2025، تجمعًا للمواطنين جنوب غربي مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مواطنين وإصابة خمسة آخرين بجراح متفاوتة.
هذه الجرائم تأتي في سياق نمط ونهج إسرائيلي يتمثل في استباحة واستهداف المدنيين والمرافق المدنية، بما فيها المستشفيات والمراكز الصحية ومخيمات النزوح، في خرق صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني.
يأتي ذلك في وقت تتعاظم فيه مأساة مئات آلاف المواطنين الذين باتوا في الشوارع بلا مأوى، ويواجه عشرات الآلاف صعوبات في النزوح لعدم توفر إمكانات لديهم للانتقال للجنوب فضلا عن عدم وجود أماكن تتسع للنازحين في منطقة المواصي.
وأفاد نازحون وضمنهم عاملون في طاقم المركز إلى مناطق شرقي مدينة حمد في خانيونس وهي منطقة حددها الجيش الإسرائيلي منطقة إنسانية أنها تتعرض لقصف مدفعي وإطلاق نار يومي متكرر من الجيش الإسرائيلي ما يجعل من المستحيل الإقامة فيها.
ولا تزال طواقمنا الميدانية تواجه صعوبات كبيرة في التوثيق الميداني نتيجة خطورة الأوضاع واستمرار النزوح الجماعي للسكان والقصف الإسرائيلي المكثف الذي يستهدف جميع الأحياء.
يجدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تحذيره من استمرار جرائم القتل الجماعي وعمليات التدمير الممنهجة والاستباحة التي تستهدف المدنيين في مدينة غزة، في تعبير صارخ عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، والسعي لمحو وجودهم المادي والمعنوي.
ويطالب المركز المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف هذا الهجوم العسكري ومنع دولة الاحتلال من المضي في تدمير ما تبقى من مدينة تاريخية تضم مئات المعالم التاريخية والحضارية، ولا تزال مأهولة بمئات آلاف السكان والنازحين.
ونطالب المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم واتخاذ إجراءات فورية تشمل: فرض حماية فورية للمدنيين، فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الطبية والغذائية، إيقاف استخدام الأساليب والأسلحة التي تستهدف الأحياء المدنية وإلزام إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان قطاع غزة.